بحث قانوني ودراسة عن مسطرة الشقاق على ضوء مدونة الاسرة و من خلال العمل القضائي

ان الاهتمام الكبير بشؤون الأسرة وتنظيم أدق جزئياتها وتفاصيلها شكل عبر عقود من الزمن مجالا خصبا للنقاش وتبادل الرؤى وتجاذبته مختلف مكونات المجتمع المغربي ، والنتيجة الحتمية لهذا الاهتمام تجسد في التغييرات الــتي عرفتها مدونة الأسرة بحيث تعد بحق حدث تاريخي هام في المنظومة القانونية المغربية تكرس الحماية القانونية والقضائية لمؤسسة الأسرة المغربية الخلية الأولى للمجتمع مؤسسة على مبادئ العدل والإنصاف والمساواة في إطار التفاعل واستيعاب التحولات المستجدة الـــتي تطرأ على المجتمع المغربي.

وهكذا يمكن القول بأن مدونة الأسرة تسعى جاهدة إلى لم شتات الأسرة في قالب متضامن ومتآزر بمعنى آخر أنها تعمل في إطار الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك والتشرذم ، وذلك يتضح جليا من خلال تكريس مبدأ المراقبة القضائية على إنهاء العلاقة الزوجية في جميع مظاهرها وكذلك عن طريق تفعيل آليات مسطرة الصلح في جل مراحل العلاقة الزوجية وقبل فك عصمتها وما يترتب عن ذلك من آثار سواء تعلق بالأسرة المعنية أو بالمجتمع ككل .

وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة الزواج في الإسلام تعد من بين أسمى المؤسسات ، ولهذا يعتبر عقد الزواج من أقدس العقود الــتي تربط بين الرجل والمرأة على وجه البقاء غايته الإحصان والعفاف والمحافظة على النسل وإنشاء أسرة مستقرة إذ بواسطته يحصن المجتمع من الأمراض الفتاكة ومن الانحلال الخلقي ، واعتبرته المدونة في المادة الرابعة بأنه ” ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة² كما نوه القرآن الكريم بهذا الميثاق والرباط المتين في قوله تعالي ” والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ³” وقوله عز وجل أيضا ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة4 ” كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ” وقال أيضا ” لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم ” وأمر الرسول الكريم بحسن معاشرة الزوجة لزوجها لما في ذلك من فضل وثواب عظيمين عند الله وفي ذلك قال : ” أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة ” فمن خلال هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة يتضح جليا أن مفهوم الإسلام للزواج قائم على علاقات مودة ورحمة وتآزر إلا أن هذه الرابطة قد تتعرض إلى ما يكدر صفوها ويلحقها الفتور أو تعرف خلافات تعصف بهناء الحياة الزوجية ويحل التنافر بدل الانسجام والوئام والكراهية بدل المحبة والألفة والقسوة بدل الرحمة والعطف ، فتصبح بذلك الحياة بين الزوجين جحيما لا يطاق ويستحكم الشقاق ويتعذر الإصلاح فلا مناص من الانفصال بالرغم من كونه من أبغض الحلال عند الله لقوله صلى الله عليه وسلم ” أبغض الحلال عند اله الطلاق ” ويعد أيضا آفة اجتماعية لما ينتج من آثار سلبية غير أنه قد يصبح راحة لزوجين
حين تصبح حياتهما جحيما ونقمة وان المضي قدما في هذه الحيازة يشكل مفسدة محضة نتيجة كثرة الخلافات وتشعبها واستمرارها وهو ما يصطلح عنه بالشقاق .

ويعتبر التطليق للشقاق من بين أهم مستجد جاءت به مدونة الأسرة ، وهكذا فان أي نزاع يخاف منه الشقاق ولو تعلق بالإخلال بالحقوق والواجبات المتبادلة يخول اللجوء للقضاء وأصبحت مسطرة الشقاق بمثابة الملاذ للزوجة إذا لم تفلح في إثبات الضرر في دعوى التطليق هذه المسطرة الـــتي لن تكلفها كبير عناء اذ بمجرد عدم فلاح الحكمين في الإصلاح وإصرارها على طلبها تطلقها المحكمة¹ ، وان هذه المسطرة يمكن لأحد الزوجين أو هما معا اللجوء إليها والاستفادة من إجراءاتها ، فما المقصود بالشقاق ومدلولاته؟ وما هي الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى مسطرة الشقاق من خلال بنود مدونة الأسرة ؟ وما هي الكيفية التي تتم بها هذه المسطرة ؟ وكيف تعامل معها الاجتهاد القضائي المغربي ؟ وما هي وضعية مسطرة الشقاق من خلال قضاء الأسرة بالناظور كنموذج ؟هذه التساؤلات وأخرى سنحاول الإحاطة بها بالدرس والتحليل من خلال هذا العرض المتواضع والذي يتناول موضوع جد حساس يغري بالبحث والنقاش قصد الوقوف على كنه هذه المسطرة والغاية التي توخاها المشرع من النص عليها في الفصول 94 و 95 و 96 و 97 من مدونة الأسرة وأحال عليها في فصول أخرى في الكتاب الثاني عن هذه المدونة .

وستكون خطة البحث على الشكل الآتي :
المبحث الأول :
مدلول الشقاق وحالاته في إطار مدونة الأسرة
المطلب الأول : مدلول الشقاق .
المطلب الثاني : حالات اللجوء إلى مسطرة الشقاق في إطار المدونة
المبحث الثاني :
مسطـــرة الشقــــاق
المطلب الأول :المسطرة القضائية
المطلب الثاني :المسطرة غير القضائية
المبحث الثالث :
مسطرة الشقاق من خلال العمل القضائي المغربي
المطلب الأول :رصد لأهم الاجتهادات القضائية بشأن التطليق للشقاق .
المطلب الثاني :وضعية مسطرة الشقاق من خلال قضاء الأسرة بالناظور كنموذج .

المبحث الأول :
مدلول الشقاق وحالاته في إطار مدونة الأسرة

المطلب الأول :مدلول الشقاق .

الشقاق لغة من شق يشق يقال شاقه خالفه وعاداه وفي القرآن الكريم ” ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب ” واصطلاحا هو النزاع الشديد بسبب الطعن في الكرامة وكيفما تنوعت التعاريف والمصطلحات وتعدد ت فإن كل ما ينشأ بين الزوجين من خلاف ونزاع وارتفاع إحداهما عن الآخر مما ينغص الحياة الزوجية ويحول دون السير العادي لها وفقا للمبادئ والأسس الشرعيـة المستمدة من الكتـاب والسنـة ، وهذا ما يعبـر عنـه بالشقاق¹ والذي نصت عليه مدونة الأسرة في المادة 94 ، “إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لإصلاح ذات البين طبقا لأحكام المادة 82 ” .وعرفه ابن منظور في لسان العرب بأنه : غلبة العداوة والخلاف ، شاقة مشاقة وشقاقا خالفه .

المطلب الثاني : حالات اللجوء إلى مسطرة الشقاق في إطار المدونة

لقد نصت المدونة في العديد من بنودها على حالات معينة يمكن فيها اللجوء إلى مسطرة الشقاق وبذلك فان الأمر لا يقتصر فقط على المادة 94 وما بعدها والــتي سوف تكون محل الدراسة في المبحث الثاني ، وإنما يمكن اللجوء إلى مسطرة الشقاق ، إما تلقائيا من طرف المحكمة أو بناء على طلب أحد الزوجين وفقا للحالات الآتية :

1 – إذا ثبت للمحكمة أثناء طلب التعدد ، تعذر استمرار العلاقة الزوجية ، وفشلت في محاولة إجراء صلح بينهما ، وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها بالمطالبة بتطليقها ، فعليها أن تحرر محضرا بذلك ، وتنتقل إلى البت في طلب التطليق ، وذلك بتحديد كافة مستحقات الزوجة المراد التزوج عليها وأولادها وتأمر الزوج طالب التعدد بإيداعه بصندوق المحكمة داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام فان تم الإيداع داخل الأجل المحدد ، أصدرت المحكمة حكما بالتطليق غير قابل للطعن في شقه القاضي بانهاء العلاقة الزوجية باعتباره طلاقا بائنا ، أما ما يتعلق بالمستحقات فانه قابل للطعن بالاستئناف وفي هذه الحالة فإن طلب التعدد لم يعدله أي موضوع ، وإذا لم يضع الزوج طالب التعدد المبلغ المحدد داخل الأجل فذلك يعد تراجعا منه عن طلبه وعلى المحكمة أ،ن ترفض طلبه .

وإذا ما أصر الزوج التمسك بطلبه الهادف إلى الإذن له بالتعدد ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطالب بتطليقها طبقت المحكمة من تلقاء نفسها مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 ²وذلك انسجاما مع مقتضيات المادة 45 من مدونة الأسرة .

2 – ان إخلال أحد طرفي العلاقة الزوجية بالحقوق والواجبات المتبادلة بينهما والمنصوص عليها في المادة 51 من مدونة الأسرة يشكل خرقا صريحا للقانون لذا فالمشرع أعطى للمتضرر من ذلك اللجوء إلى القضاء لإلزام المخل بالتنفيذ العيني متى كان ممكنا ، وإذا ما أصر على الامتناع وبشكل متعمد ، فإنه يمكن للزوج الآخر المتضرر طلب التطليق طبق مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94 وما بعدها .

3 – في طلب التطليق للضرر حينما يتعذر على الزوجة إثبات الضرر وإصرارها على طلب التطليق وفقا لمقتضيات المادة 100 من مدونة الأسرة فإنها في هذه الحالة يمكن للزوجة تقديم طلب إلى المحكمة برمي إلى حل نزاعها مع زوجها على أساس الشقاق دون حاجة إلى فتح ملف جديد في الموضوع .

4 – في حالة إصرار الزوجة على طلب الخلع وعدم استجابة الزوج لذلك فإنه يمكن للمحكمة البت في الطلب على أساس الشقاق دون حاجة إلى فتح ملف جديد في الموضوع انسجاما مع مقتضيات المادة 120 من مدونة الأسرة .

5 – ان للزوج قبل انتهاء العدة أن يراجع زوجته المطلقة رجعيا ، ولكي يتسنى للقاضي القيام بالمهمة المنوطة به يتعين على العدلين إشعار القاضي بذلك فور تلقي الإشهاد ، وعلى القاضي المكلف بالتوثيق الاستماع للزوجة فيما تدلي به من ملاحظات ، فإذا رفضت بعد محاولة الإصلاح الرجوع إلى بيت الزوجية لم تجبر على ذلك ، وانما لها ان تسلك مسطرة الشقاق .

المبحث الثاني :
مسطـــرة الشقــــاق

1 – ان الغاية الــتي توخاها المشرع من إدراج مسطرة الشقاق في مدونة الأسرة كأحد الأسباب الموجبة للتطليق من خلال مقتضيات المادة 94 ليس توسيع نطاق دائرة التطليق ولا إيجاد وسيلة سهلة لفك رباط الزوجية اختصار ا للوقت وتفاديا لصعوبة الإجراءات بسلوك نهج آخر قد لا يفضي إلى نتيجة إيجابية ، وانما هي بمثابة اجراء وقائي متدرج يهدف الى حل نزاع بسيط قد يؤدي التغاضي عنه وإهماله إلى تعميق الهوة والفرقة بين الزوجين ودمار الأسرة كلها حينما يصير الشقاق مستحكم وموسوم بالبغض والحنق ، وبذلك يصبح نقيض الوفاق والتآزر بين الزوجين لحماية صرح الأسرة من التصدع والانهيار .

المطلب الأول : المسطرة القضائية

ان هذه المسطرة تبتدئ بمجرد تقديم طلب إلى كتابة الضبط ، مؤشر عليه سواء قدم من طرف الزوجة أو الزوج أو منهما معا إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد في نطاق دائرة نفوذها الترابية بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو الـــتي أبرم فيها عقد الزواج ، وذلك وفقا لأحكام مدونة الأسرة ، ويجب أن يتضمن الطلب اسم كل من الزوجة والزوج وعنوانهما الكامل مع الإشارة ولو بشكل موجز إلى موضوع الطلب وذكر أسباب الشقاق والتركيز في الملتمس على الغاية من تقديم الطلب هل تمكن في حل نزاع يخاف منه الشقاق وانئد يكون الطلب وقائي يحاول معالجة ما كدر الحياة الزوجية وإرجاع الصفاء إلى جوهرها أم يهدف إلى الفرقة وتحديد المسؤولية وإنهاء العلاقة الزوجية بصفة نهائية .

والمسطرة تكون شفوية ولا مانع من الإدلاء بمذكرة كتابية تضم للملف وتعرض على الطرف الآخر لإبداء وجهة نظره فيها ، ويحوز تقديم الطلب دون الاستعانة بمحام .

وانه بمجرد تقديم الطلب فانه يشرع في تجهيز القضية للبت فيها وذلك باستدعاء الزوجين إلى جلسة يعين تاريخها قصد إجراء محاولة الصلح ويتم الاستدعاء وفقا لمقتضيات الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية .

وبعد التوصل بالاستدعاء وطبقا للقانون يتم الاستماع للطرفين بغرفة المشورة ، وآنئذ تقوم المحكمة بجميع المحاولات الهادفة إلى تقريب وجهة نظر الزوجين وتذويب أسباب الخلاف والاختلاف إنهاء للنزاع القائم بينهما ، وإذا ما تبين من خلال المناقشة أن المصلحة تقتضي تأخير القضية لجلسة أخرى إما تلقائيا أو بناء على طلب أحد الزوجين أو هما معا ، فانه يجوز تأخيرها مع إشعار الطرفين ودفاعهما بتاريخ الجلسة الموالية .

وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمحكمة أن تؤجل القضية لاستدعاء من ترى فيه فائدة للاستماع إليه وذلك مراعاة أجل الستة أشهر الـــتي يتعين الفصل خلالها في دعوى الشقاق وفقا للمادة 97 من مدونة الأسرة ، وأنه حينما تثمر العلاقة الزوجية أبناء فإن المحكمة ملزمة للقيام بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما انسجاما مع مقتضيات المادة 82 من المدونة في فقرتها الثانية ، وإذا ما تم التوصل إلى الصلح أصـدرت المحكمـة حكمــا يثبت الانفاق المتوصل إليه منهيا النزاع وينفذ بقوة القانون ولا يقبل أي طعن .

وإذا لم تتوصل المحكمة إلى إنهاء النزاع وديا وإحقاق الصلح ورفع أسباب الشقاق ، فانها تعمل على تعميق البحث بالقاء أسئلة هادفة للوصول إلى فهم حقيقة النزاع من كل جوانبه وبتفاصيله الدقيقة لتحديد مسؤولية كل طرف في حدوث الشقاق واستمراره والباعث إليه لما يترتب عن ذلك من أثار عند الحكم بالتطليق ، وهكذا فإذا فشلت محاولة الإصلاح بين الزوجين فيتعين أن تحدد المحكمة قبل الإذن بتوثيق الطلاق ، وبناء على ما اقتنعت به المستحقات المادية وغيرها للزوجة وكذلك للأطفال إذا وجدوا .

وفي هذا المجال لابد من التساؤل عن دور النيابة العامة في تفعيل مسطرة الشقاق ، فتكريسا لمبدأ العدل والإنصاف فإن المشرع المغربي قد أعطى للنيابة العامة دورا أساسيا وأصليا بمقتضى المادة الثالثة من مدونة الأسرة ، فما هي صلاحياتها حينما تسوء العلاقة بين الزوجين ويشتد الخلاف بينهما ؟ ففي حالة الخائف المستديم والمفضي إلى إخراج أحد الزوجين للآخر بيت الزوجية متى علمت بواقعة الطرد ، ولها أن تستعين في ذلك بالشرطة القضائية تحت إشرافها على أن تراعى في كل البوادر أو التحركات مصلحة الأسرة وأن يتم التسرع في اتخاذ إجراءات قد تزيد في توتر العلاقة ، وتكون لها انعكاسات سيئة ، وبالتالي فالنيابة العامة يجب أن تتدخل بحكمة وتعقل .

غير أن ما يعاب على المادة 53 من المدونة إيرادها لعبارة ” دون مبرر ” حسب النص ” اذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا ” وهو ما قد يضع أشكال وعقبة في وجه النيابة العامة لأن بمفهوم المخالفة للنص أنه بمجرد وجود المبرر لا يمكن للنيابة العامة أن تتدخل لإرجاع المطرود ، لكنه في غالب الأحوال فان للنيابة العامة السلطة التقديرية في هذا الصدد ولها من الوسائل المتاحة لاتخاذ الإجراء الملائم والمناسب متى عرضت عليها مثل هذه الواقعة .

وللنيابة العامة دور جد هام أثناء المرحلة القضائية في دعوى إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق أو التطليق سيما في مسطرة الصلح التــي تتطلب الحضور الشخصي للزوجين ، ففي الحالة المنصوص عليها في الفصل 81 من مدونة الأسرة فإن عدم حضور الزوجة لجلسة الصلح رغم توصلها وعدم تقديمها لملاحظات مكتوبة يوجب على المحكمة إعادة إخطارها عن طريق النيابة العامة وإشعارها بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف هذا إذا كان عنوانها معروف ، وإذا تبين بأن العنوان مجهول فان المحكمة تستعين بالنيابة العامة قصد البحث عنها والوصول إلى الحقيقة ، وإذا ثبت تحايل الزوج في الإدلاء بعنوان مفتعل فانه يتعين تفعيل مقتضيات المادة 361 من القانون الجنائي .

المطلب الثاني : المسطرة غير القضائية

ان المشرع المغربي لم يحدد اللجوء إلى مؤسسة من مؤسسات الصلح بعينها دون الأخرى ، ولم يرتب أفضلية في ذلك وإنما أعطى للقضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون أي قيد أو شرط وتوسع في ذلك إلى أبعد الحدود وفتح المجال لكل من يراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وترك عملية الصلح ورأب الصدع عامة وفضفاضة بالمادة 113 من المدونة والغاية من ذلك منح القضاء الحرية التامة ، فالغرض والهدف محمود يتمثل في الإصلاح وإنقاذ الأسرة وهكذا نصت المادة 82 الفقرة الثانية ” للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتذاب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا فاصلاح ذات البين ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما “”.

أولا : الحكمـــــان
عندما يتعذر على المحكمة الإحاطة بكل أسباب الشقاق وتحديد المسؤول عنه وبقي الأمر يلفه الغموض والإبهام ويلوح في الأفق انه بالإمكان التوصل إلى حل النزاع بشكل ودي ، فيعو د للمحكمة صلاحية انتداب حكمين لتقصي الحقائق وتجديد محاولة الصلح لإنهاء الشقاق أو إلى مجلس العائلة أو أي شخص مشهود له بالكفاءة والصلاح طبقا للمادة 82 من مدونة الأسرة .
ولعل الحكمة المقصودة من اشتراط الحكمين واستحضارهما في غرفة المشورة هو أن لا يتأثر أحد الزوجين بادعاء مجرد لما يشكل عنصرا هداما لعلاقتهما وموجبا للشقاق ، سيما إذا كان من الأمور الخفية الباطنية وموكول لأمانتهما فقط ، وإنما في استدعاء حكمين يرتضيانه معا بحكم الاطلاع والمخالطة أو المجاورة ، بحيث يجتمعان في هدوء بعيدين عن الانفعالات النفسية والرواسب الشعورية والملابسات المعيشية التي كدرت صفو العلاقة بين الزوجين طليقين من كل المؤثرات الـــتي من شأنها أن تفسد جو الحياة ، وتعقد الأمور وتبدو كبيرة تغطي كل العوامل المؤثرة ، حريصين على سمعة الأسرتين ، مشفقين على الأطفال الصغار ، بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر راغبين في خير الزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار ، وفي المقابل مؤتمنان على أسرار الزوجين لأنهما من أهلهما ولا خوف بتشهيرهما بهذه الأسرار إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها ، وإنما مصلحتهما في دفنها ومداراتها .

ويجب أن يتوفر في الحكمين اللذين يتم اختيارهما من قبل المحكمة جملة من الشروط أهمها :

الكفاءة ، العدالة ، الاستقامة والتجرد ومن يحسن القيام بمهمة التحكيم ومن السنة أن يكون رجلا غير أنه لا مانع من تعيين امرأة مشهود لها بالأمانة والاستقامة ما دام أن الهدف هو الإحاطة بأسباب الشقاق ومحاولة تطويقها والحد من استمرارها ، على ان يكون أحد الحكمين من أقارب الزوج والآخر من أقارب الزوجة لقوله تعالى ” فان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ” هذا إذا كان للزوجين قريب تتوفر فيه الشروط المعتبرة شرعا ² وأنه إذا لم يوجد لهما قريب أو وجد غير أنه لا يتوفر على الصفات الـــتي تخول له القيام بمهمة الحكم والمنصت للطرفين أملا في الإصلاح والإنصاف في عمله ، فان المحكمة تعمل على تعيين حكمين أجنبيين متوفرين على السمات المطلوبة شرعا وملمين بما يراد منهما ، فاذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجين حررا مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقع من طرفهما ومن طرف الزوجين ويرفعانه إلى المحكمة الـــتي تسلم نسخة منه لكل واحد من الزوجين وتحفظ الثالثة بالملف ويتم الإشهاد على ذلك من طرف نفس المحكمة وفقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 95 من مدونة الأسرة .

الزوج والآخر من أقارب الزوجة لقوله تعالى ” فغن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ” هذا إذا كان للزوجين قريب تتوفر فيه الشروط المعتبرة شرع ¹ وأنه إذا لم يوجد لهما قريب أو وجد غير أنه لا يتوفر على الصفات التي تخول له القيام بمهمة الحكم والمنصت للطرفين أهلا في الإصلاح والإنصاف في عمله ، فان المحكمة تعمل على تعيين حكمين أجنبيين متوفرين على السمات المطلوبة شرعا وملمين بما يراد منهما ، فاذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجين حررا مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقع من طرفهما ومن طرف الزوجين و ويرفعانه إلى المحكمة التــي تسلم نسخة منه لكل واحد من الزوجين وتحفظ الثالثة بالملف ويتم الإشهاد على ذلك من طرف نفس المحكمة وفقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 95 من مدونة الأسرة .

ثانيـــــا : مجلس العائاـــــة
لقد نصت المادة 252 من مدونة الأسرة في الفقرة الثانية على إحداث مجلس للعائلة تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة ويحدد تكوينه ومهامه بمقتضى نص تطبيقي ، وفعلا فقد تم صدور مرسوم رقم 88/04/2002 في 25 ربيع 1425 الموافق 14 يونيو 2004 بشأن تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه بالجريدة الرسمية عدد 5223 بتاريخ 21 يونيو 2004 ، وقد أحالت عليه مقتضيات المادة 82 من مدونة الأسرة وكذا المادة 96 التي أعطت الصلاحية للمحكمة أن تجري بحث إضافي بالوسيلة التي تراها ملائمة حينما يختلف الحكمان في مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية في الشقاق أو في حالة عدم تقديم التقرير داخل الأجل المحدد .

وهكذا لمجلس العائلة دور مهم في المحافظة على الروابط العائلية لأن تأليفه من الزوجين وأربعة من الأقارب أو الأصهار بالتساوي أو من جهة واحدة عند تعذر توفرهم من الجهتين إضافة إلى القاضي بصفته رئيسا وفقا للمادة الأولى من المرسوم ، وأن يتعين هؤلاء الأعضاء من قبل القاضي يراعى فيه درجة القرابة ومكان إقامتهم وسنهم ومؤهلاتهم وعلاقتهم بالأسرة ومدى استعدادهم للعناية بشؤونها وحرصهم على مصلحتها على أن يكون الأعضاء كاملي الأهلية حسب المادة الثانية من المرسوم وكلها شروط منطقية وضرورية نظرا للدور الهام المتوخى أن يلعبه هذا المجلس قصد تذويب بوادر الشقاق والعمل عن إرجاع الروح والمياه إلى مجاريها الطبيعية للأسرة المعنية ومساعدة القضاء من أجل اتخاذ قرارات صائبة في صالح جمع شمل الأسرة والحفاظ على كيانها سواء تم الاتفاق على الصلح أو انتهى الأمر دون التوفيق بين الزوجين آنئذ يكـون التقريــر المرفــوع إلى القاضي يتضمن حقائق مهمة وتساعده على اتخاذ الإجراء المناسب والقرار العــادل.

وتجدر الإشارة إلى أن مهام مجلس العائلة لا تعدو أن تكون مجرد مهام استشارية تصب في خانة خدمة مصلحة الأسرة وهو ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة السابعة من المرسوم .

المبحث الثالث :
مسطرة الشقاق من خلال العمل القضائي المغربي

إننا على مشارف السنة الثانية من دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ وإن كان يصعب للوهلة الأولى إعطاء تقييم جامع ومانع عن كيفية التعامل مع بنودها من مختلف الفاعلين والمهتمين بها بصفة عامة ومن طرف القضاء بصفة خاصة ، وهي فعلا مدة غير كافية لتقييم حصيلة قانون أسري استغرق مخاضه شهورا وانما سنين وما يهمنا في هذا الإطار مسطرة الشقاق على وجه خاص ، فنسجل ندرة الأحكام القضائية الــتي تم نشرها في مختلف المنابر والدراسات القانونية التــى لها صلة بالموضوع غير أن القيام بجولة ولو عابرة داخل أقسام قضاء الأسرة ، ووقفة ولو سريعة على عدد ونوعية قضايا الأسرة المسجلة بعد دخول القانون رقم 03/70 حيز التنفيذ تجعلنا نسجل أن قضايا انحلال الرابطة الزوجية في ارتفاع متزايد مع ملاحظة أن دعاوي الشقاق تمثل ما يفوق 50 % من هذه الدعاوي ¹ .
وهذا ما يطرح أكثر من تساؤل ويستحق أكثر من وقفة .

المطلب الأول : رصد لأهم الاجتهادات القضائية بشأن التطليق للشقاق.

لقد نص القرار عدد 188 المؤرخ في 30/03/2005 الملف الشرعي عدد : 622/2/1/2004 على أن تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية التطليق للشقاق إذا تضمن الحكم الأجنبي بيانات حول الإشهاد على الطلاق وعلى استدعاء الزوجين للإصلاح بينهما ومستحقات الزوجة والأطفال ، وتبين أن الزوج هو الذي سعى إلى طلب التطليق وقد استجيب لطلبه من طرف المحكمة الأجنبية وليس في ذلك ما يخالف النظام العام المغربي فان القرار القاضي بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية ليس فيه أي خرق للقانون وجاء معللا بما فيه الكفاية ، و ذلك بعد أن عابت الطاعنة ( النيابة العامة ) على القرار المطعون فيه الصادر عن استئنافية الناظور بوسيلة وحيدة متخذة من خرق القانون وانعدام التعليل ذلك أن محكمة الاستئناف لم تعلل حكمها على الوجه القانوني الصحيح مخالفة بذلك مقتضيات الفصول 70 – 80 – 81 – 88 – 128 من مدونة الأسرة إذ لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو التطليق إلا استثناء وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين حسب المادة 70 أعلاه وأن من بين القيود الشرعية للتطليق التأكد من سنتيه والتــي تستوجب أن تكون الزوجة في طهر ولم تتم فيه المعاشرة حسب الدليل العملي الصادر عن وزارة العدل كما أن التطليق الذي توقعه المحكمة يكون بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق أو سبب من الأسباب المحددة في الفصل 98 من مدونة الأسرة متى اقترن بفشل محاولة الصلح هذا الفشل الذي يعتبر بدوره سببا أساسيا يخول للمحكمة توقيع الطلاق حسب ما تؤكده المادتان 97 – 113 من المدونة ، وأنه بالرجوع إلى الحكم المراد تذييله بالصيغة التنفيذية ففضلا على أنه لا يتضمن البيانات الالزامية للحكم كما تنص على ذلك المادة 88 من المدونة فانه لا يشير إلى محاولة الصلح مما يتعين معه نقض القرار المطعون فيه .

وقد جــاء في حيثيــات حكــم صــادر عن المحكمة الابتدائية بالرماني بتاريخ 29/10/2004 ملف رقم 54/2004 عدد 40 مكرر في مدى اعتبار العجز الجنسي كسبب للتطليق للشقاق ، إن محاولة الإصلاح ذات البين بين الطرفين قد فشلت لتخلف الزوج عن الحضور رغم التوصل وإصرار الزوجة على طلب التطليق ، وحيث أسست الزوجة الأسباب الداعية لطلبها على كون الزوج يعاني عجزا جنسيا نتج عنه أنها لا زالت بكر رغم معاشرته لها معاشرة الأزواج مما أثر على نفسية الرجل وتعذر عليها الاستمرار معه على هاته الحال رغم مرور حوالي ثلاث سنوات على زواجهما ، وأنه أمام تخلف الزوج ونفيه أو إثباته لهاته الوقائع تعذر على المحكمة إجراء محاولة الصلح بينهما .

وحيث ان الشقاق هو الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية دون تحديد المشرع لحالات محددة داخلة في نطاقه بل هو مفهوم واسع وعام لا يشمل حالة بعينها . وحيث أنه بمقتضى المادة 97 من مدونة الأسرة فانه في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق تحكم المحكمة بالتطليق وبالمستحقات طبقا للفصول 83 و 84 و 85 من المدونة .
وحيث تكون بذلك الإجراءات المتعلقة بمسطرة التطليق للشقاق قد استوفت شكلها المنصوص عليه في الفصول 94 إلى 97 ، فحكمت المحكمة بجلستها وهي تبت بغرفة المشورة انتهائيا : بتطليق المدعية من زوجها المدعى عليه طلقة واحدة بائنة للشقاق مع الحكم عليه بايداعه المبالغ التالية لفائدة الزوجة : 2000,00 واجب المتعة ، 900,00 درهم واجب النفقة خلال فترة العدة 900,00 درهم واجبات السكن خلال فترة العدة .

وأشاطر ما ذهب إليه الأستاذ رشيد مشقافة في تعليقه على هذا الحكم باعتبار أن المشرع حدد سبب العيب كمبرر للتطليق وفقا للمواد 107إلى 111 من المدونة ووضع له شروط وآجالا ولا يمكن الخلط وإدماج هذا السبب ضمن مسطرة التطليق للشقاق ، كما أن الإدلاء بشهادة طبية تفيد بقاء الطالبة بكر لا يعني وجود عيب خلقي بالزوج .

واعتبرت المحكمــة الابتدائيــة بالرمانــي في حكمهــا عدد 51 الصادر بتاريخ 29/11/2004 ملف رقم 90/2004 بعد استنفاذ إجراءات مسطرة الشقاق ، أن تشبت الزوج بزوجته وإصرارها على التطليق للشقاق لا يفيد الزوج .

المطلب الثاني : وضعية مسطرة الشقاق من خلال قضاء الأسرة بالناظور كنموذج

انه منذ دخول الأسرة حيز التنفيذ في فبراير 2004 ، وقضاء الأسرة عرف حيوية وازدياد في الحركة وتنوع في القضايا وتعددها ، حيث أصبحت أقسام قضاء تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة ، يمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المطروحة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة ، وفي ذلك إشارة إلى الاختصاص النوعي بالنسبة لقضاء الأسرة واعتباره من النظام العام وإمكانية إثارته تلقائيا ولم يثره أحد الأطراف لتكون الإحالة بقوة القانون .
وهكذا تم إيجاد مؤسسة مختصة للبت في النزاعات الأسرية بهيئة قضائية متخصصة ونيابة عامة مختصة وجهاز كتابة الضبط .
وما يستأثر بالاهتمام على مستوى مدينة الناظور ، ارتفاع ملحوظ في الوافدين على قضاء الأسرة ، مما أدى حتما في ازدياد عدد القضايا وخاصة ما يتعلق بمسطرة الشقاق .

حيث أصبح العديد من الأزواج والزوجات يفضلون الاستفادة من مزايا هذه المسطرة وخاصة ما يتعلق بالسرعة في إجراءاتها وكذلك الأجل المحدد في ستة أشهر للفصل في القضايا انسجاما مع مقتضيات المادة 97 من مدونة الأسرة ، وأن العديد من هذه القضايا المسجلة اعتمادا على المادة 94 من المدونة انتهت بالتوصل إلى حل للخلافات التي كادت أن تعصف بالحياة الزوجية بفضل تحريك آليات الصلح ، وأدرك الزوجان المتخاصمان مدى أهمية هذه المسطرة كتدبير وقائي يعول عليه لتفادي الأسوء بفك العصمة الزوجية وما له من تأثير على نفسية الطرفين وخاصة الأبناء .�ول�د لجــأت المحكمة�الابتدائية بالناظور – مركز الدريوش من قسم قضاء الأسرة في ملف التعدد برقم 54/2004 وذلك بتاريخ 19/08/2004 إلى مقتضيات المادة 45 من مدونة الأسرة بعد ما أمر الزوج المتمسك بطلبه الرامي إلى الإذن له بالتعدد ومعارضة الزوجة في ذلك وفشل محاولة الصلح ورأب هوة الخلاف بينهما وبعد إيداع الزوج بصندوق المحكمة للوازم الطلاق المتمثلة في نفقة المرأة أثناء العدة وأجرة السكن والمتعة وكالئ الصداق وتحديد نفقة البنت ، قضت وهي تبت في غرفة المشورة بتطليق الزوجين طلقة بائنة بسبب الشقاق وتأذن بتوثيقه لدى عدلين منتصبين للإشهاد بدائرة نفوذ هذه المحكمة .

وقضت المحكمة الابتدائية بالناظور في الملف الشخصي عدد 1229/04 بتاريخ 04/02/2005 برفض طلب التطليق للضرر والشقاق بعلة أن المدعية حضرت جلسة الصلح ولم تستطع إثبات وجود الشقاق والخلاف العميق بينهما والمستمر لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية ، وحيث أن المحكمة قررت اعتبارا لذلك التصريح برفض الطلب وقم تم تأييده استئنافيا بتاريخ : 21/12/2005 بعلة أنه جاء مخالفا أيضا لمقتضيات المادة 99 ، وأعتقد ان هذا الاتجاه الذي نحته المحكمة صائب اعتبارا إلى أن الطلب في الأصل لم يحترم مقتضيات المادة 100 من المدونة خاصة الفقرة الثانية التـي تنص على أن الزوجة إذا لم تثبت الضرر وتصر على طلب التطليق يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق .

خاتمــــــــــة

من خلال هذا العرض المتواضع يتضح جليا مدى أهمية مسطرة الشقاق الــتي عمل المشرع على تنظيم آلياتها وتحديد حالاتها ومراعاة الأجل المتمثل في ستة أشهر كحد أقصى للبت في دعوى الشقاق ، وأن الحكم القاضي بانهاء العلاقة الزوجية غير قابل لأي طعن بمقتضى المادة 128 من المدونة وهو ما يشكل استثناء من مبدأ التقاضي على درجتين .
وهناك من يعتبر بأن التطليق للشقاق أصبح منفذا لمن لا منفذ له وأن العمل القضائي دأب على الاستجابة لدعاوى التطليق للشقاق في غياب تفسير واضح لمضمونه ، وإنما وقع تكريس مقولة مفادها أنه لا يمكن تصور حكما بعدم القبول أو الرفض في هذه الدعاوى ، فاذا كان الحكم غير قابل لأي طعن فإن الخطورة تزداد عندما يتسرب إلى الحكم خطأ جسيم في تطبيق القانون ، ولا سبيل لتدارك ذلك بل انه مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون في حين أن الشقاق يعد مسألة موضوعية ينبغي أن تخضع للمراقبة لدى محكمة الطعن ، ولا يصح الشقاق في الحالات الواردة أسبابها في النص كالعيب والهجر فهي مقيدة بشروطها ، وقد صدرت أحكام في إطار الشقاق في مواضيع متصلة بالعيب دون إجراء خبرة طبية لهذا يتعين إدراك مدى خطورة هذا الموضوع إما بتشريع حق الطعن فيه أو إعادة النظر في الأجل المحدد في ستة أشهر وجعله أجل معقول وتغليب كفة الإصلاح لما فيه الكفاية باعتبار أن مسطرة الشقاق في كنهها وقائية قبل أن تكون فاصلة في إنهاء العلاقة الزوجية .
وأتبنى نفس وجهة النظر التي أبداها الأستاذ عبد العزيز فتحاوي في اعتباره أن دعوى الشقاق ستقضي لا محالة بالموت على دعوى التطليق والــتي سوف لن نرى لها أثرا في القريب ، ذلك أن الزوجة ستفضل اللجوء إلى دعوى الشقاق التـي لن تكلفها لا الجهد ولا الوقت ولا الإثبات ونتيجتها مضمونة عوض الخوض في دعوى التطليق بما تطلبه من مشقة .

وخلاصة القول بأن المجهود المبذول من قبل الهيئة القضائية قصد تفعيل جل مقتضيات مدونة الأسرة وما رمت إلى تحقيقه لا يكفي وحده من أجل المحافظة على توازن الأسرة والحيلولة دون انهيارها واندثارها ما لم تكن هناك رغبة صادقة وتعاون فعال من طرف جميع مكونات الأسرة خاصة الزوج والزوجة في بذل الجهد الجهيد لحماية صرحها من أي تصدع والشعور بالمسؤولية دينيا وأخلاقيا اتجاه هذه الخلية الأولى في المجتمع ، لأنه من السهل طبعا أن ينجب رجل وامرأة طفلا أو طفلا أو طفلة ولكنه ما أصعب أن يضعا معا تاريخا سارا ومستقبلا مثمرا صامد في وجه أعاصر الحياة .

وهكذا فالمسؤولية جسيمة تقع على كل الفاعلين في المجتمع المدني لإحساسه قصد الشعور بالمسؤولية والواجب لتفادي بذور الخلاف والفتنة وأسباب الشقاق ونشر الوعي والفهم الصحيح لفلسفة مشرع مدونة الأسرة والمبادرة إلى إصلاح ذات البين فور وقوع أي نزاع عائلي وقبل فوات الأوان صونا لكرامة الأسرة وتماسكها ويقيها شر الوقوع في منزلق الطلاق أو التطليق مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينك م مودة ورحمة ” وقوله تعالى أيضا ” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ” صدق الله العظيم .