الرشوة والنظام العام العبر دولي

تثير الرشوة مشاكل حادة في مختلف دول العالم وإن كانت أكتر حدة في دول العالم الثالث على كافة الأصعدة السياسية، والإقتصادية، والإجتماعية، والأخلاقية، والقانونية، إذ قد يترافق إبرام الصفقات والعقود من قبل الدول و الأشخاص العموميون، إن على صعيد العلاقات الداخلية أو الدولية، بدفع رشاوى لموقعي العقد أو لأشخاص يمارسون نفوذا عليه، من رجال السياسية وموظفين عموميين وبصورة عامة أشخاص يمارسون سلطة عامة . وهذه الظاهرة ليست نادرة إذ نراها منتشرة بصورة كبيرة على الصعيد العالمي بنفس درجة رفضها، وبالرغم من التجريم السائد والعام في كل القوانين الداخلية فالملاحظ هو أن هذا التجريم لايطال جرائم الرشوة المدفوعة لموظفين تابعين لدولة أجنبية. بمعنى أخر اذا قدم مواطن تابع لدولة ما المغرب مثلا رشوة لموظف تابع لدولة أخرى الجزائر مثلا فذلك لايقع تحت طائلة الجزاء في الدولة الأولى المغرب وإنما تحت طائلة الجزاء في قانون الدولة الثانية الجزائر والسبب في ذلك على مايبدو هو عدم مبالاة الرأي العام بشأن الرشوة في العقود الدولية، كما قد يكمن بمفهوم حصر دور القوانين الوطنية بحماية وتحصين المؤسسات السياسية والإدارية الوطنية.

وعلى مايبدو أن الاستثناء على ماتقدم يكمن في التشريع الأمريكي بعد حدوث فضيحة شركة lok heed لصناعة الطائرات، التي قامت بدفع رشاوى لأشخاص يمارسون سلطة عامة في دولة أجنبية لتوقع معها صفقة بيع طائرات ،حيث عمد المشرع الأمريكي سنة 1977 إلى إقرار القانون المعروف اختصارا F- C –P – A Forlign corrupt practies act والمعدل سنة 1988، والذي حرم الرشاوى المدفوعة للموظفين تابعين لدولة أجنبية.

ولتلافي هذا النقص التشريعي الداخلي بخصوص الرشاوى وسائر أنواع الدفع الغير المشروع، حاولت المجموعات والهيئات الدولية ، وضع اللجان للحد من هذه الظاهرة باعتبار أن هذه الجهود والنتائج التي انتهت إليها مختلف الهيئات والمنظمات وإن كانت على شكل توصيات ومقترحات تشكل توافقا دوليا حول ضرورة حظر ومكافحة الرشوة في نطاق التجارة الدولية ، الأمر الذي يسمح باعتبارها قاعدة نظام عام عبر دولي ، انطلاقا من الأهداف السامية التي يتوخى هذا الحضر تحقيقها والمتمثل وبشكل أساسي في الحفاظ على أخلاقيات واستقامة تعاملات التجارة الدولية. وفيما يلي نعرض لبعض التطبيقات التحكيمية والقضائية من حيث أخدها بمفهوم النظام العام العبر دولي وسلطة المحكم في إعمال قواعده فمن جهة يظهر الواقع التحكيمي أن المحكمين في عدة حالات عرضت عليهم أثيرت فيها مسألة الرشوة، قد أخذوا بمفهوم النظام العام العبر دولي أو الدولي الحقيقي كما يحلو للبعض أن يطلق عليه، إلا أن موقفهم لم يكن موحدا بشأن التعابير المستخدمة للتدليل على هذا النوع من النظام العام، وكذلك بشأن مدى وسلطة المحكمين إزاء العقود المبرمة بفعل رشاوى

ففي القضية رقم 3913 سنة 1981 . حيث اعتبر المحكمون أن العقد المبرم بين الشركتين البريطانية والفرنسية، والذي تتعهد فيه الشركة البريطانية بتقديم كل المعلومات والمساعدات لأجل تسهيل حصول الشركة الأخرى على صفقة أشغال في دولة إفريقية لقاء عمولات محددة في العقد وأن هذه الأخيرة تشكل رشوة، كون الشركة البريطانية ستدفع قسما منها لمسئولين محليين في الدولة الإفريقية، وانتبهوا إلى اعتبار أن التزام الشركة البريطانية بدفع رشاوى للمسئولين المحلين هو سبب التزام الشركة الفرنسية وبالتالي بطلان العقد مؤكدين على أن هذا الحل لايتطابق فقط مع النظام العام الداخلي الفرنسي، بل يستنتج أيضا من مفهوم النظام العام الدولي المعترف به من قبل غالبية الدول .
ومن خلال هذا القرار يتبين أن المحكمين قد أقروا لأنفسهم سلطة معاقبة خرق النظام العام الدولي عن طريق القضاء ببطلان العقود

المخالفة له.