انقسمت الدساتير العربية الجمهورية التي لم تنص على منصب نائب الرئيس إلى عدة اتجاهات في تحديدها للجهة التي تتولى رئاسة الدولة ، إذا ما أستحال على الرئيس ممارسة مهام عمله بصفة مؤقتة أو دائمة . فقد أناطت الدستور لجزائري برئيس مجلس الأمة مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لحين زوال المانع أو انتخاب رئيس جديد ، وإذا ما تزامن شغور منصب الرئاسة مع شغور رئاسة مجلس الأمة ، تناط مهمة رئاسة الدولة برئيس المجلس الدستوري لحين انتخاب رئيس جديد . فقد نصت المادة ( ٨٨ ) من الدستور الجزائري على أنه (إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير مزمن يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة ، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع .

١- يعلن البرلمان بغرفتيه المجتمعين معاً ، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي ( 2/3) أعضائه ، ويكلف برئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها خمسة وأربعون ( ٤٥ ) يوماً رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة ( ٩٠ ) من الدستور .

٢- وفي حالة استمرار المانع بعد إنقضاء خمسة وأربعون ( ٤٥ ) يوماً ، يعلن الشغور بالاستقالة وجوباً ……. – ٣- وفي حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته ، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية -٤- …….. -٥-……..-٦-………. – ٧- إذا أقترنت إستقالة رئيس الجمهورية – ………. أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ويثبت بالإجماع الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة ، وفي هذه الحالة يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة ……..).

والملاحظ أن الدستور الجزائري أشار لمن يحل محل رئيس الدولة في حالة عجز الرئيس المؤقت والدائم بسبب المرض وفي حالة الاستقالة والوفاة دون أن يشير لحالة شغور المنصب بسبب سفر الرئيس إلى الخارج أو بسبب الإقالة ربما لأن الدستور الجزائري لم ينص على الإقالة أصلاً . وبذات الاتجاه الذي ذهب إليه الدستور الجزائري ، ذهب الدستور الصومالي ، حيث أناط برئيس السلطة التشريعية مهمة إدارة رئاسة الدولة لحين زوال المانع أو انتخاب رئيس جديد مع ملاحظة أن الدستور الصومالي أوكل لأكبر أعضاء السلطة التشريعية سناً مهمة رئاسة الدولة مؤقتاً إذا تزامن شغور منصب الرئاسة مع تغيب رئيس السلطة التشريعية . فقد نصت المادة ( ٧٤ ) من الدستور الصومالي لعام ١٩٦٩ على أنه ( ١– في حالة وفاة رئيس الجمهورية أو أستقالته أو عجزه الدائم ، يجتمع المجلس الوطني في مدة ثلاثين يوماً لانتخاب الرئيس الجديد . – ٢-إلى أن يجري الانتخاب المنصوص عليه في الفقرة السابقة وفي حالة توقف سلطات الرئيس القائم بمقتضى المادة ( ٧٦ ) وبالمثل في حالات العجز المؤقت يتولى رئيس المجلس الوطني بصفة مؤقتة جميع السلطات القانونية المخولة لرئيس الجمهورية وعند تغيبه يتولى هذه السلطات أكبر وكلاء المجلس سناً ……..“.

والملاحظ أن الدستور الصومالي لم يشر لحالة تزامن شغور منصب رئاسة الدولة مع شغور رئاسة المجلس الوطني ، ولكن أشار لحالة تزامن شغور منصب رئاسة الدولة مع تغيب رئيس المجلس الوطني عن حضور جلسات المجلس . والواقع أن حالة التغيب هذه لا تستوجب أناطت مهمة رئاسة الدولة المؤقتة بأكبر أعضاء المجلس الوطني سناً لأن التغيب قد يكون لسبب طارئ مؤقت لا سيما وأن رئيس المجلس يمارس مؤقتاً مهام رئيس الدولة . وأوكل الدستور الموريتاني لعام ٢٠٠٦ برئيس أحد فرعي البرلمان ( مجلس الشيوخ) مهمة رئاسة الدولة في حالة شغور المنصب أو قيام مانع أعتبره المجلس الدستوري نهائيا ( في حالة شغور أو مانع أعتبره المجلس الدستوري نهائيا ، يتولى . ( رئيس مجلس الشيوخ نيابة رئيس الجمهورية لتسيير شؤونه الجارية )(1) والملاحظ أن الدستور الموريتاني أشار لمن يحل محل الرئيس في حالة شغور المنصب ( الاستقالة – الوفاة … ) أو قيام مانع نهائي يمنع الرئيس من الاستمرار في مزأولة مهام منصبه ، لكنه لم يحدد من يحل محل رئيس الدولة في حالة تعذر ممارسة مهام عمله بصفة مؤقتة ، كما لم يحدد من يتولى هذه المهمة إذ استحال على رئيس مجلس الشيوخ الاضطلاع بهذه المهمة لأي سبب من الأسباب كأن يكون المجلس منحلاً مثلاً . وخول الاتجاه الثاني من الدساتير العربية ، رئيس الوزراء صلاحية الحلول محل رئيس الدولة بصفة أصلية أو احتياطية إذ عجز الرئيس عن ممارسة مهام عمله بصفة دائمة أو مؤقتة . وبهذا الاتجاه ذهب الدستور الفلسطيني والتونسي والسوري. فقد أوكل الدستور الفلسطيني لرئيس مجلس الوزراء رئاسة الدولة في حالة شغور المنصب أو إذا أصدر المجلس النيابي قراراً اتهم فيه الرئيس وفقا للمادة ( ١٣٢ ) من الدستور.

وبدلاً من رئيس مجلس الوزراء ، يتولى هذه المهمة رئيس المحكمة الدستورية العليا إذا أبدى رئيس مجلس الوزراء رغبته في الترشح لرئاسة الدولة أو حال دون توليه الرئاسة مانع قانوني .( إذا شغر مركز الرئيس أو قرر المجلس النيابي اتهامه وفقاً للمادة ( ١٣٢ ) من الدستور ، يتولى رئيس مجلس الوزراء ، رئاسة الدولة مؤقتاً ……. وإذا رغب رئيس مجلس الوزراء في ترشيح نفسه أو حال دون توليه المنصب مانع قانوني يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الدولة مؤقتاً …….)(2) وعالج الدستور الفلسطيني حالة شغور منصب الرئاسة بصفة دائمة ولم يعالج حالة الشغور المؤقت ، بسبب السفر أو المرض المؤقت مثلاً ، صحيح أن النص أورد تعبيراً عأما (إذا شغر مركز الرئيس ……..) لكنه قيد هذا التعميم بعبارة “…..يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة الدولة مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً تجري خلالها الانتخابات للرئاسة ….. وإذا رغب رئيس مجلس الوزراء في ترشيح نفسه ……“. وربما كان هذا القصور التشريعي مقصود بذاته لمنح الرئيس صلاحية اختيار من يحل محله عند مغادرته منصبه بصفة مؤقتة . وميز الدستور التونسي فيمن توكل له مهمة رئاسة الدولة بصفة مؤقتة ، بين حالة الشغور النهائي والمؤقت . فأوكل لرئيس مجلس النواب هذه المهمة إذا استحال على الرئيس ممارسة مهام عمله بصفة دائمة بسبب الوفاة أو الاستقالة أو العجز الدائم . وأوكل للوزير الأول هذه المهمة إذا تعذر على الرئيس القيام بمهامه بصفة مؤقتة .( لرئيس الجمهورية إذا تعذر عليه القيام بمهامه بصفة مؤقتة أن يفوض بأمر سلطاته إلى الوزير الأول …..)(3) ( عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو الاستقالة أو لعجز تام ، يتولى فوراً رئيس مجلس النواب مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة ……)(4) .

وبالرغم من معالجة الدستور التونسي لحالة العجز المؤقت والنهائي لرئيس الدولة عن ممارسة مهام عمله ، إلا أنه لم يعالج حالة شغور منصب الرئاسة إذا ما تزامن ذلك مع شغور منصب الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو إذا استحال على أي منهما ممارسة مهام رئيس الدولة . وأوكل الدستور اللبناني بمجلس الوزراء مجتمعاً ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في حالة خلو سدة الرئاسة لأي سبب من الأسباب كالاستقالة والإقالة والوفاة والعجز الدائم بسبب المرض …..( في حالة خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء )(5) . على أن توقع المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء بهذا الشأن من قبل رئيس مجلس الوزراء ومن الوزير أو الوزراء المختصين (6) وأورد الدستور اللبناني نصاً يثير الاستغراب في صياغته وفحواه ،إذ نصت المادة ( ٦١ ) منه على أنه (يكف رئيس الجمهورية عن العمل عندما يتهم وتبقى سدة الرئاسة خالية إلى أن تفصل القضية من قبل المجلس الأعلى ). ومن المؤكد أن نصاً بهذه الصياغة من شأنه أن يخلق فراغاً رئاسياً لفترة قد تطول ، إذ تستغرق عادة إجراءات الاتهام والفصل فترة طويلة نسبية . وكان الأولى بالدستور اللبناني أن يوكل مهمة إدارة شؤون الرئاسة لمجلس الوزراء مجتمعاً وعلى حد سواء مع حالات خلو سدة الرئاسة المنصوص عليها في المادة ( ٦٢ ) أو أن ينيط هذه المهمة بأي سلطة أخرى . أما أن تبقى سدة الرئاسة خالية على هذا النحو فإنه أمر يثير الاستغراب . وخلال الفترة الممتدة من عام ١٩٢٦ حتى عام ٢٠٠٧ شغر منصب الرئيس خمس مرات ، الأولى عام ١٩٥٢ حينما قدم الرئيس بشارة الخوري استقالته لمجلس النواب على خلفية اتهامه بالفساد(7) ، والثانية عام ١٩٥٨ حيث توفى الرئيس الياس سركسيس قبل انتهاء فترة ولأيته ، والثالثة عام ١٩٨٢ حينما اغتيل الرئيس بشير الجميل قبل أن يتولى مهام منصبه ، والرابعة عام ١٩٨٩ عندما اغتيل الرئيس رنيه معوض بعد سبعة عشر يوما من تاريخ انتخابه ( ٥نوفمبر٢٥ نوفمبر ١٩٨٩ ) ، والخامسة عندما انتهت فترة الولأية الثانية للرئيس – ١٩٨٩ العماد أميل جميل لحود عام ٢٠٠٧ دون أن يتمكن مجلس النواب من الاتفاق على اختيار رئيس جديد للبلاد حيث ظلت سدة الرئاسة خالية لمدة سبعة أشهر ، بعدها تم الاتفاق على اختيار قائد الجيش العماد ميشيل سليمان رئيساً للدولة في مايو ٢٠٠٨ .

_______________

1- م ( ٤٠ ) من الدستور الموریتاني لعام ٢٠٠٦ .

2- أنظر م ( ١٢٠ ) من الدستور الفلسطيني لسنة ٢٠٠٢ .

3- فصل ( ٥٦ ) من الدستور التونسي لسنة ١٩٨٩ .

4- فصل ( ٥٧/1 ) من الدستور التونسي لسنة ١٩٨٩

5- م( ٦٢ ) من الدستور اللبناني . عدلت بموجب القانون الدستوري الصادر في ٢١ /9/1990.

6- راجع قرار مجلس الشورى رقم 70 في 3/11/1997 منشور في مجلة القضاء الإداري العدد الثالث عشر المجلد الأول – ١٩٩٨ ص ٩٥ نق لاً عن د. احمد سعیفان – الأنظمة السیاسیة والمبادئ الدستوریة العامة – دراسة مقارنة منشورات الحلبي الحقوقیة –ط١ / ٢٠٠٨ –ص ٤٠٨ . كذلك راجع د. آبراھیم عبد العزیز شیحا – الوجیز في النظم السیاسیة والقانون الدستوري دراسة تحلیلیة للنظام الدستوري اللبناني – الدار الجامعیة – بیروت – دون سنة نشر –ص ٦١٦ – ٦١٩ . كذلك د.عبد الغني بسیوني عبد الله – النظم السیاسیة والقانون الدستوري – منشأة المعارف – الإسكندریة- ١٩٩٧-١٤١٧ -ص ٦٥٥

7- الجدیر بالذكر أن الرئیس فؤاد شھآب كان قد ھدد بالاستقالة ، لكنه رجع عن قراره قبل أن تأخذ الاستقالة طریقھا إلى مجلس النواب . وامتدت فترة حكمه من ٢٣ سبتمبر ١٩٥٨ إلى ٢٢ سبتمبر ١٩٦٤ . راجع عبده عویدات – النظم الدستوریة في لبنان والبلاد العربية والعالم . منشورات – عویدات – لبنان – ط ١٩٦١ ١ –ص ٥

المؤلف : علي يوسف الشكري
الكتاب أو المصدر : مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية / العدد الاول / منصب نائب رئيس الجمهورية
الجزء والصفحة : ص 73-78

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .