نظرة قانونية حول الولاية العامة في الأردن بين الملك و الحكومة

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين

وقع خبر استقالة رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة كالصاعقة على المتابع للمشهد السياسي والدستوري في الأردن ذلك بسبب توقيت الاستقالة ومبرراتها, حيث قدمها رئيس الوزراء المستقيل من خارج البلاد بسبب اعتقاده أن الولاية العامة لحكومته في إدارة شؤون الدولة الداخلية قد أصبحت في مهب الريح بعد أن تقرر تمديد الدورة البرلمانية على خلاف ما نسب به إلى جلالة الملك. فقد جاء حرد الرئيس المستقيل بعد أن اقترح على جلالة الملك فض الدورة البرلمانية العادية والدعوة إلى دورة استثنائية لإقرار مشاريع قوانين محددة في الإرادة الملكية, إلا أن جلالة الملك قد اختار أن يمارس حقه الدستوري في تمديد الدورة العادية لمدة شهرين تطبيقا لأحكام المادة (78/3) من الدستور الأردني.

لقد أخطأ الرئيس الخصاونة المستقيل عندما فسر الاختلاف في آلية إدارة مصير الدورة البرلمانية على أنه تدخل في أعمال حكومته واعتداء على ولايته العامة في إدارة شؤون الدولة, ذلك أن الملك في الدستور الأردني هو رئيس السلطة التنفيذية التي تناط به دستوريا ويتولاها بواسطة وزرائه استنادا لأحكام المادة (26) من الدستور. فحقيقة ما جرى هو مجرد خلاف بين الملك ورئيس الوزراء في التعامل مع مجلس النواب بعد انتهاء الدورة البرلمانية, حيث انه من المستقر عليه دستوريا في الأردن أنه في حال اختلاف وجهات النظر بين الملك ومجلس الوزراء فإن رأي الملك هو الذي يقدم وليس رأي رئيس الوزراء. فمن ناحية نظرية يتعين على الملك في الأردن أن يستشير مجلس الوزراء قبل اتخاذ أي قرارات بصفته رئيس السلطة التنفيذية, إلا أنه غير ملزم باتباع نصيحة وزرائه والأخذ بها. فإذا ما إذا اختلفت وجهات النظر, فإن رأي الملك هو الذي يعمل به ويكون على الحكومة أن تنفذ رغبته وأن تستجيب لها على اعتبار أنها لم تأت إلى دفة الحكم بناء على تمتعها بأغلبية برلمانية, بل بناء على عطف وثقة الملك, لذا فهي ملزمة أدبيا أن تقوم بتنفيذ رغبات الملك وإلا كان مصيرها الإقالة.

ولا مجال للحديث عن إلزام الملك بالأخذ بنصيحة رئيس الوزراء والوزراء تحت طائلة الاستقالة من الحكومة كما يحدث في بريطانيا ذلك بسبب اختلاف آلية تشكيل الحكومات في البلدين. فما زال تعيين رئيس الوزراء في الأردن وإقالته من الصلاحيات المطلقة للملك, حيث لا توجد أية أعراف أو تقاليد برلمانية تقضي بعدم إقالة الحكومة وإن كانت تتمتع بثقة مجلس النواب, والسبب في ذلك هو أن رئيس الوزراء في الأردن لا يعين لأنه يمثل حزبا سياسيا يتمتع بثقة مجلس النواب. فلو كان الأمر كذلك لما جازت إقالة الحكومة ولكان الملك ملزما بأخذ نصيحة رئيس الوزراء لأن الحكومة التي ستليها لن تحوز على ثقة مجلس النواب.

لذا فقد كان الأحرى برئيس الوزراء المستقيل أن يعي حقيقة أن النظام الدستوري الأردني يختلف عن نظيره البريطاني في أن تبعية رئيس الوزراء في الأردن هي للملك وليس لمجلس النواب وأن لا يتعامل مع الموضوع على أساس شخصي, ذلك على الأقل إلى حين الانتقال إلى مرحلة متقدمة من الديمقراطية النيابية والمتمثلة في اختيار رئيس الوزراء من خلال صناديق الاقتراع, فيكون عندها للرئيس الخصاونة الحق في تقديم استقالته الخطية بسبب عدم اتباع الملك لنصيحته في التعامل مع مجلس النواب.