تملك البائع المبيع

تنص الفقرة الثانية من المادة ( 467 ) من القانون المدني المصري على “وكذلك ينقلب العقد صحيحا في حق المشتري إذا آلت ملكية المبيع إلى البائع بعد صدور العقد”. وفق هذا النص يحرم المشتري من حقه في طلب بطلان العقد إذا اكتسب البائع ملكية المبيع بعد العقد.

ويختلف حكم اكتساب البائع ملكية المبيع باختلاف سببه، وسبب اكتساب البائع ملكية المبيع إما أن يكون تحقق الشرط المعلق عليه ملكية البائع وإما أن يكون أمرا آخرا كشراء البائع للمبيع بعد العقد أو حصوله عليه عن طريق الهبة أو الوصية أو الميراث.

فإذا كان سبب اكتساب البائع للملكية هو تحقق الشرط الموقف، أخذ المشتري المبيع سالما من كل الحقوق التي رتبها عليه المالك القديم في خلال المدة المعلق فيها الشرط، وذلك لأن الشرط إذا تحقق كان له أثر رجعي واستند مفعوله إلى وقت التعاقد.

وهذا القول إن صح في القانون المدني المصري والعراقي واللبناني إلا أنه لا يصح في القانون المدني الأردني، لأن هذا القانون الأخير أعطى للشرط أثرا فوريا بموجب المادة ( 400 ) والتي تنص على أن “المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط”.

بناء على ذلك فإن الحكم في القانون المدني الأردني في حال تملك البائع ملكية المبيع بتحقق الشرط الموقف، فإن المشتري يأخذ المبيع بالحالة التي هو عليها وقت تحقق الشرط، وبالتالي يحمل المبيع بالحقوق التي أثقلها به المالك في الفترة التي علق فيها الشرط لما للشرط من أثر فوري في هذا القانون.

أما إذا كان سبب اكتساب البائع ملكية المبيع أمرا آخر غير تحقق الشرط، كما لو اشترى البائع المبيع من المالك بعد العقد، أو كما لو ورث البائع المبيع، أو اكتسبه بموجب وصية، أو اكتسبه بموجب أحكام الحيازة في المنقول والتقادم في العقار، فلا يكون لتصحيح البيع أثر رجعي، أي أن البيع يعتبر صحيحا من وقت امتلاك البائع للمبيع فقط. أي أن ملكية الحقوق التي يرتبها المالك الأصلي على المبيع في الفترة بين حصول البيع وانتقال ملكية المبيع للبائع تبقى نافذة أما الحقوق التي يرتبها البائع نفسه في الفترة بين العقد وبين واكتسابه الملكية فلا تسري على المشتري ولا تؤثر في حقه، لأن هذه الحقوق معيبة أصلا باعتبار أنها صادرة من شخص لا حق له، أي من غير مالك وسواء كان سبب ملكية البائع للمبيع هو تحقق الشرط الموقف أم غير ذلك مما ذكر فإنه يترتب على ذلك سقوط حق المشتري في طلب إبطال بيع ملك الغير، إذ أن الأصل هو تقرير هذا الحق للمشتري، وبامتلاك البائع للمبيع، تنعدم مصلحة المشتري في طلب الإبطال لارتفاع الضرر عنه، فالبائع أصبح مالكا وبإمكانه نقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري.

إلا أن البعض يرى بأن حق المشتري في طلب بطلان بيع ملك الغير يبقى قائما إذا كانت المطالبة به سابقة على السبب الذي اكتسب الملكية بموجبه، لأن حقه في إبطال البيع حق مكتسب. ويكفي لذلك أن يكون المشتري قد أظهر إرادته في طلب البطلان بأي شكل، ولو برسالة من غير رفع الأمر إلى القضاء.

وقد انتقد البعض هذا الرأي على أساس تعارضه الصريح مع المادة ( 467 ) من القانون المدني المصري، لذلك كان الأصوب في نظرهم أن حق المشتري في طلب إبطال بيع ملك الغير يتوقف على فترة رفع الدعوى، فإذا رفع المشتري دعوى الإبطال قبل أيلولة ملكية المبيع إلى البائع، وجب الحكم بإبطال البيع ولو صار المبيع ملكا للبائع قبل صدور الحكم النهائي.

ولا وأرى أن هناك داعي لإبقاء الحق للمشتري في المطالبة بالإبطال طالما أن البائع تملك الشيء المبيع أو أجاز المالك البيع الوارد على ملكه طالما تحقق للمشتري مراده ألا وهو نقل الملكية إليه وهو ما أصبح بوسع المالك تحقيقه، يستوي في ذلك إن كان المشتري قد رفع دعوى الإبطال قبل أيلولة ملكية المبيع إلى البائع ولكن قبل صدور الحكم النهائي من القاضي إستطاع البائع تخليص الملكية لنفسه، وفي غير ذلك نكون قد تعسفنا في استعمال الحق الذي منحنا إياه القانون.

والفقه الإسلامي له موقفه من مسألة تملك البائع المبيع بعد العقد قبل الإجازة. ونلخصه ب القول التالي:

الحكم لدى أكثرية الحنفية هو بطلان بيع الفضولي في حال تملك البائع المبيع بسبب من أسباب كسب الملكية، وكان لاحقا على انعقاد العقد، وذلك استنادا على قاعدة مؤداها “إذا طرأ ملك نافذ على موقوف فكان مبطلا للموقوف، إذ لا يتصور اجتماعهما في محل واحد أما إذا كان سبب ملكية الشيء المبيع سابقا على العقد، كما لو غصب شيئا وباعه ثم ضمنه المالك، فإن العقد يصح وينفذ، لأنه بالتضمين أصبح مالكا من وقت الغصب.

ومع ذلك فهناك من الحنفية من قال بنفاذ العقد في حال تملك البائع المبيع بعد العقد، لأن المانع من نفاذ العقد قد زال بكسب البائع ملكية الشيء المبيع.

أما المالكية، فقد فرقوا في الحكم بين كون الميراث كسبب لملكية البائع للمبيع، وبين كون السبب شيء آخر غير الميراث.

فإذا تملك البائع الشيء المبيع بالإرث، فيكون البائع في هذه الحالة قد ورث حقوق المورث والتي تجيز له نقض البيع أو إجازت.

أما إذا ملك البائع الشيء المبيع بأي سبب آخر غير الميراث، كأن اشتراه أو تصدق به عليه، فإن العقد في هذه الحالة يتحول من عقد موقوف إلى عقد نافذ، دون أن يتوقف الأمر على إرادة البائع.

وهذا الرأي الأخير هو ما قال به بعض الحنفية مخالفين بذلك رأي الأغلبية التي ترى بطلان بيع الفضولي في حال تملك البائع الشيء المبيع. وهذا القول الأخير هو أيضا ما أخذت به مجلة الأحكام العدلية، إذ اشترطت لصحة الإجازة أن يكون كل من البائع والمشتري والمجيز والمبيع قائما، فإذا كان أحد المذكورين هالكا لا تصح الإجازة أما المشرع العراقي فقد خالف الفقه الإسلامي في هذه المسألة، إذ لم يشترط قيام المتعاقدين أو المالك الأصلي أو المعقود عليه وقت الإجازة أي أن الحكم في ظل القانون المدني العراقي هو نفس حكم القانون المدني المصري وهو جعل البيع صحيحا نافذا، وهو أيضا ما يقال بالنسبة للقانون المدني الأردني.

يتضح مما تقدم أن القوانين المدنية حتى المستمدة منها من الفقه الإسلامي خالفت هذا الفقه في هذا الحكم، فالقول ببطلان بيع الفضولي إذا ملك البائع الشيء المبيع يتعارض مع القاعدة الفقهية العامة المقننة في المادة ( 100 ) من مجلة الأحكام العدلية والتي تقضي “من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه”. لهذا فإني أرجح رأي الأقلية من الحنفية ورأي المالكية في الشق الثاني منه أي في حال كون سبب الملكية غير الميراث، ولكننا نعمم هذا الحكم ليشمل كافة أسباب كسب الملكية، على رأي من قال بالبطلان. ونقول مع من قال “الأليق بروح الفقه الإسلامي، وبالتقنينات المستمدة منه، أن يعتبر بيع ملك الغير بيعا صحيحا نافذا، إذا ملك البائع الشيء المبيع، أيا كان سبب هذا الملك”.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت