النظام القانوني للحماية الدبلوماسية في مواجهة المنظمة الدولية

المؤلف : هديل صالح الجنابي
الكتاب أو المصدر : مسؤولية المنظمة الدولية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

من الامور المتفق عليها في القانون الدولي ان للدولة الحق في مجال المسؤولية الدولية في حماية رعاياها، وذلك من خلال اتخاذ كل ما يلزم لحماية حقوق رعاياها في مواجهة شخص دولي آخر، وهذا النظام يعرف بالحماية الدبلوماسية، اذ تقوم الدولة بتبني مطالبات رعاياها عند تعرضهم لاضرار ناتجة عن اعمال غير مشروعة تكون منسوبة الى دولة اخرى او الى اي شخص من اشخاص القانون الدولي. ولكن ممارسة حق الحماية الدبلوماسية لم يعد قاصرا على العلاقات بين الدول، فقد اصبح من الممكن ان يمارس هذا الحق في مواجهة المنظمات ايضاً ولاسيما بعد ان تم الاعتراف للمنظمات بمباشرة حق الحماية الوظيفية في مواجهة الدول، ولكن في حال كون المنظمة الدولية هي المدعى عليه هل ستمارس الحماية الدبلوماسية بالشروط ذاتها، هذا ما سنحاول ايضاحه في هذا المطلب وذلك في فرعين وعلى النحو الاتي:

الفرع الاول:شروط الحماية الدبلوماسية

لكي تمارس اي دولة الحماية الدبلوماسية فلا بد من توفر شروط معينة، فلا بد ان يكون المتضرر متمتعاً بجنسية الدولة المطالبة او ان تتولى رفع دعوى المسؤولية دولة اخرى نيابة عنه بحسب الاحوال ولكن لابد من توفر مبرر لحصول ذلك كأن تكون الدولة الحامية – على سبيل المثال – كما يتوجب على المتضرر استنفاذ جميع وسائل الطعن الداخلي، واخيراً الا يكون المتضرر قد تسبب او اسهم بخطئه في احداث الضرر الذي اصابه، وفيما يلي نتعرف لهذه الشروط، وذلك بحسب الترتيب الآتي:

اولاً– شرط الجنسية:

للسماح لاية دولة بممارسة الحماية الدبلوماسية لصالح اي شخص لابد من وجود رابطة بين الشخص والدولة، والرابطة المعول عليها هنا هي رابطة الجنسية، اذ لابد ان يكون المتضرر من رعايا هذه الدولة ومتمتعا بجنسيتها حتى تكون ذات صفة في اتخاذ اي اجراء في مواجهة المنظمة الدولية، ولكن لا يكفي ان يكون الشخص المتضرر متمتعا بالجنسية وقت وقوع الفعل الضار فحسب بل يجب ان يظل كذلك من لحظة وقوع الفعل الى حين الفصل في النزاع نهائياً(1)، ولكن يستثنى من هذا الامر انقطاع رابطة الجنسية لسبب خارج عن ارادة الشخص وذلك في حالة وفاته، ففي هذه الحالة لا يحق لدولته ان تكف عن حمايته، او تمتنع عن الاستمرار في دعوى المسؤولية الدولية، وذلك من اجل صيانة حقوق الورثة ومصالحهم، ولكن اذا قام المتضرر بتغير جنسية خلال تلك الفترة بإرادة حرة فان دولته تصبح في حل من الامر، ولا يحق لها الاستمرار في حمايته وتحريك دعوى المسؤولية الدولية، اما في حالة تعدد الجنسيات فان الدولة التي يحق لها مباشرة الحماية الدبلوماسية هي الدولة المانحة للجنسية الفعلية والتي يهتدى اليها من خلال معايير وضوابط معنية مثل اقامته فيها بصفة دائمة، او التي يمارس فيها المتضرر الحقوق السياسية، واداء الخدمة العسكرية، او تلك التي يتولى فيها الوظائف العامة، فهذه الدولة وحدها دون سوها يحق لها ممارسة الحماية الدبلوماسية.(2)

ثانياً- استنفاذ الوسائل الدبلوماسية المتاحة:

قبل تحريك مسؤولية المنظمة الدولية لابد من استنفاذ كافة الوسائل، الدبلوماسية المتاحة ولاسيما في حال رغبة المنظمة المسؤولة عن حدوث العمل غير المشروع في اصلاح الضرر وانهاء الانتهاك. اذ يتوجب على المتضرر ان يستنفذ كافة السبل والوسائل الدبلوماسية الممكنة من اجل تسوية النزاع مع المنظمة الدولية، سواء عن طريق المفاوضات او التوفيق او الوساطة، كما يمكن ان يقوم باتصال مباشر بالمنظمة الدولية المسؤولة ومطالبتها بالتعويض عن الاضرار التي لحقت به، وغالباً ما يتم هذا الاتصال عن طريق البعثات الدبلوماسية التابعة للدول والمعتمدة لدى المنظمة، وذلك لاجل تجنب طرح الامر على القضاء الا اذا احتدم الخلاف بين الطرفين حول مبدأ المسؤولية او وقع خلاف حول تقدير قيمة التعويض المستحق عن الضرر الذي اصاب الفرد.(3)

ثالثاً- شرط الايدي النظيفة:

ان الفقه الدولي يشترط في طالب الحماية الدبلوماسية ان تكون يداه نظيفتين، بمعنى الا يكون الفرد المتضرر قد تسبب في إلحاق الضرر بنفسه او على الاقل اسهم في وقوعه بحيث يكون خطؤه قد جب واستغرق خطأ المنظمة، الدولية المسؤولة، اذ يجب ان يكون سلوكه سليماً كي يستطيع الاستفادة من الحماية الدبلوماسية لدولته وهذا يعني ان الدولة المعنية- اي الدولة التي يتمتع المتضرر بجنسيتها- لا يمكنها ان تتبنى اية مطالبة لصالح اي من مواطنيها الذين يمكنها حمايتهم حماية دبلوماسية اذا كان اي منهم لم يحرص على السلوك القويم واسهم بخطئه باحداث الضرر الذي يعاني منه(4)، ويأخذ خطأ الفرد صوراً منها اهمال الفرد ورعونته، وذلك عندما يقوم بمخالفة التعليمات التي توجب عدم عبور الطريق من غير المكان المخصص لعبور المشاة او لحين ظهور اشارة ضوئية معنية، فاذا ما اصيب بواسطة سيارة تابعة للمنظمة الدولية في هذه الظروف فهو الوحيد الذي يتحمل مسؤولية الضرر الواقع عليه، لانه هو الذي اسهم وتسبب به من خلال اهماله، وفي هذه الحالة لن تتمكن دولته من حمايته، ويمكن ان يتحمل الفرد المسؤولية بمفرده وذلك في حالة مخالفته للتعليمات الداخلية التي تضعها المنظمة الدولية بمناسبة قيام القوات المسلحة التابعة لها ببعض التدريبات العسكرية على اقليم الدولة التي ينتمي اليها، وهي التعليمات التي تحظر على سكان تلك المنطقة الاقتراب من المكان المخصص لاجراء هذه التدريبات، فاذا ما اقترب احد مواطني تلك الدولة من هذا المكان مخالفاً التعليمات ولحقه ضرر ما، فان دولته تكون غير قادرة على التدخل لحمايته في مواجهة المنظمة الدولية ، كما لا تستطيع الدولة حماية الفرد في حال انتهاجه سلوكا يتعارض مع احكام القانون الدولي العام، كان يخل بقاعدة الوفاء بالالتزامات، فاذا تعاقدت المنظمة مع شخص ما على توريد اجهزة او معدات معينة، وتخلف هذا الشخص عن التزامه لاسباب تعود اليه وحده او ان يقوم بتوريدها في حالة كونها غير مطابقة للمواصفات، فاذا ما امتنعت المنظمة عن الوفاء له بمستحقاته لديها فان دولة هذا الشخص لا تستطيع التدخل لحمايته لانه أخل بقاعدة الوفاء بالالتزامات وحسن تنفيذها وهي من القواعد العامة.(5)

ومن الجدير بالذكر انه قد اختلف الفقه بخصوص شرط الايدي النظيفة من حيث تكيفه وتحديد طبيعته وقد انقسم الفقه الى ثلاثة اتجاهات متباينة، الاتجاه الاول يرى ان تخلف هذا الشرط يخول الدولة رفض منح الحماية الدبلوماسية، ويستند انصار هذا الاتجاه في رأيهم هذا الى ان الحماية الدبلوماسية ليست حقاً شخصياً لرعايا الدولة وانما هي حق مقرر للدولة ذاتها في مواجهة اشخاص القانون الدولي الاخرين، لهذا فان ممارسة الحماية الدبلوماسية او عدمها هو حق للدولة، ولها في تقديره مطلق الحرية، فهي التي تقرر تدخلها من عدمه وفقاً لمصالحها، وعلى اساس ما يربطها بشخص القانون الدولي من روابط وعلاقات، اما الاتجاه الثاني فيقرر ان السلوك الخاطئ للفرد المتضرر والمخالف لاحكام القانون الدولي العام والقانون الداخلي يشكل سبباً كافيا لعدم حمايته، اما الاتجاه الثالث والاخير فيذهب الى ان السلوك المخالف للقانون الذي يرتكبه الفرد يترتب عليه عدم مسؤولية شخص القانون الدولي المدعى عليه في مواجهة الدولة المدعية.(6)

الفرع الثاني: المطالبة المزدوجة

لا يقتصر الضرر الذي يحدث للمنظمة الدولية او يصيب احد ممثليها على الضرر الذي تسببه دولة ما بل يمكن تصور حدوث ضرر تكون سببه منظمة دولية اخرى، فقد تقوم المنظمة الدولية بإعارة احد موظفيها للعمل خبيراً او مستشاراً لدى منظمة دولية اخرى لفترة زمنية محددة، وذلك بموجب اتفاق مبرم بين المنظمتين، الا ان المنظمة التي اعير اليها الموظف تقوم بتكليفه باعمال ومهام تختلف تماما عن تلك التي أعير لادائها، او ان تقوم باستبقائه لمدة تزيد على المدة المقررة المتفق عليها سلفاً فهنا تكون المنظمة قد تسببت في احداث ضرر للموظف، لذلك فان المنظمة التي اعارت الموظف يحق لها المطالبة بالتعويض، اذ في هذه الحالة تكون المنظمة المستعيرة مسؤولة قبل المنظمة المعيرة عن الضرر الذي اصاب الموظف التابع لها، وفي هذه الحالة يحق للمنظمة الدولية تقديم المطالبات لاجل الحصول على التعويض عن الاضرار التي لحقت بموظفها او ورثته، وقد اكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري هذا الحق، من جانب آخر فان الدولة التي يحمل ممثل المنظمة جنسيتها قد تطالب هي الاخرى بحقها في تقديم مطالبة بالنيابة عن مواطنها وفي هذه الحالة يجب التوفيق بين الادعائين ولكن اي الادعائين تكون له الاولوية وايهما يقدم على الآخــر ؟ ففي هذه الحالة يصطدم حق الدولة في تقديم الحماية الدبلوماسية لرعاياها بحق المنظمة في تقديم الحماية الوظيفية لموظفيها، وفيما يتعلق بهذا الامر لا توجد قاعدة قانونية تمنح الاولوية لاحد الحقين المذكورين او تلزم اياً من الطرفين بالامتناع عن تقديم المطالبة، الا ان رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري المتعلق بقضية التعويض عن الاضرار (1949) نبه الى الواجب المفروض على الدول الاعضاء في الامم المتحدة، والذي نصت عليه المادة (2) من الميثاق في فقرتها الخامسة، اذ اكدت على ان (5- يقدم جميع الاعضاء كل ما في وسعهم من عون الى الامم المتحدة في اي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق كما يمتنعون عن مساعدة اية دولة تتخذ الامم المتحدة ازاءها عملاً من اعمال المنع او القمع)، وكذلك اوضحت المحكمة انه على الرغم من ان الاساس الذي تقوم عليه مطالبة كل من المنظمة والدولة مختلف الا ان ذلك لا يعني باي حال من الاحوال ان يقوم الطرف المسؤول بدفع التعويض مرتين.(7) واثار هذا الموضوع الجدل والخلاف في الفقه الدولي، وقد ظهرت اراء مختلفة لحل هذا الموضوع، وقد كانت كالآتي:

اولاً– ظهر اتجاه يتبنى رأياً، مفاده ان الدولة هي التي يتوجب عليها تقديم المطالبة نيابة عن الفرد المتضرر الموظف في المنظمة الدولية، ولكن هذا لا يمنع المنظمة من التمتع بحق تقديم المطالبات نيابة عن موظفيها، ولكن هذا فقط في حال وجود معاهدة بين المنظمة والدول الاعضاء يتم الاتفاق من خلالها على ذلك.

ثانياً– انصار هذا الاتجاه لا يضعون حلولا موحدة لمشكلة المطالبات المزدوجة بل انهم ينظرون الى كل حالة ازدواج بوصفها مشكلةً قائمة بذاتها، فيقولون يتوجب على المنظمة الدولية ان تقوم بالتفاوض مع الدولة المعنية في كل مرة تظهر فيها هذه المشكلة، بحيث لا تقدم اي ادعاء الا اذا وافقت دولة المتضرر على ذلك.

ثالثاً– اجاز انصار هذا الاتجاه للمتضرر او لورثته تقرير ما اذا كان يفضل ان تتقدم بمطالبته دولته او المنظمة الدولية التي يعمل فيها، اي ان انصار الاتجاه الثالث والاخير منحوا المتضرر او ورثته حق الاختيار.(8)

وقد بينت المحكمة جملة من الوسائل التي يمكن من خلالها التوفيق بين الحقين السابقين، وذلك اما عن طريق اتفاقية عامة او بواسطة اتفاقات تبرم في كل مرة تظهر فيها حالة التنازع، كما اكدت على انه بعد مرور الوقت الكافي سوف تنمو هذه القواعد التي تتكفل بحل المنازعات من هذا النوع وتتزايد وتصبح اكثر استقراراً، ومما يؤيد لك ما حصل في الواقع العملي من بعض الدول التي اصيب رعاياها باضرار من جراء تنفيذهم لواجبات كلفوا بها من قبل المنظمة الدولية التي يعملون فيها، قد ابدت استعدادها للتعاون مع المنظمة بغية التوصل الى افضل الحلول واكثرها عملية من اجل حل مثل تلك المنازعات، مما يؤدي بالنتيجة الى عدم حدوث اي تنازع في هذا الصدد.(9)

فالمنظمة الدولية تستند في مطالبتها الى حقها وواجبها في حماية موظفيها والدفاع عنهم ضد اية مخاطر او اضرار يتعرضون اليها عند تنفيذ الاعمال او المهام التي يكلفون بها من قبل المنظمة التي يعملون فيها وهي تمارس هذا الحق في مواجهة اية دولة ولو كانت الدولة التي يحمل الموظف جنسيتها، فمن باب اولى ان تمارس هذا الحق في مواجهة منظمة دولية اخرى، كما ان المنظمة اذا لم تقوم بواجبها في الدفاع عن حقوق موظفيها وحمايتهم من كل ما يهددهم من اخطار اثناء قيامهم بواجباتهم، والقيام بأعمالهم، فإن هؤلاء الموظفين بالمقابل لن يؤدوا اعمالهم على الوجه الامثل، وذلك لشعور هؤلاء بأن المنظمة غير قادرة على القيام بحمايتهم، على الرغم من انهم يعملون في خدمتها، ولاجل تحقيق اهدافها، ومما لا شك فيه ان هذه النظر تتفق مع واقع الحال، ومع المنطق القانوني، كما ان مطالبة الدولة التي يحمل الموظف العامل في المنظمة جنسيتها تأتي في اطار الحق العام المخول لهذه الدولة، وتستند الى حق الدولة في حماية رعاياها، الا انها لن تجني اي كسب ولن تحصل على فائدة من عمل الموظف في المنظمة كما ان سلطاتها حيال الموظف لا تمكنها من القيام بأي تصرف يمس علاقتهُ بالمنظمة التي يعمل لحسابها، وبناءً على كل ما تقدم فان اي مفاضلة بين مطالبة الدولة ومطالبة المنظمة ستكون لصالح المنظمة الدولية وذلك لانها تقوم على اسانيد واقعية وقانونية، الا اذا بادرت دولة الجنسية وتقدمت بالمطالبة ولم تقم المنظمة بذلك، ولكن في حالة مبادرة دولة الجنسية بتقديم المطالبة بسبب الضرر الواقع على مواطنها قبل ان تقوم المنظمة الدولية بتقديم المطالبة بسبب الضرر الواقع على موظفها، وتعذر الاتفاق بين الطرفين،

فيمكن في هذه الحالة ان تقوم المنظمة الدولية بتقديم طلب التدخل في الدعوى التي تقيمها دولة الجنسية، وبناءً على اعتبارات المصلحة الحقيقية والمؤكدة تدفع بعدم قبول هذه الدعوى، وكذلك يمكن للمنظمة المدعى عليها ان تدفع بانتفاء مصلحة دولة الجنسية، وتستند في ذلك الى ان الضرر الذي لحق بمواطنها كان من جراء خدمته للمنظمة الدولية، وبذلك تكون المنظمة ذات صفة ومصلحة، وهذا يعني ان دعواها تتضمن الشروط اللازمة لقبول الدعوى في القانون الدولي.(10)

ومن الجدير بالذكر ان الفقه الدولي سلم بأهلية المنظمة الدولية للمطالبة بتعويض الاضرار التي تلحق بممثليها او ورثتهم منذ صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في قضية تعويض الاضرار عام 1949 وقد حرصت المحكمة عندما تعرضت لذلك اثناء نظر الشق (ب) من المسالة الاولى التي تضمنها طلب الرأي الاستشاري، اذ اكدت المحكمة على حق المنظمة الدولية في حماية ممثليها ضد اي اعتداءات يمكن ان تحدث لهم اثناء مباشرتهم لوظائفهم، وما يتطلبه ذلك من قيام المنظمة بتقديم المطالبات الى الاطراف المسؤولة بغية الحصول على تعويضات عن الاضرار الناجمة عن تلك الاعتداءات، فهذه الحماية تكون ضرورية ومهمة لكي تتمكن المنظمة من اداء وظائفها بطريقة فعالة، كما لاحظت المحكمة ان القاعدة التقليدية التي تقرر ان الحماية الدبلوماسية للدول – اي الدولة التي يحمل المتضرر جنسيتها – لا تعني الاجابة بالنفي على الموضوع الذي تضمنه طلب الرأي في الشق (ب) من المسالة الاولى اذ ان هناك جملة من الملاحظات يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار لان هذه القاعدة تسري على المطالبات التي تقدمها الدول اما في الحالة المطروحة فالأمر مختلف فالمطالبة هنا تقدمها منظمة، وحتى في العلاقات بين الدول قد ترد استثناءات على هذه القاعدة (11). ويتضح مما تقدم ان المطالبة التي تتقدم بها المنظمة لا تعتمد على رابطة الجنسية، وانما على العلاقة بين المنظمة والشخص بوصفه موظفا لديها. وقد جاء الفقه ومندوبوا الحكومات بجملة من الاسس التي يمكن من خلالها الاعتراف للامم المتحدة بحق تقديم المطالبات الدولية بالنسبة للأضرار التي يتعرض لها موظفو الامم المتحدة اثناء ادائهم لواجباتهم التي تقع مسؤوليتها على عاتق دولة معينة، ومن اولى هذه الاسس هو القياس على وضع الدول بناء على ان مبادئ القانون الدولي العامة تسري على اشخاصه كافة وسواء كانت دولاً او منظمات فهي تخضع للمبادئ ذاتها، كما ان نشوء وضع جديد وظهور اشخاص جدد ضمن اطار هذا القانون يترتب عليه حتما تطور القانون الدولي بحيث تتمكن المنظمة من حماية موظفيها، ولاسيما ان القانون الدولي يتضمن قاعدة تقضي بتعويض الاضرار التي تلحق بالضحية، وهي القاعدة التي يتم على اسسها تعويض الدول وكذلك المنظمات الدولية، كما ان المادة (100) من ميثاق الامم المتحدة تنص على انه:

(1- ليس للامين العام ولا للموظفين ان يطلبوا او ان يتلقوا في تأدية واجبهم تعليمات من اية حكومة او من اية سلطة خارجة عن الهيئة وعليهم ان يمتنعوا عن القيام بأي عمل قد يسئ الى مراكزهم بوصفهم موظفين دوليين مسؤولين امام الهيئة وحدها.

2– يتعهد كل عضو في الامم المتحدة باحترام الصفة الدولية البحتة لمسؤوليات الامين العام والموظفين، وبألايسعى الى التأثير فيهم عند اضطلاعهم بمسؤولياتهم)، وهذا النص يبين الصلة الموجودة بين الموظف والمنظمة والتي تفوق صلة الجنسية التي تقوم بين الموظف ودولته، فالمنظمة تمارس سلطة فعلية على الموظف، وهو الامر الذي لا تملكه الدولة التي يعد الموظف من رعاياها فهو يعد مستقلاً عنها، كما ان اتفاقية مزايا وحصانات الامم المتحدة تفرض واجباً خاصاً على المنظمة في حماية موظفيها، علماً ان هذه الحماية تستند الى مركز الموظف، وتقرر له اثناء ممارسته وظائفه، واداء واجباته، وليس لها اية علاقة برابطة الجنسية.(12)

__________________

1- د. احمد عبد الحميد عكوش ود. عمر ابو بكر باخش- الوسيط في القانون الدولي العام – اسم المطبعة وبلد الطبع غير موجود – 1990ص 548.

2- د. عصام العطية- القانون الدولي العام – الطبعة الخامسة – اسم المطبعة غير موجود بغداد – 1992 – ص391.

3- د. جمال طه ندا- مسؤولية المنظمات الدولية في مجال الوظيفة الدولية – الهيئة المصرية للكتاب – مصر – 1986.- ص295.

4- د. حازم حسن جمعة- الحماية الدبلوماسية للمشروعات المشتركة، الطبعة الثانية اسم المطبعة غير موجود – مصر – 1981 – ص454-465.

5- د. جمال طه ندا- مصدر سابق- ص296.

6- د. حازم حسن جمعة- مصدر سابق- ص465 – 467.

7- د. عبد العزيز محمد سرحان، دور محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات الدولية وإرساء مبادئ القانون الدولي العام (مع التطبيق على مشكلة الشرق الاوسط)، الطبعة الثالثة، اسم المطبعة غير موجود، مصر 1986، ص77.

8-G. Eagleton- op. cit، pp. 360-361.

9- د. عبد العزيز محمد سرحان- مصدر سابق – ص77.

10- د. محمد السعيد الدقاق، شرط المصلحة في دعوى المسؤولية عند انتهاك الشرعية الدولية – الدار الجامعية، بيروت، 1983، ص25.

11- موجز الاحكام والفتاوى والاوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية من 1948 – 1991 – منشورات الامم المتحدة – نيويورك – 1993– ص9.

12- د. عبد العزيز محمد سرحان – مصدر سابق – ص82.