وضعية الديون ذات الأسبقية في المساطر الجماعية بين معضلة الصياغة و معضلة الناجعية

عبد العالـي العبدونـي

محامي بهيئة الدار البيضاء

لا يمكن لأحد أن يدعي استيعابه لنص قانوني دون أن يرجع قليلا إلى الوراء إلى فترة الصياغة ويحاول جاهدا استكناه مراد المشرع، إلا أنه وفي حالة عدم وقوفه على هكذا أعمال تحضيرية لا يبقى أمامه إلا مراجعة البنى الفلسفية القانونية التي سعت إلى إخراج هكذا نص.

والحقيقة تقال أنه يصعب علينا الرجوع إلى مراد المشرع من خلال الأعمال التحضيرية، لمحاولة فهم بعض المقتضيات القانونية المضمنة في الكتاب الخامس من مدونة التجارة، ولسبب بسيط راجع لانعدامها، مما يدفعنا جبرا إلى محاكمة النصوص بالمباني الفقهية والفلسفية ولم لا القضائية، حتى نستطيع أن ننجز قراءة قانونية وعلمية في نفس الآن.

لقد وقع اختيارنا على المادة 575 من مدونة التجارة والتي تنص على أنه ” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية، بالأسبقية على كل ديون أخرى سواك أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو ضمانات ” لعدة أسباب أهمها أنها مادة منشئة لامتياز يعلو غيره من الإمتيازات يمس بأصل العدالة المرغوبة في تسوية وضعية الدائنين كل الدائنين، ثانيا، أنها حملت صيغة خطيرة تجعل مدة الحماية تمتد على طول مسطرة التسوية القضائية مما يجعل من الديون غيرها مهددة في الصميم، ثالثا، أنها رغم وضوحها إلا أنها تعاني من أزمة ناجعية تبدي بما لا مزيد عنه على أن المشرع في تفاصيل كثيرة كون تصورا آخر يهدم هذه القطعية والإطلاقية الواردة في المادة 575 من مدونة التجارة.

وعليه فإن بحثنا سوف ينشطر إلى شطرين، الشطر الأول يهتم بمناقشة معضلة الصياغة وتهاتر المبرر، والثاني يعتني بأزمة الناجعية والتي سوف تقوض من مدخليات المادة.

أولا: أزمة صياغة المادة 575 م.ت ومعضلة المبرر:

كما هو معلوم عند الجميع بأن الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتضمن لمسطرة صعوبات المقاولة قد تم نسخه عن القانون الفرنسي وخصوصا القانونين المؤرخين في فاتح مارس 1984 و 25 يناير 1985، إلا أن النسخ لم يكن موفقا في كثير من المواضيع مما جعل بعض المشاكل تتناسل، ومن أهم مواضع عدم تطابق النسخ يتجلى في أعلى صوره في المادة 575 من مدونة التجارة المطابقة للمادة 40 من قانون يناير 1985 والتي صارت المادة L 621 – 32 من القانون التجاري الفرنسي، ذلك أنه لو عدنا إلى النص الأصلي لوجدنا بأن المشرع الفرنسي ينص في الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون 1985 ( والتي أضحت المادة L 621 – 32 ) على ما يلي:

« Les créances nées régulièrement après le jugement d’ouverture sont payées à leur échéance lorsque l’activité est poursuivie. En cas de cession totale ou lorsqu’elles ne sont pas payées à l’échéance en cas de continuation, elles sont payées par priorité à toutes les autres créances garanties par le privilège établi aux articles L. 143 – 10, L. 143 – 11, L. 742 – 6 et L. 751 – 15 du code de travail. »

في حين أننا نجد المادة 575 من مدونة التجارة تنص على أنه ” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية، بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات ” فالواضح أن هناك ثمة اختلاف كبير بين نص المادتين – بغض النظر عن التغييرات التي طرأت على المادة 40 – إذ أن الديون التي لها حق الأولوية في التشريع الفرنسي هي تلك الديون التي نشأت بعد حكم فتح المسطرة بخلاف التشريع المغربي الذي أعطى هذا الحق للديون التي نشأت بعد صدور حكم فتح التسوية، وطبعا الإختلاف في الصياغة أدى إلى ترتيب آثار قانونية كبيرة، سوف نعمل على كشفها.

ذلك أنه لو عدنا إلى المادة 575 لوجدنا بأنها موضوعة ضمن الباب الثاني المعين خصيصا للتسوية القضائية، مما يجعل معنى المادة يذهب حتما للحكم القاضي بالتسوية القضائية، بخلاف النص الفرنسي الذي نجده أتى ضمن الفرع الثالث من الفصل الأول المعين لفترة إعداد الحل، وهذا يؤدي حتما إلى ترتيب آثار قانونية مختلفة.

ذلك أن صياغة المادة 575 من مدونة التجارة تجعل كل دين نشأ بصفة قانونية بعد صدور حكم التسوية القضائية يستخلص بالأولوية وخلال الأجل المعين له، وإذا ما علمنا بأن التسوية القضائية قد تستمر لعشر سنوات ( المادة 596 من مدونة التجارة )، علمنا بأن هناك ثمة خطورة تؤدي إلى زعزعة وضعية الدائنين السابقين.

وطبعا التبرير الوحيد لهكذا حق في الأولوية والأسبقية في الإستخلاص، هو أنه بهكذا ضمانة تشريعية يمكن أن يتم إنجاح مؤسسة التسوية القضائية وذلك بدفع رجال الأعمال والأبناك لمساعدة المقاولة المتوقفة عن الدفع والمغامرة بأموالهم نظير أن تستخلص بالأولوية، وهذا ما ألمح إليه الفقيه المغربي أحمد شكري السباعي موضحا بأنه ” بدون هذا الأداء في الأجل لن تقوم أية مؤسسة بنكية أو مالية أو غيرهما من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين بتقديم قروض أو تجهيزات أو خدمات تساعد على تمويل المقاولة المتعثرة وتغامر من أجل إنقاذها “1.

لكن هذا التبرير سرعان ما يتهاتر أمام مجموعة من الملاحظات:

1 – يظل ليس من المعقول أن نستمر في دعم المقاولة لما يقارب العشر سنوات، لأن هذا التصريح يجعل المقاولة في وضعية مختلة بشكل لا رجعة فيه وأن استمرارها يظل مرهونا بالدعم، وأنه في حالة التوقف عن هكذا دعم يمكن أن تنكسر المقاولة. فبهكذا تصريح نكون نقر باختلال المقاولة، رغم أن هذا التبرير يظل سليما في مقام الديون الناشئة بعد فتح مسطرة صعوبات المقاولة وخلال فترة إعداد الحل، لأن دعم المقاولة خلال هذه الفترة يعطي آثار إيجابية للسنديك الذي سوف يسعى لتبيانها في مشروع مخططه للتسوية مثلا، أما بعد ذلك فلا يمكن لهذا المبرر أن يستمر كما سبق بيانه، وهو عين ما هو موجود بفرنسا ذلك أن ديون المادة L 621 – 32 هي ديون فترة الملاحظة وحسب.

2 – أن الإطلاق الذي أتت به المادة 575 يجعل حتى الديون التفقيرية للمقاولة قائمة ومحمية به، كدعاوى التعويض عن بعض الأفعال الجرمية والشبه الجرمية المقترفة من طرف المقاولة في شخص رئيسها.

ذلك أن الأحكام القاضية بالتعويض والتي أضحت حائزة لقوة الشيء المقضي ومتحصلة بعد صدور حكم التسوية القضائية تجعل منها دين يستخلص بالأولوية بدوره.

ويظل تفسير الأستاذ لفروجي بأن الديون المتعلقة بالنشاط التجاري هي وحدها المتحوزة لحق الأولوية، تفسير خاطئ رغم معقوليته ” ذلك أن منطق الأمور يقتضي أن لا تعامل بمثل هذه المعاملة الخاصة إلا الديون التي نشأت، بعد تاريخ وضع المقاولة في حالة تسوية قضائية، من أجل تمكين هذه المقاولة من متابعة نشاطها “، 2 لأن صياغة المادة لا يمكنها أن تسعف التوجه الذي ذهب إليه الأستاذ لفروجي على وجاهته. وهذا التوسع في التبني هو نفس ما أوضحه القضاء الفرنسي بخصوص بحث سقف المادة 40 من قانون 25 يناير 1985، حيث أشار إلى أن المعول عليه في مساءلة الشركة هي في معاينة أن الدين الناتج عن فعل شبه جرمي قد نشأ قانونا وفي إطار صلاحيات المتصرف في الشركة.

« Attendu que pour statuer comme il a fait, l’arrêt retient que la créance délictuelle de

. Edouard Leclerc à l’encontre de M. Michel Leclerc est née postérieurement au jugement d’ouverture et entre ainsi dans les prévisions de l’article 40 de la loi du 25 janvier 1985 de sorte que M. Michel Leclerc étant dessaisi de ses biens par l’effet du jugement de liquidation judiciaire, la condamnation devra être prononcée contre M. Chavinier, ès qualités ;

Attendu qu’en statuant ainsi, sans rechercher si la créance était née régulièrement après le jugement d’ouverture de la procédure collective, c’est-à-dire conformément aux règles gouvernant les pouvoirs du débiteur ou, le cas échéant, de l’administrateur, la cour d’appel n’a pas donné de base légale à sa décision ; » (cass.com, 13 octobre 1998 ; Chavinier ; ès qual/ Leclerc et a. numéro 1536)3

بمعنى أن أشباه الجرائم التي يرتكبها متصرف وفي إطار صلاحياته تجعل من التعويضات المحكوم بها لفائدة المتضرر تستفيد من مقتضيات المادة 40 ما دامت قد نشأت بشكل قانوني، فليس من المعقول التصريح بأن أشباه الجرائم تدخل ضمن نشاط المقاولة.

هذا ناهيك على أن العقود الجارية والتي تنتج ديونا بشكل دوري تتحول لامتياز المادة 575 من مدونة التجارة بغض النظر عن فصيلة هذه العقود.

3 – أنه لو كان هذا المبرر حقيقيا ومعتبرا كمبدأ تأسيسي لكان من ألزم اللزوميات جعل الدائنين السابقين يستفيدون من نفس الإمتياز في حالة إذا ما تنازلوا عن جزء من ديونهم، فالتنازل الذي يقومون به أكيد سوف يساعد المقاولة على التخلص من مجموعة من المبالغ، فكان حريا بالمشرع أن يضمهم إلى مضمنات المادة 575 من مدونة التجارة، إلا أنه لم يفعل.

مما يجعل من المبرر المقدم فقهيا هو تسويغ تشريع لا رؤية تأسيسية لنظر المتشرع، وهذا هو الاختلاف الموجود بين المدرسة اللاتينية والمدرسة الأنجلوساكسونية، وهي أن الأخيرة تعتمد مبادئ فقهية وقضائية تأسيسية لجسم تشريعي، بخلاف المدرسة اللاتينية التي لا زالت تجر معها أزمة ” الشرح على المتون “4.

ومن جهة ثانية، فإن القول بمضمنات المادة 575 وتوسيعا لها يجعل الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل صدور حكم التسوية القضائية مهددين بعدم استخلاص ديونهم وفق أنجع السبل، لأن تراخي الأداء على فترة زمنية طويلة مع التقسيط وفي أحسن الأحوال يسقط من القيمة الحقيقة لمبلغ المديونية، ناهيك على أنهم يظلون على كف عفريت ذلك أنه خلال أية فترة يمكن تحويل التسوية القضائية إلى تصفية قضائية ( المادة 602 م ت ) مما يجعل مجمل الديون ذات الأولوية تستحق بالإجمال قبل ديونهم، وهذه وضعية تظل محرجة إلى أقصى الحدود إذا علمنا بأن مدة الأولوية قد تستمر لعشر سنوات وفق العيب المتجلي في صيغة المادة 575 من مدونة التجارة.

3 – أما إذا أحببنا أن ندفع بالفلينة أبعد مما يمكن، فسوف نطرح السؤال الآتي: ما هو مآل الديون التي نشأت خلال فترة إعداد الحل ( فترة الملاحظة ) وخصوصا أن المشرع يفرق جيدا بين الحكم القاضي بفتح مسطرة صعوبات المقاولة كما في المواد 561 و 563 و 564 و 565 و 567 و 569 من مدونة التجارة والواردة جميعها ضمن الباب الأول المعنون بشروط الإفتتاح.

إذ أن المشرع المغربي يميز بشكل جيد بين إجراءات فتح مسطرة صعوبات المقاولة وصدور الأحكام على ضوئها، وبين الحكم القاضي بفتح التسوية القضائية.

صحيح أن ثمة خلل يهم تموضع بعض النصوص يمكن أن يجعل من ديون فترة إعداد الحل مستفيدة بدورها من حق الأسبقية، كما يتعلق الحال بإعداد الحل المتواجد ضمن الفصل الثاني من الباب الثاني المتعلق بالتسوية القضائية، إلا أن هذا ليس بكافي لأن صيغة المادة لا تسعف في هذه التوسعة.

دون أن ننسى بأن خللا بهذا الثقل يضعف من التبرير الذي أتى به الفقيه السباعي، لأن الدائنين المنقذين أنفسهم غير محميين بالمادة 575 من مدونة التجارة.

هذه كانت باختصار وجهة نظرنا بخصوص الأزمة التي تفتحها صياغة المادة 575 من مدونة التجارة، وتهاتر مبرر وجودها على الأقل وفق الصياغة الحالية والتي يتناسب حصرها في فترة إعداد الحل، حتى يتحقق التوازن المرغوب فيه.

ثانيا: أزمة ناجعية المادة 575 م.ت:

في هذا المقام يظل من المناسب إيضاح أن حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من مدونة التجارة يعرف أزمات ناجعية كثيرة، تهم تحويل التسوية القضائية إلى تصفية قضائية مع استمرار النشاط، وكذا حق الرهن والحبس المكفول لبعض الدائنين، وانعدام تراتبية حقيقية بين دائني المادة 575.

1 – فكما هو معلوم أن المادة 620 من مدونة التجارة التي تهم فترة التصفية القضائية نجدها تنص على ما يلي: ” إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، جاز للمحكمة أن تأذن بذلك لمدة تحددها إما تلقائيا أو بطلب من السنديك أو وكيل الملك.

وتطبق مقتضيات المادة 573 خلال هذه الفترة بينما تطبق مقتضيات المادة 575 على الديون الناشئة خلال هذه المدة.

يقوم السنديك بتسيير المقاولة مع مراعاة مقتضيات المادة 606 “.

ذلك أنه لو حاولنا تفعيل هذه المادة لعاينا بأن هناك تراتبية جديدة تنشأ عن الديون التي نشأت بعد صدور حكم التسوية والتي تأتي مباشرة بعد الديون التي نشأت خلال التصفية القضائية، فبمراجعة صياغة المادة 575 مع إدخال الغاية من المادة 620 لقرأناها بالشكل الآتي: ” يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم التصفية القضائية، بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات “.

صحيح أن هناك من سوف لن يتفق معي في هذا الطرح لكن هذا الاستنتاج جاء نتيجة صياغة المادة 575 على ضوء المادة 620، وخصوصا أن القضاء المغربي عمل على جعل حق الأسبقية امتيازا من الامتيازات، فبمناسبة نازلة متعلقة بأتعاب المحامي صرحت محكمة الاستئناف التجارية بما يلي: ” لكن حيث إنه إذا كان الطاعن يعتبر دينه امتيازيا فإن من أهم الآثار التي تترتب عن حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من مدونة التجارة الديون المشمولة بهذا الحق تؤدى في تاريخ استحقاقها مهما كانت المرحلة التي قطعتها التسوية القضائية ” ( قرار رقم 2062/2000 بتاريخ 10/10/2000 في الملف رقم 1510/2000/11 )،5 وهذا التوجه هو نفس ما يتبناه الفقه الفرنسي فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نجد الفقيهة كورين سانت ألاري هوان والأستاذ بيير ميشيل لوكور والفقيه برنارد سوان يعتبرون حق الأسبقية حامل في طيه لحق الأفضلية وبالتالي فهو امتياز6 ، والامتيازات تعرف تراتبا فيما بينها فتكون ديون المادة 575 خلال التسوية القضائية امتيازا من الامتيازات التي تأتي بالتبعية لدين المادة 620 من المدونة.

1- أحمد شكري السباعي: الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها الجزء الثالث، عن دار نشر المعرفة الطبعة الأولى، سنة 2000، الصفحة 247.

2 – محمد لفروجي: صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، عن مطبعة النجاح الجديدة، سنة 2000 الصفحة 388.

3- أحمد شكري السباعي: الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها الجزء الثالث، عن دار نشر المعرفة الطبعة الأولى، سنة 2000، الصفحة 247.

4 – محمد لفروجي: صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، عن مطبعة النجاح الجديدة، سنة 2000 الصفحة 388.

5 – مجلة المحاكم المغربية عن هيئة المحامين بالدار البيضاء العدد: 88 الصفحة 168 – 171

6 – C. SAINT-ALARY-HOUIN :Droit des entreprises en difficulté, Montchrestien 1999, N : 598 ; S. Bernard : Traité des procédures collectives, Litec 1995, le Corre pierre michel : pratiques des procédures collectives, Dalloz référence, 2001, N : 893 et 894.

وعليه لا يكون من الصعب القول بأن تراتبية المادة 620 تأتي بالأولى على تراتبية ديون التسوية القضائية، وفاقا لصياغة المادة.

2 – صحيح أن المشرع حاول أن يمنح للدائنين ذوي الأسبقية الكثير من الحقوق والضمانات القانونية لاستخلاص ديونهم داخل الأجل المتفق عليه، كما نجد ذلك في المادة 575 وكذا المادة 600 حيث ذهب إلى أنه ” في حالة بيع ملك مثقل بامتياز خاص أو برهن رسمي، يتم أداء مستحقات الدائنين المستفيدين من هذه الضمانات أو أصحاب الامتياز العام، من ثمن البيع بعد الأداء للدائنين ذوي الأسبقية ” إلا أنه سرعان ما نجد ثمة ارتكاس حصل كما في المادة 657 من المدونة التي تنص على أنه: ” يمكن للقاضي المنتدب أن يأذن للسنديك بأداء الديون السابقة للحكم وذلك لفك الرهن أو لاسترجاع شيء محبوس قانونيا، إذا كان يستلزمه متابعة نشاط المقاولة. ” حيث نجد بأن المشرع قد سمح بالوفاء للدين السابق غفلا عن الوفاء للدين ذي الأسبقية.

حيث إننا لو اهتممنا بتموضع المادتين لوجدنا بأن المادة الأولى 600 من المدونة جاءت في إطار الفرع الأول المتعلق بالاستمرارية الفصل الثاني المعنون باختيار الحل، يعني أن البيع يكون بمقتضى حكم قضائي بات في مخطط الاستمرارية، بخلاف المادة 657 من المدونة التي أتت في إطار باب المنع من أداء الديون السابقة وهي تهم فترة تطبيق مخطط الاستمرارية.

والحقيقة تقال بأن هناك ثمة تناقض بين المادتين، لا يمكن قبوله نهائيا إلا إذا قلنا بأن تشخيص السيد القاضي المنتدب يظل تشخيصا غير كاملا لذا يتعين ضمان الأداء للدائن المرتهن على حساب الدائن ذي الأسبقية، بخلاف حكم المحكمة. مع لحاظ بأن الأمر يتعلق باستمرار نشاط المقاولة وجهاز القاضي المنتدب هو المخول بمراقبة سير المساطر وتحقيق مخطط الإستمرارية.

3 – ثمة خلل إضافي يهم غياب تعداد مراتب دائني المادة 575 م ت لتحديد الأولوية في الإستخلاص والذي قد يخلق إشكالا كبيرا، لا يتيسر تجاوزه خصوصا خلال فترة التصفية القضائية حيث جميع الآجال تسقط بقوة القانون ( المادة 627 م ت ). وترك هكذا مهمة على السيد السنديك وفاقا للمادة 622 م ت فيه كثير من الزلل الشيء الذي لا يخفى على كل ناظر متفحص.

هؤلاء الدائنون الذين نجدهم سرعان ما يختفون من على مساحة الفصل الأول من الباب الثالث المتعلق بتصفية الخصوم ضمن التصفية القضائية، فالمواد 630 و 631 و 632 و 633 و 634 من مدونة التجارة، كما لو أنه لا وجود لهم ما دامت الأولوية ممنوحة لأصحاب الرهون الرسمية.

هذا ناهيك على أن أصحاب الإمتياز الذين يتحدث عنهم المشرع في هذه المواد لا تشمل دائني المادة 575 م ت، لأن المشرع تحدث عن التحاصص بين الدائنين الإمتيازيين والدائنين المرتهنين مع الدائنين العاديين في المتبقي بعد نفاذ كل الضمانات ( المادة 632 م ت ).

خاتمـة:

حاولنا على السريع بسط بعض الإشكالات المتحققة نتيجة صياغة المادة 575 م.ت وكذا رفع بعض الإشكاليات الناتجة على مستوى الناجعية، قلنا على السريع لأن الوقت المخصص للندوة لا يسمح بالتوسع كثيرا في كل نقطة، ويستلزم إثارة الكبرى تاركين الصغرى لذهنية الحقوقيين الجالسين أمامنا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت