أن بيان الاكتتاب كما يسميه كل من المشرع العراقي واللبناني والكويتي والبحريني، أو نشرة الاكتتاب كما يسميها كل من المشرع المصري والسعودي والاتحادي الاماراتي واليمني والقطري، أو نشرة الإصدار كما يسميها كل من المشرع الأردني والعماني وأخيرا السوري، ما هو الا الايجاب ممن يصدره، فان اقترن بتوقيع المكتتب الذي يعد قبولا له، انعقد عقد الاكتتاب بين الطرفين. ولكن، إذا كان هذا الامر واضحا في الحالة التي يجري فيها الاكتتاب بعد اكتساب الشركة شخصيتها القانونية المستقلة عن الأشخاص المكونين لها، حيث ينعقد الاكتتاب بين الشركة والمكتتب، فان ذلك ليس بنفس الوضوح في الحالة التي يجري فيها الاكتتاب قبل اكتساب الشركة الشخصية القانونية، والتي يصدر فيها الاكتتاب من مؤسسيها وليس من الشركة غير المتمتعة بعد بالشخصية القانونية، حيث يثور التساؤل عن طبيعة هذا الاكتتاب، وإذا كان عقدا عن من يكون الطرف المتعاقد مع المكتتب. فبالإضافة الى الخلاف القائم أصلا بين الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية، وتعدد آرائهم عموما تبعا لكونهم من انصار النظرية التعاقدية، او بالعكس كونهم من انصار النظرية التنظيمية للشركة المساهمة(1)، باعتبار الأولين الاكتتاب أعلانا عن إرادة المكتتب في الانضمام الى عقد الشركة(2)، واعتباره من قبل الأخيرين مجرد تعهد بإرادة منفردة بالمساهمة في (مؤسسة) الشركة، وبالرغم من أن المشرع الفرنسي كان وما يزال يعتبر عقدا أو بصفة ب(عقد الاكتتاب contrat de souscription)(3) فان عددا من الفقهاء لم يروا ولا يرون فيه أكثر من تعهد من جانب واحد، المكتتب، إزاء الشركة المنوى تأسيسها معلق على شرط فاسخ، وهو عدم اكمال تأسيس الشركة بفشل الاكتتاب او بسبب اخر (4). الا أنه إذا كانت الصعوبة تثور في القانون الفرنسي، ومثله القانونان البلجيكي والسويسري، وكذلك كل من القانون التونسي والجزائري والمغربي والموريتاني والسعودي والمصري والعراقي، في اعتبار الاكتتاب عقدا بين المكتتب والشركة، بسبب عدم تكونها قبل إتمام عملية الاكتتاب وإصدار الهيئة العامة التأسيسية قرارها بذلك، وبالتالي عدم صدور شهادة تأسيسها قبل ذلك، فان اعتبار الاكتتاب عقدا لا يلاقي اعتراضا في قانون الشركات الأردني، نظرا لتكون الركة وتمتعها بالشخصية القانونية منذ قبول تسجيلها وتسجيلها فعلا وصدور شهادة تأسيسها، حسب المادة (4) منه، الذي ينبغي ان يسبق عملية الاكتتاب (5).

والأمر كذلك، في قانون الشركات الكويتي الذي نصت المادتان (74) و (75) منه، على التوالي، على أنه (إذا صدر مرسوم بتأسيس الشركة وجب نشره في الجريدة الرسمية، وتكسب الشركة الشخصية المعنوية من وقت صدور المرسوم)، وأنه (يباشر المؤسسون عملية الاكتتاب في الأسهم بعد نشر المرسوم في الجريدة الرسمية) (6). وبنفس المعنى، تقريبا بنفس الالفاظ، ما نصت عليه المواد (76 و77 و 79) من قانون الشركات التجارية العماني، وبما يقرب من ذلك ما نصت عليه الماد (80-83) من قانون الشركات التجارية البحريني. وكذلك الامر في قانون الشركات الاتحادي الاماراتي، الذي نصت المادة(76) منه على انه(اذا نمت المواقف على طلب تأسيس الشركة تصدر السلطة المختصة قرارا بالترخيص بتأسيس الشركة وينشر في الجريدة الرسمية على نفقة المؤسسين ويبلغ الوزارة (7). وعلى المؤسسين البدء في عملية الاكتتاب في أسهم الشركة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون واللوائح الصادرة تنفيذا له خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور الترخيص بتأسيس الشركة)، إضافة الى تميز هذا القانون بما نصت عليه المادة (72) منه من انه (تكون للشركة شخصيتها الاعتبارية خلال فترة التأسيس بالقدر اللازم لتأسيسها وتلتزم الشركة بتصرفات المؤسسين في تلك الفترة بشرط تمام تأسيسها وفقا للقانون). وهو نفس ما نصت عليه الفقرتان (2و3)من المادة (13)من قانون الشركات السوري لسنة 2008، تحت عنوان (الشخصية الاعتبارية)،ولكن في الباب الأول منه المخصص للأحكام العامة ، ومع شيء من التفصيل بقولها (2- يكون للشركة بالتصرفات التي يقومون بها باسم الشركة خلال فترة التأسيس بالتضامن فيما بينهم، ولكن لا يحتج بهذه الشخصية امام الغير الا بعد استيفاء إجراءات الشهر التي يقررها القانون .3- ان جميع التصرفات التي يجريها المؤسسون باسم الشركة اثناء فترة التأسيس تترتب بذمة الشركة بعد شهرها بشرط الحصول على موافقة هيئات الشركة ذات العلاقة عندما يتطلب القانون ذلك. ومع ذلك يحق للغير اذا لم تقم الشركة بإجراءات الشهر المقررة ان يتمسك بشخصيتها).

ويندرج تحت نفس الاتجاه، كل من القانون القطري والقانون اليمني .فلا شك اذن في هذه القوانين في اعتبار الاكتتاب عقدا بين الشركة (الطرف الموجب) والمكتتب (الطرف القابل)، وان ذهب راي الى ان نشرة الاصدار والاعلان عن طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام انما يعتبران دعوة للجمهور للاكتتاب، وان طلب المكتتب الاكتتاب هو الذي يعتبر إيجابا، وان تخصيص الأسهم للمكتتب هو الذي يعتبر قبولا من المؤسسين) (8). ولكننا، نتفق مع الرأي القائل بأن هذا العقد يختلف (عن العقود التقليدية التي تسبقها عادة مناقشة ومفاوضة بين الموجب والقابل. فهو أدخل في عقود الانضمام CONTART D، ADHESION، او طبقا للتعبير السائد في لغة الفقه والتشريع الحديثة في العالم العربي،عقود الإذعان. وان كنا نفضل التعبير الأول في هذه الحالة بالذات، لأن الاكتتاب في أسهم الشركة لا يحمل عادة بالنسبة المكتتب صفة الاضطرار التي ينطوي عليها قبول ايجاب معروض الا إذا كان الموجب يملك احتكارا قانونيا او فعليا لمرفق لا يستطيع القابل الاستغناء عن الانتفاع منه. فالمهم في الأمر، أن المكتتب يعلن انضمامه للشركة دون مناقشة عقدها أو نظامها وظروف تأسيسها) (9).

اما بالنسبة للحالة التي يجري فيها الاكتتاب قبل اكتساب الشركة شخصيتها القانونية، فقد تباينت اراء الفقه والقضاء في التكييف القانوني للاكتتاب. ان عددا من الفقهاء لم يروا ولا يرون في الاكتتاب غير تعهد من جانب واحد، وهو المكتتب، تجاه الشركة المزمع تأسيسها، معلق على شرط فاسخ وهو عدم اكمال تأسيس الشركة لأي سبب من الأسباب، وهذا بالرغم من اعتبار قانون الشركات بالأسهم الفرنسي لسنة 1867 وقانون الشركات التجارية لسنة 1966الاكتتاب عقدا (10). وبسبب ما وجه الى هذه النظرية من انتقادات ،وخصوصا من حيث تجاهلها إرادة مؤسسي الشركة، وعدم تقدم المكتتب للاكتتاب في أسهمها الا تلبية لدعوة مؤسسيها للاكتتاب فيها، حاول عدد اخر من الفقهاء تكييف الاكتتاب باعتباره (عقد اذعان)، على مجرد التسليم بالشروط التي ينص عليها(نظام)الشركة)(11). مع ان الاكتتاب لا يعدو عن كونه عقد انضمام ، ثم انه حتى لو كان المكتتب مذعنا لإرادة مؤسسي الشركة ، وهو ليس كذلك، فان هذا الإذعان لا يجعل من انضمام المكتتب الى الشركة تصرفا بإرادة منفردة . اذ أننا، كما قيل بحق، (نكون امام عقد حتى وان كان قد تم ذلك في ظروف تجعل من إرادة أحد الأطراف هي المسيطرة وان العقد في مصلحة الطرف الذي له القوة الاقتصادية أو الاجتماعية وقد يلعب عدم مساواة أطراف العقد دورا في صحة العقد ولكن ليس طبيعة العقد)(12). وبالرغم من ان اغلب الفقهاء قد ذهبوا الى اعتبار الاكتتاب عقدا، الا انهم انقسموا فيما بينهم حول تحديد طرفي هذا العقد . فمن قائل بانعقاده بين المكتتبين أنفسهم ، الى قائل بكونه منعقدا بينهم وبين مؤسسي الشركة (13)، الى من يقول بأنه انما ينعقد بينهم وبين الشركة تحت التأسيس باعتبارها شخصا معنويا في دور التكوين يمثله المؤسسون(14).

الراي الأول ، او النظرية الأولى المسماة(نظرية الوكالة)، باعتبار كل مكتتب عند اكتتاب في أسهم الشركة يقوم بتفويض مؤسسها للبحث عن مكتتبين اخرين، فيكون المؤسسون بذلك وكلاء ممثلين لمجموع المكتتبين.

والرأي الثاني، او النظرية الثانية، بأن الاكتتاب هو العقد المؤسس للشركة.

أما الرأي الثالث ، أو النظرية الثالثة المسماة(نظرية العلاقة المباشرة)، فهي تعتبر الاكتتاب عقدا منعقدا مباشرة بين المكتتبين وبين الشركة في دور التأسيس على أساس تمتعها بشخصية قانونية محدودة تقتصر على العلاقات الداخلية بين الشركاء المكونين لها، ممثلة بمؤسسها، بما يتفرع عن ذلك من اعتبار عقد الاكتتاب هو عقد الشركة او اعتباره عقد بيع، أو وعد بيع أسهم الشركة بين مؤسسيها وبين المكتتبين ،أو اعتباره اشتراطا من مؤسسي الشركة لصالحها ، او أخيرا عقدا غير مسمى ذا طابع خاص(15).

ولكننا نرى، بالنظر الى ان أيا من هذه الآراء والنظريات لم يسلم من النقد، والى ان المشرع قد نظم شروط الاكتتاب واثاره على وجه التفصيل ، انه ليس من ثمة ضرورة تقضي بالأخذ باي من الآراء والنظريات المذكورة ، وانه ليس من حاجة حتى لتدخل المشرع لحسم الامر بنص صريح. وان كنا لا ننكر ما للجدل الدائر حوله من أهمية نظرية ،ولكن فقط كرياضية فكرية.

_______________

1- محاضرات أستاذنا بول كاري Paul carry في تأسيس الشركة المساهمة، جامعة جنيف، 1959.

2- محاضرات الأستاذ فان رين van ryn في الشركة المساهمة، جامعة بروكسل 1958.

3- الفقرة الرابعة من المادة الأولى من قانون الشركات بالأسهم الفرنسي لسنة 1867 المعدل في 1949والمادة (190) من قانون الشركات لسنة 1966.

4- ريبير ripert، الوجيز في القانون التجاري، الجزء الأول، الطبعة الخامسة، باريس 1963 بند 1048، ص 503.

وبنفس الاتجاه د.شتايغر desteiger، قانون الشركات المساهمة في سويسرة، طبعة كوزاندي لوزان 1950ص 104.

5- الدكتور فوزي محمد سامي، فوزي محمد سامي ، الشركات التجارية / الاحكام العامة والخاصة ، عمان 2009، ص 348، والدكتور عزيز العكيلي ، شرح القانون التجاري ، الجزء الرابع في الشركات التجارية، عمان1998، بند 173، ص 212، والوسيط في الشركات التجارية، عمان2007، بند 137، ص 203.

6- الدكتور يعقوب يوسف صرخوة، الأسهم وتداولها في الشركات المساهمة في القانون الكويتي/دراسة

مقارنة في القوانين العربية والفرنسية والإنكليزية، الطبعة الثانية، الكويت 1993، ص 78، والدكتور طارق عبد الرؤوف صالح رزق، قانون الشركات التجارية الكويتي رقم (15) لسنة 1960 وتعديلاته الجديدة بالقانون رقم (9) لسنة 2008 معلقا عليه بآراء الفقه وأحكام القضاء، القاهرة 2009، ص 283.

7- وزارة الاقتصاد والتجارة

8- الدكتور فوزي محمد سامي، المصدر السابق، ص 349.

9- الدكتور احمد إبراهيم البسام، الشركات التجارية في القانون العراقي، الطبعة الثانية بغداد 1967 بند85 ، ص 111.

10- ريبير RIPERT، الوجيز، بند1048، ص 503، ودشتايغر DESTEIGER، قانون الشركات المساهمة في سويسرة، ص 104.

11- الدكتور مصطفى كمال طه، الشركات التجارية ، الإسكندرية 2000، بند 185،ص192. وبنفس الاتجاه، الدكتور علي حسن يونس ،شركات الأموال والقطاع العام، القاهرة1976، ص489،والدكتور جاك يوسف الحكيم، الشركات التجارية، دمشق 2000 – 1999 ، بند502،ص394.

12- الدكتور فوزي محمد سامي، الشركات التجارية، ص 347ن بالإشارة الى استاذنا روبير باتري Robert Patry ، عقود الانضمام كمصدر للحق، 1955، ص 383.

13- الدكتور علي حسن يونس، شركات الاموال والقطاع العام القاهرة 1976، ص 489، والدكتور محمود سمير الشرقاوي، الشركات التجارية في القانون المصري، القاهرة 1986، ص 147.

14- الدكتور محسن شفيق، الوسيط في القانون التجاري، القاهرة 1957، والدكتور مصطفى كمال طه، المصدر السابق، ص 192، والدكتور أكثم امين الخولي ، دروس في القانون التجاري، الجزء الثاني في الشركات ، القاهرة 1969، ص 151، والدكتور محمد فريد العريني ، الشركات التجارية ، الإسكندرية 2000، بند 178، ص 226، وبالاشتراك مع الدكتور محمد السيد فقي ، القانون التجاري ، بيروت 2002، بند 248، ص 453.

15- انظر في تفصيل ذلك الدكتور فوزي محمد سامي ، الشركات التجارية، ص 336وما بعدها والمصادر المذكورة فيها ، وخصوصا أطروحته للدكتوراه (الاكتتاب بأسهم الشركات المساهمة)، جامعة جنيف 1968

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .