التقادم في الدعوى الدستورية
القاضي سالم روضان الموسوي

ظهرت في الأيام القليلة الماضية بعض الأصوات التي تعارض إقامة الدعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا بالطعن في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب في الدورة الحالية، وبعض هذه الدعاوى تم قبولها من المحكمة الاتحادية العليا وأصدرت بموجبها قرارات بعدم صحة عضوية النواب المطعون في صحة عضويتهم، ومن بين الاعتراضات وأهمها هو القول بان المحكمة قد قبلت الطعن مع مضي أكثر من عام على أداء أعضاء مجلس النواب اليمين الدستورية، والبعض الأخر زعم بان هذا الإجراء سيؤدي إلى التأثير على عمل مجلس النواب وعلى العملية السياسية، وهذه الآراء والاعتراضات أوردها عدد من أعضاء مجلس النواب عبر وسائل الإعلام المتعددة، والتكييف القانوني لاعتراض السادة والسيدات المذكورين يكون على أساس وجود تقادم مسقط لحق الاعتراض إذا مضت مدة معينة على أداء اليمين الدستورية للعضو الفائز محل الطعن، وكذلك على اعتبار إن المحكمة الاتحادية سبق وان صادقت على نتائج الانتخابات وان الهيئة القضائية في محكمة التمييز الاتحادية قد صادقت على تلك النتائج، وللتوضيح فان ما يتعلق بالسبب الثاني الذي يتعلق بالمصادقة على نتائج الانتخابات من المحكمة الاتحادية العليا ومن الهيئة القضائية في محكمة التمييز الاتحادية، فان ذلك السبب مردود لأسباب قانونية ودستورية سبق وان أوضحتها وعرضت لها تفصيلاً في مادة قانونية تم نشرها في العديد من المواقع الالكترونية وفي وسائل الإعلام ومنها الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 21/4/2019 بعنوان (اختلاف المركز القانوني بين النائب في مجلس النواب والمرشح الفائز في الانتخابات)،

أما عن السبب الأول الذي تمسك به المعترضون وهو مضي المدة القانونية، وكما أشرت إلى انه يدخل في مفهوم التقادم ومصطلح التقادم هو من المصطلحات القانونية الصرفة ويقصد به عدم جواز المطالبة بالحق إذا مضت مدة زمنية معينة وعدم جواز قبول الطعن في الأحكام إذا مضت مدة زمنية محددة على صدورها ويسمى بالتقادم المسقط وقد أشارت إليه عدة قوانين منها ما جاء في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل في عدة مواد متفرقة وأبرزها المواد (429-434) مدني كما وردت في قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل عند تحديد مدد للطعن يترتب على عدم مراعاتها سقوط الحق في الطعن مثال ذلك مدة الطعن ألاستئنافي بخمسة عشر يوم على وفق احكام المادة (187) من قانون المرافعات،

كما يوجد نوع آخر من التقادم ويسمى التقادم المكسب وهو يتعلق باكتساب الملكية للأموال من خلال تقادم الحيازة لدى حائز المال وعلى وفق الشروط التي وردت في القوانين ذات الصلة منها القانون المدني وقانون التسجيل العقاري في موضوع التسجيل المجدد، إلا أن موضوع هذه الورقة هو المتعلق بقواعد المرافعات وعلى وجه الخصوص في الدعوى الدستورية، وهذه الآراء والاعتراضات والتمسك بذلك التقادم المزعوم لا أساس لها في القانون أو في الدستور لان الدعوى الدستورية لا تتقادم في ظل المنظومة القانونية العراقية، حيث لم يرد في الدستور او في قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 أو في النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا أي نص يحدد مدة زمنية لإقامة الدعوى وبانقضائها يسقط الحق في إقامتها، ويكون الأصل فيها الإباحة ويحق لأي شخص أن يطعن بإقامة الدعوى وحقه مكفول، والاستثناء هو المنع ولا يجوز أن يعمل به إلا إذا وجد نص صريح على ذلك المنع، مثلما معمول به في لبنان على سبيل المثال إذ لا يجوز الطعن بعدم دستورية القانون إذا مضت مدة خمسة عشر يوم على تشريعه وعلى وفق ما جاء في المادة (19) من قانون المجلس الدستوري اللبناني رقم 250 لسنة 1993 وكذلك في الفقرة (ب) من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا في مصر العدد 48 لسنة 1979 المعدل . لذلك فان الدعوى الدستورية لا تقادم فيها ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بها إن وجد إن له حق في ما يطلب، وللمحكمة أن تنظر في الدعوى موضوعاً ولا تلتفت إلى موضوع المدة الزمنية لعدم وجود نص دستوري أو قانوني يقيد ذلك،

أما في موضوع الطعن بصحة عضوية مجلس النواب فان الدستور العراقي وفي المادة (52/أولاً) أجاز لكل شخص من ذوي المصلحة أن يعترض على عضوية النائب الفائز أمام مجلس النواب، ولم يحدد مدة معينة لممارسة ذلك الحق، بل إن الأمر مفتوح زمنياً ولكل شخص من ذوي المصلحة ان يعترض متى يشاء حتى آخر أيام الدورة البرلمانية وعلى وفق النص الآتي (يبتمجلس النواب فيصحة عضوية أعضائه،خلال ثلاثين يوماًمن تاريخ تسجيل الاعتراض،بأغلبية ثلثي أعضائه) فالمدة المحددة هي لمجلس النواب بالبت في الاعتراض، أما حق الشخص بالاعتراض فلم يحدد له مدة محددة، لذلك فان النص مطلق والمطلق يجري على إطلاقه، وقرار المجلس سواء برفض الاعتراض او قبوله فانه خاضع للطعن به امام المحكمة الاتحادية العليا وعلى صاحب المصلحة تقديم الطعن امام المحكمة خلال ثلاثون يوماً من تاريخ صدور قرار مجلس النواب وعلى وفق ما جاء في نص الفقرة (ثانياً) من المادة (52) من الدستور التي جاء فيها الاتي (يجوز الطعن في قرار المجلس أمام المحكمة الاتحادية العليا،خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره) وفي هذا النص قد حدد مدة الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا فإذا ما قدم الطعن خارج تلك المدة فان المحكمة تقضي برده شكلاً لوقوعه من تلقاء نفسها لأنها من النظام العام وللمحكمة أن تقضي به دون طلب الخصوم، وجاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد (25 وموحداتها 28ـ30/ اتحادية/2011 في 10/8/2011) ما يفيد ذلك التوجه عندما قبلت ابتداءً الاعتراض المقدم ضمن المدة القانونية حيث جاء في القرار العبارة الآتية (وقد بت مجلس النواب بصحة عضوية السيد (…) في الجلسة (39) المنعقدة بتاريخ 8/3/2011 وباغلبية ثلثي أعضائه حسب ما مثبت في محضر جلسة مجلس النواب، لذا فان إقامة الدعوى أمام هذه المحكمة في 29/3/2011 كان خلال المدة القانونية المنصوص عليها في المادة (52/ثانياً) من الدستور) ومن ثم نظرت في موضوع الاعتراض والبحث في أسانيده الدستورية والقانونية .

لذلك فان الدعوى الدستورية لا تتقادم ولا تسري عليها مدة التقادم لعدم وجود نص دستوري أو قانوني ينص على ذلك بصريح العبارة أو ضمناً، ويبقى حق صاحب المصلحة في الدعوى أو الطعن قائم يمارسه متى شاء والمحكمة ملزمة بموجب الدستور النظر فيه والحكم بما يتفق والدستور النافذ .

نائب المدعي العام

القاضي

سالم روضان الموسوي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت