مقال قانوني حول المسؤولية العقدية في القانون

مقال حول: مقال قانوني حول المسؤولية العقدية في القانون

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تعتبر المسؤولية المدنية من أهم الموضوعات القانونية التي اهتم بها الفقه والقضاء منذ بداية القرن العشرين ولا زال هذا الاهتمام في تصاعد مستمر نتيجة تجدد وتفاقم المخاطر التي يتسبب فيها الإنسان بفعله أو الأشياء التي في حراسته. ونظراً لأن الهدف من وضع قواعد المسؤولية المدنية هو ضمان حصول المضرور على التعويض عن الضرر الذي لحق به بشكل عام، وفي مقابل الشق المتعلق بالمسؤولية التقصيرية، فإن هناك شقاً لا يقل عنه أهمية يرتبط بالإخلال بالالتزامات العقدية الناجم عن عدم احترام بنود العقد ومضمونه.. وهو ما يعرف بالمسؤولية العقدية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المسؤولية عموماً.

وإذا كانت المسؤولية التقصيرية تُعتبر في حد ذاتها مصدراً مستقلاً من مصادر الالتزام، إلا أن المسؤولية العقدية لا تعدو أن تكون أثراً من آثار الإخلال بالالتزامات العقدية، أو بتعبير آخر مجرد جزاء من جزاءات عدم تنفيذ الالتزام.

ولهذا النوع من المسؤولية مظاهر عدة تحكمها قواعد مشتركة إلا ما استثناه المشرّع بمقتضى نص خاص؛ فهي في العموم خاضعة لنظام قانوني موحد، وإن كان الاتجاه الحالي في ميدان التشريع والفقه يتشدد في مجال المسؤولية العقدية للحرفيين والصناع، حيث تتحقق مسؤولية هؤلاء بمجرد الإخلال بالالتزام دون حاجة لإثبات خطأهم من لدن الطرف الآخر؛ فهي مفترضة بقوة القانون وخاصة عندما يكون المتعاقد الآخر ليس لديه دراية بشؤون الحرفة، كالمتعاقد مع المقاول والطبيب والمحامي والناقل.

ويتجلى هذا التشدد بما يعرف بقواعد حماية المستهلك التي خصتها جميع التشريعات المدنية بأحكام ترتقي إلى مصاف الحماية في عقود الإذعان. لكن المشرّع يتطلب لقيام المسؤولية العقدية في جميع الأحوال ثلاثة شروط؛ هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما. ويتخذ الخطأ العقدي أكثر من مظهر قانوني ويختلف باختلاف نوعية الإخلال الذي يرتكبه المدين؛ فقد يتمثل في امتناع أحد المتعاقدين عن الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها.. وقد يأخذ شكل التأخر في التنفيذ الأمر الذي يسبّب إلحاق الضرر بالطرف الدائن.

وإذا كان المشرّع السوري قد اقتصر على ذكر مظهرين للإخلال بالالتزام في المادة 222 من القانون المدني، وهما عدم الوفاء بالتزام والتأخر في الوفاء به، إلا أن ذلك لا يعني أن تحديده السابق وارد على سبيل الحصر؛ بدليل أن هناك الكثير من الأشكال الأخرى التي يتحقق فيها الخطأ العقدي.. ومثال ذلك حالة تسيلم البائع شيئاً معيباً للمشتري وهو يعلم مسبقاً بوجود هذا العيب. وكذلك حالة الشخص الذي يبيع عقاراً مع علمه أنه مهدد بالاستملاك أو المصادرة لأجل المصلحة العامة.

وقد يتمثل الإخلال بالتزام في كتمان الحقيقة وعدم إسداء النصيحة للمتعاقد معه، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعقود ذات الطبيعة التقنية أو المهنية. وإذا كان الفقه فيما مضى يذهب إلى الأخذ بفكرة تدرج الخطأ بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير والخطأ التافه، إلا أن الرأي الغالب في الفقه المعاصر يذهب إلى نبذ هذه التفرقة لعدم أهميتها، وأن الخطأ يعتبر سبباً للمساءلة العقدية سواء كان جسيماً أو على قدر من الجسامة أو تعلق الأمر بأخطاء من قبيل الإهمال أو اللامبالاة. فلا يتحلل المدين من تحمّل هذه المسؤولية إلا بإثبات أن إخلاله كان نتيجة سبب أجنبي لا يد له فيه، أو كان بسبب خطأ المضرور ذاته، أو بفعل الغير.. وعبء الإثبات في هذه الحالة يقع على طرف المدين، لأن الخطأ مفترض، والدائن عليه فقط تحديد نوع الضرر الذي لحق به، وأن يبرهن على وجود عقد صحيح يربط بينه وبين المدين بالالتزام، وذلك في حالة كان الالتزام بتحقيق غاية، كعقد المقاولة.

أما إذا كان العقد من صنف الالتزامات التي لا يتحمّل فيها المدين أكثر من بذل عناية الرجل المعتاد كالعقد مع الطبيب والمحامي، فإن الاخلال لا يتحقق إلا إذا أثبت الدائن التقصير والإهمال في جانب الملتزم الآخر وذلك بمختلف وسائل الإثبات، باعتبار أن الإخلال بالعقد من المسائل التي يختلط فيها الواقع بالقانون. لذلك فالمنطق يفترض تمكين الدائن كطرف مضرور إثبات عملية الإخلال بجميع وسائل الإثبات بما فيها الشهادة والقرائن. وخلافاً للمسؤولية التقصيرية التي تعدّ من النظام العام، والتي لا يجوز الاتفاق على الإعفاء مما قرره المشرّع بشأنها من أحكام، فإن الوضع مختلف بالنسبة للمسؤولية العقدية حيث أن الأصل في هذا الميدان هو حرية الأطراف المتعاقدة في تعديل أحكام المسؤولية العقدية، سواء تعلق الأمر بتشديد هذه المسؤولية أو التخفيف منها وحتى الإعفاء منها.

وختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن بطلان الشرط المعفي من المسؤولية أو المخفّف منها لا يستوجب بطلان العقد الذي تضمن هذا الشرط؛ فالعقد يبقى صحيحاً ومنتجاً لكافة آثاره القانونية ما لم يثبت المتعاقد أن هذا الشرط هو الدافع للتعاقد، وفي هذه الحالة يبطل العقد والشرط معاً.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.