إجراءات التحقيق الإداري وفقاً لقانون انضباط موظفي الدولة و القطاع العام

المحامية : منال داود العكيدي
يطلق على خروج الموظف عن ما تقتضيه واجبات الوظيفة العامة اسم الجريمة التاديبية او الانضباطية والتي نص عليها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لعام 1991 ووضع عدة اجراءات ينبغي اتباعها عند اخلال الموظف بواجباته الوظيفية التي نص عليها ذات القانون ، ومن ابرز تلك الاجراءات هو التحقيق الاداري الذي يعرف على انه: (مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها سلطة معينة للوصول إلى الحقيقة بتحديد المخالفة الإدارية أو المالية والمسؤول عنها).

وكما قلت انفا ان الموظف لكي يعتبر مخلا بواجباته الوظيفية لابد ان يكون قد خالف احد الواجبات او قام باحد المحظورات المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام في المادة (4) والمادة (5) منها مانصت عليه المادة 4: ( أداء أعمال وظيفته بنفسه بأمانة وشعور بالمسؤولية أو التقيد بمواعيد العمل وعدم التغيب عنه إلا بأذن، واحترام رؤسائه والتزام الأدب واللياقة في مخاطبتهم وإطاعة أوامرهم المتعلقة بأداء واجباته في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة) وغيرها من الواجبات الاخرى التي تتصل اتصالا مباشرا بالوظيفة العام.

اما المادة (5) من ذات القانون فقد نصت على الاعمال التي يحظر على الموظف الاتيان بها منها: (الجمع بين وظيفتين بصفة أصلية أو الجمع بين الوظيفة وبين أي عمل آخر إلا بموجب القانون ومزاولة الأعمال التجارية وتأسيس الشركات والاشتراك في المناقصات والمزايدات التي تجريها دوائر الدولة لبيع الأموال المنقولة وغير المنقولة إذا كان مخولاً قانوناً بالتصديق على البيع لاعتبار الإحالة قطعية أو كان عضواً في لجان التقدير أو البيع أو أتخذ قراراً ببيع أو إيجار الأموال).

واذا ما قام الموظف باحد تلك الاعمال التي نصت عليها المادتان الرابعة والخامسة من قانون انضباط موظفي الدولة فان هذا يستوجب احالته الى اللجنة التحقيقية من قبل الوزير المختص او رئيس الدائرة استنادا الى المادة (10) من القانون وعلى اثر ذلك تقوم اللجنة التحقيقية باستدعاء الموظف المحال اليها وذلك لضمان حق دفاع الموظف عن نفسه الا ان قانون انضباط موظفي الدولة لم ترد فيه الية قيام اللجنة التحقيقية باستدعاء الموظف وهذا يعني ان للجنة التحقيقية ان تستدعي الموظف شفويا او تحريريا بواسطة ورقة تبليغ وهذه الطريقة تتبع ايضا في حالة اذا تم نقل الموظف الى دائرة رسمية اخرى ويتم ذلك بكتاب رسمي يتضمن وجوب حضور الموظف امامها وفي حالة عدم امتثال الموظف للتبليغ والحضور في الوقت المحدد فان اللجنة التحقيقية تقوم باجراء التحقيق غيابيا ويكون الاخير قد اسقط حقه في الدفاع عن نفسه امامها الا اذا ابدى معذرة مشروعة عند ذلك يتم تحديد موعد جديد لاجراء التحقيق معه.

ويجب على اللجنة التحقيقية ان تقوم بالاستماع الى شهادات الشهود العيانية بعد ان يقوموا بحلف اليمين امامها وللموظف ان يطعن بتلك الشهادات او يطلب الاستماع الى شهود النفي بالاضافة الى الاطلاع على المستندات المؤيدة لادعاء الادارة بمخالفة الموظف لموجبات الوظيفة العامة وعلى اللجنة ان تستمع الى الشهادات التي تطمئن لها وتبني عليها توصيتها والا تدع مجالا للشك في قيام الموظف بالمخالفة المسندة اليه..

ثم تاتي مرحلة مناقشة الموظف فيما هو منسوب اليه من افعال وكل الادلة المتحصلة من التحقيق وشهادات الشهود لاتاحة المجال له لغرض الدفاع عن نفسه وفي هذه الحالة اما ان يؤيد الموظف ماجاء في الادلة وافادات الشهود فان اللجنة تكتفي بذلك وتقوم باصدار توصيتها النهائية بناء عليه والا اي في حالة النكران فان على اللجنة ان تستمر في التحقيق معه ومناقشة كل الادلة واقوال الشهود ويمكنها ايضا الاستعانة باقوال وافادات اخرين تعزيزا للادلة المتحصلة لديها ويجب على اللجنة في كل هذه الاجراءات ان تراعي الضمانات المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية تطبيقا لمقتضيات العدالة في المحاكمات ذلك لان خلو قانون انضباط موظفي الدولة من الشرح المفصل لاجراءاتها اثناء التحقيق وضماناته لايعني ان المشرع قصد اطلاق يدها في التحقيق بل ان عليها دائما الركون الى القواعد العامة والاصول المتبعة في الاجراءات التحقيقية والمستقاة من قانون اصول المحاكمات الجزائية، وهناك حالة اخرى قد تصطدم فيها اللجنة التحقيقية اثناء التحقيق وهي عزوف الموظف عن الادلاء باي قول امام اللجنة التحقيقية وفي هذه الحالة يتعين على الاخيرة السير باجراءات التحقيق وفقا للادلة المتحصلة لديها سواء كانت ادلة مادية ام مستندات ام من خلال افادات الشهود وبذلك يكون الموظف قد اسقط حقه في الدفاع عن نفسه والحجة في ذلك ان الفرد لايستطيع ان يحول من دون تطبيق القانون بارادته المنفردة .

نصت الفقرة ثانيا من المادة العاشرة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام على انه ينبغي على اللجنة التحقيقية ان تقوم بتحرير محضر يثبت فيه اجراءاتها وافادات الشهود وكل المستندات التي اطلعت عليها بمناسبة ذلك مع التوصيات التي خلصت اليها على ان تكون مسببة ويتم تثبيت اسماء الشهود ايضا وكذلك خلاصة ماجاء باقوالهم واقوال الموظف المحال اليها وما قام بتقديمه من مستندات تعزز دفاعه اقواله ثم يتم تثبيت التوصيات حسب قناعة اللجنة التحقيقية والتي اما ان تكون بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق بحقه بعد ان تقوم بتقديم الادلة التي تثبت براءة الموظف مما نسب اليه او ان اللجنة التحقيقية توصي بفرض احدى العقوبات المنصوص عليها في المادة الثامنة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام اذا وجدت ان الادلة المتحصلة لديها من التحقيق كافية لادانة الموظف او قد تجد اللجنة التحقيقية ان الموظف قد ارتكب جرما ينطبق واحكام قانون العقوبات فتوصي باحالته الى المحاكم المتخصصة نتيجة ذلك الفعل الذي نشأ عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية . وهذه الاجراءات المذكورة في اعلاه ورد بشأنها استثناء حيث اجاز القانون للوزير او رئيس الدائرة ان يفرض مباشرة ايا من العقوبات المنصوص عليها في الفقرات اولا وثانيا وثالثا من المادة الثامنة بعد استجوابه من دون الحاجة الى احالته الى اللجنة التحقيقية واجراء التحقيق الاداري معه.

ومن الجدير بالذكر انه لا يوجد ارتباط بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية التاديبية للموظف بمعنى ان فعل الموظف اذا كان يشكل جريمة تنطبق مع احدى مواد قانون العقوبات فانه ينبغي على اللجنة التحقيقية احالة الموظف الى المحاكم الجزائية ولكن هذا لايمنع من مساءلة الموظف انضباطيا وفرض احدى العقوبات الواردة في المادة الثامنة من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام حيث تنص المادة 330 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 على انه (يعاقب بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أمتنع بغير حق عن أداء عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجب من واجباتها نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة أو لأي سبب غير مشروع)، والعكس صحيح ايضا اي انه في حالة صدور قرار براءة الموظف من المحكمة الجزائية فان ذلك لا يحول من دون فرض احدى العقوبات المنصوص عليها في قانون الانضباط وذلك استنادا الى المادة 22 منه.

ماعدا في بعض الحالات التي تنتفي فيها الواقعة المحال اليها الموظف الى المحاكم الجزائية وكانت محلا للادانة الانضباطية او التاديبية مثل السرقة او التعدي على رؤسائه في العمل ففي هذه الحالة تكون للحكم الجزائي النهائي الحجية على الحكم التاديبي ويتبع الحكم القاضي ببراءة الموظف مما نسب اليه ويتم اهدار قرار الحكم التاديبي.

وينبغي ان نشير هنا الى ان التحقيق الاداري الذي يصدر عن اللجنة التحقيقية يستند على المواد المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة ولا يمكن ان تضفي وصفا جنائيا على فعل موظف ورد في قانون العقوبات لان ذلك من اختصاص المحكمة الجزائية فقط لذلك فان التحقيق الاداري لايمكن ان يكون ذا اثر منتج في الدعوى الجزائية اي لايمكن لقاضي التحقيق الاعتماد عليه في توجيه الاتهام الى الموظف وادانته مهما كانت نتيجة التحقيق الاداري الا في حالات التي تجد المحكمة المختصة ان في افادات الشهود التي استندت اليها اللجنة التحقيقية ما يرشدها الى التوصل الى الحقيقة وفي هذه الحالة يمكن ان تقوم المحكمة الجنائية باستدعاء ذات الشهود للادلاء بافاداتهم امامها مرة اخرى امامها من دون ان تعتمد على ماورد من افاداتهم في اوراق التحقيق الاداري.