القضـاء المستقل تعزيـز لحقــوق الشعــب

مجيد اللامي
كان (الكسندر هاملتون) ممن صاغوا الدستور الامريكي وفي مقال له دافع فيه عن الدور الذي تلعبه السلطة القضائية في اي نظام دستوري فكتب قائلاً (لن تعم الحرية في البلاد الا بفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية فليس هناك من خطر على الحرية من السلطة القضائية لوحدها وانما ياتي ذلك الخطر من جراء اتحادها مع اي من السلطتين المذكورتين) كما ان الرئيس الامريكي (ودور ويلسون) قال: (ان النضال من اجل ارساء نظام حكم دستوري لايتم من خلال القوانين فقط وانما من خلال اقامة محاكم نزيهة مستقلة لديها القدرة على الحكم السليم)..

استقلال القضاء لاغنى عنه

هذا الموضوع استحوذ على اهتمام القاضي محمد عبد الله سهيل الذي جعل منه بحثاً اذ يرى فيه اهمية استقلال القضاء لتأدية مهامه بشكل فعال فمن المبادئ المتأصلة اليوم المبدأ الذي يؤكد بان لا غنى عن استقلال القضاء من اجل اقامة العدل بشكل سليم اذ ان النضال من اجل اقامة محاكم مستقلة ونزيهة هو الضمان الاكيد لحرية المواطنة وحماية حقوق الانسان اذ لا تكتفي القوانين لوحدها في تحقيق تلك الضمانات وحماية الحريات.

دساتير العالم

ويذكر ان معظم دساتير العالم في ايامنا هذه تحرص ان تتضمن دساتيرها وقوانينها مبادئ تؤكد فيها على استقلال القضاء الا ان تنفيذ تلك المبادئ تعترضه صعوبات وعقبات لأسباب مختلفة غير ان تلك العقبات التي لا تعود بشكل اساسي لسلوك السلطة القضائية اذ لا تكفي النصوص الدستورية ولا نصوص القوانين لوحدها في ضمان ذلك الاستقلال اذ كثيراً ما يتعرض القضاء لتعسف السلطة التنفيذية حين تحاول التضييق على القضاء من خلال عدم تهيئة الموازنة المستقلة لإدارة شؤونه المالية او من خلال السلطة التشريعية حين تحاول التضييق عليه عند عدم موافقتها على تشريع القوانين التي تهيئ سبيل العمل امام القضاء.

ضغوطات سياسية على القاضي!

لا يخفى ان هناك صعوبات تعترض الالتزام بمبدأ استقلال القضاء فمن المشكلات التي يتعرض لها القاضي الضغوط السياسية والتأثيرات التي توجه نحوه لتحقيق مصالح شخصية لأصحابها ويمكن الحد من تلك الضغوط والتأثيرات على عمل القاضي اذ ما اتجهنا لتعيين القاضي في منصبه مدى الحياة وخاصة بالنسبة للمناصب القضائية العليا كالمحاكم الدستورية وضمان عدم تخفيض راتبه وفسح المجال لمن لايرغب في الاستمرار بالعمل القضائي ان يترك القضاء بشرط ان يحظى براتب تقاعدي بغض النظر عن مدة خدمته في القضاء وبهذا قد نضمن عدم خضوع القاضي للتأثيرات والضغوط.

صلابة القاضي

ودعا القاضي في بحثه ان يكون القاضي صلباً في الحق ولا يستسلم للضغوط والتأثيرات من اية جهة جاءت بل عليه ان لا يتأثر باتجاهات الرأي العام فيصدر قراراته حتى ان تعارضت مع تلك الاتجاهات بل حتى ان تعارضت مع مصالح الاجهزة الاخرى في الدولة ولا يفوتني ان اذكر باكبار الحكم الصادر عن المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية عام 1954 في القضية التي رفعها (بدوان) ضد مجلس التعليم والتي حكمت فيها تلك المحكمة بقرار جاء فيه (ان تخصيص منشآت تعليمية منفصلة للأطفال من اجناس مختلفة يتسم بطابع التمييز) وقد اثار هذا الحكم انتقاداً شديداً في معظم الولايات الامريكية ورغم هذا الانتقاد واتجاهات الراي العام التي تتعارض مع توجه المحكمة فقد كان لدى المحكمة الشجاعة الكافية لإصدار قرارها الذي كان قد حدد اللحظة الحاسمة التي ادت الى اقرار الحقوق المدنية والسياسية في الولايات المتحدة.

ولا ننسى المواقف الشجاعة التي وقفها القضاة المسلمون أبان العصر الذهبي للإسلام رغم عدم استقلال القضاء عن سلطة الخلفاء والولاة.

تحصين القاضي لنفسه

ثم يشير الى ان ضمان استقلال القضاء يتحقق من خلال خلق جو يحيط بالقضاء من جميع اطرافه وان يبدأ كل ذلك من خلال القاضي نفسه فيعزز استقلال القضاء ويجسده في جوانبه الفردية والمؤسساتية ومن خلال تحصين القاضي لنفسه من تأثيرات عناصر الحكومة سواءً كان هذا التأثير ظاهراً او مستتراً وان يحرر القاضي نفسه من هذا التأثير.

حدود صارمة لمنع التأثير

واوضح اهمية وضع حدود صارمة لمنع التدخل بعمل القضاء فمحكمة (مونتسكيو) لاتزال مأثورة حين قال (لابد لكل انسان يتمتع بسلطة من ان يميل الى الاساءة في استعمالها وهو يظل متجهاً نحو الاساءة الى ان يجد حدوداً امامه).