دعم مجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز تجسيد لاستقلالية واحترام القضاء/للقاضي زهير كاظم عبود

تشكل محكمة التمييز العصب المهم في مفاصل المؤسسة القضائية العراقية , وتتشكل هذه المحكمة العليا من خيرة القضاة الذين خبرت تجربتهم المحاكم وعرفهم سوح القضاء وشهد لهم تاريخهم الطويل بالنزاهة والكفاءة , ومحكمة التمييز هي الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة القضائية على جميع المحاكم ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

وكانت محكمة التمييز قد تشكلت بتاريخ 24/2/1925 بموجب الإرادة الملكية الصادرة بتاريخ التشكيل , ويتوزع قضاتها للعمل ضمن هيئات متعددة تتوزع بين الهيئة العامة والهيئة الموسعة المدنية والهيئة الموسعة الجزائية والهيئة الاستئنافية للعقار والهيئة الاستئنافية للمنقول والهيئة المدنية للعقار والهيئة المدنية للمنقول والمتفرقة وهيئة الأحوال الشخصية الأولى وهيئة الاحوال الشخصية الثانية والهيئة الجزائية الأولى والهيئة الجزائية الثانية وهيئة الأحداث علماً ان الهيئة العامة تضم جميع القضاة العاملين في محكمة التمييز , ويلاحظ ان محكمة التمييز تتشكل من عدد من القضاة يتم تعيينهم كأعضاء في محكمة التمييز بموجب مرسوم جمهوري يصدر عن رئيس الجمهورية, بعد ان يتم ترشيحهم من قبل مجلس القضاء الأعلى بمقتضى نص المادة 91 من الدستور , حيث يتم عرض الأسماء على مجلس النواب للموافقة عليها.

وبالرغم من ان العدد لم يكتمل لأعضاء محكمة التمييز في الاعوام السابقة , ما يسبب ضغطاً كبيراً وجهداً غير متناسب مع حجم االدعاوى المعروضة على الاعداد القليلة من القضاة , ومع ان المادة 12 من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل اشارت الى ان محكمة التمييز تتألف من رئيس وخمسة نواب للرئيس وقضاة لا يقل عددهم عن ثلاثين , وبهذا يكون مجموعهم 36 قاضياً , الا ان العدد بدأ يتناقص بشكل لا يتناسب مع سعة حجم الدعاوى وازدياد عدد ااقضايا المنظورة امام المحاكم في العراق , وتوسع المحاكم وانشاء دور عدالة جديدة , ولم يصل عدد اعضاء محكمة التمييز اليوم الى مستوى هذا العدد , لا بل تناقص العدد الى درجة ان العديد من اعضاء محكمة التمييز من بلغ منهم السن القانوني الموجب للإحالة على التقاعد القضائي , فتم الاستعانة به مرة اخرى ليسد مكاناً شاغراً لا يمكن ان يجد له من يشغله في الوقت الحاضر , فتم تمديد خدمته القضائية لمدة تتراوح بين سنة واحدة او سنتين وبذلك الامر يبقى العدد يراوح في مكانه وينذر بحالة شائكة ووضع سلبي في حال عدم وجود بديل عن هؤلاء , اذ ينبغي التفكير ملياً في ترشيح وتعيين عدد من الاعضاء خلال هذه الفترة القادمة , حتى يمكن تدارك حجم الدعاوى المرسلة من المحاكم وانجازها , والامر لا يتطلب فقط ان يتم الترشيح من قبل مجلس القضاء الأعلى وإرسال الأسماء الى مجلس النواب لأجراء المناقشة والتدقيقات عليها ومن ثم الموافقة عليها وإصدار المراسيم الجمهورية بذلك , لأن هذه الآلية بطيئة وتمر بمراحل متعددة وتصطدم بالمناقشات والعرض الذي يتطلبه أجتماع مجلس النواب الغارق في مناقشة قوانين وتعديل دستوري ولجان تدرس موضوعات آنية ومشاكل تهم حياة الناس , ولهذا نجد أن تعديل النص الدستوري ضمن التعديلات المزمع أجراءها على نصوص الدستور , بأن يتم وضع الآلية العملية في تعيين وإختيار أعضاء محكمة التمييز , حيث أن مجلس القضاء الأعلى هو الجهة المسؤولة عن تدقيق كفاءة القضاة وحسن أدارتهم وما يتعلق بسلوكهم المهني ونزاهتهم , وبالتالي فهي الجهة الأكثر قرباً لمعرفة من هو الأقدر على الأضطلاع بمهمة كبيرة كمهمة عضوية محكمة التمييز , وهو الجهة الأمينة على أختيار العناصر التي تنطبق عليها الشروط القانونية والموضوعية لأشغال مركز عضوية محكمة التمييز, أن يصار الأمر الى إناطة مسألة الترشيح والقبول بمجلس القضاء الأعلى ليتم رفع الأسماء الى رئاسة الجمهورية من قبل المجلس مباشرة لأصدار المراسيم الجمهورية بالتسمية , وبذلك يمكن أولاً تدارك الخلل في الآلية الشائكة والمعقدة في التسمية والتعيين , وأن نضمن حسن الأختيار من قبل المؤسسة القضائية التي ضمن الدستور أستقلاليتها بعيداً عن التأثيرات السياسية والأختلافات القائمة بين الكتل السياسية التي تشغل مقاعد في مجلس النواب العراقي , والتي من الممكن أن تنعكس سلباً على أختيار الأسماء.

أن تدارك وضع محكمة التمييز في هذه المرحلة أمراً ضرورياً ويمس عملية البناء القانوني الذي تتمسك بأداءه السلطة التنفيذية والتشريعية , والتي تدعمه وتجسده المؤسسة القضائية الأتحادية متمثلة بمجلس القضاء الأعلى , وهو الجهة الأكثر إلتصاقاً وقرباً من القضاة والعمل القضائي , وبهذا الأمر نضمن تمكين المؤسسة القضائية من أختيار عدد متناسب مع زخم العمل من أعضاء محكمة التمييز لأكمال العدد المطلوب وأدامة العطاء القانوني الثر الذي تميزت به هذه المؤسسة العريقة التي يفتخر بها ويجلها القضاء العراقي على الدوام.

وتحتل محكمة التمييز اليوم جناح صغير من أجنحة بناية وزارة العدل مع مجلس القضاء الأعلى , وهذه البناية لاتتسع لتلك الهيئات ولاتتناسب مع المكانة العالية والرفيعة لتلك الأسماء التي أفنت أعمارها في البحث والتقصي وأكتساب الخبرة القضائية, والعمل في أروقة مختلف أشكال القضاء العراقي, لتفني زهرة شبابها في سبيل ترصين القضاء وترسيخ أسس العدالة والقانون , لتنزوي في غرف صغيرة لاتليق بها تمارس عملها وتنتج كل هذا العطاء القانوني الكبير لاتتوفر لها أبسط مستلزمات الراحة والأمكانية في العمل.

وأذ تتباهى الدول اليوم حرصاً منها على تدعيم نظرية فصل السلطات وأستقلال السلطة القضائية , أن يتم تجسيد هذه الأستقلالية من خلال مقر لائق يتناسب مع قدرة السلطتين التشريعية والتنفيذية على فهم أحترامها وتقديرها للقضاء , أن تكون بناية متميزة ولائقة تجمع وتضم كل من محكمة التمييز والدوائر والهيئات العاملة ضمن مجلس القضاء الأعلى , تكون صرحاً حضارياً وبناية بارزة وتشكل معلماً من معالم المدينة لتعكس مدى أحترام وتقدير من سيكون في مكان المسؤولية القيادية, لأن الأحترام والتقدير لايكون بالكلام والتمنيات فقط.

أن يكون مجلس القضاء الأعلى في العراق ضمن مقر يتناسب مع سعة النظرية التي تتمسك بها الدولة العراقية الجديدة , وينص عليها الدستور ضمن أحكام المادة 47 منه , وبغير ذلك فأن النظرة الضيقة والهواجس التي أبتليت بها عقول الحكام البائدين لم تزل تعيش في زماننا.

ولهذا نجد أن تتدارك السلطات التشريعية والتنفيذية هذا الأمر بشكل مستعجل وفوري لتبحث بشكل جدي عن سبيل لأيجاد بناية تليق بالقضاء العراقي , وتعكس حقيقة ذلك الأحترام والتقدير , وتبرهن للعراقيين وللعالم بأن هذه المؤسسة جديرة بأن يكون لها صرح عراقي مستقل ومكان متميز يتباهى به أهل العراق والحياد والأستقلالية التي أكدها الدستور وتمسك بها أهل العراق دون أستثناء.

وحتى نكون أكثر وضوحاً فأن مرور زمن ليس بالقصير على قيام الحكم الجديد , مع المواقف المتميزة والمساندة التي وقفها القضاء العراقي داعماً عملية سيادة القانون وتأسيس دولته على مبادئ الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور , يترتب على الحكام اليوم أن يترجموا تلك المواقف التي وقفها مجلس القضاء الأعلى وهو قائد لكل القضاة الذين حملوا مشاعل العدالة , وقدم العديد منهم أرواحهم قرباناً لطريقها , أن تبادر السلطة فوراً وأستجابة لتلك المواقف وتجسيداً لما تعتقده تلك الجهات من مكانة لمجلس القضاء الأعلى في أن يكون له مقراً يتناسب مع تلك المكانة ويشعره بالأستقلالية ويليق بمكانة القضاء العراقي المتميزة , وهي مكانة شهدت لها المنطقة العربية والدولية بالقدرة والامكانية والتجديد والتطور بالرغم من كل الظروف التي رافقت مسيرتها , مقراً في بناية جديدة أو من بنايات مدينة بغداد تكون معلماً متميزاً يشار له ويشاهده الناس , يعبر عن تقديس العدالة وعن حب وأحترام القانون والألتزام به , في زمن نزعم أننا نريد تأسيس دولة القانون في ظل فصل السلطات.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت