تنبيهات في صياغة العقود
يوسف الفراج
الحديث عن العقود وصياغتها, ومعرفة أركانها ومبطلاتها وما يجب أن يتجنبه صائغ العقد فيها من الفنون التي تدرس وفيها مؤلفات, وقد لا يتقنها بعض المختصين فضلا عن غيرهم من العامة, وفي الغالب فإنه يشار إلى أحكام صياغة العقود في الكتب التي تتحدث عن صياغة التشريعات, لا للتشابه في مضمونيهما, بل للتشابه في طبيعة تركيب المادة في كليهما من جهة سبكها, وكونها آمرة, والقدرة على اختصارها بما يكفي للدلالة على المعنى, وما يتبع ذلك من أحكام التقييد والإطلاق ونحوها من الأحكام. وأشير هنا إلى بعض التنبيهات المهمة في هذا الخصوص, وبعض الأمثلة عليها مما ورد في أروقة المحاكم – وسبق أن أشرت إلى بعض هذه التنبيهات ولكن بصيغة أخرى

– فمن أهم ما يجب التنبه له في صياغة العقد: تجنب الجهالة في البدلين, فمن شروط صحة العقد أن يكون المعقود عليه معلوماً برؤية أو بوصف، ومن التطبيقات في هذا الجانب: الحكم الصادر من المحكمة العامة في الرياض حيث أبطل القاضي العقد لكونه يشتمل على جهالة في طول الخزانات وعرضها وفي نوعية الشبابيك ومواصفاتها. ومما يجب التنبه له

كذلك: اشتراط حلول جميع الأقساط بالتأخير, وهذا الشرط كثيرا ما يضمن في العقود وقد يجيزه بعض القضاة استنادا لبعض الفتاوى ولمطلق الرضى بين الطرفين, إلا أن هناك بعض الأحكام الصادرة في محكمة الرياض وتتضمن أن اشتراط حلول جميع الأقساط بالتأخير شرط غير صحيح لأنه يؤدي إلى أن يأخذ المشترط حقه كاملاً بأرباحه ويسقط حق المدين في التأجيل, فيكون المشترط قد أخذ جزءا من المال دون مقابل وهذا حرام، ولأن الطرفين دخلا في العقد على المعاوضة فلا يجوز اشتراط ما يسقط المعاوضة أو شيئا منها, والتنبيه هنا إلى أن صائغ العقد قد يكتفي بهذا الشرط باعتباره ضمانة كافية لسداد المديونية, ولا ينص على ضمانات أخرى, وقد يفاجأ بإبطال هذا الشرط من قبل القضاء.

ومن الاشتراطات الممنوعة في العقود: اشتراط الغرامة على تأخير تسديد الأقساط, وقد صدر العديد من الأحكام من المحاكم تتضمن رفض طلب المدعي بالمطالبة بالغرامة على التأخير لأنه يشبه ربا الجاهلية واستندت إلى فتوى اللجنة الدائمة رقم (18761) وفتوى الشيخ محمد بن إبراهيم (7/45).

وأختم المقال بالإشارة إلى بعض التنبيهات العامة, ومنها: أهمية التكييف الفقهي الصحيح للعقد، وبالتالي جعل الشروط المناسبة لهذا التكييف, واجتناب الممنوعات الشرعية

ومن ذلك:- اشتراط الفائدة الربوية على شكل غرامات تأخير- واشتراط ضمان رأس المال في عقود الاستثمار – وإصدار وتداول السندات – وترتيب فوائد على التسهيلات الممنوحة للمستثمر- واجتناب المصطلحات التي تشتمل على معان غير شرعية مثل: “سعر الفائدة” و “الفرصة البديلة” و “السندات” و “غرامة التأخير” ونحوها. ويلزم كذلك الاهتمام بشكل العقد وصياغته الصياغة الصحيحة, ومن ذلك: ضرورة أن يكون العقد باللغة الفصيحة الواضحة – وضرورة تحديد الفاعل القانوني بوضوح مثل: “يدفع المشتري مبلغاً وقدره… للبائع”- والتقليل من استخدام الضمائر ما أمكن ذلك – واستخدام صيغة المبني للمعلوم بدلاً من صيغة المبني للمجهول ما أمكن ذلك – واستخدام صيغة الإيجاب بدلا من صيغة النفي – واستخدام التبنيد ” الفقرات” بدلاً من المتعاطفات – واجتناب التطويل قدر الإمكان, ولا بد من التنبه في آخر هذه التنبيهات إلى أن في بعضها اختلافا بين القضاة, كما أن للكاتب رأي آخر في بعضها خلاف المشار إليه هنا, ولكن التنبيه هنا لتجنب احتمالية الإبطال وهو مطلب ضروري لصائغ العقد.

ملحوظات في صياغة العقود
تحدثت في أكثر من مقال عن العقود وصياغتها وأضيف هنا جوانب أخرى تتعلق بها، ومن ذلك: ضرورة النص صراحة على علم المشتري بالمبيع علما ينفي الجهالة، وفيما يتعلق بالعقارات يكون ذلك برؤية العقار بالعين آو معرفته بالوصف إذا كان من بيوع الاستصناع “المقاولات”، ولابد أن يكون الوصف دقيقا بأن تحدد الشقة – مثلا – بمساحتها ومكانها من العقار ومشتملاتها من حيث عدد الغرف والخدمات ونحو ذلك مما ينفي الجهالة ويقطع النزاع. ومن التطبيقات القضائية في هذا الجانب ما ورد في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم أن امرأة باعت قبل وفاتها نخلها بألف ريال حالة، وخمسين في كل سنة مدة حياتها وقد قرر الشيخ أن العقد معلوم الفساد لجهالة الثمن وجهالة مدة حياة المرأة،

ومن التطبيقات أيضا: الحكم الصادر من المحكمة العامة في الرياض حيث أبطل القاضي العقد لكونه يشتمل على جهالة في طول الخزانات وعرضها وفي نوعية الشبابيك ومواصفاتها. وينبغي التنبيه هنا إلى أنه ليس كل جهالة تبطل العقد فقد سأل الشيخ محمد ابن إبراهيم كما في فتاويه عن حكم المساهمة في الشركات المساهمة فأجاب: “إن العلم في كل شيء بحسبه فلا بد أن يطلع المشتري على ما يمكن الإطلاع عليه بلا حرج ولا مشقة ولا بد أن تكون هناك معرفة عن حالة الشركة ونجاحها وأرباحها وهذا مما لا يتعذر علمه في الغالب لأن الشركة تصدر في كل سنة نشرات توضح فيها بيان أرباحها وخسائرها كما تبين ممتلكاتها من عقارات وأرصدة كما هو معلوم من الواقع”.

أشرت هنا إلى شرط العلم بالمبيع لأهميته وكثرة ما يرد إلى المحاكم من الاختلاف بشأنه، وسبق أن قررت عددا من الملحوظات في العقود بصورة عامة وكيفية صياغتها والأولى في الصياغة من العبارات في مقالات سابقة واختم بتنبيهات عامة في العقود، ومنها:

1 – أهمية التكييف الفقهي الصحيح للعقد، وبالتالي جعل الشروط المناسبة لهذا التكييف.

2 – اجتناب المخالفات الشرعية ومن ذلك:

أ – اشتراط الفائدة الربوية.

ب – اشتراط ضمان رأس المال في عقود الاستثمار.

د – إصدار وتداول السندات.

هـ – ترتيب فوائد على التسهيلات الممنوحة للمستثمر.

3 – اجتناب المصطلحات التي تشتمل على معاني تثير الإشكال الشرعي مثل: “سعر الفائدة” و”التسهيلات” و”الفرصة البديلة” و”السندات” و”غرامة التأخير” ونحوها. 4 – الاهتمام بشكل العقد وصياغته الصياغة الصحيحة ومن ذلك:

أ – ضرورة أن يكون العقد باللغة الفصيحة الواضحة. ب – ضرورة تحديد الفاعل القانوني بوضوح مثل: “يدفع المشتري مبلغاً وقدره… للبائع”، بدلا من :” يدفع مبلغ وقدره ….”.. جـ – التقليل من استخدام الضمائر ما أمكن ذلك. د – استخدام صيغة المبني للمعلوم بدلاً من صيغة المبني للمجهول ما أمكن ذلك. هـ – استخدام صيغة الإيجاب بدلا من صيغة النفي. فمن العبارات الخاطئة: “يجب ألا يكون المنتج غير مطابقا للمواصفات”، والصحيح: “يجب أن يكون المنتج مطابق للمواصفات”. و – استخدام التبنيد بدلاً من المتعاطفات. ز – اجتناب التطويل قدر الإمكان.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت