الضمانات الأساسية في مجال تأديب المحامي

ذ/ شهبون محمد
المحامي بهيئة بني ملال
مقدمـة

التأديب لغة، هو التهذيب والتربية على محاسن الأخلاق أي الإصلاح، كما يقصد به العقاب أو المجازاة.

والتأديب اصطلاحا، يقصد به مجازاة ومعاقبة الشخص على إساءة وسوء تصرف.

وقد بذل الفقه محاولات عديدة من أجل تعريف التأديب من الناحية القانونية، فقد عرفه الفقيه “هنري نزار” (( بأنه قانون خاص يضم مجموعة من القواعد القانونية المنظمة للتجمعات الطائفية، والتي يخضع أعضاؤها لمجموعة من الالتزامات المختلفة في جوهرها، وطبيعتها عن الالتزامات السياسية التي يخضع لها الأفراد العاديون، وذلك بهدف المحافظة على بقاء هذه التجمعات وتحقيق مصلحتها )).

إن جل التشريعات وخاصة التشريع المغربي تطرق إلى نظام التأديب في مختلف المهن الحرة، وعلى الخصوص المهن القضائية والقانونية المتمثلة في القضاء والمحاماة والتوثيق والخبرة والعدول والمفوض القضائي، والنساخة والترجمة، باعتبارها مهنا تساهم وتساعد في تحقيق العدالة، وأن التأديب يعد أحد آليات إصلاح هذه المهن في أفق الرفع من مستواها وكفاءتها وتخليقها.

إذا كانت التشريعات لم تعرف نظام التأديب في المهن الحرة وخاصة المحاماة، فإن الفقيه الفرنسي “ماكس جيبير” (( يرى أن الـتأديب يهدف إلى معاقبة التصرفات التي تسيء إلى القواعد المفروضة على الشخص، باعتبار أنه يمارس مهنة معينة ويعاقبه على مخالفة القواعد المهنية )).

ويرى الفقيه الإنجليزي بـال (( أن التأديب ضروري لكل عمل جماعي منظم، إذ لابد من فرض الرقابة على النشاط الفردي من أجل التعاون ومن أجل تحقيق المصلحة المشتركة )).

أما بخصوص التأديب في مهنة المحاماة، فأغلب التشريعات كالمشرع المغربي في المادة 61 من قانون المحاماة لم يعرف التأديب بصفة صريحة، اكتفى بالنص على معاقبة المحامي (ة) مرتكب (ة) المخالفة التأديبية والمتمثلة في مخالفة النصوص القانونية، أو التنظيمية، أو قواعد المهنة أو أعرافها، أو أي إخلال بالمروءة والشرف، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني.

وهو ما ذهب إليه القانون التونسي المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة في المادة 64. ونفس المنحى سار فيه قانون المحاماة اللبناني في المادة 99 و المحاماة السعودي في المادة 29 وقانون المحاماة الفرنسي.

إن التأديب في مهنة المحاماة هو مجموعة من القواعد الموضوعية والمسطرية التي تهدف إلى المحافظة على التوازن في المهنة لتسير في نسق الانضباط والامتثال من لدن أعضائها.

ولا ننسى ان نظام التأديب كان حاضرا في جميع القوانين المتعلقة بتنظيم مهنة المحاماة في المغرب بدءا من ظهير 1924.01.10 و ظهير 1959.05.18 ومرسوم 1968.12.19 وظهير 8 نونبر 1979 وظهير 1993.09.10 انتهاءا بظهير 2008.10.20.

في هذا الجزء سنتطرق لاهمية التأذيب وخصوصياته

ودائما ( طبقا لقانون 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.08.101 بتاريخ 20 أكتوبر 2008 )

أهمية التأديب وخصوصياته

أولا: أهمية التأديب:
تكمن أهمية التأديب في كونه يعد من آليات تخليق مهنة المحامي وتحصينها واعتبار قواعد التأديب تذكر للمحامي بصورة دائمة بالسلوك القويم الذي ينبغي أن يتحلى به في القيام بأعمال مهنية. إذ أن المحامي لا يقوم بدوره لحساب موكله فحسب، ولكنه يمثل مجموعة من المبادئ السامية والمتمثل هدفها مساعدة ومشاركة القضاء في إقامة العدل والكشف عن الحقيقة وهو ما أكدته المادة الأولى من قانون 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة (( المحاماة مهنة حرة مستقلة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء )).

وتتجلى الأهمية النظرية للتأديب في كثرة الكتابات الفقهية التي تتحدث عن أخلاقيات وأدبيات مهنة المحاماة وما يسمى بالفرنسية La déontologie de la profession d’avocat وذلك في ظل التحولات الجديدة التي فرضتها العولمة ومتطلبات العصر مع التشبث بالقيم الأخلاقية الراسخة. لأن المحامي لا يمكن أن ينهض بمهنته ويرفع التحديات التي تواجهه إلا بالتمسك بالقيم الأخلاقية الراسخة.

ثانيا: خصوصيات التأديب:
يتميز نظام التأديب في المحاماة بكونه لا يخضع للقاعدة المعروفة في القانون الجنائي ” لا جريمة بدون نص ” فإذا كان القانون الجنائي يحدد الجرائم تحديدا حصريا وقتيا. فالمخالفة التأديبية مجالها أوسع وتتحكم في هذا المجال السلطة التقديرية للسلطات التأديبية.

وبخصوص مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة نجد في المجال الجزائي تحديدا للجرائم والعقوبات المطابقة لها. أي أن هناك مبدأ شرعي فيما يتعلق بالجريمة والعقاب على حد سواء. تطبيقا لمبدأ لا جريمة ولا عقوبة بلا نص، في حين نلاحظ العكس في المجال التأديبي إذ العقوبات محددة قانونا. إلا أن تحديدها غير مقرون بأفعال معينة تطبق عليها تلك العقوبات.

– كما أن العقوبة الزجرية تستهدف حرية المحكوم عليه أو ما له. في حين أن العقوبة التأديبية تستهدف ضمان حسن تسيير الهيئة بانتظام وتوازن. ولا تمس حرية المحامي أو ماله.
– والمخالفة التـأديبية قد تكون قائمة حتى ولو يتصف الفعل بالصفة الزجرية، أو صدور حكم بحفظ الشكاية من النيابة العامة أو صدور قرار المتابعة أو عدم المتابعة أو حكم بالبراءة.
فالمخالفة التـأديبية مستقلة تماما عن الوقائع الجرمية أو الأخطاء المدنية.
ويمكن أن يوصف الفعل الواحد بعدة أوصاف وصف جنحي أو خطأ مدني، ويمكن أن يوصف نفس الفعل مخالفة تأديبية .

كما أن القاعدة العامة المعروفة في الميدان الجنائي (( بأن الشك يفسر لمصلحة المتهم )) لا تجد تطبيقا لها في الميدان التأديبي إذ ” الشك نفسه هو أساس توقيع العقاب التأديبي ” لأن في قانون المهنة أفعال المحامي يجب ألا يكتنفها الغموض أو الشك، ويضاف إلى ذلك أن العقوبة في المجال الزجري تستهدف عقاب جريمة متوافرة ألأركان ن فلا عقاب ما لم تتحقق ذلك في حين أن العقوبة التأديبية تستهدف سلوكا معينا وعدم مراعاة قواعد وأعراف وتقاليد مهنة المحاماة أو ما يخالف المروءة والشرف ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني وهو ما نصت عليه المادة 61 من قانون المحاماة.

ومن جهة أخرى فإن نطاق العقوبات التأديبية ضيق بمقارنته مع الجزاءات ألأخرى من حيث التطبيق، لأن العقوبة التأديبية تهدف إلى تحقيق توازن في قطاع المحاماة. بينما الجزاءات الأخرى وخاصة في المجال الجنائي يسعى إلى إحداث توازن في كل المجتمع للمحافظة على النظام العام وإقرار الحقوق واستقرار المراكز القانونية للأفراد.
والملاحظ أيضا أن السلطة الموقعة العقوبة التأديبية يختص بتوقيعه مجلس الهيئة بصفته مجلسا تأديبيا وغرفة المشورة بمحكمة الاستئناف كدرجة ثانية للبث في مقررات مجالس الهيئات، في حين أن الجزاء الزجري تختص بإيقاعه المحاكم الجنائية أو الجنحية وحدها، وفقا لإجراءات محددة في قانون المسطرة الجنائية، ويضاف إلى ذلك أن المحاكمات الزجرية كقاعدة عامة تتم بصورة علنية باستثناء بعض الحالات المحددة بمقتضى القانون، بينما المحاكمات التأديبية تنعقد بصورة سرية سواء أمام مجالس التأديب أو أمام القضاء.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت