الأساس القانوني لرقابة الهيئات والمؤسسات الدولية على أداء السلطات الوطنية

في احترام حقوق الإنسان

د. أحمد لطفي السيد مرعي*

تمهيد وتقسيم :

لا شك أن إشكالية الحقوق والحريات التي تثبت للإنسان من حيث كونه إنساناً أصبحت من الموضوعات الملحة على الصعيد الدولي ، بل أننا لا نتجاوز إذا قلنا أنها أصبحت في البلد الواحد حديث رجل الشارع ، قبل أن تشغل حيزاً من اهتمام المعنيين بها في الداخل. ويقينا أن ما أحدثته ثورة المعلومات وصناعة الإعلام تقف بحق وراء تجاذب كافة التجمعات ، بكافة طبقاتها ومشاربها الفكرية والثقافية والعقائدية ، لمشكلة حقوق الإنسان والانتهاكات التي قد تمارسها السلطة في بلد قِبل مواطنيها.

وقد مكن هذا الزخم الإعلامي من أن تصبح قضية حقوق الإنسان من بين أوراق اللعبة السياسية التي قد تستخدمها الدول الراعية لسياسات الهيمنة حينما تريد أن تمرر بعض من أهدافها في منطقة ما. بل والملاحظ أنه قد تلعب المؤسسات والهيئات الوطنية غير الحكومية ، المعنية بقضايا حقوق الإنسان ، بقصد أو بدون قصد ، دوراً في تمرير تلك الأهداف من خلال ما تمارسه من ضغط على السلطات المحلية في قضية من القضايا الحقوقية.

وليس معنى ما سبق أن قضية حقوق الإنسان لم تجد صداها إلا في السنوات القليلة السابقة ، إثر تصاعد حضورها الدولي في إطار منظومة الأمم المتحدة. فالحق أن الاهتمام بها يعود لحقب زمنية بعيدة ، ويكفي التذكير بأن هذه الحقوق قد نالت حيزاً هاماً من التكريم في شريعتنا الغراء منذ ما يربو على الأربعة عشر قرناً من الزمان ، وامتدادا لما أمرت به الشرائع السماوية السابقة ، وتكريساً عملياً لما حَلُم ونادى به الفلاسفة والمفكرين ، وبأسبقية على المحاولات التي مارستها بعض الشعوب لتدوين حقوق الإنسان برؤية محلية في إطار إعلانات وطنية ، كإعـلان حقوق الإنسان في أميركا عام 1766 ، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789.

وليس مدلول ما سبق أيضاً أن قضية حقوق الإنسان ليست بذات أهمية حتى نتعجب مما يثار حولها ، فالحق أننا على يقين بقيمتها وضرورة إثارتها ، بل ومن الضروري ، على الأخص في بلداننا العربية ، أن نضعها في مصاف القضايا القومية ، بحسبانها مصدر بقية البلايا التي اكتوت بها أوطاننا. كما أنه لا يمكن أن ننكر أن توحد اهتمام المجتمع الدولي حول مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والعمل على صيانتها من العدوان عليها يعد من أهم الإنجازات الإنسانية التي اختتمت بها البشرية القرن العشرين ، ذلك القرن الذي حفلت سنوات عديدة منه بالانتهاكات ضد حقوق وحريات الإنسان.

وهنا بطبيعة الحال يجب أن نثني على الجهود التي شقت طريقاً وعراً من أجل تكريس احترام هذه الحقوق والحريات وإقرارها ثم الالتزام بها من قبل الدول باعتبارها أشخاص القانون الدولي ، بعيداً عن الازدواجية أو الأغراض والمصالح السياسية ، ليتساوى في التمتع بها جميع البشر بغير تحيز أو ازدواجية أو أهداف تعلو عليها ، وتوفير الآليات المناسبة لرصد ومراقبة ومحاكمة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان وزمان وتعويض وتأهيل ضحايا تلك الانتهاكات.

وإنما الذي يثير القلق في مسألة حقوق الإنسان هو التداعي والتطور الحادث منذ فترة ليست بالبعيدة في شأن الرقابة التي تقوم بها الهيئات والمؤسسات الدولية – سواء أكانت تابعة لمنظمات حكومية أو لغير حكومية – أو حتى لمؤسسات أهلية ذات طابع دولي- على أداء المؤسسات الوطنية في صيانة حقوق الإنسان ، وقيامها بنشر تقارير دورية تستظهر ، في غالب الأحيان ، السلبيات في هذا الشأن قبل أن تكشف عن الإيجابيات. فالحق أن تلك الهيئات والمؤسسات قد أخذت أشكالاً متنوعة ، وتنامت بإيقاع متسارع ، حتى ليخيل للمرء أن بمكنة القاصي والداني أن يباشر رقابة فاضحة لممارسات دولة ما في مجال حقوق الإنسان.

ومن المعلوم أن المواثيق وإعلانات الحقوق والمعاهدات الدولية التي وقُعت تحت مظلة الأمم المتحدة تطرح نفسها كمصدر قانوني اتفاقي يمكن أن تستند إليه الرقابة الدولية على أداء السلطات الوطنية في مجال حقوق الإنسان. فالبين أن تلك العهود قد أسندت للجان خاصة تابعة للأمم المتحدة مهمة التحقق من التزام الدول المصدقة على المعاهدة بالالتزامات التي تفرضها الاتفاقية (أولاً). وقد انتقل هذا النموذج الرقابي من النطاق الدولي ذو الطابع العالمي إلى التجمعات الإقليمية التي دفعتها الرغبة لتعزير حماية حقوق الإنسان إلى خلق آليات اتفاقية لمراقبة حقوق الإنسان في حيزها الجغرافي أو الإقليمي (ثانياً). غير أن الذراع الطولى في مجال الرقابة على أداء السلطات الوطنية في مجال حقوق الإنسان صارت للمنظمات الدولية غير الحكومية (ثالثاً) ، التي يطرح نشاطها المتعاظم في المجال الوطني وجوب التساؤل حول الأساس القانوني الذي تستند إليه تلك الهيئات والمؤسسات في إعمال تلك الرقابة ، حيث تكون فكرة السيادة الوطنية ، ومبدأ عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول ، على المحك.

أولاً : الأساس الاتفاقي للرقابة على الصعيد الدولي :

تجري الرقابة الدولية على أداء المؤسسات الوطنية في مجال حقوق الإنسان إعمالاً لنصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ب) ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ج) ، وذلك بحسبانهما الوثيقتين الرئيسيتين لجملة القواعد القانونية الدولية المنظمة للحقوق وللحريات والتي ورد النص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، . على أن ميثاق الأمم المتحدة لم يدخر وسعاً في تعزير الحماية الدولية لحقوق الإنسان وتفعيل الرقابة عليها (أ) ، والذي أعطى بدوره غطاءً لعمل آليات أخرى فرعية على الصعيد الدولي للعمل تحت مظلة الأمم المتحدة من خلال الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق وحريات فئة معينة من الأفراد (د).

أ : الرقابة إعمالاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة :

إنفاذاً لنص المادة 68 من ميثاق الأمم المتحدة ، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي قراره رقم 5 (د-1) في 16/2/1946 بإنشاء لجنة تسمى “لجنة حقوق الإنسان” ، بهدف نسج المادة القانونية الدولية لحماية الحقوق والحريات الأساسية للإنسان ووضع معايير لتوجيه سلوك الدول في هذا الشأن. وقد صارت هذه اللجنة حالياً المحفل الأوسع الذي يضم كافة المدافعين عن حقوق الإنسان من كافة البلدان ، كبيرها وصغيرها ، بما فيها المجموعات غير الحكومية المعنية بقضايا حقوق الإنسان.

ويقوم على تسيير تلك اللجنة الرئيسية لجنة فرعية تابعة للأمم المتحدة ، أخذت حيزها إلى الوجود منذ عام 1947 ، وأعيد تسميتها منذ عام 1999 لتصبح “اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان”. وتتألف تلك اللجنة حالياً من 26 خبيراً في ميدان حقوق الإنسان يعملون بصفتهم الشخصية وتنتخبهم لجنة حقوق الإنسان الرئيسية مراعية في ذلك التوزيع الجغرافي العادل. ويتم انتخاب نصف الأعضاء كل سنتين لمدة أربع سنوات. وتتألف العضوية منذ عام 2002 من سبعة خبراء من أفريقيا ، وخمسة من آسيا ، وخمسة من أمريكا اللاتينية ، وثلاثة من أوروبا الشرقية ، وستة من أوروبا الغربية والدول الأخرى.

وتعقد اللجنة الفرعية في كل عام دورة عادية في يوليه – أغسطس على مدار ثلاثة أسابيع في جنيف. ويحضر تلك الدورة ، فضلاً عن الأعضاء ، أكثر من ألف مراقب ، بمن فيهم ممثلو الدول وهيئات الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة ، والمنظمات الحكومية الدولية الأخرى ، والمنظمات غير الحكومية ذات المركز الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وتمنح المنظمات غير الحكومية عندئذ الفرصة في طلب الكلمة لطرح وجه نظرها في الموضوعات المدرجة على جدول أعمال الدورة.

وتتمثل المهمة الأساسية الموكولة إلى اللجنة الفرعية في مساعدة لجنة حقوق الإنسان في عملها. وغالباً ما توصف اللجنة الفرعية ، بأنها “هيئة الفكر والبحث” التابعة للجنة حقوق الإنسان. وتباشر اللجنة الفرعية هذه المهمة من خلال عدد من المقررين الخاصين وأربعة أفرقة عاملة ، ينصرف نشاطها إلى إجراء البحوث ووضع التوصيات بشأن مشاكل محددة في مجال حقوق الإنسان وتشجيع الحوار بين الحكومات ، وشتى هيئات الأمم المتحدة ، والمنظمات الحكومية الدولية الأخرى ، والباحثين والمجتمع المدني ، وبخاصة المنظمات غير الحكومية.

على أن أهم نشاط رقابي يمكن أن تباشره تلك اللجنة الفرعية يتأتى من حقها في ممارسة الإجراء رقم 1503 ، والذي استمد اسمه من قرار لجنة حقوق الإنسان رقم 1503 في عام 1970. وبموجب هذا الإجراء يجوز للجنة أن تنظر في التبليغات المقدمة من الأفراد وردود الحكومات المعنية بشأن مشكلة من مشكلات حقوق الإنسان التي تمس عدداً كبيراً من الناس على مدى فترة طويلة من الزمن ، ومتى تم استنفاد سبل الانتصاف المحلية في البلد المعني.

وحيثما تتكشف لغالبية الأعضاء أدلة معقولة عن وجود نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة والمؤكدة لحقوق الإنسان ، تحال القضية إلى الفريق العامل المعني بالحالات التابع للجنة لإجراء المزيد من الدراسة وللبت في إحالة أي من الحالات إلى اللجنة نفسها. ويعقد فريق العمل في هذا الصدد جلسات مغلقة وسرية لا يحضرها الجمهور ولا للمنظمات غير الحكومية. وكأن هذا الإجراء يلقي على الأفراد واجباً في الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان ، ويعطي للأعضاء صورة أقرب لصورة مأموري الضبط القضائي المعرفة في القوانين الداخلية.

ونود أن نشير إلى أن رؤساء الدول والحكومات الذين اجتمعوا في نيويورك في القمة العالمية التي عُقدت في سبتمبر 2005، قد تبنوا برنامجاً من عشر نقاط لإنشاء مجلس لحقوق الإنسان يستهدف تفعيل القدرة الراهنة للأمم المتحدة على حماية الحقوق والحريات في هذا الصدد. وقد أشير في هذا القرار إلى أنه ينبغي على المجلس أن يعالج قضية الاحترام الكامل لجميع حقوق الإنسان في جميع الدول بدون أي تمييز. ويجب أن يتمتع هذا المجلس حال إنشاءه بالشرعية وأن يُنظر إليه على أنه كذلك من قبل الحكومات والمجتمع المدني وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

ب : الرقابة إعمالاً لنصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية :

أشار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 28 منه إلى أن تنشأ لجنه تعنى بالحقوق المدنية والسياسية ، تتألف من ثمانية عشر عضوا من مواطنين في الدول الأطراف في هذا العهد ، من ذوى المناقب الخلفية الرفيعة المشهود لهم بالاختصاص في ميدان حقوق الإنسان ، وخاصة من ذوى الخبرة القانونية. ويتم تعين أعضاء اللجنة بالانتخاب لمدة أربعة سنوات ، وهم يعملون فيها بصفتهم الشخصية. وقد بينت المواد من 29 إلى 34 كيفية تشكيل اللجنة وانتخاب أعضائها. وتوجب المادة 36 من العهد على الأمين العام للأمم المتحدة أن يوفر ما يلزم من موظفين وتسهيلات لتمكين اللجنة من الاضطلاع الفعال بالوظائف المنوطة بها بمقتضى العهد.

وبمقتضى المادة 40 تتعهد الدول الأطراف بتقديم تقارير عن التدابير التي اتخذتها والتي تمثل إعمالا للحقوق المعترف بها فيه ، وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق وذلك خلال سنة من بدء نفاذ هذا العهد إزاء الدول الأطراف المعنية ، ثم كلما طلبت اللجنة إليها ذلك. كما تتعهد الدول المتعاقدة بتقديم جميع التقارير إلى الأمين العام للأمم المتحدة ، الذي يحيلها إلى اللجنة للنظر فيها. ويشار وجوبا في التقارير المقدمة إلى ما قد يقوم من عوامل ومصاعب تؤثر في تنفيذ أحكام هذا العهد. وللآمين العام للأمم المتحدة ، بعد التشاور مع اللجنة ، أن يحيل إلى الوكالات المتخصصة المعنية نسخا من أية أجزاء من تلك التقارير قد تدخل في ميدان اختصاصها.

كما تقوم لجنة حقوق الإنسان بدراسة التقارير المقدمة من الدول الأطراف في هذا العهد. وعليها أن توافي هذه الدول بما تضعه هى من تقارير، وبأية ملاحظات عامة تتبين لها. وللجنة أيضا أن توافي المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتلك الملاحظات مشفوعة بنسخ من التقارير التي تلقتها من الدول الأطراف في هذا العهد. كما تقدم اللجنة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، عن طريق المجلس الأخير تقريرا سنويا عن أعمالها (م.45). كما أن للدول الأطراف في هذا العهد أن تقدم إلى اللجنة تعليقات على أية ملاحظات تكون قد أبديت وفقا للفقرة 4 من المادة 40.

كما أوضحت المادة 41 من العهد أن لكل دولة طرف في هذا العهد أن تعلن في أي حين أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة بلاغات تنطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها عليها هذا العهد. ولا يجوز استلام ودراسة البلاغات المقدمة بموجب هذه المادة إلا إذا صدرت عن دولة طرف أصدرت إعلانا تعترف فيه ، في ما يخصها ، باختصاص اللجنة. ولا يجوز أن تستلم اللجنة أي بلاغ يهم دولة طرفا لم تصدر الإعلان المذكور.

وإذا رأت دولة طرف في هذا العهد أن دولة طرفا أخرى تتخلف عن تطبيق أحكام هذا العهد، كان لها أن تسترعى نظر هذه الدولة الطرف ، في بلاغ خطى ، إلى هذا التخلف وعلى الدولة المستلمة أن تقوم ، خلال ثلاثة أشهر من استلامها البلاغ بإيداع الدولة المرسلة ، خطيا ، تفسيرا أو بيانا من أي نوع آخر يوضح المسألة وينبغي أن ينطوي ، بقدر ما يكون ذلك ممكنا ومفيدا ، على إشارة إلى القواعد الإجرائية وطرق التظلم المحلية التي استخدمت أو الجاري استخدامها أو التي لا تزال متاحة. فإذا لم تنته المسألة إلى تسوية ترضى كلتا الدولتين الطرفين المعنيتين خلال ستة أشهر من تاريخ تلقى الدولة المستلمة للبلاغ الأول ، كان لكل منهما أن تحيل المسألة إلى اللجنة بإشعار توجهه إليها وإلى الدولة الأخرى.

على أنه لا يجوز أن تنظر اللجنة في المسألة المحالة إليها إلا بعد استيثاق من أن جميع طرق التظلم المحلية المتاحة قد لجئ إليها واستنفدت ، طبقا لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما. ولا تنطبق هذه القاعدة في الحالات التي تستغرق فيها إجراءات التظلم مددا تتجاوز الحدود المعقولة.

وأشارت تلك المادة أن على اللجنة أن تعقد جلسات سرية لدى بحثها الرسائل المرسلة إليها. كما على اللجنة أن تعرض مساعيها الحميدة على الدولتين الطرفين المعنيتين ، بغية الوصول إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في العهد. وللجنة ، في أية مسألة محالة إليها ، أن تدعو الدولتين الطرفين المعنيتين إلى تزويدها بأية معلومات ذات شأن. كما أن للدولتين الطرفين المعنيتين حق إيفاد من يمثلها لدى اللجنة أثناء نظرها في المسألة ، وحق تقديم الملاحظات شفويا أو خطيا. فإذا تم التوصل إلى حل قصرت اللجنة تقريرها على عرض موجز للوقائع وللحل الذي تم التوصل إليه. فإذا لم يتم التوصل إلى حل قصرت اللجنة تقريرها على عرض موجز للوقائع ، وضمت إلى التقرير المذكرات الخطية ومحضر البيانات الشفوية المقدمة من الدولتين الطرفين المعنيتين. ويجب ، في كل مسألة إبلاغ التقرير إلى الدولتين الطرفين المعنيتين.

وبينت المادة 42 من العهد أنه إذا تعذر على اللجنة حل مسألة أحيلت إليها وفقا للمادة 41 حلاً مرضيا للدولتين الطرفين المعنيتين جاز لها ، بعد الحصول مسبقا على موافقة الدولتين الطرفين المعنيتين ، تعين هيئة توفيق خاصة تضع مساعيها الحميدة تحت تصرف الدولتين الطرفين المعنيتين بغية التوصل إلى حل ودي للمسألة على أساس احترام أحكام هذا العهد. وتتألف الهيئة من خمسة أشخاص تقبلهم الدولتان الطرفان المعنيتان ، فإذا تعذر وصول الدولتين الطرفين المعنيتين خلال ثلاثة أشهر إلى اتفاق على تكوين الهيئة كلها أو بعضها ، تنتخب اللجنة من بين أعضائها ، بالاقتراع السري ، وبأكثرية الثلثين ، أعضاء الهيئة الذين لم يتفق عليهم. ويعمل أعضاء تلك الهيئة بصفتهم الشخصية. ويجب ألا يكونوا من مواطني الدولتين الطرفين المعنيتين أو من مواطني أية دولة لا تكون طرفا في هذا العهد أو تكون طرفا فيه ولكنها لم تصدر الإعلان المنصوص عليه في المادة41. وتباشر تلك الهيئة عملها وتضع تقريرها بذات الطريقة التي تعمل به اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشئة بمقتضى العهد.

وأوضحت المادة 43 أن لأعضاء اللجنة ولأعضاء هيئات التوفيق الخاصة الذين قد يعينون وفقا للمادة 42 ، حق التمتع بالتسهيلات والامتيازات والحصانات المقررة للخبراء المكلفين بمهمة للأمم المتحدة ، المنصوص عليها في الفروع التي تتناول ذلك من اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها.

وقد أشار البروتوكول الاختياري الأول للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تختص باستلام ودراسة بلاغات من الأفراد الخاضعين لولاية إحدى الدول الأطراف في البروتوكول تتضمن إدعاء بوقوع انتهاك للحقوق المنصوص عليها في العهد. وبموجب هذا البروتوكول يحق للأشخاص الخاضعين لولاية إحدى الدول الأطراف في البروتوكول والذين يدعون أن تلك الدولة قد انتهكت أحد حقوقهم المنصوص عليها في العهد والذين استنفذوا جميع سبل الانتصاف المتاحة محليا ، توجيه بلاغات مكتوبة إلي اللجنة لتنظر فيها. ولا يمكن للجنة النظر في أي بلاغ لا يتعلق بدولة طرف في هذا البروتوكول، وينظر في البلاغات المقدمة بموجب هذا البروتوكول سرا في جلسات مغلقة ، وتعتبر جميع وثائق عمل اللجنة بهذا الخصوص سرية ما لم تقرر اللجنة خلاف ذلك. بيد أنه يمكن لصاحب البلاغ والدولة الطرف المعنية الكشف عن أي بيانات ومعلومات تتعلق بالمداولات ما لم تطلب اللجنة من الطرفين احترام السرية.

كما أوضح البروتوكول الاختياري الثاني أن الدول الأطراف تلتزم بمقتضى المادة 3 منه بأن تتضمن تقاريرها المقدمة إلي اللجنة ، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لتنفيذ أحكامه. ووفقا للمادتين 4 و 5 منه يمتد اختصاص اللجنة في استلام الرسائل والنظر فيها ، عندما تدعي دولة طرف أن دولة طرفا أخري لا تفي بالتزاماتها ، ليشمل أحكام البروتوكول الثاني ما لم تصدر الدولة الطرف المعنية بيانا يفيد العكس عند التصديق علي البروتوكول أو الانضمام إليه، على أنه يلزم أن تكون كلتا الدولتين المعنيتين قد قدمت إعلاناً يعترف باختصاص اللجنة في تلقي الشكاوي بين الدول وفقا لما ورد في المادة 41 من العهد. هذا كما أنه بالنسبة للدول الأطراف في كل من البروتوكولين الاختياريين الأول والثاني ، يمتد اختصاص اللجنة في استلام الرسائل الواردة من أفراد ، ليشمل أحكام البروتوكول الثاني بالنسبة للدول الأطراف فيه ما لم تصدر الدولة الطرف المعنية بيانا يفيد العكس عند التصديق علي هذا البروتوكول أو الانضمام إليه.

ج : الرقابة إعمالاً لنصوص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

عرض العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المواد 16 وما بعدها لنموذج من الرقابة الإلزامية على حقوق الإنسان التي يتضمنها ، حيث أشار إلى دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي في إعمال تلك الرقابة. فقد أوجب العهد أن تقدم الدول الأطراف تقارير عن التدابير التي تكون قد اتخذتها وعن التقدم المحرز علي طريق ضمان احترام الحقوق المعترف بها في هذا الصدد. وتوجه جميع هذه التقارير إلي الأمين العام للأمم المتحدة ، الذي يحيلها بدوره إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي للنظر فيها طبقاً لأحكام العهد.

وللمجلس الاقتصادي والاجتماعي وفق المادة 18 من العهد ، بمقتضى المسؤوليات التي عهد بها إليه ميثاق الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، أن يعقد مع الوكالات المتخصصة ما يلزم من ترتيبات كيما توافيه بتقارير عن التقدم المحرز في تأمين الامتثال لما يدخل في نطاق أنشطتها من أحكام هذا العقد ، ويمكن تضمين هذه التقارير تفاصيل عن المقررات والتوصيات التي اعتمدتها الأجهزة المختصة في هذه الوكالات بشأن هذا الامتثال .

وتشير المادة 19 من هذا العهد إلى أن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يحيل إلي لجنة حقوق الإنسان المنشئة بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان لدراساتها ووضع توصية عامة بشأنها أو لإطلاعها عليها عند الاقتضاء. وللدول الأطراف في هذا العهد وللوكالات المتخصصة المعنية أن تقدم إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي ملاحظات علي أية توصية عامة تبديها لجنة حقوق الإنسان أو علي أي إيماء إلي توصية عامة يرد في أي تقرير للجنة حقوق الإنسان أو في أية وثيقة تتضمن إحالة إليها (م.20).

وتوضح المادة 21 من العهد إلى أن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يقدم إلي الجمعية العامة بين الحين والحين تقارير تشتمل علي توصيات ذات طبيعة عامة وموجز للمعلومات الواردة من الدول الأطراف في هذا العهد ومن الوكالات المتخصصة حول التدابير المتخذة والتقدم المحرز علي طريق كفالة تعميم مراعاة الحقوق المعترف بها في هذا العهد . كما أن لهذا المجلس استرعاء نظر هيئات الأمم المتحدة الأخرى وهيئاته الفرعيـة ، والوكالات المتخصصة المعنية بتوفير المساعدة التقنية ، إلي أية مسائل تنشأ عن التقارير المشار إليها في هذا الجزء من هذا العهد ويمكن أن تساعد تلك الأجهزة ، كل في مجال اختصاصه، علي تكوين رأي حول ملائمة اتخاذ تدابير دولية من شأنها أن تساعد علي فعالية التنفيذ التدريجي لهذا العهد (م.22).

وفي سبيل إعمال الرقابة على أداء الدول في إنفاذ أحكام هذا العهد يجب أن توافق الدول الأطراف علي أن التدابير الدولية الرامية إلي كفالة إعمال الحقوق المعترف بها في العهد تشمل عقد اتفاقيات ، واعتماد توصيات ، وتوفير مساعدة تقنية ، وعقد اجتماعات إقليمية واجتماعات تقنية بغية التشاور والدراسة تنظم بالاشتراك مع الحكومات المعنية (م.23).

د : الرقابة إعمالاً لنصوص المعاهدات الدولية الأخرى :

تتابعت آليات رصد ومراقبة ومحاسبة انتهاكات حقوق الإنسان على الصعيد الدولي في إطار منظومة الأمم المتحدة وذلك من خلال الاتفاقيـات الدوليـة المعنية بحماية الفئات الأضعف وأخصهما المرأة والطفل ، وفى إطار الاهتمام بالأفعال الأكثر اهتماماً واستهجانا من المجتمع الدولي مثل التفرقة العنصرية والتعذيب. وقد تضمنت خمس من الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان ، والصـادرة عن الأمم المتحدة ، إنشاء آليات متمثلة في لجان دائمة منبثقة عن الاتفاقيـات المعنيـة وهى : لجنة القضاء على التمييز العنصري ، ولجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ، ولجنة مناهضة التعذيب ، ولجنة حقوق الطفل ، واللجنة المعنية بالعمال المهاجرين.

وتهدف هذه اللجان إلى مواصلة الجهود مع دول العالم على تعـزيز إرساء المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان من خلال التزام الدول الأعضاء بتقديـم تقارير دوريـة أمام هذه اللجان بالجهــود التي تقوم بها في المجالات ذات الصلة على أراضيهـا والمتعلقـة بتنفيذ أحكام الاتفاقيات المعنية ، وكذلك بالتزام الدول بتجريم بعض صور الانتهاكـات مثل الـرق والسـخرة وإبادة الأجناس والتعذيب والتفرقة العنصرية ومكافحة الدعارة والتعاون الدولي من أجل مكافحتهما. على أن أهم ما منح لهذه الآليات هو حقها في أحوال معينة في العمل كآلية رصد ومراقبة وتلقى الشكاوى للتحقيق فيها وتوجيه المساءلة عنها. وتقبل لجنة القضاء على التمييز العنصري ، ولجنة مناهضة التعذيب ، ولجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ، طبقا لشروط معينة ، ادعاءات من الأفراد الذين يزعمون بانتهاكات لحقوقهم المكفولة بموجب المعاهدات.

ويجدر هنا الإشارة إلى أنه قد أنشئ عقب المؤتمر الثاني لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام 1993 منصب المفوض العام السامي لحقوق الإنسان في مبادرة دولية لإنشاء آلية جديدة للمتابعة والمراقبة ، بعدما تعذر الاتفاق على إنشاء المحكمة الدولية لحقوق الإنسان. ويختص المفوض السامي بالسعي لمنع وقوع الانتهاكات ويحقق فيما يقع فيها والعمل مع الحكومة على إزالتها.

ثانياً : الأساس القانوني الاتفاقي للرقابة على الصعيد الإقليمي :

بقدر ما حظيت به إشكالية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من مكانة لدى منظمة الأمـم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ، ظهرت على الصعيد الدولي تجمعات إقليمية تضم الدول الأوضاع والمشكل المشتركة من أجل وضع تفاهم مشترك أوسع نطاقاً وأعمق تأثيراً وأكثر التزاماً بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ولوضع الحماية القانونية لها بإنشاء آليات تعمل على كفالة حمايتها وزيادة ضماناتها واحترامها وفعاليتها ورصد الانتهاكات الحاصلة عليها ومواجهتهـا مـن خـلال القواعد المنظمة للمسئولية عنها وتقرير الحماية لها من خـلال قضـاء متخصـص.

وهنا يجب الإشارة إلى المبادأة التي ضمت الدول الأوربية في إطار منظمة الأمن والتعاون الأوربي عند إصدارها الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ، ثم الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان. وقد تضمن كل منهما إنشاء لجنة ومحكمة للنظـر والفصل في الانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان ، وقد جاء ذلك تطوراً هاماً في مجال إقرار مسئولية الدولة في هذا الشأن أمام غيرها من الدول الأعضاء بالاتفاقية وبواسطة قضاء دولي إقليمي متخصص ، بل تطور الأمر لمنح الإنسان الشخصية الدولية لمخاصمة الدول الأعضاء أمام هذا القضاء للقضاء لـه بإزالة أية انتهاكات قد تكون نالت من حقوقه أو حرياته الأساسية المقررة بالمواثيق الحامية لهـا ولتعويضه عنها.

ولم تتخلف القارة الأفريقية عن هذا الركب بل أن ما حفل به تاريخها من ألوان الاستعمار والاستعباد والتفرقة العنصرية جعل مـن شعوب القارة الأفريقية خير من يـدرك أهمية الدفـاع عن حقـوق الإنسان والشـعوب كركيزة لا تتحقـق بدونها سلام أو تنمية.

وفى إطار منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) صدر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وقد انبثق عن الميثاق الأفريقي اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب كآلية تختص بتلقي التقارير الدورية للدول الأعضاء ومناقشتها وفحص الشكاوى وإصدار التوصيات اللازمة بشأنها ، وقد تواصلت الجهود الأفريقية لمواكبة التطور العالمي بإصدار بروتوكول ملحق بالميثاق الأفريقي لإنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان وهو مفتوح حالياً للتوقيع عليه ولم يدخل بعد حيز النفاذ لعدم بلوغ الأعضاء الموقعين الحد الأدنى لنفاذه فضلاً عن تعيين عدد من المقررين الخاصين لبعض القضايا الهامة التي تعنى بها القارة.

ولا ننسى أن نُذَكر بأن الميثاق العربي لحقوق الإنسان ، الذي اعتمد ونشر بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية 5427 المؤرخ في 15 سبتمبر 1997 ، يضع ، في المادة 40 والمواد اللاحقة عليها ، نظاماً للرقابة يقترب مما نصت عليه نصوص العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية.

ثالثاً : الأساس القانوني الاتفاقي لرقابة المنظمات الدولية غير الحكومية :

تعرف المنظمات الدولية غير الحكومية بأنها مجموعات طوعية لا تستهدف الربح ينظمها مواطنون تجمعهم اهتمامات مشتركة على الصعيد الدولي بهدف أداء وظائف وخدمات إنسانية ، أهمها المساعدة في رصد وتنفيذ الاتفاقات الدولية ، وإطلاع الحكومات على شواغل المواطنين ، ورصد السياسات وتشجع المشاركة السياسية على المستوى المجتمعي. ونستطيع أن نقول أن تلك المنظمات تعمل بمثابة آليات للإنذار المبكر وهى المعبر الرسمي عن مسائل محددة في مجالات حقوق الإنسان أو البيئة أو الصحة. وتقدر الإحصاءات أن هناك ما يربو على 1500 منظمة غير حكومية ذات برامج إعلامية متينة متعلقة بالقضايا التي تهم الأمم المتحدة. ويأتي على رأس تلك المنظمات : التحالف الدولي لإنقاذ الأطفال ، منظمة السلام الأخضر الدولية ، والاتحاد الدولي لأرض الإنسان ، ومنظمة الشفافية الدولية ، ومنظمة العفو الدولية.

وتقف حالياً منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch في مصاف أهم المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال مراقبة حقوق الإنسان. فقد عُهد عن المنظمة في السنوات الأخيرة أنها سبَّاقةٌ في فضح انتهاكات حقوق الإنسان ، وخاصة القتل ، والاختفاء القسري ، والتعذيب، والسجن التعسفي ، والتمييز، بما تنشره من معلومات موثوق بها في أوانها ، وهذه السمعة هي التي جعلتها مصدراً أساسياً للمعلومات للمعنيين بحقوق الإنسـان. وفي سبيل أدائها لدورها تجري المنظمة تحقيقات منتظمة ومنهجية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نحو سبعين بلداً في مختلف أنحاء العالم عن طريق عدد من المدراء الإقليميون واللجان الاستشارية. وقد حصلت المنظمة في غضون عام 1998 على حق مندوبيها في زيارة عدة دول منها مصر وفلسطين وغزة والمغرب وتونس من أجل القيام بالبحوث وحضور المؤتمرات والتشاور مع العناصر النشطة من شتى أرجاء المنطقة. وتعرب المنظمة دائماً عن قلقها من صعوبة الحصول على تصاريح بمراقبة حقوق الإنسان في دول الجزائر والبحرين وإيران والعراق وسوريا. وتعرب المنظمة عن قلقها الدائم من اتساع مساحة الانتهاكات للحقوق والحريات في مجمل الدول العربية.

والمثير للاهتمام هو تعويل الدول الكبرى في كثير من الأحيان على دور المنظمات غير الحكومية في ممارسة دور ضاغط على نشاط وقرارات السلطات الوطنية ، بما يحقق في النهاية الأجندة التي ترسمها تلك الدول في منطقة ما. ويكفي أن ندعم هذا الشك بما جاء على لسان مسئول في وزارة الخارجية الأمريكية مخاطباً مع لجنة العلاقات الخارجية بمجس الشيوخ في 15 يونيو، 2006 من أن الولايات المتحدة ستواصل مساندتها لحقوق الأفراد في تشكيل المنظمات غير الحكومية التي يختارونها والمشاركة فيها والانضمام إليها. كما أن مساعد وزير الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، باري لوينكرون ، خلال شهادة أدلى بها في جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ يوم 8 يونيو 2006 حول العقبات التي تضعها بعض الحكومات على أنشطة هذه المنظمات ، أكد أن المشاكل التي تواجهها الدول في عالم اليوم بالغة التعقيد لدرجة أنه حتى الدول الكبرى لا تستطيع التصدي لها بمفردها. وأوضح أنه ليس مستغرباً أن يوجد بعض الزعماء الذين لا يرحبون بالمنظمات غير الحكومية ، وغيرها من دعاة التغيير الديمقراطي السلمي. وأوصى لوينكرون بضرورة شن حملة دعائية ضد أولئك الذين يفرضون قيودا مفرطة على حرية المنظمات غير الحكومية ، إذ إن ضمان حماية المنظمات غير الحكومية هو جزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الأميركية. كما أوصى بوضع قائمة قصيرة من المبادئ التوجيهية تستخدمها الولايات المتحدة لتقييم سلوك الحكومات الأخرى تجاه المنظمات غير الحكومية يتم على ضوئها النظر في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وهذه الدول.

ولابد عند دخول تلك المنظمات بهذا الشكل في لعبة السياسة الدولية ، وتزايد دورها في تحديد أجندة عالم اليوم الذي تسوده العولمة ، أن نطرح تساؤلاً حول الأساس القانوني الذي تستند إليه هذه المنظمات في إعمال رقابتها على أداء السلطات الوطنية في مجال حقوق الإنسان.

قد يقول قائل أن شرعية عمل المنظمات غير الحكومية الدولية في تحركاتها تستند إلى جملة الحريات العامة المعترف بها من قبل مواثيق حقوق الإنسان ، كحريات التعبير والاجتماع والحق في تكوين الجمعيات والمعترف بها على الصعيد الوطني. غير أن هذا القول قد لا يقنع السلطات الوطنية حينما لا تجد ما يدفعها إلى التعاون مع تلك المنظمات أو يلزمها بتقديم التسهيلات لكوادرها ، خاصة أمام نعرة السيادة الوطنية ودعاوى عدم التدخل في شئون الدول ، التي تطرح نفسها بقوة في مثل تلك المواقف.

والحق أننا نرى أن رقابة تلك المنظمات لا تعدم هى الأخرى أساساً قانونياً اتفاقياً ، ناشئ عن ارتباطها بأنشطة الأمم المتحدة وتمتعها بمظلة حماية من قبل المنظمة الدولية. وقد بدأ هذا الأساس الاتفاقي يتبلور منذ أن طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي من إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة ، بقراره رقم 1297 (د-44) في 27 مايو 1968 قبول عضوية المنظمات غير الحكومية فيها ، مع مراعاة نص وروح القرار 1296 (د-44) المؤرخ في 23 مايو 1968 ، والذي ينص على أن تتعهد المنظمات غير الحكومية “بدعم عمل الأمم المتحدة وترويج المعرفة بمبادئها وأنشطتها ، وفقا لأهدافها ومقاصدها ولطبيعة ونطاق اختصاصها وأنشطتها.

وقد تشكل هذا الأساس الاتفاقي بوضوح منذ أن أعمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي فكرة منح بعض المنظمات الدولية غير الحكومية صفة المركز الاستشاري لدى المجلس. وتنص المادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن على أن “للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصه”. وينظم هذه الترتيبات قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 1296 (د-44) ، المؤرخ في 23 مايو 1968 ، والذي ينص على منح المنظمات غير الحكومية مركزاً استشارياً لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، وعلى أن تجري هذه المنظمات مشاورات مع أمانة المجلس.

وفي السنوات الأخيرة ، استعرض المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد ثلاثة أعوام من التفاوض ، ترتيباته التشاورية مع المنظمات غير الحكومية في يوليه 1996. ومن نتائج هذه العملية قرار المجلس 1996/31 الذي نقح الترتيبات المتعلقة بتشاور المنظمات غير الحكومية مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وقد وضع معايير لترتيبات اعتماد منظمات غير حكومية لدى مؤتمرات الأمم المتحدة ، وبسَّط عملية تقديم طلبات الحصول على المركز الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقرر السماح للمنظمات غير الحكومية القطرية بتقديم طلبات العضوية. ويُمنح “المركز العام” للمنظمات غير الحكومية الدولية الكبرى التي تعمل في معظم القضايا الواردة على جدول أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي فيما يمنح “المركز الاستشاري الخاص” للمنظمات غير الحكومية المختصة في بضع ميادين تتعلق بعمل المجلس، أما “مركز الإدراج في القائمة” فيمنح للمنظمات غير الحكومية التي يرى المجلس أن بإمكانها أن تقدم مساهمات مفيدة لعمله.

ومن النتائج الأخرى للاستعراض الذي أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في يوليه 1996 المقرر 1996/297 الذي أوصى الجمعية العامة بأن تنظر في دورتها الحادية والخمسين في مسألة مشاركة المنظمات غير الحكومية في جميع ميادين عمل الأمم المتحدة ، في ضوء الخبرة المكتسبة من خلال الترتيب الاستشاري بين المنظمات غير الحكومية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وعلى أثر ذلك ، تم في إطار الفريق العامل التابع للجمعية العامة المعني بتعزيز منظومة الأمم المتحدة تشكيل فريق فرعي معني بالمنظمات غير الحكومية. ويعكف هذا الفريق الفرعي على دراسة المسائل المتعلقة بمشاركة المنظمات غير الحكومية ، ولاسيما فيما يتعلق بأعمال الجمعية العامة ، ويأخذ عمله طابع الاستمرارية.

ويبت المجلس الاقتصادي والاجتماعي في منح المركز الاستشاري للمنظمات غير الحكومية بناء على توصية اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالمنظمات غير الحكومية. وهذه اللجنة مؤلفة من 19 دولة عضوا، وهي تجتمع سنويا. أما مؤتمر المنظمات غير الحكومية ذات المركز الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي فهو لسان حال المنظمات غير الحكومية الممثلة لدى المجلس. ومن أهدافه كفالة تمتع هذه المنظمات بكامل الفرص والمرافق الملائمة لأداء وظائفها الاستشارية ، وتأمين محفل للعملية التشاورية، وعقد اجتماعات للمنظمات الأعضاء من أجل تبادل الآراء بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك.

وبعد هذا الاستعراض لا يسعنا إلا أن نؤمن بأن رقابة المنظمات والهيئات الدولية بكافة نماذجها على أداء السلطات الوطنية في مجال احترام حقوق الإنسان يجري على هدي من أساس قانوني اتفاقي دولي ، ولا تستند ، كما قد يعتقد البعض ، إلى مبدأ القوة وفرض السيطرة والهيمنة ، الذي تظهر ملامحه كثيراً في العلاقات الدولية.

إلا أنه تبقى لنا في النهاية كلمة مفادها أنه وإن كان من الواجب أن تفتح الأبواب واسعة قدر الإمكان من أجل تيسير عمل المنظمات الدولية غير الحكومية في الرقابة على أداء السلطات الوطنية في مجال حقوق الإنسان ، إلا أنه يجب أن يوازي ذلك تكريس أعلى درجات الشفافية والمسائلة في أداء تلك المنظمات لرسالتها ، فلا تكون ستاراً لمشاريع الهيمنة ، ولا أن تشكل يداً تعبث بأمن واستقرار الدول. فالحق المتبادل في الرقابة يجد مكانه ولا شك أمام عمل تلك المؤسسات الخاصة ، حالما يكون من الضروري الإعلاء من قيم السيادة الوطنية وصيانة الأمن القومي.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت