أركان القرار الإداري و صحته

المحامية / منال داود العكيدي
يلزم لقيام القرار الإداري وصحته على الأقل توفر خمسة أركان أو عناصر متصلة هي : السبب الاختصاص، الشكل، المحل، الغاية، حيث يعتبر عنصر الاختصاص والشكل من الأركان الخارجية، أي المتصلة بالجانب الخارجي للقرار، فيما يعد كل من السبب والمحل والغاية من الأركان الداخلية المرتبطة بجوهر القرار الإداري ، ويعتبر الشكل والاختصاص الذي يتم وفقه التعبير عن إرادة الإدارة من العناصر الأساسية المتعلقة بأركان القرار الخارجية، وفيهما تتم ترجمة مشروعية القرار الخارجية.

تقوم فكرة الاختصاص على أساس صدور القرار الإداري من الشخص المتخصص قانونيا بإصداره لا من أي شخص آخر، وذلك طبقا لمبدأ التخصص ، وعلى ذلك فإن القانون يعترف باختصاصات معينة لبعض الأشخاص في بعض الأماكن ولفترة محددة وهذا التحديد في صالح الإدارة والعمل الإداري، وهو أيضا لخير الأفراد، فتخصص رجل الإدارة في عمل معين يزيد من كفاءته فيما يخصص له ويحدد المسؤولية داخل الإدارة كما يساعد على توجيه المواطنين إليه لأداء أعمالهم ويجنبهم التعسفات الناشئة من تركز السلطات في أيدي القلة ،

ويمكن تحديد فكرة الاختصاص بعدة عناصر هي :عنصر شخصي يتعلق بتحديد أعضاء الإدارة، الذين يتخصصون بإصدار القرارات الإدارية المختلفة ، وعنصر زماني يتعلق بزمان إصدار القرارات الإدارية وزمان سرياتنا ، وعنصر مكاني يتعلق بالنطاق الإقليمي الذي تنطبق فيه القرارات الإدارية.
ويقصد بالعنصر الشخصي في تحديد الاختصاص هو أن يتم تحديد الاختصاص بقانون أو بناء على قانون، وعلى العضو الإداري المنوط به إصدار القرار الإداري أن يلتزم حدود الاختصاص المرسوم، والغالب أن ينص القانون صراحة على عضو الإدارة الذي يملك ممارسة الاختصاص، ولكنه أحيانا ينظم بعض الاختصاصات ويعهد بها إلى إدارة معينة، فيكون ممثل هذه الإدارة أو رئيسها هو المتخصص بإصدار القرارات التي تدخل في تلك الاختصاصات . وإذا كان من الواجب على كل سلطة إدارية أن تمارس الاختصاص للمسند إليها فإن هذا المبدأ ينبغي مع ذلك أن يترك المجال أمام الضروريات العملية التي تسمح لبعض السلطات بالتخلي عن جزء من المهمات الموكول إليها أمر الاضطلاع بها وذلك عن طريق التفويض ، والتفويض نوعان تفويض الاختصاص وتفويض الإمضاء . وتجدر الإشارة الى أن الاختصاص يعتبر من الشروط الجوهرية لصحة القرارات وإذا تخالف هذا الشرط يعتبر القرار باطلا ، وفي جميع الأحوال فإن عيب عدم الاختصاص يعتبر من العيوب المتعلقة بالنظام العام لكل ما يترتب على هذا التعلق من نتائج، وخاصة من حيث جواز الدفع به في أية مرحلة كانت عليه الدعوى، أو من حيث جواز إثارته تلقائيا من طرف المحكمة . اما العنصر الزمني في تحديد الاختصاص فيقصد به ان السلطة الإدارية لايمكن أن تتخذ قراراً الإ خلال المدة التي تزاول فيها عملها الشيء الذي يمنع معه على سبيل المثال اتخاذ قرارات سابقة لأوانها أو قرارات ذات أثر رجعي أو خلال انتهاء مدة مهماتها، لكنه في بعض المجالات يعتبر انقضاء المدة القانونية غير مؤد لزوال الاختصاص بصفة نهائية.

وهذا ما يمكن حدوثه أثناء استقالة الحكومة أو إقالتها بحيث تظل هذه الأخيرة تزاول صلاحيتها ومهماتها العادية والمستعجلة ريثما تتألف حكومة جديدة تستند إليها مأمورية تسيير شؤون الدولة. ويقصد بالعنصر المكاني في تحديد الاختصاص أن السلطات الإدارية يجب ان تمارس اختصاصاتها في رقعة جغرافية محددة وهكذا نجد أن السلطات الحكومية تتمتع باختصاص على الصعيد الوطني بينما نجد أخرى كالعمال ورؤساء المصالح الخارجية تمارس اختصاصها في دائرة محدودة ويترتب عن تجاوز السلطة الإدارية، الرقعة الترابية المحددة لها بحكم القانون لممارسة اختصاصاتها بطلان قراراتها . اما الركن الثاني الذي يقوم عليه القرار الاداري فهو الشكل فاذا كان القرار الإداري هو تعبير عن إرادة الإدارة الملزمة بقصد إحداث أثر قانوني معين ، فإن ذلك يجب أن يتم بالشكل الذي يتطلبه القانون.

وتحدد الشكليات بالنصوص التشريعية والتنظيمية ويسهم القضاء بدوره في وضعها مستلزما المبادئ العامة للقانون ، وتتمتع الإدارة بسلطة تقديرية في اختيار الشكل المناسب لقراراتها الإدارية فتكون مكتوبة أو شفوية. ماعدا في الحالات التي ينص فيها القانون على ضرورة إصدار بعض أنواع القرارات بشكل معين. كوجوب تعليل القرارات كما هو الشأن بالنسبة لبعض العقوبات الإدارية في حق الموظفين والتي لا يمكن اتخاذها من طرف الدولة إلا بعد استشارة اللجنة التأديبية ، وفي مثل هذه الأحوال فإن إغفال الشكل الذي يتطلبه القانون يؤدي إلى وصم القرار يعيب الشكل وإمكان الطعن فيه وإبطاله .

وتتمثل الأركان الداخلية لضمان شرعية القرار الإداري في السبب والمحل والغاية، وهي عناصر تظهر فيها السلطة التقديرية على خلاف الأركان الخارجية التي تكون في الغالب مقيدة ولا مجال للتقدير فيها ، فالسبب يعرف بأنه : حالة واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل الإدارة ومستقلة عن إدارته، تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قرارا ما وهذه الحالة الواقعية هي التي تجبر الإدارة عن اتخاذ قرارها والسبب يأخذ أحد المظهرين التاليين : إما أن يكون عملا ماديا، مثلا فيضان أو زلزال مهدد للنظام العام مما يستوجب تدخل الإدارة متخذة الإجراءات الضرورية لمنع انتشار الأمراض المعدية في حالة الكوارث الطبيعية وطبقا للسلطة التقديرية الواسعة الإدارة، وإما أن يكون عملا قانونيا مثل تأديب موظف عمومي . واشتراط السبب لكل عمل إداري قاعدة منطقية. وتمثل قيدا مهما على الإدارة وضمانة مهمة لحماية الأفراد من تعسفات الإدارة، وبعدمه يعتبر تصرفها خاطئا في تطبيق القانون على الوقائع بعيب السبب وهو عمل غير مشروع يمكن الطعن فيه بدعوى الإلغاء . ويتمثل الركن الثاني من الاركان الادارية للقرار الاداري في المحل وهو موضوع القرار وهو الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالا ومباشرة ويكون ذلك بالتغيير في المركز القانوني، سواء بالإنشاء ام بالتعديل ام الإلغاء ، وهكذا فمحل القرار هو جوهره بل أن الأركان الأخرى تعد فقط أركانا مساعدة أو معاونة لكي يخرج المحل إلى حيز الوجود في صورته القانونية السليمة.

ويشترط في المحل أن يكون متعينا أي يكون المحل قابلا للتعيين مادام قد تضمن كل العناصر اللازمة لتحديده كما يشترط أن يكون المحل ممكنا حيث ينبغي أن يكون تحقيق المحل في مقدور الإدارة، كما يشترط أن يكون الأثر القانوني للقرار الإداري جائزا وقانونيا بحيث أن يحترم التدرج العام للقواعد القانونية من حيث سموها الواحدة تلو الأخرى فإذا صدر قرار إداري لا يراعي تلك القواعد اعتبر باطلا أي أن المحل لا يقابله شرط ، لا يترتب عليه في غالب الأحيان انعدام القرار بل عدم مشروعيته . والركن الاخير في القرار الاداري هو الغاية او الهدف النهائي الذي يستهدف مصدر القرار الإداري تحقيقه من إصدار القرار وعليه وعلى سبيل المثال تكون غاية القرار الإداري التي تتخذها السلطات المشرفة على المرافق العامة إشباع الحاجيات، وتقديم خدمات تحقيقا للمصلحة العامة، فإذا استهدفت تحقيقاً ذاتياً، أو مصلحة خاصة يصبح عملها اعتداء ماديا قابلا للإلغاء أمام القضاء الإداري.