الخلوة الشرعية للسجناء .. تمنع الانحرافات أم تفتح باب الشبهات ؟

قانونيون ومنظمات إنسانية تؤيدها .. وعلماء دين أفتوا بإباحتها
الخلوة الشرعية للسجناء .. تمنع الانحرافات أم تفتح باب الشبهات ؟!

استطلاع: ناصر الحمود

أكدت عدة دراسات ان عدم اقرار حقوق الخلوة الشرعية للسجناء أدى إلى انتشار عدد كبير من الأمراض الخطيرة داخل السجون مثل الأيدز نتيجة لانتشار الشذوذ الجنسي بين بعض السجناء كما ساهم في انحراف الزوجات والتفكك الأسري.
والخلوة الشرعية داخل السجون واحدة من القضايا المثارة على الساحة الدولية وهناك بعض الدول العربية التي طبقت هذه الفكرة وفي الكويت اثار ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد ومعارض ومن خلال هذا التحقيق ستسلط «عالم اليوم» الضوء على هذه القضية من خلال اراء عدد من خبراء القانون وعلماء الدين والنفس والأمن حول حق الخلوة الشرعية بين المسجونين وزوجاتهم والتي نصت على حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والفوائد التي قد تعود على المجتمع من وراء ذلك وهل هناك امكانية لتطبيق الفكرة على أرض الواقع فإلى التفاصيل:

بعض المعوقات

من جانبها قالت المحامية ابتسام العنزي نتفق مع التوجه الذي نراه راجحا في اتاحة الفرصة للخلوة الشرعية للمسجونين وبالقياس للسجينات ايضا ليتمكن فيها المسجون او المسجونة من ممارسة العلاقة الحميمة مع شريكه الشرعي، حيث ان تنفيذ عقوبة السجن من وجهة نظرنا لا يخلع عن الشخص حقه في الانجاب والذرية، كما لايجب ان يضار من سجن الرجل زوجته التي لم ترتكب ثمة جريمة لتعاقب بالحرمان من زوجها طوال هذه المدة، والعكس ايضا صحيح بالنسبة للمرأة المسجونة والتي لايجب ان يضار زوجها من غيابها خلف قضبان السجون.

وهذا نراه متفقا مع مبدأ قانون معروف وهو شخصية العقوبة فالعقوبة هي امر شخصي يوقع على مرتكب الجريمة فقط ولا يوقع على اي احد غيره نهائيا.

وهذا المبدأ له مرجعه في الشريعة الاسلامية فقد عرفت الشريعة الاسلامية مبدأ شخصية العقوبة بعد ان كانت في الجاهلية تنفيذ العقوبة على اقارب الجاني اذا لم يوجد مثل ابوه واخوه والادلة من القرآن الكريم كثيرة منها قوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر اخرى» وقوله تعالى «من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها» صدق الله العظيم والدليل من السنة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لايؤخذ الرجل بجريرة ابيه ولا بجريرة اخيه صدق الرسول الكريم ولم تتوقف الشريعة الاسلامية على مراعاة مبدأ شخصية العقوبة عند فرض العقاب بل عند تنفيذ العقاب ايضا ومن دلائل ذلك عدم تنفيذ عقوبة الرجم في امرأة حامل زنت حتى تضع حملها بل وحتى ترضع وليدها.

ومن الجانب الشرعي فانني ارى ان مثل هذا الامر سيقفل ابوابا متعددة لانتشار الامراض الجنسية من الممارسات غير المشروعة التي تحدث داخل السجون كما سيقفل باب الممارسات غير المشروعة والتي قد يجبر عليها احد الشريكين سواء أكان ذكرا ام انثى خارج السجون يقعد منتظرا لسنوات قد تطول ام تقصر منتظرا خروج شريكه ليخرج هذا الشريك في وقت قد تكون فيه النفس عافت هذا الامر او كبر السن وقف حائلا بين الشخص وقدراته الصحية والنفسية.

بل ان هذا الامر وتوفيره للسجناء والسجينات بطرق منتظمة مشروعة قد يوقف انتشار الآفات مثل الخيانة الزوجية والطلاق للحبس وغير ذلك من امور.

واكدت العنزي ان عقوبة السجن في الوضع القائم تحرم السجين من حقه الشرعي كما تحرم شريكه ايضا دون ان يكون هذا الشريك اقترف ثمة جرم او اثم ليعاقب بالحرمان ولا عيب في ذلك ان قلنا ان الصبر على مفارقة الشريك قد لا تطول في اغلب الحالات فترى المرأة اما ان تمسك على نفسها لفترة ولا تستطع بعد ذلك فتطلب الطلاق او لاسمح الله يسلبها الشيطان كرامتها ويسوقها للرذيلة والعصيان.

حتى ان من الشرع ان الرسول اقر للمرأة حق قبول او رفض سفر زوجها لمدة تزيد عن الثلاثة اشهر على حد علمنا فكيف الحال لمن علمت ان الرجل سيسجن لسنوات.

وطالبت العنزي بضرورة مناقشة بل والبدء في اعداد دراسة موضوعية نستفيد فيها من تجربة تلك الدول المجربة لهذا الامر والعمل في اطار المتلازمتين «الشرعية والقانونية» لافتا الى ان هناك بعض المعوقات التي قد تواجه تطبيق هذه الفكرة وتحتاج الى تذليل بالطريق الدستوري بسن قوانين منظمة لهذا الامر فمثلا ما الحال للرجل المسجون الذي يمسك بأربعة زوجات؟ وماذا عن من طلب زوجته للخلوة ولكنها ابت فهل ستكون ناشزا؟ وماذا عن الزوجة المسجونة التي طلبت زوجها للخلوة ولم يحضر هل من حقها طلب الطلاق لهذا السبب باعتبارها متضررة؟ كما ان هناك حالات يكون الزوجان محبوسين فكيف يتم التوفيق بينهما في مكان واحد؟

الا اننا ومن منظورنا ان مثل تلك الامور قد تصدى المشرع الكويتي بما له من خبرة ودراية وكفاية قانونية وعلمية للتصدي لما هو اصعب منها واذا طرح الامر لمثار البحث وتبناه البرلمان فسيجد طريقه للنور وستذلل تلك العقبات بحلول قانونية تنسجم مع الشريعة الاسلامية.

و للزوجة حق

اما الشيخ بدر الحجرف فقد اكد ان عقوبة السجن عقوبة شخصية وليست عقوبة جماعية لقوله تعالى «ولاتزر وازرة وزر اخرى» اي ان العقوبة لاتنقل الى شخص اخر، ومن حق زوجة المسجون الا تحرم من الحقوق الزوجية الخاصة، لان الحياة الزوجية اذا استمرت بين الزوجين ولم تطلب الزوجة الطلاق بعد لدخول زوجها السجن فمن المفروض ان تكون هناك حقوق زوجية لها حفاظا على الاسرة والابناء، مشيرا الى ضرورة توفير الفرصة لالتقاء الزوجين سواء داخل السجن او خارجه بحيث يتم تخصيص وقت محدد لهذا الغرض. واضاف ان الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته ليست نوعا من الترفيه بل هي واجبة تحفظ الأسرة من الانحراف وتساهم في بناء اسرة سليمة اجتماعيا ووجود النسل الصالح. وأوضح ان الشريعة الاسلامية لاتمنع الخلوة الشرعية وفق ظروف انسانية لاتخدش حياء السجين أو زوجته مشيرا إلى ان مايحدث في كثير من السجون من انتشار اللواط بين السجناء وسائر الانحرافات الاخلاقية ماهو إلا نتيجة لإهمال مثل هذا الأمر وعدم مراعاته. وبين ان الغريزة لاتقتصر على الرجل فقط بل هي امر فطري في الزوجة واهماله وعدم مراعاته يؤدي إلى انحراف الزوجة لتلبية هذه الغريزة بغير الطريق الشرعي لها وهذا يؤدي ولاشك إلى فساد المجتمع وظهور الزنى وغيره.

ضرورة نفسية

ويرى استاذ علم النفس د. خضر البارون ان تطبيق الخلوة الشرعية للسجناء داخل السجون ضرورة نفسية إذ ان ذلك يساعد في اصلاح السجين كما ان ممارسة الواجبات الزوجية هي حاجة اساسية للانسان كالطعام والشراب واحساس الانسان بأنه محروم من حقوقه الطبيعية يؤدي إلى عجزه عن التواصل مع الحياة فيما بعد ما يجعله عرضة للاصابة بالامراض النفسية ولايتم اصلاحه على الاطلاق، وبالتالي يفقد السجن احد اهم اهدافه، كما ان ذلك قد يؤدي إلى اصابة السجين بالامراض النفسية كالاحباط والاكتئاب أو اصابته بالامراض الجنسية المترتبة على الممارسات الشاذة اضافة إلى انتشار مرض الايدز وهذه الاثار لن تصيب السجناء فقط بل انها ستمتد إلى زوجاتهم ومن ثم فإن هذه الخلوة تعتبر حصانة للسجين ولزوجته.

واضاف د. البارون إلى ضرورة تطبيق هذا المبدأ في السجون لما في ذلك من اثار اجتماعية جيدة اذ انه سيؤدي إلى تقليل معدلات طلاق زوجات السجناء للضرر الواقع عليهن من السجن أو الاعتقال وبالتالي ستقل معدلات التفكك الاسري وستقل معدلات انحراف الزوجات.

واشار د. البارون ان هذا الحق يعتبر حقا شرعيا للسجناء مثل الطعام والشراب فهل يحرم السجين من الطعام والشراب حتى نحرمه من هذا الحق داعيا إلى تقنين هذا الحق بحيث يسمح للسجين اذا ثبت حسن سيره وسلوكه طوال فترة السجن ان يخرج في اجازة يقضيها مع اسرته ويمارس حقه الشرعي مع زوجته سواء في السجن أو في المنزل وبذلك يمكننا ربط السجين بالمجتمع وتشجيع باقي السجناء على الالتزام وحسن السير والسلوك.

امتهان للمرأة

وفي إطار بحثنا في هذا الموضوع ستطلعنا رأي احد رجال الأمن الذي أكد ان السجن ليس المناسب للمعاشرة الجنسية أو الحق الشرعي بين الزوجين وان العملية فيها امتهان للمرأة، كما انها تعطي حقا للمسجون ليس من حقه.

واشار المصدر ان تطبيق نظام الخلوة الشرعية يتطلب توفير اماكن خاصة يستطيع الازواج لقاء زوجاتهم فيها من دون ان يمس ذلك من كرامة الزوجات لانه لابد من رعاية كرامة الزوجة التي تذهب إلى زوجها المسجون بغرض المعاشرة الجنسية والخلوة الشرعية.

وأوضح المصدر الأمني انه لايتوقع ان توافق الزوجة على رغبة زوجها بأن تذهب بنفسها لإدارة السجن وتطلب لقاء شرعيا مع زوجها السجين، لان ذلك بمثابة اهدار لكرامة المرأة المسلمة، مشيرا إلى ان المساجين الذين لاتزيد مدة سجنهم على سنة يمثلون 75 % في المئة من المساجين فهل يحتاج هؤلاء إلى الالتقاء بزوجاتهم في السجن؟! كما ان نسبة المساجين المتزوجين لاتتعدى 40 % من مختلف الاعمار اما النسبة الباقية فيتوزعون مابين العزاب غير المتزوجين والمطلقين والارامل. واشار المصدر الأمني ان بعض المحكوم عليهم بالسجن له اكثر من زوجة فهل المطلوب من وزارة الداخلية في هذه الحالة ان تعدل بين الزوجات ام تترك امر العدل للزوج الذي دخل السجن بعد ان فقد ضميره وارتكب إحدى الجرائم؟

وتساءل المصدر الأمني هل هذه التجربة ستطبق على سجن النساء المحكوم عليهن في بعض القضايا؟! وكيف تقوم وزارة الداخلية بالتوفيق بين زوج محبوس في سجن وزوجته المحكوم عليها في سجن آخر؟!

وأكد المصدر الأمن في ختام حديثه انه لابد من المراجعة والتمحيص الجيد لهذه القضية فماذا يكون الحكم اذا امتنعت الزوجة عن مقابلة زوجها مشيرا إلى ان تطبيق الخلوة الشرعية للسجناء سوف يكلف الدولة اموالا طائلة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت