أهمية الترجمة القانونية
حسام لطفي توفيق

الترجمة فن قديم تعني نقل أو تحويل الكلام والأقوال والأفكار والعبارات من لغة إلى أخرى مع المحافظة على روح القول والنص المنقول، وهذا عمل شاق وفن ابتكاري (إبداعي) وحرفة مهمة جداً، وفي الوقت نفسه مسؤولية وأمانة وعلم وبراعة لها مبادئ وأساليب. ويقال أيضاً إن الترجمة هي تعبير بلسان واضح عن لسان غريب. وللمترجم آداب وخصوصيات منها القدرة على اختيار واستعمال الكلمات المرادفة أو البديلة والمصطلحات الفنية المناسبة حسب الموضوع لنقل وتعبير الكلام والنصوص من لغة إلى أخرى شفهياً أو تحريرياً بوضوح وبشكل مبسط ومفـهوم وسلـس دون تغيـير أو غمـوض، معبراً للشعـور نفسه والمفهوم الوارد في النص الأصلي، لذا فإن الترجمة بصفة عامة تحتاج إلى مهارة عالية وخبرة كافية وخلفية ثقافية في اللغات المستخدمة وميول وإلمام بالموضوع المراد ترجمتـه، وأهـم من ذلك الإخـلاص والأمـانة والـدقة فـي البـيــان. وهناك أنواع كثيرة من الترجمة لا يمكن حصرها في هذه السطور، ولكن لسهولة الفهم يمكن تقسيم هذه الأنواع إلى قسمين رئيسين هما: الترجمة الأدبية وهي الكلاسيكية الحرفية.

الترجمة العلمية وهي الترجمة الفنية الموضوعية بأنواعها. الترجمة القانونية: في مفهومها العام يأتي ضمن قسم التراجم العلمية، وأريد أن أتحدث فيها بالتفاصيل لأهميتها.. نظراً لأن لها مفاهيم وأساليب وأهدافا.. والمعروف عموماً أن ” القانونية” تنصب على المستندات والمحررات ذات المواضيع والصيغ القانونية، مثل العقود والأحكام أو الصكوك الشرعية، وبالتالي فإن ترجمتها إلى لغة أخرى تعتبر ترجمة قانونية بغرض تحديد قصد الصيغ والمصطلحات القانونية بدقة.. وفي تصور البعض فإن التركيز على الجوانب القانونية في المستند حين ترجمته يعد ترجمة قانونية، في حين أن هذا المفهوم والتعريف في الواقع غير كاف، حيث إن الترجمة القانونية – من وجهة نظر القضاء ورجال القانون – هي الترجمة التي صاغها المختص قانوناً بمعنى أنها تتم وتعتمد عن طريق الشخص أو الإدارة التي حددها النظام كي تثق وتصادق على الورقة المترجمة من لغة إلى أخرى من حيث المفهوم والحجية بصرف النظر عن موضوعها (سواءً كان الموضوع قانونيا أم غير قانوني). والهدف من ذلك هو إيجاد صيغة مناسبة وبديلة ومطابقة للمستند نصاً وموضوعاً يراعي فيه المترجم الأعراف والمصطلحات ذات الصلة بالموضوع ويبرز المفهوم الأصلي دون أي اختلاف أو غموض ومن ثم اعتماد الترجمة من الجهة التي حددها القانون وبعد ذلك يطلق عليها ”ترجمة قانونية”.

وقد تكون هذه الجهة وزارة العدل أو إدارة التعليم أو وزارة التجارة أو مكتبا مرخصا أو معهدا تقرره الوزارة أو المحكمة نظاماً.. لأن الحاكم أو القاضي إذا عرضت عليه مذكرة في لغة أجنبية قد يعرفها لكن لا يفهمها تماماً فإنه يطلب ترجمة قانونية لهذا المستند، بمعنى أنه يرغب ترجمة معتمدة موثوقة حتى يستطيع أن يبني الحكم عليها دون تحمله أية مسؤولية في ذلك طالما لم يثبت عدم صحتها.. وقد يكون المستند شهادة أو إقرارا أو تقريرا طبيا أو هندسيا أو محاسبيا، وكل هذه المستندات يترتب عليها عمليات خطيرة ونتائج معينة وبعيدة المدى. لذا فإنه يحتاج إلى ترجمة صحيحة ودقيقة وفي الوقت نفسه تكون معتمدة طبقاً للنظام أي ترجمة قانونية ورسمية تقوم مقام المستند الأصلي، ونحن نشاهد عملياً أن الإقرارات والمستندات والوكالات المحررة بلغة أجنبية عن العربية لدى تقديمها للمحاكم والجهات الرسمية يستوجب ترجمتها واعتمادها طبقاً للنظام والوثائق الطبية تعتمد من وزارة الصحة والشهادات التعليمية من إدارات التعليم المختصة..

أما المستندات التجارية فيتم ترجمتها من قبل مكاتب معتمدة في وزارة التجارة ومن ثم التصديق عليها من قبل الغرف التجارية والقنصليات الأجنبية (إذا دعت الحاجة)، وكل هذه الجهات تقوم بمصادقة الأوراق لتكون قانونية أو رسمية، وهذا العمل أي إعطاء الصبغة القانونية للمستندات أو إجازتها قانونياً معروف دولياً في التعاملات التجارية، وقد تشتمل هذه الأوراق على تراجم من لغات مختلفة أو يكون المستند محررا في أكثر من لغة. وفيما يتعلق بالترجمة القانونية باعتبارها ترجمة موضوعية وفنية وكل موضوع يخص علمه ومصطلحاته مثل الفيزياء والجغرافيا والبترولوجيا أي علم الصخور أو علم الطب والهندسة.. إلخ وترجمة كل من ذلك تعتبر ترجمة موضوعية بحتة، فإذا اعتمدت نظاماً نقول إنها أصبحت ترجمة قانونية..

وكذلك يأتي موضوع القانون وترجمته لا تعتبر ترجمة قانونية إلا إذا روجعت واعتمدت طبقاً للنظام كما ذكر آنفاً.. وكل موضوع يحتاج إلى مترجم متخصص ذي إلمام بالموضوع نفسه ومصطلحاته، وكذلك موضوع القانون يتطلب رجل قانون متخصص، لأن مسؤولية الترجمة هنا تكون في غاية الأهمية بسبب تحديد الواجبات والالتزامات، وهي ترجمة فقهية متصلة بموضوع فقهي وشرعي يلتزم فيه المترجم الصياغة بحرفية قانونية وترتيب المصطلحات والعبارات جيداً تأخذ الترجمة مقام النص الأصلي المصدر، وحيث إن الوثيقة القانونية أو الصك الشرعي يحمل صيغا قانونية ذات أسلوب وسياق معين له مفردات ومصطلحات خاصة يستخدمها القانونيون فقط.. فترجمتها إلى لغة أو لغات أخرى يحتاج إلى ثقافة قانونية عالية لدى المترجم وإلمام بالمصطلحات القانونية، وأيضاً يتطلب درجة عالية من الإتقان لقواعد اللغات المستخدمة لإعطاء معنى معين دقيق دون لبس يحدد مراد القول من قائله دون تنقيح أو تلخيص أو تبسيط، ثم يتم مراجعة هذه الترجمة من قبل الجهات المختصة لاعتمادها.. فالقانونية أصبحت تنصب على المطابقة والاعتماد رسمياً وليس بالضرورة أن يكون المستند قانونيا.

أما المترجم القانوني فهو الشخص المعتمد الذي أناط به القانون أعباء الترجمة وهو يؤديها بكفاءة تامة ومهارة وأمانة.. والمترجم يعتمد على ممارسته وحسن فهمه للموضوع أكثر من العلمية أو المنهجية. وتختلف الترجمة والأسلوب من شخص إلى آخر، وكل مترجم له شخصيته المنفردة وأفكاره ومزاجه الخاص وطريقة النقل من اللغة الأصلية إلى اللغة الهادفة مع مراعاة انتماء المترجم إلى إحدى اللغتين وفي أكثر الأحوال الترجمة تكون جيدة إذا كان المترجم ينتمي إلى اللغة الهادفة أي المترجم إليها وفي ( اللغة الأم) للمترجم.

ولا يمكننا أن نتجاهل أهمية اللغات الأجنبية خصوصاً الإنجليزية والفرنسية في عصرنا هذا باعتبارها أكثر انتشاراً في العالم، وكذلك الترجمة من وإلى اللغة العربية والتي تحتاج إلى ضبط ودقة لأن كلمة واحدة في اللغة الإنجليزية قد تكون لها أكثر من عشرة معان وهكذا كلمة عربية قد تكون لها عدة مرادفات في الإنجليزية، لذا هنا تظهر ملكة المترجم في حسن الاختيار واستعمال الكلمات المناسبة والبديلة للنص العربي المنقول بالإنجليزي أو العكس، حيث أنه لوحظ كثيراً وجود نقص بسيط أو عدم التوازن في العقود المترجمة إلى اللغة الإنجليزية أو العكس واكتشفت بعض الثغرات القانونية التي جاءت ضد الجانب العربي بتغيير حرف أو كلمة واحدة وأدت إلى خسائر باهظة لأحد الأطراف وسوء تفاهم لا نهاية له، وبهذا السبب بدأت فكرة وضع نص في العقد أن النسخة العربية ستكون هي المرجع في حالة أي نزاع قد ينشأ بين الأطراف، ومما لا شك فيه أن الترجمة القانونية صحيحة من وإلى اللغة الإنجليزية – اللغة الدولية – أصبحت مهمة جداً في عصر العولمة والتجارة الإلكترونية لمواكبة التغيرات والأحداث والتعـاملات الـعولمية .. وتفـادياً من أي مخـاطر قد تنـشأ بسبب عـدم مطـابقة الترجـمة والغمـوض بأي شكل من الأشكال مهما كانت نوعية الترجمة. مستشار قانوني ومحكم دولي معتمد

إعادة نشر بواسطة محاماة نت