مكان تنفيذ إجراء القبض بين حكم العرف ونصوص التشريع

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

يخلو كل من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة وقانون الإجراءات الجنائية المصري من النص صراحة على مدى جواز تنفيذ أوامر القبض داخل المنشآت الإصلاحية والعقابية، كذلك يخلو قانون المنشآت الإصلاحية من النص على الأشخاص المقبوض عليهم ضمن فئات المسجونين (المادة 16 من القانون الاتحادي رقم 43 لسنة 1992 في شأن المنشآت العقابية).

وقد جرت العادة على أن يتم احتجاز المتهم في قسم الشرطة. ولهذا السلوك ما يبرره باعتبار أن القبض هو أحد إجراءات التحقيق. والفرض في هذا الإجراء أن يكون الشخص المقبوض عليه تحت تصرف سلطة القبض. فالقبض على المتهم – كما يعرفه أحد الفقهاء – هو حجزه فترة من الوقت، لمنعه من الفرار وتمهيدا لسماع أقواله بمعرفة الجهة المختصة (الدكتور رءوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1425 هـ ـ 2005 م، ص 329). ولما كان إجراء القبض مخولاً لمأمور الضبط القضائي في حالات معينة، ومتى توافرت الشروط المنصوص عليها قانوناً، يغدو من الطبيعي أن يتم احتجاز الشخص في المكان الذي يعمل فيه عادة مأمور الضبط، وهو قسم الشرطة. يضاف إلى ذلك أن أماكن السجون يتم اختيارها عادة – لأسباب أمنية – في مناطق بعيدة عن العمران، وذلك حتى لا يسهل على المسجونين الفرار من المنشأة العقابية. ومن ثم، وبالنظر لبعدها المكاني، يغدو من المتعذر إيداع الأشخاص المقبوض عليهم في هذه المنشآت. ويعني ذلك أن ثمة صعوبات عملية تحول دون إيداع المقبوض عليهم في المنشآت العقابية.

ومع ذلك، ليس ثـمة ما يمنع قانونا من احتجاز الشخص المقبوض عليه في داخل المنشآت الإصلاحية والعقابية، مع مراعاة أن يتم الفصل بينهم وبين المسجونين الآخرين. ويمكن أن يتم وضعهم واحتجازهم مع فئة المحبوسين احتياطياً. وللتدليل على صحة ما نقول، يكفي أن نشير إلى نص المادة (42) من قانون الإجراءات الجنائية المصري، والتي تخول «لكل من أعضاء النيابة العامة ورؤساءه ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية زيارة السجون العامة والمركزية الموجودة في دوائر اختصاصهم والتأكد من عدم وجود محبوس بصفة غير قانونية، ولهم أن يطلعوا على دفاتر السجن وعلى أوامر القبض والحبس وأن يأخذوا صوراً منها، …». فتخويل الأشخاص آنفي الذكر سلطة الإطلاع على دفاتر السجن وعلى «أوامر القبض» والحبس وأن يأخذوا صوراً منها، يدل بطريقة ضمنية على جواز احتجاز المقبوض عليهم في المنشآت الإصلاحية والعقابية. فليس بلازم إذن أن يتم احتجاز المقبوض عليه في قسم الشرطة. ولعل ذلك يبدو جلياً من تعريف محكمة النقض المصرية لإجراء القبض بأنه «عبارة عن مجموعة احتياطات وقتية صرف للتحقق من شخصية المتهم وإجراء التحقيق الأولي… وهي احتياطات متعلقة بحجز المتهمين ووضعهم في أي محل كان تحت تصرف البوليس لمدة بضع ساعات كافية لجمع الاستدلالات التي يمكن أن يستنتج منها لزوم توقيع الحبس الاحتياطي وصحته قانوناً» (حكم محكمة النقض المصرية، 15 يونيو 1962م، مجموعة الأحكام، س 13 ، ص 207، مشار إليه في مؤلف الدكتور رءوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1425 هـ ـ 2005 م، ص 329). فهذا التعريف لا يتضمن استلزام أن يتم احتجاز المقبوض عليه في قسم الشرطة، وإنما يجعل من الجائز «حجز المتهمين ووضعهم في أي محل كان تحت تصرف البوليس…». وإذا كنا نتفق مع هذا الحكم في عدم استلزام تنفيذ القبض داخل أقسام الشرطة، إلا أننا لا نتفق مع الإطلاق الوارد في هذا التعريف، بحيث يغدو من الجائز حجز المتهمين ووضعهم “في أي محل كان” تحت تصرف البوليس. إذ ينبغي أن يكون مكان الاحتجاز معلوماً وأن يكون هذا المكان مخصصاً لغرض الاحتجاز بطريقة معلومة للكافة. ولعل ذلك هو المستفاد من نص المادة (41) من قانون الإجراءات الجنائية المصري، والتي تحظر «حبس أي إنسان إلا في السجون المخصصة لذلك. ولا يجوز لمأموري أي سجن قبول أي إنسان فيه إلا بمقتضى أمر موقع عليه من السلطة المختصة، وألا يبقيه بعد المدة المحددة بهذا الأمر».