الهجرة غير المشروعة

كان الإنسان في الماضي ينتقل من مكان إلى مكان، يدفعه في غالب الأحيان البحث عن الماء والطعام والكلأ، وقد استمر هذا الحال بالإنسان ردحاً من الزمن، زمن لم تكن فيه حدود ولا قيود ـ كان كل شيء فيه فسيح ونقي من كل الشوائب والأدران، ولم يكن الأشخاص الذين يستقبلون الوافدين من أراضي أخرى يرون في هؤلاء الوافدين منافسين لهم وأعداء بل كانوا في الغالب يستقبلونهم وأن شهد في التاريخ في أزمان متقطعة نوعاً من الحروب ـ القطيعة ـ غير أن هذا الأمر الأخير لم يظهر للعيان جلياً إلا بعد أن استقر الإنسان في أماكن اختارها ودافع عن وجوده فيها وإن كانت مكنة استقبال الآخرين كانت متاحة.. وقد أكون في هذا الرأي مخالفاً فيه للكثيرين.

ولكن بعد أن أطل الاستعمار برأسه بدأت مآسيه ترافق هذا الاحتلال والسيطرة وبانت كل الأشياء ينظر إليها بمناظير أخرى سيئة في غالب الأحيان، فكانت الحدود وبرزت القيود والحصون بنيت عالية وظهر صولجان الخوف والقهر والأنانية وسارت الحياة وكلما صار كشف وتقدمت الإنسانية ظهر محاذياً لها خوف ووجل وقهر، فصار الإنسان اليوم يخاف من كل الأشياء فضرب الحصون ومنع الآخرين من الاتصال به إلا عبر قنوات تشدد البعض فيها خفف الآخرون تحت مبادئ قالوا أنها حرية الاتصال بالآخرين.

وإذا ما كانت مسألة الاتصال قد صارت جريمة ولا يمكن تصور شعب أو أمة دون أن يكون هناك اتصال بالآخرين أياً كان شكل هذا الاتصال والقيود والحدود التي رسمت حوله.

إلا أن الحديث حول ما سبق الإشارة إليه يبدو عميقاً، قد لا يكون من المناسب التعرض له في هذا الوضع فإن العالم قد حاول أن يرسم معالم لشيء سماه الهجرة غير الشرعية والتي وفقاً للزوم العقلي تستدعى التفكير حول (مسألة الهجرة الشرعية) النقيض للهجرة غير الشرعية.

ونحن لا نريد أن نتحدث بشكل تفصيلي هنا ولكن حسبنا أن نتعرض لبعض الجوانب من خلال بعض الاتفاقيات والتشريع الليبي.

وللأسف الشديد تطالعنا الأحداث باستغلال المهاجرين في أبسط حقوقهم والمتعلقة ببخس أجورهم مستغلين في ذلك دخولهم بغير الطرق المشروعة، وقد انبرت بعض المنظمات الحقوقية في إظهار هذه الظاهرة ومحاولة الحد منها إن لم يكن القضاء عليها، واعتقدت أن هذه الظاهرة سوف تزداد نيرانها لتأكل ما بقى من الأشخاص، ومعتمدين في ذلك على دخولهم للدول بشكل غير مشروع.

بين الهجرة وحرية التنقل:ـ

أولاً: المادة (12) من المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (أنظمت الجماهيرية في 5/5/1970م إلى هذا المعهد )

نصت المادة المذكورة على أنه (1 ـ لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق ـ حرية التنقل فيه ـ وحرية اختيار مكان إقامته 2 ـ لكل فرد حرية مغادرة أي بلد بما في ذلك 3 ـ لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود، غير تلك التي ينص عليها القانون وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد 4 ـ لا يجوز حرمان أحد تعسفاً من حق الدخول إلى بلده).

ثانياً: القانون الليبي حيث نصت المادة 20 من القانون رقم 20 لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية على أنه لكل موطن وقت السلم حرية التنقل واختيار مكان إقامته وله مغادرة الجماهيرية العظمى والعودة إليها كما شاء.

ومفهوم هذا النص أن القانون يمكن أن يقيد هذه الحرية في غير زمن الحرب كما أن القضاء يمكن أن يقيد هذا الحق كما لوكان مرتكباً لجريمة ذات طبيعة خاصة ـ حيث نصت المادة من قانون العقوبات.

غير أن تهريب المهاجرين يختلف اختلافاً كبيراً عن حرية الانتقال سواء أكان داخل الدولة أو خارجها، فإذا كان التهريب يقترن بعدم الشرعية، فإن الانتقال وحريته سواء داخل الدول أو خارجها يتصف بهذه الشرعية وبالتالي اعتبر حقاً من الحقوق الأساسية بعد خرقها اعتداءً صارخاً على أحد الحقوق النابعة من طبيعة الإنسان.

تهريب المهاجرين

للاسف الشديد إن المال صار لدى العديد من الأشخاص غاية، غير أن هذه الغاية قد صار الوصول إليها مباحاً لدى العديد منهم بكافة الوسائل ولو كانت (غير مشروعة) وهذا القول ينطبق في مجال (تهريب المهاجرين) والتي شكلت للقيام بها جماعات وعصابات، فكانت النتائج وخيمة أودت بحياة أشخاص زينت لهم أسباب الحياة المستقبلية في أماكن ظنوها الجنة على الأرض فكانت قيعان البحر مقابر لهم وكذلك بطون أسماك القرش!!

وإذا ما كانت مسألة الهجرة من المسائل التي تقاذفتها بعض الآراء، فإن العالم يكاد يجمع على عدم مشروعيتها..وذلك كون هؤلاء الأشخاص المهاجرين منهم ما يكون حاملاً لمرض ومنهم من ارتكب جرائم ويريد الهرب ومنهم من يطلب لقمة العيش وهم كثيرون، لذلك كانت المعاهدات الدولية والاتفاقات الإقليمية والثنائية التي وصفت أسواراً من فولاذ ورصاص أودى بحياة الكثيرين وكان جرمهم أنهم طلبوا الحياة في بلاد أكثر رخاء وأمناً.

وإذا ما كانت الوسائل التي قام بها هؤلاء المهاجرون غير صحيحة وغير موافقة لقوانين الدول، فإن الدول الطاردة للسكان قد تغض الطرف حول عمليات قد تساعد في هذه الظاهرة وتلك مشكلة كبيرة، أعتقد أنها في القريب سوف تسبب مشكلات كبيرة خاصة مع تنامي بعض الصيحات العنصرية والتي قد تجد ما يؤججها بحجة بقاء أشخاص في دول دون إجراءات رسمية حتى أن الأمر قد وصل في بعض الدول إلى حد إلصاق جرائم بالمهاجرين وقد يكونون منها براء.. بغية ترحيلهم أو حتى الزج بهم في غيابات السجن لعل بعض السيارة من دولهم يأتي ولو لزيارة إلى تلك الدول لانتشالهم وحل مشكلاتهم بإعادتهم إلى أوطانهم.

وتبدو المسألة معقدة وقد ساعد في تعقيدها بعض الدول، التي لم تضع حلولاً للمسألة المطروحة ولا يمكن للهجرة غير المشروعة كما أعتقد أن تنتهي دون أن يكون هناك تعاضد وتعاون بين الدول لافي قمع هذه العمليات ولكن في كيفية النظر إلى هذه الظاهر بعيون أكثر إنسانية من خلال وضع حلول تكفل بقاء هؤلاء الأشخاص في بلدانهم، ولا أعتقد أن شخصاً يرغب في ترك وطنه إلا لأسباب حريُّ أن تعرفها وأن تدرسها وأن تتعاون على حلها، لأن حل المسألة في دولة ما ينكس إيجابياً على حل الأطراف الدولية وقد يكون في الإجابة على سؤال لماذا الهجرة الشرعية؟ هذا الحل لهذه الظاهرة واجتثاث أسبابها ، وأعتقد أن دول العالم قادرة جميعها لو؟؟؟؟؟ النية على حل هذه المشكلة!!

المسألة في القانون الليبي:

نصت المادة التاسعة عشرة ” مكرر” من القانون رقم 6 لسنة 1987م بشأن تنظيم دخول إقامة الأجانب في ليبيا وخروجهم منها على أنه:

( مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يعاقب عليها أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف دينار، كل من قام بقصد الحصول لنفسه أو لغيره على منفعة مادية أو غير مادية بصورة مباشرة بأحد الأفعال الآتية:

أ‌- تهريب المهاجرين بأية وسيلة .

ب‌- إعداد وثائق سفرهم أو هوية مزورة أو توفيرها أو حيازتها.

ج- تنظيم أو تزجيه أشخاص آخرين للقيام بأي فعل من الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة.

وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة الأموال المحصلة من الجريمة والمبالغ والوسائل التي استخدمت فيها أو أعدت لارتكابها.

فهذا النص قد تحدث عنه( جريمة تهريب المهاجرين) وعاقبت بالحبس على ارتكابها في أي صورة وبأية وسيلة ترتكب بها ، كما نص على معاقبة بعض الأفعال التي تساعد على القيام بها ومن ذلك إعداد وثائق سفر المهاجرين أو هويات مزورة أو توفيرها أو حيازتها، وكذلك تنظيم أو توجيه الأشخاص للقيام بتهريب المهاجرين أو غير ذلك مما ذكر بالنص، والظاهر من صراحة هذا النص أن المشرع الليبي قد سار مع فلسفة محاربة تهريب المهاجرين بأي شكل وبأي وسيلة، بل إنه نص على مصادرة الأموال المحصلة في جريمة تهريب المهاجرين وأن وثائق سفر مزورة لهم أو هويات لغرض الهجرة.

والقانون الليبي في هذا لم يشذ عن القوانين الأخرى ، بل إن هناك العديد من الاتفاقات التي دخلت فيها الدول وجعلت محورها محاربة هذه الظاهرة خاصة بعدما أفرزته من ويلات وآلام استطالت الأفراد والعديد من المؤسسات ، بل وانقلبت سلبياً وبشكل سافر على المهاجرين أنفسهم وبدت تفرز ما يمكن أن تطلق عليه عودة العنصرية من طريق آخر مغلق.

وإذا كان حال القوانين والاتفاقيات الدولية فإن المسألة قد تبدو من وجهة نظري عرضة لمناقشات لابد أن تنظر إلى الظاهرة من جوانبها المتعددة قبل أن تنقلب إلى ظاهرة دون معالجة الأسباب مع دراسة المهاجرين وأسباب الهجرة قبل كل شيء.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت