مجانية التقاضي وكثرة القضايا والتعويض عن الضرر
يوسف الفراج
قد تكون أو لا تكون العلاقة بين هذه الجمل علاقة سببية إلا أن بينها ترابطا أكيدا يتضح من خلال قراءة هذه المقالة. الحديث عن كثرة القضايا في المحاكم وأن ذلك من أسباب تأخر الفصل فيها من الأحاديث المكررة، ولن أتحدث عن هذا المحور بالتحديد، وإنما أبحث في مدى تأثير بساطة التقدم للقضاء في المملكة وسهولته في كثرة القضايا، ومن عناصر ذلك: المجانية.

لابد أن أوضح – وبالذات لمن كان خارج المملكة بأن الجهات القضائية هنا لا تفرض أي رسوم على رفع الدعوى، في حين أن الكثير من الدول تفرض رسوما على رفع الدعوى تصل إلى 5 في المائة من المبلغ المطالب به وقد تزيد على ذلك، كما أن تبليغ الخصوم قد يكون مقابل رسم. وبعد الحكم في القضية فإن التنفيذ يكون برسم كذلك. أما القضاء في المملكة فيتميز كما سبق بمبدأ المجانية، وبموجبه تتعهد الدولة بتقديم العدالة للجميع مجانا على اعتبار أن ذلك من مهامها الأساسية، وهذا أحد الاتجاهات العالمية في هذا الإطار.

السؤال: هل هذه المجانية وهي أحد عناصر السهولة في الوصول إلى القضاء سبب في هذا الكم الهائل من القضايا التي تنظرها المحاكم؟ لاسيما إذا أضفنا إلى ذلك: عدم اشتراط توكيل محامي، وبالتالي فليس هناك أي مبالغ مالية يصرفها مقدم الدعوى وحتى صحيفة الدعوى تقدم له مجانا، للإجابة عن السؤال أقول: نعم، ولكن هل هذا يعني المطالبة بفرض رسوم قضائية؟ للإجابة أقول: لا. ولبيان ذلك فمن المعلوم أنه في حال لم يكن هناك أي معوق يمنعك أو حتى يجعلك تتردد في تقديم الصحيفة لا شك أنه من عوامل التيسير الداعية إلى التقدم إلى القضاء.

والعكس في حال كانت هناك مبالغ ولو رمزية فضلا عن بلوغها نسباً عالية من قيمة الدعوى فإن هذا بالتأكيد سيكون عائقا عن التقدم بالدعاوى الكيدية بالدرجة الأولى، والدعاوى التي لا بينات واضحة فيها.

أما أن يكون هذا داعيا إلى فرض رسوم على تقديم الصحيفة وطلب تنفيذ الأحكام فلا أرى ذلك استمرارا على مبدأ المجانية استنادا على الفلسفة الموجبة له والتي تفترض أن تقديم العدالة من واجبات الدولة ومن حقوق المقيمين على أرضها من مواطنين وغيرهم. إلا أن هناك ما يمكن أن يكون مانعا من الدعاوى الكيدية وأشباهها ويحقق العدالة للطرفين، وينصف المظلوم من الظالم، دون حاجة إلى وضع اشتراطات لتقديم الدعاوى.

أعني بذلك تفعيل تطبيقات التعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي يلحق بالطرف المظلوم في القضية، فمن اضطر إلى شكاية خصمه واحتاج إلى إقامة محامي أو السفر إلى بلد آخر، وكان خصمه مليئا مماطلا فمن الظلم – في رأيي – أن يقال ليس لك إلا المبلغ المحكوم به فقط، ولا يعوض عن ما تكلفه لأجل الشكاية وتحصيل حقه. والقواعد الفقهية تؤيد ذلك ولا يسمح المقام لبسطها، وقد أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ولرئيس القضاة في وقته الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فتوى في صورة قريبة تسند هذا التوجه سبق أن عرضتهما مع المستند النظامي من نظام المرافعات الشرعية في مقال سابق.

تتجه بعض الدول إلى النص في قوانينها على الحكم بقيمة مصروفات الدعوى والمحامي على الطرف المحكوم عليه على كل حال على اعتبار انه الجانب المبطل، ولها مستندها في ذلك. ولكني أرى امتدادا للرأي السابق أن يجعل تقدير إلزام المحكوم عليه بتكلفة المحامي إلى القضاء. مختصر المقال: المجانية من أسباب كثرة القضايا، ومن الحلول: الحكم بالتعويض.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت