السلطة التقديرية في تحديد الدخل الخاضع للضريبة وتعيين مقدار الضريبة :

لتحديد الدخل الخاضع للضريبة ينبغي خصم السماحات ، والى حد ما فأن سلطة الادارة تكون مقيدة ازاء تطبيق المبالغ التي حددها القانون اذ لاتستطيع الادارة ان تحيد عن خصم السماحات متى ما استحقها المكلف كما ليس لها ان تطبق اسعاراً ضريبية لاتنطبق على صفة المقيم او غير المقيم ، شخصاً طبيعياً او معنوياً . ومع ذلك قد نلمس بعض ملامح السلطة التقديرية للادارة ازاء تحديد السماحات والسعر الضريبي ، ويمكن ايجاز ذلك بالاتي :-

اولاً : السلطة التقديرية ازاء تحديد السماحات :

ترتبط السماحات ارتباطاً وثيقاً بالمستوى المعاشي العام بل انها تتقرر في ضوء ذلك المستوى ، ولما كانت الظروف الاجتماعية والمعاشية عرضة للتغيير فأن متطلبات العدالة تتطلب تعديل مبالغ السماحات لتتلاءم مع متطلبات ذلك التغير . والسؤال الذي يثور هنا هل ان للسلطة المالية سلطة تقديرية في تغيير السماحات بتغير تلك الظروف ؟ ليس للسلطة المالية ان تعدل في مبالغ السماحات ومقياس الضريبة اذ ان هذا الامر مناط بالمشرع . بيد ان المادة 13 (المكررة) من قانون ضريبة الدخل النافذ قد اعطت لوزير المالية سلطة تقديرية في ان يقترح ضمن مشروع الموازنة العامة السنوية للدولة تعديل السماحات المنصوص عليها في المادة الثانية عشرة كلما دعت الظروف الاجتماعية والاقتصادية الى ذلك(1). وبذلك فأن السلطة التقديرية الممنوحة للسلطة المالية ازاء تعديل السماحات تقتصر على الاقتراح ليس الا وذلك بعد ان تقرر بناء على سلطتها التقديرية ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية تقتضي ذلك . وعلى اساس هذه السلطة التقديرية الممنوحة للوزير فقد تم اقتراح تعديل السماحات الواردة بالقانون رقم 25 لسنة 1998 وتم اقرار المشروع بصدور القانون رقم 57 لسنة 2001 .

ثانياً : السلطة التقديرية ازاء تحديد مقياس الضريبة :

وفق المادة 13 (المكررة) من قانون ضريبة الدخل النافذ فأن السلطة المالية تملك سلطة تقديرية في اقتراح التعديل ايضاً في مقياس الضريبة متى ما اقتضت الظروف الاقتصادية والاجتماعية ذلك . لذا فان ما ذكرناه من ملامح للسلطة التقديرية ازاء السماحات ينطبق على مقياس الضريبة الا انه لم تجرِ أية تعديلات على مقياس الضريبة بناءً على السلطة الممنوحة للوزير في الاقتراح . فضلاً عن ذلك فأن الشك قد يثور في ما اوردته المادة 19/ فقرة 3 من قانون ضريبة الدخل التي نصت على انه ” اذا ظهر للسلطة المالية بأن مقدار المكاسب والارباح الحقيقية العائدة لشخص غير مقيم وخاضع للضريبة باسم المقيم لايمكن التحقق منها بسهولة بوجه من الوجوه فللسلطة المالية اذا رأت ذلك مناسباً ان تقدر الضريبة على غير المقيم وتجعله خاضعاً لها بنسبة مئوية عادلة ومقبولة على مقدار الاعمال التجارية التي يقوم بها غير المقيم بواسطة المقيم … الخ ” . ان مصطلح ” النسبة المئوية العادلة ” للسلطة المالية ان تاخذ بها وتخضع على اساسها دخل غير المقيم – عند توفر الشروط – للضريبة مصطلح يشوبه الغموض اذ قد يفسر على ان هذه النسبة المئوية يقصد بها مقياس الضريبة وبالتالي فأن للسلطة المالية سلطة تقديرية في تحديد مقياس الضريبة في هذه الحالة . الا ان الامر غير ذلك فالمقصود بالنسبة المئوية العادلة الواردة في هذا النص هو افتراض هامش ربح معين أي تقديراً جزافياً تقرره السلطة المالية بشكل نسبة مئوية ويخضع ذلك التقدير الجزافي للضريبة بعد تطبيق الاسعار الضريبية التي نص عليها القانون ، بمعنى اخر فأن السلطة المالية تتقيد بتطبيق النسب الخاصة باسعار الضريبة الواردة في المادة 13 بعد ان تحدد بناءً على سلطتها التقديرية النسبة العادلة من الربح المتحقق لغير المقيم . وعلى هذا الاساس سارت الهيئة التمييزية ففي احدى القضايا قررت الهيئة التمييزية تاييد قرار السلطة المالية باحتساب الضريبة على الشركة الاجنبية المميزة بنسبة 35% من الارباح على ان هذه النسبة تمثل مقدار الربح لا الضريبة وهي نفس النسبة التي قدرت بها الشركة عن مصادر دخلها الاخرى في السنة نفسها (2).

________________________

1- اضيفت هذه المادة بصدور قرار مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) رقم 142 في 3/8/1999 والنافذ اعتباراً من 1/1/2000 .

2- قرار الهيئة التمييزية المرقم 43 في 13/8/2002 – ماخوذ من ملف قرارات الهيئة التمييزية للسنة 2002 – غير منشور .

السلطة التقديرية في اعفاء الدخل من الضريبة :

يفترض في هذا المضمار ان تكون سلطة الادارة مقيدةً وذلك لما للاعفاء من اثر سلبي في الحصيلة الضريبية وبالتالي في الايرادات العامة . ومن هذا المنطلق ، حرص المشرع على تكريس ذلك التقييد – في الغالب – في نص المادة السابعة من قانون ضريبة الدخل النافذ وفي بعض القوانين الخاصة الاخرى(1). غير ان هذا التشدد في تقييد ارادة السلطة المالية في منح الاعفاء لم يحل دون القول بوجود بعض الحالات التي يمكن للسلطة المالية فيها ان تتخير في منح الاعفاء من عدمه كلاً او جزءاً ومن هذه الحالات نذكر :

أ- التأثير في منح الاعفاء من خلال التاثير في التقدير . فقد يفرض القانون على السلطة المالية منح الاعفاء لما يزيد على مبلغ معين يحدد بالنص . ففي هذا الفرض يمكن للسلطة المالية ان تتمتع بسلطة تقديرية في منح الاعفاء من عدمه من خلال تاثيرها في التقدير . ولاشك ان للسلطة المالية مجالاً رحباً تستطيع ان تتحرك فيه وهي تقدر الضريبة وتطبيقاً لذلك تستطيع السلطة المالية ان تقرر اعفاءه من الضريبة البدل الناجم عن نقل ملكية العقار متى ما قدرت قيمة العقار بما لايزيد على عشرين مليون ديناراً(2).

ب- السلطة التقديرية التي يتركها المشرع للادارة في تحديد حجم الاعفاء . فقد يلزم القانون السلطة المالية بوجوب منح الاعفاء بعد تحقق شروط معينة الا انه يترك لها الخيار في ان يكون الاعفاء بشكل كلي او جزئي . وفي هذا الصدد قرر المشرع الضريبي العراقي اعفاء دخل مؤسسات الطيران وذلك بشروط وهي :

1- ان يصدر قرار الاعفاء من الوزير .

2- ان تكون هناك مقابلة بالمثل .

3- ان يكون هناك خط او مصلحة جوية للعراق في بلد الدولة التي تتبعها تلك المؤسسات(3).

ورغم هذه الشروط ، نجد ان القانون قد ترك الخيار للوزير بان يكون الاعفاء لكل او بعض دخل تلك المؤسسات . اذ جاء في شطر الفقرة 16 من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل النافذ اعفاء ” دخل مؤسسات الطيران ، كلاً او بعضاً… الخ ” .

ج- منح الاعفاء او حجبه بناءً على تفسير وتاويل السلطة المالية ، فقد تاتي بعض النصوص غامضة او ناقصة الى حد ما . مما يتيح المجال للسلطة المالية التدخل وازالة هذا الغموض عن طريق التفسير ، فعلى سبيل المثال ، اعفى القانون من الخضوع لضريبة الدخل الهبة للمؤسسات الرسمية والجهات والجمعيات الخيرية والتعاونية والثقافية والعلمية ولم يحدد ماهية تلك الجهات (4). وفي موقع اخر نجد ان المشرع قد اعفى دخل الجهات الخيرية والتهذيبية المؤسسة للنفع العام من الخضوع للضريبة بشرط الا تكون ناجمة عن صنعة او مهنة او عمل تجاري . ولم يحدد المشرع تحديداً دقيقاً المقصود بالجهات الخيرية والتهذيبية المؤسسة للنفع العام وترك للسلطة المالية حرية تحديد تلك الجهات (5). وهكذا فان هذا الغموض او النقص في النصوص يعطي قدراً من السلطة التقديرية للادارة في منح او حجب الاعفاء من خلال تفسيرها للنص الغامض اذا كان النص ينطبق او لا ينطبق على الحالة المعروضة . ففي احدى الحالات قررت السلطة المالية اخضاع السيارات الانتاجية والزراعية للضريبة دون استثناء ومنها ايضاً الساحبات الزراعية اذا كانت المساحة المستثمرة من الارض الزراعية تقل عن 100 دونم واعفاء ما يزيد على ذلك من الخضوع للضريبة(6). لقد تبنت السلطة المالية هذا الحكم بعد ان جاء نص الفقرة (1) من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل النافذ ناقصاً . اذ اعفى هذا النص من الضريبة ، الدخل الناجم للمزارع ومربي الحيوانات من المنتوجات النباتية والحيوانية بما في ذلك تربية الحيوانات . ولم يشير هذا النص الى الالات والمركبات المستخدمة في الزراعة .

_________________________

1- انظر ص61 من الرسالة .

2- انظر البند ثانياً من قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم 120 لسنة 2002 انف الذكر

3- انظر الفقرة 16 من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

4- انظر الفقرة (26) من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

5- انظر الفقرة (3) من المادة (7) من قانون ضريبة الدخل النافذ .

6- انظر اعمام الهيئة العامة للضرائب المرقم 7/1250 في 5/12/1995 .

المؤلف : قيصر يحيى جعفر الربيعي
الكتاب أو المصدر : السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل القانون العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .