حـــرية الرأي: حـــق مشروع أم حالة عنف ؟؟

يستخدم المواطن العربي في كثير من الأحيان مصطلحات رنانة حول كثير من المفاهيم المرتبطة بالحرية والديمقراطية، ويذهب به الحال أحيانا أخرى إلى ممارستها بشكل خاطئ يسيء لها.

وهو في ذلك إما أن يكون معتمدا على فهم خاطئ لمحتواها ومعناها الحقيقيين أو متعمدا لمحاولة التعبير عن شيء في نفس يعقوب.

ولأننا تواقون لاستنشاق نسيمها (أي الحرية والديمقراطية) نتيجة لمشاعرنا الجياشة المتراكمة في نفوسنا منذ عهد الاستعمار وما تلاه من حقب القمع والاضطهاد والانتهاك للحريات الشخصية للعباد في وطننا العربي فإننا نكون دائما راغبين في التعبير عنها بشكل أو بآخر.

ومنذ بدأت دول الوطن العربي بالاستقلال واحدة تلو الأخرى، وبدأ الكيان العربي يتشكل بهويته النابعة من إرث متوارث من قيم العزة والكرامة والحرية التي حفل بقصصها تاريخنا العربي الإسلامي، أخذ شعورنا بالحرية يتأكد وأثار فينا ذلك رغبة جامحة في التعبير عنها، وهذا شعور طبيعي تلقائي تفرضه آدميتنا كبشر.

ومن هذه المقدمة أود أن أنتقل إلى طرح مفهوم محدد لحرية التعبير حتى نحسن استخدامها ولا نظلم أنفسنا بعدم معرفة مضمون وحدود حقنا فيه، إن مصطلح “حرية التعبير” يشير إلى حرية الحديث دونما رقابة أو قيد من أحد على ذلك.

ويتسع أحيانا ليشمل كل الأعمال المتعلقة بالبحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها وتبادلها بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في ممارسة هذه الحرية.

ومع ذلك، فإن هذه الممارسة لا تمثل حقا مطلقا في معظم الدول والأعراف الدولية وإن تفاوت المدى الذي تأخذه هذه الممارسة من دولة إلى أخرى وذلك حسب ما تفرضه العقائد الدينية والثقافية والحضارية، وروح القوانين الوضعية السائدة فيها.

حق التعبير ممارسة لا تمثل حقا مطلقا في معظم الدول والأعراف الدولية وإن تفاوت المدى الذي تأخذه هذه الممارسة من دولة إلى أخرى

رقابة ذاتية

والحقيقة أن ما تفرضه هذه كلها من مستوى الرقابة الذاتية من جانب الفرد على مدى ممارسته لهذا الحق، بحيث لا يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر المادي والنفسي للأفراد والجماعات الأخرى في المجتمع.

فعندما أبدت امرأة رأيها في مقام كان لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقفا معينا فيه، قال “لقد أخطأ عمر وأصابت امرأة”.

ولكن لم يكن في ما قالته المرأة ما يسيء لعمر، كما لم يلحق الأذى والضرر بالوطن والمواطن، وقد تأكد ذلك أيضا فيما قاله شخص لآخر، إنني أختلف معك في رأيك، ولكنني لا أكرهك.

وإذا كان التعبير عن الرأي يعكس حقا من حقوق الإنسان بموجب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعترف بحق الفرد في حمل الآراء والأفكار التي يريدها دون تدخل من أحد، وعدم التعرض للآخرين بالأذى والضر، فإننا يجب أن نفرق بين حرية التعبير وحرية التفكير حيث تحمل الأخيرة مضمونا أشمل وأعمق لأنها تتعلق بما يعتنقه الفرد من عقيدة أو مذهب.

ومن هنا فإن الفهم الخاطئ لمفهوم حق التعبير عن الرأي يقود إلى ممارسة خاطئة ومغايرة لذلك المفهوم.

ولهذا تجده في الدول الغربية يأخذ مفهومه الصحيح حيث يعرف الأفراد معناه ويتقيدون بحدودهم في التعبير عنه وممارسته، كما نرى قوى الأمن في تلك الدول تسير معهم وتنظم لهم مسيرتهم وتحافظ عليهم من أي سوء يلحق بهم وتوفر لهم الظروف المناسبة لممارسة هذا الحق وليس التصدي والقمع.

أما الصورة المناظرة لذلك في وطننا العربي فإنها تقدم واقعا آخر في ممارسة حق التعبير عن الرأي في مشاهد مغايرة تعكس عدم فهم الفرد لمفهوم حرية التعبير وحقه في ممارسته.

وهو ما يقود إلى نتائج غير مرغوب فيها، وتضعنا في أوضاع نوصف فيها بأننا غير حضاريين وضد الحريات الشخصية، نمارس العنف والقمع لتقييدها ومحاصرتها.

إن كثيرا من جوانب حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتطلب منا آراء بناءة حقا تسهم ولا تهدم، تبني وتصون ولا تدمر

آراء بناءة

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل جربنا ممارسة حقوقنا في التعبير عن آرائنا وأفكارنا بالشكل الذي لا يكون لمضامينها أو انعكاساتها ما يمس بمصلحة الوطن والمواطن؟

أم أن حق التعبير عن الرأي لا يمارس إلا إذا أردنا أن نقدح بحق فلان أو نشتمه؟ إن كثيرا من جوانب حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتطلب منا آراء بناءة حقا تسهم ولا تهدم، تبني وتصون ولا تدمر.

وإذا كانت بعض حالات العنف التي يشهدها مجتمعنا من حين إلى آخر، وفي مؤسساتنا التعليمية خاصة تعكس قدرا كبيرا من الغموض وسوء الفهم لحق التعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر، فإنه لا بد أن يكون لنا عودة جريئة إلى المنهج السلوكي القويم في التعبير عن الرأي والموقف.

فهل نستطيع كآباء ومدرسين وأساتذة جامعات أن ننقل لأبنائنا المفهوم الصحيح لحرية التعبير عن الرأي ونقدم لهم القدوة في هذا المجال ؟

اعادة نشر بواسطة محاماة نت