انترنت الأشياء (انترنت أوف ثنكس) والمتطلبات القانونية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الثورة التقنية الحديثة منذ بدايتها وهي تسابق الزمن حتى وصلت على مشارف ما يعرف الآن، بمرحلة إﻧﺘﺮﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎء (آي أو تي)، والتي بدورها تعمل دون كلل ﻹﺣﺪاث تغييرات ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ المعاصر. وهذا الزخم التقني، يعود بصفة أساسية لوﺟﻮد أﺟﻬﺰة اﻻﺳﺘﺸﻌﺎر اﻟﺬﻛﻴﺔ واﻟﺸﺒﻜﺎت وﻧﻘﺎط التواصل التي أصبحت تغطي كل ركن في عالمنا وفي يد كل شخص.

وﻣﻊ اﻟﺘﻘﺪم التقني المضطرد ﻓﻲ ﻗﺪرات اﻟﺤﻮاﺳﻴﺐ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ واﻟﺘﺨﺰﻳﻨﻴﺔ واﻟﺬﻛﺎء اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ المتطور، فان اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟـﺘﺄﻛﻴﺪ سيشهد ﺗﺤﻮﻻ ﻛﺒﻴﺮا ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻋﺒﺮ كافة وسائل التقنية وخاصة اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ وستتبعه الوسائل الأخري.

ان اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ستصبح متوفرة للجميع ﻋﺒﺮ اﻟﺸﺒﻜﺔ اﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺗﻴﺔ وذلك بواسطة دواﺋﺮ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻻﺗﺼﺎﻻت ﺳﺘﻮﻓﺮ العديد من اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟﺘﻔﺼﻴﻠﻴﺔ التي يمكن الاستفادة منها في كل المجالات، وﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﺒﻜﺎت “إﻧﺘﺮﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎء” ﺳﻴﻜﻮن ﻫﻨﺎك امكانية غير محدودة من المعرفة والتواصل. وﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪت كثيرا ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺸﺎر ﻓﻜﺮة “إﻧﺘﺮﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎء” وﺟﻮد ﺗﻘﻨﻴﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻬﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻮﺟﺎت اﻟﺮادﻳﻮ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺎﻗﺎت اﻟﺬﻛﻴﺔ وﻋﻤﻠﻴﺎت ﺗﻌﻘﺐ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺎزن وﺗﻘﻨﻴﺔ اﻻﺳﺘﺸﻌﺎر ﻋﻦ ﺑﻌﺪ وأﻧﻈﻤﺔ “اﻟﻜﻮﺪ” اﻟﺮﻗﻤية ﻣﺜﻞ “اﻟﺒﺎرﻛﻮد” وأﻧﻈﻤﺔ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﻼﺳﻠﻜﻴﺔ ﻣﺜﻞ “اﻟﺒﻠﻮﺗﻮث” وﺷﺒﻜﺎت “اﻟﻮاي ﻓﺎي”، وغيرها الكثير مما هو في رحم التقنية وخيال المبدعين في هذه التقنية.

وعبر هذه الوسائل العديدة وتداخلها وتشبيكها، تم ويتم الاستفادة من التقنية الحديثة في “عصر التقنية”. وللتوضيح نذكر بعض الأمثلة، منها ما ورد في تقرير ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ أمريكي حيث ذكروا أنهم قاموا ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ﻧﻤﻮذج لنظام خاص ﻟﻠﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ اﻟﺪورﻳﺔ لمعرفة اﻟﺘﻄﻮرات ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ علاج اﻟﻤﺮﻳﺾ واﻟﺴﻼﻣﺔ الطبية وﻛﻔﺎءة اﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ، ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮم اﻟﻨﻈﺎم التقني ﺑﺘﺘﺒﻊ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﻌﺪات اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﺤﺮﺟﺔ ورﺻﺪ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ وﺟﻤﻊ ﺑﻴﺎﻧﺎت دﻗﻴﻘﺔ ﻋﻦ اﻣﺘﺜﺎل اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟلسلامة كنظاﻓﺔ اﻟﻴﺪﻳﻦ…. وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﺮﻳﺾ، ﻫﻨﺎك أﻳﻀﺎ ﺟﻤﻊ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﻋﻦ ﺗﺘﺒﻊ ﻣﻬﺎم اﻟﻤﻤﺮﺿﺎت ﺧﻼل اﻟﺪوام وﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪام ذﻟﻚ ﻓﻲ زﻳﺎدة اﻟﻜﻔﺎءة واﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ إرﺿﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ، ﺣﻴﺚ ﺗﺮﺗﺪي اﻟﻤﻤﺮﺿﺎت مثلا ﺷﺎرات ﻣﺪﻋﻮﻣﺔ ﺑﻤﻮﺟﺎت رادﻳﻮ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ وﺗﻘﻴﻴﻢ ﻋﻤﻠﻬﻦ.

وﻳﻤﻜﻦ متابعة ﺳﻠﺔ ﻣﻬﻤﻼت ذﻛﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﻀﻐﻂ اﻟﻤﻬﻤﻼت وإﻋﺎدة ﺗﺪوﻳﺮﻫﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﺤﺘﻮى اﻟﻤﻬﻤﻼت ﺑﻬﺎ وﻛﻔﺎﻳﺘﻬﺎ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل أﺧﺮى…

وكمثال آخر للتقنية، ﺗﻘﻮم متاجر “أﻣﺎزون” الشهيرة ﺑﺘﺴﺠﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎجه المشتري، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ لقارئ اﻟﺒﺎرﻛﻮد اﻟﺬي ﻳﻔﺤﺺ وﻳﺴﺠﻞ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ المشتري.ويمكن أن ﺗبين ﻋﻠﺒﺔ ﺗﺨﺰﻳﻦ اﻟﺒﻴﺾ ﻣﻦ أﻣﺎزون ﻋﻦ اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻮﻳﻬﺎ ﺛﻼﺟﺘﻚ ﻋﺒﺮ ﺗﻄﺒﻴﻖ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺗﻔﻚ اﻟﻤﺤﻤﻮل . وﺗﻘﻮم ﺧﻮذة ﻻﻋﺒﻲ ﻛﺮة اﻟﻘﺪم اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ واﻟﻤﺪﻋﻮﻣﺔ ﺑﺄﺟﻬﺰة اﺳﺘﺸﻌﺎر ﺑﺘﺴﺠﻴﻞ ﺑﻴﺎﻧﺎت ﺣﻮل ﺻﺤﺔ اﻟﻼﻋﺒﻴﻦ وﻣﺪى ﺗﻌﺮض اﻟﻼﻋﺐ ﻟﻠﺨﻄﺮ وإرﺳﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ وﺣﺪة اﻟﺘﺤﻜﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﻳﻖ.

إﻧﺘﺮﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎء ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻹﺣﺪاث ﺿﺠﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ عبر أﺟﻬﺰة اﻻﺳﺘﺸﻌﺎر اﻟﺬﻛﻴﺔ وﺷﺒﻜﺎت اﻟﻮﺻﻞ لتسهيل ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن. و”انترنت الأشياء” في حقيقتها، هي تقنية رقمية تربط “الأشياء” بمختلف أشكالها وتنوعاتها باستخدام بروتوكولات الانترنت بحيث تصبح “الأشياء” عبارة عن شبكة معلوماتية متصلة ببعضها البعض ترسل وتستقبل الترددات إضافة للبيانات والمعلومات… وعبر هذا الجيل الجديد من الثورة التقنية في عالم المعلومات ستتطور الأعمال والخدمات وستتغير كل حياتنا لأن التقنية ستساعدنا في كل شيء من “الأشياء” التي نحتاج لها في حياتنا وأعمالنا وكل منا يستطيع الاستفادة في تطوير أعماله وصناعته وحرفته.. وعبر هذه التطورات ستزداد أعمالنا وتجارتنا وستتغير حياتنا كثيرا.. وبلا حدود، لأن التقنية لا حدود لها. وبقدر اجتهادنا يمكننا الاستفادة أكثر وكسر المنافسة..

نعم ستتغير حياتنا وستزيد أعمالنا في كل القطاعات التجارية والمصرفية والخدمية وقطاع رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.... وغيرها، ولكن هذا التطور في الأعمال يحتاج للاستعداد التام لمقابلة المستجدات الجديدة. ومن أهم ما نحتاج له توفير الغطاء القانوني ومقابلة المتطلبات القانونية المستجدة خاصة وأن هذه الثورة التقنية الحديثة تحتاج لتقنين الحديث وتحتاج لسن التشريعات الضرورية والمستندات القانونية الملائمة وللدرجة التي تنظم قانونية مسار “الأشياء” المطلوبة في مسيرة “إنترنت الأشياء”.

ومن الناحية القانونية، ﻓﺈن ﺗﻘﻨﻴﺔ “إﻧﺘﺮﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎء” أﺛﺎرت وﻣﻨﺬ ﻇﻬﻮرﻫﺎ، في المجال الصحي مثلا، ﺟﺪﻻ ﺣﻮل اﺧﺘﺮاﻗﻬﺎ ﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﻴﻦ، ﺣﻴﺚ ﺳﺘﺘﺎح اﻟﺘﺤﺪﻳﺜﺎت اﻟﻠﺤﻈﻴﺔ ﺑﺨﺼﻮص ﺿﻐﻂ اﻟﺪم واﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻠﺠﺴﻢ إﻟﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﻣﻲ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ، وذلك قبل الحصول على موافقة المريض.. وفي هذا تعدي للخصوصية ومخالفة لقوانين وأخلاقيات مهنة الطب. ولا بد من توفير الضمانات القانونية والاخلاقية للمرضى حتى عند استخدام “إنترنت الأشياء”. وهذا يحتاج لتوفير الضوابط القانونية حتى لا تغرد التقنية خارج القانون. ولذا لا بد من التقنين ويجب أن يكون مسار التقنية، وفي جميع الأحوال، تحت مظلة القانون وفي حماية القانون.

إن الأعمال التي تتم نتيجة لازدهار وزيادة “إنترنت الأشياء”، وبسبب تداخل “الأشياء” وتداخل بروتوكولات الانترنت، قد تحتاج لتعريفات قانونية واضحة لتحديد كنه هذه الأعمال ودور والتزامات وحقوق وواجبات كل من يشارك فيها. نقول هذا، نظرا لأن كل عملية قد يتداخل فيها العديد من الأطراف وبدرجات مختلفة، ولكن تحديد حقوق والتزامات كل طرف في غاية الأهمية. وفي جميع المراحل يجب أن يعلم كل طرف أين يقف وما هو دوره ؟ وهذا هام من الناحية القانونية ويجب الاهتمام به وإعداد المستندات القانونية والعقود واللوائح الضرورية لتجنب المخاطر. وعلينا جميعا وفي كل القطاعات الاستعداد حتى نجني الفائدة ونحن نطور أعمالنا ونشاطاتنا مستفيدين من التقنيات الحديثة وليدة “إنترنت الأشياء”. وإذا لم نستعد سيفوتنا القطار ونفقد الفرص العديدة.

من النقاط القانونية الهامة أيضا، في نطاق الثورة التقنية الحديثة المتعلقة بتداخل “إنترنت الأشياء”، أن يتم توفير الحماية الكافية للبرامج “السوفت وير” والأجهزة “الهارد وير” المستخدمة في تشبيك “الأشياء” مع بعضها البعض وكذلك من يستخدمهم ويستقبلهم. هذا لأن توسيع نطاق هذه النشاطات وتشبيكها سيفتح الباب واسعا أمام الجرائم السبرانية الالكترونية والمجرم الالكتروني الذي ينتظر هذه السانحة للانقضاض لارتكاب الجرائم الإلكترونية المتعددة وخاصة جرائم الانترنت.. وهنا، نحتاج لقوانين عقوبات حديثة ومتطورة لتغطي الجرائم الإلكترونية التي ستظهر بسبب انتشار “إنترنت الأشياء”. ويجب أن يتم تعريف كافي لهذه الجرائم الإلكترونية لردع المجرمين انطلاقا من قاعدة “لا جريمة بدون نص”.

نقول هذا، مع الأخذ في الاعتبار أن الجرائم الإلكترونية وبجميع أشكالها تعتبر من أكبر مهددات استمرار الثورة التقنية الحديثة.. ولكن حاجتنا الماسة للتقنية في كل مناحي حياتنا تجعلنا نقف في وجه الجريمة الالكترونية وذلك بإعداد القوانين الضرورية لمكافحة هذه الجرائم ومرتكبيها…

وإذا أعددنا العدة القانونية سنوفر البيئة المناسبة للانتقال لكل مناحي ثورة تقنية المعلومات وسنستفيد من تقنية “إنترنت الأشياء” والمراحل التقنية التي ستتبعها كنتاج وتطور طبيعي للثورة التقنية التي لن تتوقف “وما أوتيتم من العلم الا قليلا”.

د. عبد القادر ورسمه غالب
المستشار القانوني ورئيس دائرة الشؤون القانونية
لمجموعة بنك البحرين والكويت
وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين