الحماية الدولية لحقوق الإنسان

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تمهيد

رغم أن فكرة حقوق الإنسان تطورت وأصبحت تمثل – فى عصرنا الراهن – قواعد قانونية راسخة فى ضمائر المواطنين والقائمين على السلطة الحاكمة فى المجتمعات المختلفة ، الأمم المتحدة أن التعبير عن كيفية حماية هذه الحقوق يختلف – ضيقا واتساعا – وفقا للفلسفة التى تأخذ بها كل دولة ، فبعض الدول لا تجد ما يبرر التزامها بتلك الحقوق بموجب تشريع صريح أو مباشر ، والبعض الآخر يعمل على إثبات هذه الحقوق فى وثائق دستورية تقيد الدولة نفسها باحترامها ، وتلزم الأفراد بالامتثال لها .. كما أخذت هذه الحقوق مكانها فى النظام القانونى الدولى على شكل معاهدات جماعية أو إقليمية تفرض على الدول الأطراف فيها التزاما بتعديل تشريعاتها ودساتيرها بما يتلاءم مع ما جاء فى هذه المعاهدات ، استنادا إلى قاعدة سمو نصوص المعاهدات الدولية على أى نص يخالفها فى أى قانون وضعى للدول الأطراف .

وقد أثبتت التجربة التاريخية أن إغفال الدول النص صراحة على هذه الحقوق ، لا يعنى أنها لا تأبه بتلك الحقوق ، أو لا تعمل حسابا لها .. وفى الوقت نفسه فإن صدور التشريعات الوطنية المبنية لتلك الحقوق ، لا يعنى الالتزام الكامل بها من قبل الدولة التى أصدرتها .. إذ من الممكن تعديل تلك التشريعات أو وقف العمل بها أو إلغائها فى أى وقت بواسطة السلطة التشريعية التى سبق أن وضعتها .. من هنا فإن الاعتراف بتلك الحقوق والعمل على احترامها والالتزام بها ، يفترض ابتداء نضوج الرأى العام ، ويستند أساسا إلى العرف والعادات والتقاليد والقيم العليا السائدة فى عالمنا المعاصر .. ولهذه الأخيرة قيمة تفوق فى قوتها الإلزامية قيمة النصوص المكتوبة ذاتها .

غير أن المشكلة الحقيقية التى يمكن أن تحد من مدى فعالية ” قانون حقوق الإنسان ” تكمن فى الضمانات القانونية التى تكفل احترام تطبيق هذا القانون على المستوى الدولى .. ونظرا لأهمية هذه المشكلة من الناحية العملية فسوف نتناولها فى هذا البحث .

وقبل أن نستعرض تلك الضمانات نود أن نؤكد على مجموعة من الملاحظات فى هذا الصدد ([1]) .

الأولى : أن هناك اختلافا بين المواقف العلنية والممارسات الحقيقية لبعض النظم السياسية فى مجال حماية حقوق الإنسان ، فالولايات المتحدة الأمريكية – على سبيل المثال – من أكثر الدول التى تتشدق بحماية حقوق الإنسان ، ولكنها تستخدم مفهومها للحماية استخداما سياسيا خاصا ، سواء فى الداخل ، مثل التفرقة بين البيض والسود ، أو فى الخارج ، مثل تأييد هجرة اليهود لفلسطين على حساب حقوق الفلسطينيين ، فضلا عن أن الكونجرس الأمريكى يحدد المساعدات الخارجية على ضوء التقرير السنوى المقدم إليه عن أوضاع حقوق الإنسان فى العالم ، وتصنيف جميع الدول وفقا لموقفها عن قضايا حقوق الإنسان واحترام الحريات .. وهذا أيضا نموذج للاستخدام السياسى لمفهوم الولايات المتحدة فى مجال حماية حقوق الإنسان ، وما يمكن أن يترتب عليه من تناقض بين المواقف المعلنة والواقع .

الثانية : إذا كان عدم النص على حقوق الإنسان فى دستور الدولة أو قوانينها ، بل وغياب الضمانات القانونية التى تكفل أعمال تلك النصوص ، تمثل جميعها انتهاكات لحقوق الإنسان على مستوى الدولة ، فالذى لا شك فيه أن هناك تأثيرا للأوضاع الدولية على الممارسات القومية لحقوق الإنسان .. ذلك أن عدم التكافؤ الذى تبدو عليه العلاقات الدولية بين الدول المتقدمة والدول النامية – خاصة فى المجالات السياسية والاقتصادية – يؤثر سلبا على إتاحة الفرص المواتية لاحترام حقوق الإنسان ، بل ويؤثر بصورة أشد وطأة على حق الشعوب فى تقرير مصيرها .. سواء فى مدى إمكانية تحررها من السيطرة الاقتصادية الأجنبية ، أو العمل على تحقيق برامج تنمية لكفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوبها وأفرادها ([2]) .

الثالثة : وتتعلق بدور المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية – والإقليمية فى مجال حماية حقوق الإنسان ، حيث يصبح التساؤل هو : إلى أى مدة تحافظ تلك المنظمات على استقلالها وحيادها عندما تتصدى للدفاع عن حقوق الإنسان ؟ ذلك أن معظم هذه المنظمات تعمل فى ظروف غاية فى التعقيد والصعوبة ، ومفاهيم حقوق الإنسان لديها قد تختلف من حيث تاريخها ومصادرها الفكرية ، وتختلف بالتالى فى السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى توجد فيها ، وبهذا المعنى فإن ما قد يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان بالنسبة لمنظمة ، قد لا يعتبر كذلك بالنسبة للدولة المعنية ، وهو أمر قد يكون ملحوظا بالنسبة لموقف منظمة العفو الدولية إزاء ما تعتقد أنه انتهاكات لحقوق الإنسان فى الدول الاشتراكية ، وهو أمر واضح كذلك من موقفها من عقوبة الإعدام .. إذ جاء النص فى احد مبادئها على اعتراض المنظمة لتلك العقوبة باعتبارها عقوبة لا إنسانية ، ومن هذا المنطلق فإنها قد تخاطب الدول الإسلامية بأن استمرار العمل بتلك العقوبة يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان .. فى حين أن تلك العقوبة منصوص عليها فى الشريعة الإسلامية ، وهكذا يمكن أن تبرز – عند ممارسة تلك المنظمات أنشطتها – بعض المفارقات التى تعكس ثقافات ومفاهيم مختلفة ..

تلك هى الملاحظات التى يجب أن تؤخذ فى الاعتبار ونحن نتناول الأساليب المختلفة لضمان حماية الإنسان ، على المستوى الدولى .
وسوف نتناول دراسة هذا الموضوع من خلال ثلاث نقاط أساسية على النحو التالى :

أولاً : اندماج الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان فى النظم القانونية الداخلية للدول .

ثانياً : الرقابة الدولية على تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان .

ثالثاً : دور الوكالات الدولية المتخصصة فى حماية حقوق الإنسان .

ضمانات حماية حقوق الإنسان

على المستوى الدولى

كل من يتتبع التطور التاريخى لحقوق الإنسان ([3]) . يجد أن تلك الحقوق لم تعد حكرا على الأنظمة القانونية الداخلية ، ولكنها أصبحت بفعل تصاعد مركز الفرد فى المجتمع الدولى ، محل اهتمام التنظيم الدولى المعاصر ، وصولا بها إلى مرحلة ضمان احترامها داخل الدول المختلفة ، ولم يعد هناك من شك أن مستوى ما توفره النظم القانونية الوطنية من ضمانات لحماية هذه الحقوق ، إنما يعد أحد العوامل الهامة فى تقويم مدى اقتراب تلك النظم من المعايير الدولية العامة فى مجالات الديمقراطية والتقدم الاجتماعى والحضارى ومعايشة روح العصر ومتطلباته .

والواقع أنه بسبب تواتر الدول على تضمين حقوق الإنسان فى دساتيرها ، بالإضافة إلى تنظيم تلك الحقوق بموجب اتفاقيات دولية ملزمة ، فقد أصبحت هذه الحقوق – بجانب كونها مبادئ دستورية وطنية – حقوقا دولية مقننة وملزمة .

وقد جاءت الوثائق الدولية لحقوق الإنسان – والتى تزيد حتى الآن عن ستين وثيقة ([4]) – موضحة الحقوق والحريات المحمية بصورة واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض ، كما بنيت القيود التى يمكن أن ترد عليها ، وضوابط السلوك الدولى فى هذا الصدد .. غير أن الحقوق المنصوص عليها فى تلك الوثائق لن يكون لها فعالية إلا إذا كانت لها حماية قانونية دولية خاصة بها .

ومثل هذا المرجع السابق يقتضى كل ما جاء فى هذه الوثائق من حقوق وضمانات ، وهذا مالا يمكن القيام به فى هذا البحث المحدود .. وبالتالى فسوف نقتصر على الإشارة فقط إلى أهم الضمانات الدولية المعترف بها فى هذا الشأن ، وهن الضمانات المستمدة أساسا مما تشير إليه أهم تلك الوثائق ، وما تفرضه مقتضيات التنظيم العالمى المعاصر .. وهى على هذا النحو لا تخرج عن الضمانات الآتية :

(أولا) اندماج الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان

فى النظم القانونية الداخلية للدول ([5]) .

من الجدير بالذكر أن اتفاقيات حقوق الإنسان رغم أنه لم يتم التوقيع والتصديق عليها من كل دول العالم ، إلا أن القواعد التى تتضمنها تلك الاتفاقيات قد استقرت فى ضمير المجتمع الدولى باعتبارها قواعد قانونية عالمية وواجبة التطبيق .

والواقع أنه لكى نكون قواعد هذه الاتفاقيات معمولا بها فى النظم القانونية الداخلية ، فمن الضرورى أن تندمج ضمن هذه النظم ، بحيث تصبح جزءا لا يتجزأ من التشريع المعمول به أمام المحاكم الوطنية . غير أن مشكلة اندماج الاتفاقيات الدولية فى القوانين الداخلية تعتبر من المسائل التى تخضع لظروف كل دولة ، فهناك بعض الدول التى تعترف دساتيرها بمبدأ الاندماج الذاتى للمعاهدات الدولية فى القانون الداخلى ، وذلك فى حالة ما إذا كان البرلمان يملك – منفردا أو بالاشتراك مع السلطة التنفيذية – اختصاص إبرام تلك الاتفاقيات كما هو الحال فى الدستور السويسرى والدستور الفرنسى .

وهناك بعض الدول التى تنص دساتيرها على عدم اندماج المعاهدة – حتى ولو كان مصدقا عليها – فى القانون الداخلى ، إلا بعد القيام بإجراء خاص من قبل الدولة ، وهذا الإجراء قد يكون نشر المعاهدة ، وقد يأتى فى صورة مرسوم أو قانون ينص على أن المعاهدة تنتج أثرها الكامل ، أولها قوة القانون ، أو أنها أصبحت نافذة .

وسواء كان الاندماج يتم ذاتيا Integration automatique أو بإجراء خاص ، فإنه يبقى التساؤل عن المرتبة القانون للاتفاقيات الدولية داخل النظام الداخلى ؟ وفى هذا الصدد نجد أيضاً اختلافا بين الدول ، فهناك دساتير بعض الدول تعطى تلك الاتفاقيات قوة تعلو على القوانين التشريعية ، وبالتالى تأخذ هذه الاتفاقيات الأولوية فى التطبيق داخل الدولة ، وهذا يعنى ضرورة تعديل التشريعات المخالفة لأحكامها ، وعدم إصدار تشريعات لاحقه تتعارض معها ، وامتداد الرقابة القضائية لتحقيق هذه الغاية . وهناك دول أخرى تعطى الاتفاقية قوة القانون ، وهذا يعنى أن الاتفاقية يمكن أن تلغى أحكام قانون سابق يتعارض معها .. ولكنها لا تمنع المشرع من إصدار تشريع لاحق يخالف أحكامها .. وفى هذه الحالة فلا يجوز للمتقاضين داخل الدولة الدفع بمخالفة التشريع الجديد لأحكام الاتفاقية .. وإن كانت الدولة عليها أن تتحمل تبعة المسئولية الدولية تجاه الدول الأخرى الأطراف فى الاتفاقية إذا كان التشريع المخالف يمس مصالحها أو مصالح رعاياها .

وقد عالج الدستور المصرى الصادر سنة 1971 هذا الموضوع فى المادة (151) على النحو الآتى :

” رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان ، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة .

على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة ، أو التى تتعلق بحقوق السيادة ، أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة فى الموازنة تجب موافقة مجلس الشعب عليها ” .

فهذه المادة قررت صراحة على أن تكون للاتفاقية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها .. وبالنسبة لمعاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التقادم يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة .. الخ فتجب فيها موافقة مجلس الشعب .. ولما كانت اتفاقيات حقوق الإنسان تأخذ حكم المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة – إذ أن تنظيم حقوق المواطنين العامة والخاصة وتعديل قوانينها مسألة تتعلق بحقوق سيادة كل دولة – لذلك فإن معاهدات حقوق الإنسان يجب أن يوافق مجلس الشعب عليها ، حتى تصبح جزءا من النظام القانونى للدولة .

وطالما أصبحت المعاهدات الخاصة ” بحقوق الإنسان ” جزءا من النظام القانونى داخل الدولة ، فإنها تأخذ حكم القوانين الداخلية .. وهناك خلاف فى الرأى بين ما إذا كانت هذه المعاهدات تتساوى فى المرتبة القانونية مع القوانين العادية ؟ أم أنها تسمو عليها عند التطبيق ؟ فالبعض يرى أن هذه المعاهدات ما دامت أخذت حكم القوانين الداخلية ، فإنها تخضع للقواعد القضائية المعمول بها داخل الدولة .. وعلى وجه الخصوص قاعدة أن القانون اللاحق يعدل أو ينسخ القانون السابق .. وهذا يعنى أنه فى حالة تعارض أحكام المعاهدة مع قانون لا يحق عليها .. فإن القاضى يلتزم بتطبيق أحكام القانون اللاحق وذلك على أساس أن إصدار تشريع لاحق للمعاهدة ومخالف لها يستظهر منه إرادة المشرع الوطنى فى التحلل من تلك المعاهدة وعدم التقيد بها ([6]) .

بينما يرى الأستاذ الدكتور عبد العزيز سرحان أن هذه المسألة يسودها الغموض ، وكان من الواجب على المشرع الدستورى أن يأخذ بعين الاعتبار كثيراً من النصوص القانونية الدولية التى تقرر ضرورة أن تكون الأفضلية فى التطبيق دائما للمعاهدة الدولية بعد اندماجها فى القانون الداخلى ، دون تفرقة بين القانون السابق والقانون اللاحق على نفاذ المعاهدة فى القانون الداخلى .. ويشير سيادته فى ذلك إلى المادة (37) من اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات الدولية والتى تنص على انه : ” لا يجوز لطرف فى معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلى كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة ” فالإشارة إلى القانون الداخلى فى هذا النص ، تشمل – فى رأى سيادته – سائر فروع القانون الداخلى ، بما فى ذلك القانون الدستورى حيث يجب ألا يكون متعارضا مع القانون الدولى ([7]) .

ونحن نؤيد ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور عبد العزيز سرحان بالنسبة لاتفاقيات حقوق الإنسان .. ذلك لأن مضمون هذه الاتفاقيات يتفق والقيم العليا السائدة فى الشريعة الإسلامية .. ولأن مبادئ الشريعة تعتبر – وفقا لدستور 1971 – المصدر الرئيسى للتشريع .. لذا فإن حقوق الإنسان التى هى جزء لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية ، تعتبر ضمن المبادئ العليا التى يستمد منها التشريع المصرى مصدره .. وبالتالى فإن نفاذ تلك الاتفاقيات فى القانون الداخلى يجب أن يواكبها اعتراف بأسبقية التطبيق لحكام تلك الاتفاقيات طالما أنها لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية .

(ثانيا) الرقابة الدولية على تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان

قبل أن أتكلم عن الرقابة الدولية لتنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان ، باعتبارها وسيلة من وسائل حماية هذه الحقوق فى ظل التنظيم الدولى ، أود أن ألفت النظر إلى ضرورة التفرقة بين اصطلاحين أساسيين يترددان كثيرا عند مناقشة موضوعات حقوق الإنسان على المستوى الدولى ، وهما تعزيز Promotion هذه الحقوق من جهة ، وحمايتها Protection من جهة أخرى .. ففيما يتعلق : ” بتعزيز أو تشجيع أو تطوير حقوق الإنسان ” فإن هذا الاصطلاح يعنى أن ثمة عمل ما يجب أن يتخذ : فى مجال حقوق الإنسان ، لكى ينتج هذا العمل أثره فى المستقبل ، ويدخل فى ذلك بطبيعة الحال كافة الإجراءات الخاصة بغرس المفاهيم والقيم والمعانى – الخاصة بحقوق الإنسان – فى وجدان الشعوب والحكومات على السواء . وبمعنى آخر فإن اصطلاح تعزيز حقوق الإنسان يفترض أن هذه الحقوق تعانى ” من أوجه نقص معينة ، سوء فيما يتعلق بعدم ضمانها ، أو ضمانها بصورة غير كافية على الأقل – من جانب التشريعات الوطنية أو القانون الدولى ، أو أن هذه الحقوق غير معروفة تماما ، أو مفهومة بصورة خاطئة من جانب المستفيدين منها ، أو الدولة التى يتعين على أجهزتها احترامها ” ([8]) ودور التعزيز فى هذه الحالة هو تلمس أوجه النقص والعمل على التغلب عليها ، وذلك عن طريق البحوث والدراسات وصياغة النصوص .. الخ .

أما ” حماية حقوق الإنسان ” فإنه اصطلاح يختلف مفهومه اختلافا تماما عن مفهوم التعزيز ، حيث أن المفترض فى هذه الحالة ، ان ثمة حقوق قائمة ، ومعترف بها ، ونافذة .. والمطلوب فرض احترام هذه الحقوق عن طريق وسائل ذات فعالية ، بحيث تبدو الحماية – بمقتضاها – مسألة ضرورية فى مجال التطبيق ، أى أن الحماية لابد أن تتخذ عن طريق إجراءات قانونية محددة تحقق ” لحقوق الإنسان ” القائمة والمعترف بها والنفاذة فكرة الإلزام .

وتعزيز حقوق الإنسان من ناحية ، وحماية هذه الحقوق من ناحية أخرى .. أمران مرتبطان على مستوى النظام القانونى الدولى .. فالتعزيز دائما يأتى كخطوة أولى .. ثم تأتى فكرة الحماية كخطوة ثانية .. وهذا هو التطور التاريخى الذى لازم ” فكرة حقوق الإنسان ” ذاتها ، عندما انتقلت هذه الفكرة إلى دائرة اهتمامات النظام القانونى الدولى ([9]) .

وعلى ضوء هذه التفرقة يمكن الإشارة إلى أن الرقابة على تطبيق أحكام اتفاقيات حقوق الإنسان تتم من خلال الوسائل التالية :

1- نظام التقارير الدورية :

يقوم هذا النظام على أساس أن كل دولة عضو فى منظمة الأمم المتحدة عليها التزاما عاما – بموجب المادتين 55 ، 56 من الميثاق باتخاذ الإجراءات المشتركة أو المنفردة لتطوير وضع حقوق الأمم المتحدة فى إقليمها والعمل على مراعاة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ” وفى هذا الإطار جاء النص على نظام التقارير الدورية فى ثلاث اتفاقيات عالمية هى : الاتفاقية الدولية لمنع كافة مظاهر التمييز العنصرى ([10]) ولاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية ([11]) .والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ([12]) . ويتيح هذا النظام إمكانية الرقابة على تطبيق أحكام تلك الاتفاقيات عن طريق هذه التقارير والتى تقوم الدول بتقديمها – بصفة إلزامية – متضمنة المعلومات والإيضاحات اللازمة بخصوص مدى التقدم الذى أمكن انجازه فى مجال تطبيق أحكام هذه الاتفاقيات .

وترسل هذه التقارير إلى الأمين العام للأمم المتحدة الذى يقوم بإحالتها إلى الجان والأجهزة الأخرى المعينة ببحث هذه التقارير .. ومن بينها المجلس الاقتصادى والاجتماعى ، ولجنة القضاء على التمييز العنصرى ولجنة حقوق الإنسان .. وعلى هذه الأجهزة القيام ببحث ما جاء بهذه التقارير وإبداء ملاحظاتها .. ووسيلة الرقابة هنا تظهر من خلال مناقشة التقرير ، والحوار مع مندوبى الدول بشأن المعايير التى اتبعتها نحو تطبيق أحكام الاتفاقية ، وبحث الصعوبات التى تحول بين هذه الدول وبين تطبيق بعض الحقوق ومحاولة إيجاد الحلول لتلك الصعوبات .

ولا نستطيع الادعاء بأن هذه الوسيلة فعالة .. ذلك لأنه لا يوجد ثمة التزام محدد على عاتق الدول بإيضاح نقاط معينة فى تقاريرها ، كما لا توجد مواعيد محددة لتقديم مثل تلك التقارير .. فضلا عن أن الأجهزة المعنية ببحث تلك التقارير لا تملك أن تتخذ إجراءات أو قرارات تنفيذية محددة ، وكل ما تستطيع القيام به لا يعدو ” الالتماس أو الرجاء ” ([13]) .

2- نظام الشكاوى والعرائض :

أقرت الأمم المتحدة نظام الشكاوى والعرائض كوسيلة من وسائل الرقابة على تطبيق أحكام اتفاقيات حقوق الإنسان ، ويقوم هذا النظام على أساس الاعتراف للأفراد والجماعات والمنظمات غير الحكومية بحق تقديم الشكاوى المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان ضد أى دولة من الدول الأعضاء فى المنظمة ، بل وضد الدول غير الأعضاء فيها . وقد صدر بخصوص هذا النظام قرار المجلس الاقتصادى والاجتماعى رقم 1503 بتاريخ 27/5/1970 ([14]) . وقد تحددت إجراءات قبول الشكاوى وخطوات بحثها على النحو التالى ([15]) :

(1) أن يتقدم بالشكوى شخص أو مجموعة من الأشخاص يفترض فيهم أنهم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ، وكذلك من أى شخص أو مجموعة أشخاص تتوافر لديهم المعرفة المباشرة والموثوق بها بتلك الانتهاكات .

(2) تعتبر الشكاوى المقدمة من المنظمات غير الحكومية مقبولا شكلا إذا كانت المنظمات غير مدفوعة بأغراض سياسية ، ولديها معرفة مباشرة وموثوق بها بهذه الانتهاكات .

(3) تقم الشكاوى لأى جهاز من أجهزة المنظمة أو الأمين العام أو أى شخص فى أمانة المنظمة .

(4) لا تقبل الشكاوى المجهولة المصادر ، ومع ذلك فإن وجوب تعيين هوية مقدم الشكوى لا يعنى الكشف عنها أو إعلانها إلا بموافقته .

(5) يشترط أن تتضمن الشكوى وصفا للوقائع أو الانتهاكات ، وألا يكون لها أهداف سياسية ، وألا ترتكز على تقارير سبق نشرها بمعرفة وسائل الإعلام .

(6) وأخيرا يتعين استنفاذ كافة وسائل الحماية الوطنية ، وأن لا تكون تكرارا لشكاوى سبق تسويتها فى الأمم المتحدة .فإذا استكملت هذه الشروط فإن الشكوى تحال للبحث ، وتمر فى هذه الحالة بثلاث مراحل :

– المرحلة الأولى :

ويتم فيها بحث الشكاوى بمعرفة فريق عمل يتبع ” اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات ” .. وذلك للتأكد من توافر شروط قبولها ، والتحقق من واقع الأدلة المقدمة عما إذا كانت هناك انتهاكات جسيمة من دعمه .. مع الآخذ فى الاعتبار أية إجابات تكون قد وصلت من الدولة المعنية فى هذا الشأن .. على أن يتم ذلك فى جلسات سرية ، والهدف من هذه المرحلة هو فرز الشكاوى المقدمة ، واستبعاد مليون دولار لم يقم الدليل على صحتها ، وإحالة ما تكشف عنه الأدلة عن وجود انتهاكات جسيمة وخطيرة إلى اللجنة الفرعية .

المرحلة الثانية :

وفيها تقوم اللجنة الفرعية بدراسة الشكاوى المحالة لكى تتخذ فيها قرارا بإحالتها إلى ” لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ” ([16]) التابعة للمجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأمم المتحدة .

– المرحلة الثالثة :

وفيها تقوم ” لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ” بدعوة الحكومات المعنية لإرسال ممثليها لمناقشة ما جاء بتلك الشكاوى ، والرد على الاستفسارات والتساؤلات التى قد تثور عند نظرها .. وبعدها يمكن ان تقرر اللجنة ، بالنسبة لكل شكوى على حدة ، ما إذا كان الأمر يستدعى إجراء دراسة متعمقة لموضوع الشكوى ، ورفع تقرير عنها – متضمنا توصياتها – إلى المجلس الاقتصادى والاجتماعى ، أم أن الأمر يتطلب إحالتها إلى لجنة تحقيق خاصة يتم تشكيلها من أعضاء مستقلين توافق عليهم الدولة المعنية .

وما تجدر الإشارة إليه أن ناظم الشكاوى المنوه عنه سابقا ، يختلف عن نظام تقديم الطعون المقرر بمقتضى البروتوكول الاختيارى الملحق بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية .. أولا من حيث قبول الشكوى ، وثانيا من حيث الإجراءات التى يجب إتباعها لبحثها وسوف نشير إلى ذلك فيما بعد .

3- الرقابة عن طريق الأجهزة واللجان الدولية :

إذا ما استبعدنا جانبا الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة وهى : الجمعية العامة ، مجلس الأمن ، المجلس الاقتصادى والاجتماعى ، مجلس الوصية ، محكمة العدل الدولية ، الأمانة العامة .. باعتبار أن دور تلك الأجهزة فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان يتم فى إطار ميثاق الأمم المتحدة . فإن الأجهزة واللجان التى نود أن نشير إليها هنا – فى سياق الرقابة على أحكام اتفاقات حقوق الإنسان – هى تلك اللجان والأجهزة المنشأة والمعترف بها كأجهزة أو كلجان رقابية لها اختصاص محدد من خلال اتفاقيات حقوق الإنسان ذاتها ..

وفى هذا الصدد سوف نشير إلى أجهزة الرقابة على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية ، وأجهزة الرقابة على الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصرى ، نظرا لما تتميز بها هاتان الاتفاقيتان من رقابة خاصة .

(1) أجهزة الرقابة على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية :

تنص المادة 2 من هذه الاتفاقية على أن ” تتعهد كل دولة طرف فى الاتفاقية باحترام الحقوق المعترف بها فيها ، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين فى إقليمها والداخلين فى ولايتها ، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين ، أو الرأى سياسيا أو غير سياسى أو الأصل القومى أو الاجتماعى ، أو الثروة أو النسب ، أو غير ذلك من الأسباب .. كما تتعهد كل دولة طرف – إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا أعمال الحقوق المعترف بها فى هذه الاتفاقية ، بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذه الاتفاقية ، ما يكون ضروريا لهذا الأعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية .. كما تتعهد كل دولة طرف فى الاتفاقية :

– بأن تكفل وسيلة فعالة للتظلم لألا شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها فى هذه الاتفاقية ، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية .

– بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن يفصل فى الحقوق – التى يدعى بانتهاكها – سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة ، أو أى سلطة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانونى وأن تعمل على تطوير إمكانات التظلم القضائى .

– بأن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصلحة المتظلمين “.

وقد بينت المواد ( من 8 – 45 ) وكذلك البروتوكول الاختيارى الملحق بهذه الاتفاقية ، وسائل الرقابة على احكم الاتفاقية .. وحددت هذه الوسائل فى ثلاث هى : اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، نظام التوفيق ، نظام الشكاوى أو الطعون الفردية ([17]) .

– اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ([18]) :

جاء النص على إنشاء هذه اللجنة فى المادة (28) من الاتفاقية .. وتتكون من ثمانية عشر عضوا يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب من بين مواطنى الدول الأطراف من ذوى الصفات الأخلاقية العالية ، والمشهود لهم بالتخصص فى مجال حقوق الإنسان ، ويقسم أعضاء اللجنة فى اجتماع علنى – قبل مباشرتهم مهام العضوية – على أن يردوها بكل تجرد ونزاهة .

وبالإضافة إلى ما تختص به اللجنة من بحث التقارير المحالة عليها من الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص الإجراءات التى تتخذها الدول لتطبيق أحكام الاتفاقية ، فهناك اختصاص رقابى آخر للجنة جاء النص عليه فى المادة 41 من الاتفاقية .. فطبقا لما جاء فى هذه المادة يجوز للجنة أن تقوم باستلام ودراسة الشكاوى التى تنطوى على ادعاء دولة طرف ، بأن دولة أخرى طرفا فى الاتفاقية لا تفى بالتزاماتها بموجب الاتفاقية .. ولا تقبل مثل هذه الشكاوى إلا إذا صدرت من دولة طرف ضد أخرى ، وسبق لكليهما أن أودعتا إعلانا بقبولهما المسبق باختصاص اللجنة ([19]) .

– نظام التوفيق :

فى حالة إخفاق اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فى التوصل إلى حل للشكاوى والبلاغات المقدمة وفقا للفقرة السابقة فيجوز لها أن تعين – بالموافقة المسبقة للدول الأطراف المعنية – لحنة توفيق خاصة ، وتعرض لجنة التوفيق مساعيها الحميدة على الدول الأطراف المعنية أملا فى التوصل إلى تسوية ودية للمسألة محل الخلاف ([20]) .

– نظام الشكاوى أو الطعون الفردية :

ينص على هذا النظام البروتوكول الاختيارى الملحق بالاتفاقية .. وبموجبه تختص ” اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ” باستلام ودراسة الشكاوى المقدمة من الأفراد الذين يدعون بأنهم ضحايا الاعتداء على أى من الحقوق المبنية فى الاتفاقية .. ولا يجوز استلام أى شكوى إذا كانت تخص دولة طرف فى الاتفاقية ، ولكنها ليست طرفا فى البروتوكول .. كما يتعين استنفاذ كافة الحلول المحلية المتوفرة ، قبل التقدم بمثل تلك الشكاوى إلى اللجنة .

ورغم ان اللجنة ليست هيئة قضائية ، إلا أنها تمارس اختصاصاتها فى بحث الشكاوى التى ترد إليها بالأسلوب القضائى .. وتخلص فى بحثها إلى بيان رأيها فيما إذا كان هناك ثمة انتهاك للحقوق المنصوص عليها فى الاتفاقية أم لا .. وقد يقتضى الأمر أن تطلب من الدولة المعنية – قبل موافاتها بوجهة نظرها – باتخاذ إجراء ما من أجل تجنب ما قد يصيب شخص الشاكى من ضرر يصعب إصلاحه ، دون أن يعنى مثل هذا الطلب حسما لموضوع الشكوى .

(ب) وسيلة الرقابة على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة اشكال التمييز العنصرى :

عنيت هذه الاتفاقية بإنشاء ” لجنة القضاء على التمييز العنصرى ” على أن تشكل من 18 خبير من ذوى الخصال الخلقية الرفيعة المشهود لهم بالتجرد والنزاهة ويتم انتخابهم من مواطنى الدول الأطراف .. ويراعى فى اختيارهم مبدأ التوزيع الجغرافى العادل وتمثيل النظم القانونية الرئيسية .

ومهمة هذه اللجنة دراسة التقارير المقدمة من الدول الأعضاء ، والتوفيق بين الدول فى حالة نشوء نزاع بينهما بشأن تطبيق الاتفاقية ، واستلام ودراسة الشكاوى المقدمة لها من الأفراد والجماعات ([21]) .

(جـ) وسيلة الرقابة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة :

نصت المادة (17) من هذه الاتفاقية على إنشاء ” لجنة مناهضة التعذيب ” تتألف من عشرة خبراء على مستوى اخلاقى عال ومشهود لهم بالكفاءة فى ميدان حقوق الإنسان يتم انتخابهم من مواطنى الدول الأعضاء ، على أن يراعى مبدأ التوزيع الجغرافى واشتراك بعض الأشخاص من ذوى الخبرة القانونية ..

ومهمة هذه اللجنة دراسة التقارير المقدمة من الدول الأعضاء بخصوص التدابير التى اتخذتها تنفيذا لتعهداتها بمقتضى الاتفاقية ، كما يجوز لها القيام بإجراء تحقيق سرى من خلال عضو أو أكثر تنتدبه لهذه الغاية للتأكد من صحة أية معلومات موثوقا بها – قد تصلها – وتتضمن الدلائل قوية على أن تعذيبا يمارس على نحو منتظم فى أراضى أحدى الدول الأطراف .. ويتم التحقيق بالتعاون مع الدولة المعنية وقد يشمل زيارة أراضى الدولة المعنية بالاتفاق معها .. وعلى اللجنة أن تحيل إلى الدولة المعنية نتائج تحقيقاتها مع أى تعليقات أو اقتراحات قد تبدو ملائمة .

كما أن من مهمة اللجنة استلام ودراسة الشكاوى المقدمة من إحدى الدول الأطراف ضد دولة أخرى لا تفى بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقات . وتستهدف اللجنة فى دراستها لتلك الشكاوى بذل مساعيها الحميدة للتوصل إلى حل ودى .

ويجوز أيضا لأى دولة طرف أن تعلن اعترافها باختصاص اللجنة فى تسلم ودراسة الشكاوى المقدمة من فرد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ، ويدعون أنهم ضحايا لانتهاك أحكام الاتفاقية بما يضر حقوقهم ([22]) .

(ثالثا) دور الوكالات الدولية المتخصصة

فى حماية حقوق الإنسان

تتحمل الوكالات الدولية المتخصصة مسئولية كبرى فى مجال تعزيز واحترام حقوق الإنسان .. وذلك من خلال ما تضطلع به تلك الوكالات من أنشطة ترتبط ارتباطا مباشرا بتحقيق رفاهية الإنسان .. وأيضا من خلال الدور الذى يمكن أن تلعبه فى الرقابة على مدى احترام الدول للاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان ، وما يستتبع ذلك من قدرة على تقييم سلوك الحكومات فيما يتعلق بتطبيق تلك الاتفاقيات ([23]) .

وسوف نقتصر على الإشارة إلى الدور الذى تقوم له كل من منظمة العمل الدولية ، ومنظمة اليونسكو ، فى مجال حماية حقوق الإنسان ، وذلك نظرا للدور المتميز لهاتين المنظمتين فى مجال حق العمل والتعليم . وما يرتبط بهذين الحقين من حقوق أخرى .

1- الدور الذى تقوم به منظمة العمل الدولية لحماية حقوق الإنسان ([24]) :

أنشئت هذه المنظمة سنة 1919 بموجب معاهدة فرساى ، كمنظمة مستقلة بذاتها ومنتسبة لعصبة الأمم ، ثم أصبحت وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة بموجب اتفاقية الوصل التى تم إبرامها بين هذه المنظمة والمجلس الاقتصادى والاجتماعى وفقا للمادة 63 من ميثاق الأمم المتحدة وذلك سنة 1946 .

وقد جاء بديباجة دستورها – والذى عدل أكثر من مرة آخرها سنة 1972 – أنه : ” لا سبيل إلى إقامة سلام عالمى ودائم إلا إذا بنى على أساس من العدالة الاجتماعية ” وأن تحقيق العدالة الاجتماعية يضمن – ضمن أشياء أخرى – تحسين ظروف العمل .. ومكافحة البطالة ، وتوفير أجر يكفل ظروف ومعيشة مناسبة ، وحماية العمال من العلل وإصابات العمل والضمان الاجتماعى فى حالتى العجز والشيخوخة وحماية مصالح العمال المستخدمين خارج أوطانهم وتأكيد مبدأ تساوى الأجر لدى تساوى العمل وتأكيد مبدأ الحرية النقابية .. الخ .

كما جاء إعلان فيلادلفيا الذى صدر سنة 1944 – واعتبر مكملا لأهداف المنظمة – مؤكدا على أن المبادئ الأساسية للمنظمة تتضمن عدم اعتبار العمل سلعة ، وأن حرية الرأى وحرية الاجتماع أمران لا غنى عنهما لاطراد التقدم ، وأن الفقر فى أى مكان يشكل خطرا على الرخاء فى كل مكان ، وأن القضاء عليه يتطلب جهدا دوليا يتضافر فيه ممثلو العمال وأصحاب العمل على قدم المساواة مع ممثلى الحكومات .. كما أكد هذا الإعلان على أن لجميع البش – دون تمييز – الحق فى العمل من أجل رفاهيتهم المادية ، وتقدمهم الروحى ، فى ظروف توفر لهم الحرية والكرامة والمن الاقتصادى وتكافؤ الفرص ، وأن تحقيق الظروف التى تسمح بالوصول إلى ذلك يجب أن يشكل الهدف الأساسى لكل سياسة وطنية .

وقد قامت المنظمة بإعداد مجموعة كبيرة من الاتفاقيات الدولية التى تمس حقوق الإنسان فى كافة المجالات التى جاءت فى ديباجة دستورها ([25]) . وتلتزم الدول الأطراف فى تلك الاتفاقيات بأن تقدم تقارير سنوية عن الإجراءات المتخذة لتطبيقها ( المادة 22 من دستورها ) ويضع مجلس الإدارة – التابع للمنظمة – مواصفات التقارير الواجب تقديمها حسب كل اتفاقية على حدة ، والمعلومات التى يجب أن يتضمنها التقرير ، فضلا عن تحديد المدى الزمنى لتقديم تلك التقارير تبعا لأهمية الاتفاقات وحداثة التصديق عليها والصعوبات التى قد ترد من أجل تنفيذها ([26]) .

ومنذ عام 1968 – وبموجب إجراءات جديدة – أصبح فى الإمكان قيام مبعوث عن مدير عام المنظمة ، سواء بطلب من إحدى حكومات الدول الأعضاء أو بالاتفاق معها ، بإجراء اتصالات مباشرة فيها للبحث فى كيفية التغلب على العقبات أمام تطبيق الاتفاقيات المصدق عليها ، والتقارير التى تلتزم الدولة بتقديمها .

إجراءات الشكاوى أمام المنظمة :

يعتبر دستور منظمة العمل الدولية هو الوحيد بين مواثيق الوكالات المتخصصة الذى ينص على إجراءات خاصة بالشكاوى المقدمة إلى المنظمة وتتخذ هذه الشكاوى الصور الآتية :

– شكاوى مقدمة إلى المنظمة من نقابات عمالية أو منظمات لأرباب العمل ضد حكومة إحدى الدول ، بدعوى عدم تقيدها بتطبيق إحدى الاتفاقيات الصدق عليها ، وذلك استنادا إلى المادتين 24 ، 25 من دستور المنظمة .. وفى هذه الحالة فإن مجلس إدارة المنظمة بعد قيامه بدراسة تلك الشكوى ، له أن يحيلها إلى الحكومة المعنية للتعليق عليها ، فإذا فشلت الحكومة فى الرد عليها ، أو قامت بالرد بما لا يقنع ، يقوم المجلس بنشر الادعاء والرد عليه إن وجد .

– شكاوى يتم تقديمها إلى المنظمة وفقا لنص المادة 26 من دستورها ، وذلك عن طريق حكومة إحدى الدول الأطراف ضد دولة أخرى طرف ، وتشمل ادعاء مماثلا للحالة السابقة – وفى هذه الصورة يتم إحالة الشكوى إلى الحكومة المعنية للتعليق عليها أو إلى لجنة تحقيق يتم اختيارهم فى كل حالة على حدة ، من أشخاص مستقلين ومن ذوى المؤهلات العليا لدراستها والتعليق عليها ووضع التوصيات اللازمة لإزالة أسباب الشكوى ، ويحق للحكومة المعنية أو توفد ممثلا للاشتراك فى مداولات المجلس أثناء نظره للمسألة .. ويطلب إلى الحكومة أما قبول التوصيات أو إحالة الأمر إلى المحكمة الدولية ، وعند الرفض يرفع المجلس الأمر إلى المؤتمر العام مع توصياته .

– شكاوى يتم تقديمها من إحدى النقابات العمالية ، أو من إحدى المنظمات الخاصة بأرباب العمل ، أو من حكومة ما ، يدعى فيها قيام حكومة إحدى الدول الأعضاء بالإخلال بمبادئ المنظمة الخاصة بالحرية النقابية ([27]) وهذه الشكاوى يتم إحالتها إلى لجنة ثلاثية التكوين ، خاصة بالحريات النقابية ، منبثقة عن مجلس الإدارة .. لتقوم بدراستها دون حاجة إلى أخذ موافقة الحكومة المعنية بذلك . وفى حالة ما إذا كانت هذه الشكاوى متصلة بقضايا معقدة وذات جوانب مختلفة ، فإنه يمكن إحالتها إلى لجنة مستقلة مكونة من خبراء تسمى ” لجنة تقصى الحقائق والتوفيق المعنية بالحريات النقابية ” وهى لجنة شبه قضائية .. تقوم عادة ببحث الأمر مع الحكومة المعنية بهدف التوصل إلى تسوية الخلاف بالاتفاق والتفاهم .

ورغم أن كل هذه اللجان تضع لنفسها الإجراءات التى تتبعها ، إلا أن تلك الإجراءات تتشابه من حيث لجوء كل لجنة إلى مطالبة الجهة الشاكية ، والدولة المشكو فى حقها ، وكذلك منظمات أرباب العمل والعمال ، بتقديم ما لديها من معلومات بشأن موضوع الشكوى كما ان اجتماعاتها تعقد – عادة – فى جنيف ، حيث تستمع إلى شهادات شفوية من الأطراف المعنية .. كما يحق لها زيارة الدول المعنية للتحقق بنفسها من الأمر .

2- الدور الذى تقوم به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ” اليونسكو” فى مجال حماية حقوق الإنسان :

تأسست هذه المنظمة فى أواخر عام 1946 وتعتبر إحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ومقرها باريس .

وهدف هذه المنظمة كما جاء بالمادة الأولى من دستورها هو ” تعزيز السلام والأمن عن طريق تشجيع التعاون بين الدول فى مجالات التربية والعلوم والثقافة من أجل الاحترام العالمى للعدالة ، ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان والحريات الأساسية التى أكدها ميثاق الأمم المتحدة لشعوب العالم ، دون تفرقة بسبب العنصر أو الجنس ، أو اللغة ، او الدين .. ” وتحقيقا لتك الغايات فإن اليونسكو تعمل على :

– تعزيز التعاون والتفاهم بين الأمم بمساندة أجهزة الاعلام الجماهيرى ، ولهذا الغرض تعمل المنظمة على إعداد الاتفاقات الدولية التى تراها مفيدة لتسهيل حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة والصورة .

– تنشيط التربية الشعبية ونشر الثقافة .

ويتمثل اهتمام المنظمة بحقوق الإنسان بالسير على خطى الأمم المتحدة بشكل عام ومنظمة العمل الدولية بشكل خاص ، من حيث تعزيز حقوق الإنسان عن طريق اللجوء إلى وضع اتفاقيات دولية تتعلق بتلك الحقوق فى نطاق اختصاصها ، هذا بالإضافة إلى العمل على ضمان تطبيق الالتزامات التى تنص عليها هذه الاتفاقيات .. وخلافا لما هو عليه الحال فى دستور منظمة العمل الدولية ، فإن دستور اليونسكو لا ينص على أية إجراءات بخصوص التظلم أو الشكوى من عدم مراعاة نصوص الاتفاقات المصدق عليها .. غير أن المنظمة استطاعت أن تتجاوز هذا القصور وذلك عن طريق إتباع الوسائل الآتية :

1- أقرت المنظمة برتوكولا خاصا فى عام 1962 أنشأت بموجبه ” لجنة توفيق مساعى حميدة ” تكون مسئولة عن تسوية المنازعات التى يمكن أن تنشأ بين أطراف الاتفاقيات .

2- استحدثت المنظمة – بموجب قرار صادر عن مجلسها التنفيذى ([28]) . – نظاما يحق بموجبه للأفراد والجماعات والمنظمات غير الحكومية تقديم الشكاوى إلى اليونسكو ، بخصوص أية انتهاكات للحقوق الإنسانية المحمية ، شريطة أن يكون مقدمو هذه الشكاوى هم أنفسهم ضحايا تلك الانتهاكات ، أو لهم معرفة وثيقة بها . ويطبق هذا الاجراء على حالات تتصل بانتهاكات منفردة لحقوق الإنسان ، وكذلك على قضايا تتسم بانتهاكات عامة ومضطرة وجسيمة لحقوق الإنسان ([29]) .

والمفروض فى الشكاوى المقدمة أن تكون متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التى تدخل فى اختصاصات اليونسكو فى مجالات التربية والعلوم والثقافة والاعلام والمتفقة مع مبادئ المنظمة وميثاق الأمم المتحدة وكافة الوثائق الدولية بحقوق الإنسان .

وتقوم لجنة مشكلة بمعرفة المجلس التنفيذى بالنظر فى تلك الشكاوى وعرضها على الحكومات المعنية لإبداء ملاحظتها ، وإعداد تقرير يتضمن ما تراه من توصيات فى هذا الصدد ، وذلك تمهيدا للعرض على المجلس التنفيذى .

وهكذا – وباختصار شديد – نتنتهى من دراسة نظام حماية حقوق الإنسان فى ظل التنظيم الدولى ، ولنا على هذا النظام مجموعة من الملاحظات لعل أهمها :

أولاً : أن التعهدات التى قطعتها الدول على نفسها بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان ما زالت تعهدات شكلية ، ولا تخضع لأى درجة من درجات الرقابة ، فيما عدا التقارير الدولية التى تقدمها الدول بنفسها عن طواعية واختيار ، ولم يحدث أن تقدمت دولة من الدول بتقريرها وتنسب فيه إلى نفسها قصورا فى تشريعاتها أو تقاعسا متعمدا فى تنفيذ التزاماتها .

ثانيا : أن إجراءات معالجة الشكاوى والطعون الفردية المعترف بها فى بعض الاتفاقيات ، موكول أمرها إلى لجان أو أجهزة هزيلة من صنع الحكومات ، على الرغم مما قد يبدو من تمتع بعضها بالاستقلال ،ـ ذلك لأن أعضاء هذه اللجان أو الأجهزة منتخبون بواسطة الحكومات ، وحتى إذا كان اختيارهم بصفتهم الشخصية ، فان ترشيحهم يتم عن طريق قيام الحكومات بتقديم أسمائهم ، فضلا عن عدم الاعتراف بها بسلطة اتخاذ القرار .. وإذا وجد فى الاتفاقية ما يفيد هذه السلطة ، فإن الدول غالبا تحتفظ لنفسها بالحق فى عدم الخضوع لها تلقائيا عن طريق ما يسمى بالشرط الاختيارى .

ثالثا : أن جانبا كبيرا من ضعف الحماية الدولية لحقوق الإنسان ، يرجع سببه إلى تعدد وتشابك الأجهزة واللجان المعنية بحقوق الإنسان ، وتضارب اختصاصاتها وعدم الفصل بين تلك التى تعمل فى مجال تعزيز وتشجيع حقوق الإنسان ، وتلك التى تعمل على حماية هذه الحقوق .. فالأجهزة واللجان التى توكل إليها الحماية ، يجب أن تتحدد مهمتها فى القيام بفرض احترام الحقوق كما هى قائمة فى القانون النافذ ، ويجب ان يتم ذلك عن طريق الجزاءات .. ويجب أن تكون مستقلة استقلالا فعليا ولها سلطة اتخاذ القرار النافذ .

رابعا : وأخيرا يجب أن نأخذ فى الاعتبار ، أنه فى ظل النظام القانونى الدولى القائم ، حيث تستخدم قضايا حقوق الإنسان كأداة للصراع بين دول عالمنا المنقسم ، وحيث تحرم فيه الدول النامية من فرصها فى التقدم الاقتصادى والاجتماعى مما يؤثر حتما على أوضاع حقوق الإنسان داخلها .. فان الأمر يقضى منا أن نؤكد على ما جاء بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 ديسمبر سنة 1977 رقم 32.130 حيث جاء به ما يلى :

” أن استمرار نظام اقتصادى دولى غير عادل وغير متكافئ يشكل عقبة كبرى فى سبيل تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان فى الدول النامية .

أنه لا يمكن توفير الحقوق السياسية والمدنية فى غياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وأن تحقيق تقدم مطرد فى توفير هذه الحقوق جميعا وحمايتها ، يستلزم إتباع سياسات سليمة وفعالة للتنمية الاجتماعية والاقصادية على المستويين القومى والدولى “.

الخاتمة

بان لنا فى المبحث السابق أن ضمانات حقوق الإنسان على المستوى الدولى تجاوزت مرحلة التعزيز والتشجيع ، ودخلت مرحلة الحماية ، غير أن وسائل الحماية المعترف بها فى هذا المجال ، ما زالت بعيدة عن أن تأخذ طابعا عالميا فعالا ، بسبب مضمونها وطبيعتها .

وهذه الحقيقة ليست سوى انعكاس لواقع النظام القانونى الدولى ذاته الذى يفتقد إلى عنصر الفعالية . سواء من حيث افتقاد أجهزته لسلطة اتخاذ القرار الملزم ، أو من حيث ضعف الجزاء .. فمن الثابت لدينا الآن أن أجهزة الحماية القائمة على ضمان حقوق الإنسان فى المجتمع الدولى ، يقتصر دور أغلبها على محاولة التقريب بين وجهات نظر الأفراد المنتهك حقوقهم من جهة ، وبين الدول من ناحية أخرى .. وهذا دور توفيقى مجرد من القيمة القانونية الإلزامية ، وبالتالى ليست له سوى فعالية محدودة ، كما أنه لا توجد جزاءات يمكن أن توقع على الدول المخلة بالتزاماتها تجاه اتفاقيات حقوق الإنسان .. إلا إذا اعتبارنا أن اطلاع الرأى العام – من خلال نشر التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان – بمثابة جزاء أدبى ، يضع سلوك الدولة موضع الاتهام .

وقد حاول التنظيم الدولى الإقليمى تلافى هذا القصور ، حيث اتجهت بعض الاتفاقيات الإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان إلى إنشاء أجهزة قادرة على اتخاذ القرار الملزم فى مواجهة الدول الأعضاء ، كما عملت على إنشاء محاكم قضائية لتسوية المنازعات الخاصة بتطبيق أو تفسير هذه الاتفاقيات بموجب أحكام قضائية واجبة النفاذ ، ولعل ذلك يمكن تلمسه فى نطاق التنظيم الاقليمى الأوربى ، والتنظيم الاقليمى الأمريكى والتنظيم الاقليمى الافريقى .

([1])أنظر : د. أمانى قنديل ” حقوق الإنسان قضية المستقبل ” مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام – العدد 7/8/1987 .

([2])أنظر مؤلفنا ” المصلحة الدولية المشتركة ” ، دار النهضة العربية ، ص 65.

([3])راجع المستشار عدلى حسين ” الحماية الجنائية الإجرائية لحرمه الحياة الخاصة فى النظام القانونى المصرى ” بحث منشور ضمن مجموعة أبحاث مؤتمر سيراكوزا ” المرجع السابق ” ص 335 .

([4])راجع تعدادا لبعض هذه الوثائق فى :

UNHR : A Compilation of International Instruments , United, Doc. Strohl/HR/Rev. 2 (1978) .

([5])انظر فى هذا الموضوع الدكتور عبد العزيز سرحان ” مقدمة لدراسة ضمانات حقوق الإنسان ” سنة 1988 ، ص 71 وما بعدها .

([6])راجع : الدمتور عبد العزيز سرحان ” المرجع السابق ” ص 84 .

([7])انظر : المرجع السابق ، ص 85 – 86 .

([8])راجع : ” الدكتور عزت البرعى ” حماية حقوق الإنسان فى ظل التنظيم الدولى الاقليمى ” القاهرة سنة 1985 ، ص 44 .

([9])راجع مؤلفنا ” المصلحة الدولية المشتركة ” المرجع السابق ، ص 56 وما بعدها .

([10])راجع نص المادة (9) من الاتفاقية والتى جاء بها : ” تتعهد كل دولة من الدول الأطراف بأن تقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتنظر فيه اللجنة (لجنة القضاء على التمييز العنصرى) تقريرا عن التدابير التشريعية أو القضائية أو الادارية أو التدابير الأخرى التى اتخذتها والتى تمثل اعمالا لأحكام هذه الاتفاقية .

([11])راجع نص المادة (40) من هذه الاتفاقية والتى جاء بها : ” تتعهد الدول الأطراف فى هذه الاتفاقية بتقديم تقارير عن التدابير التى اتخذتها والتى تمثل اعمالا للحقوق المعترف بها فيه ، وعن التقدم المحرز فى التمتع بهذه الحقوق .. “

([12])راجع المواد من 16-23 من الاتفاقية .

([13])يمكن الإشارة فى هذا الصدد على سبيل المثال – إلى ما لاحظته ” اللجنة الدولية المعنية بالحقوق المدنية والسياسية ” بالنسبة للتقارير الخاصة بتنفيذ أحكام المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية ، حيث لاحظت اللجنة المذكورة أن التقارير المقدمة إليها من الدول فى هذا الشأن ، لا تتطابق مع ما نصت عليه المادة (40) من الاتفاقية ، كما لاحظت تباينا واضحا فى شكل ومحتوى التقارير .. وقد دفع ذلك باللجنة إلى إعداد نموذج دليل لكى تسير على هدية الدول عند إعداد تقاريرها ، سواء من حيث الشكل أو المحتوى ، على ان ينقسم التقرير إلى جزأين :

الأول : عام ويعالج النظام القانونى فى الدولة والذى تتم من خلاله حماية الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها فى الاتفاقية .. ويشار فى هذا الجزء إلى البيانات التالية :

– ما إذا كانت الحقوق المنصوص عليها فى الاتفاقية منصوصا عليها فى الدستور ، أو ان هناك وثيقة متكاملة لحقوق الإنسان ، وإذا كان ذلك هو الوضع .. فإى الفقرات من الدستور أو وثيقة حقوق الإنسان يمكن للدولة التحلل منها عند إعلان حالة الطوارئ ؟

==

– ما إذا كانت نصوص الاتفاقية يمكن الاعتداد بها أمام المحاكم ؟ ما إذا كانت المحاكم تؤسس أحاكمها على هذه النصوص ؟ وهكذا بالنسبة للسلطات والأجهزة الإدارية الأخرى فى الدولة .. أو أن الأمر يتطلب أن تتضمن قوانين الدولة أحكام الاتفاقية حتى تكون لها قوة القانون .

– ما هى السلطات القضائية والإدارية وغيرها ذات الاختصاص فى قضايا حقوق الإنسان ؟

– ما هى إمكانية الوسائل المتاحة أمام الشخص الذى يدعى بأن ثمة حق من حقوقه قد انتهك ؟

– ما هى الإجراءات الأخرى التى اتخذتها السلطات لتطبيق نصوص الاتفاقية ؟

أما الجزء الثانى من الدليل – الذى وضعته اللجنة – فهو خاص بالبيانات التى يتضمنها التقرير الذى تقدمه الدولة عن مباشرة الحقوق المدنية والسياسية تفضيلا وتحت كل مادة معينة من الاتفاقية ..

وقد تضمن الدليل فى هذا الجزء على ما يلى :

– القوانين والأوامر الإدارية وغيرها المعمول بها فى مجال احترام حقوق الإنسان فى الدولة .

– أية قيود أو ضوابط – حتى ولو كانت ذات صفة مؤقتة – يفرضها القانون على التمتع بحقوق الإنسان .

– أية بيانات عن التقدم الذى يتم فى مجال احترام وحماية حقوق الإنسان

وقد تضمن الدليل أيضا مطالبة الدول بأن ترفق مع تقاريرها نصوص تشريعاتها الأساسية فى مجالات حقوق الإنسان ، كما نوه بأن اللجنة ترحب بتلقى أى معلومات إضافية عند نظرها لتقرير الدولة .

ومع أن الدول التزمت – بصفة عامة – على ان تكون تقاريرها متفقة مع هذا الدليل ، إلا أن اللجنة لاحظت استمرار أو التباين الواضح حول ما تتضمنه تلك التقارير ، فالبعض يعانى نقصا ملحوظا فى تغطية البيانات والمعلومات المطلوبة وإهمال الأخرى . كما أن البعض يأتى متوازيا وشاملا مع الإيجاز المطلوب ، وتحاول الدول جاهدة أن تنقل عن نفسها – بموجب هذه التقارير – انطباعا طيبا فى مجال احترامها لحقوق الإنسان ، وقليل منها يعترف بقصور تشريعاتها فى مسائل معينة ، ويندر أن يوجد تقرير يعترف بخطأ فى الممارسة أو التعسف فى تطبيق القوانين . ومن هنا تأتى صعوبة مهمة اللجنة فى تكوين رأى سليم متكامل عن تطبيق أحكام الاتفاقية فى الدول الأعضاء .

أنظر : السفير عمران الشافعى ” العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية بين النظرية والتطبيق ” مجموعة أعمال سيراكوزا ” المرجع السابق ” المجلد الثالث – ص 97 .

([14])راجع بخصوص هذا القرار :

– Ruzié , D. : Le Droit de Petition Individuelle en matière droits de L’homme , RDH/HRJ, Vol, IV 9 19710 NO. 3-4 , P. 89 .

– Humphary , J.P. : The right of petition in the UN , op. cit., P. 463 et seq

([15])قامت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بوضع شروط قبول الشكاوى وإجراءات بحثها بموجب قرارها الصادر فى 13/8/1971 .

([16])هذه اللجنة قام بتأسيسها المجلس الاقتصادى والاجتماعى سنة 1946 وهى مشكلة من 32 عضوا ، يتم اختيارهم بصفتهم الشخصية ، مع مراعاة قاعدة التمثيل الجغرافى ، وتنحصر مهام هذه اللجنة فى تقديم المقترحات والتوصيات المتعلقة بحقوق الإنسان ، وقد انيط بها بموجب قرار المجلس الاقتصادى والاجتماعى رقم 1503 لسنة 1970 دراسة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والشكاوى المتعلقة بهذه الانتهاكات على النحو الذى أشرنا إليه فى المتن . وقد تم تغيير اسم هذه اللجنة بموجب قرار الجمعية العامة رقم 251/60 بتاريخ 2006 إلى اسم ” مجلس حقوق الإنسان ” كما تم زيادة أعضائها إلى 47 عضوا .

([17])بدأ سريان أحكام هذه الاتفاقية فى 23/3/1976 .. وأصبح عدد الدول الأطراف فيها حتى آخر سنة 1987 ، 86 دولة من بينها مصر و 9 دول عربية .

([18])راجع المزيد من التفاصيل بخصوص هذه اللجنة :

فى مؤلف الدكتور عبد العزيز سرحان ” ضمانات حقوق الإنسان ” المرجع السابق ، ص 129 وما بعدها .

([19])للمزيد من التفاصيل أنظر المرجع السابق ، ص 133 .

([20])راجع نص المادة (41) من الاتفاقية .

([21])راجع المواد من 8-14 بخصوص تشكيل هذه اللجنة ونظام العمل بها واختصاصاتها .

([22])راجع المواد من 17 – 23 من الاتفاقية .

([23])بخصوص هذه الوكالات وكيفية تشكيلها واختصاصاتها وتقييم الدور الذى تقوم به كل منها راجع مؤلفنا ” التنظيم الدولى ” – عالم الكتب سنة 1979 .

([24])راجع دراسة أكثر تفصيلا لهذه المنظمة فى مؤلفنا ” التنظيم الدولى ” المرجع السابق .

([25])اعدت المنظمة أكثر من 150 اتفاقية بعضها تم التصديق عليه من أكثر من مائة دولة راجع :

Sieghurt , P. : The international law of Human Rights Oxford , ( 1985 ) , P. 438 .

([26])تعتبر تلك التقارير وسيلة من الوسائل التى تتبعها المنظمة فى الرقابة على تنفيذ تلك الاتفاقيات .. وهناك لجنة من ” الخبراء المستقلين ” (م 28 – قانون حقوق الإنسان) مسئولة عن فحص هذه التقارير من الناحيتين القانونية والفنية . وتتكون هذه اللجنة من 19 عضوا مختارين بصفتهم الشخصية ، من بين أعضاء مجلس الادارة ، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد .. والمبدأ الاساسى فى عمل هذه اللجنة هو الاستقلالية التامة عن الدول الاعضاء ، وعدم التحيز والموضوعية .

([27])يمكن تقديم هذه الشكوى ضد الدولة سواء كانت قد صادقت على الاتفاقيات الخاصة بالحرية النقابية أم لم تصادق عليها .

([28])القرار رقم 3/3 لعام 1978 فى الدورة رقم 104 للمجلس التنفيذى .

([29])يقصد بتلك القضايا تلك التى ترتكبها دولة بحكم الواقع أو القانون ، أو تلك التى تعتبر حصيلة لتراكم حالات فردية أخذت طابع النمط المضطرد ، مثل الانتهاكات التى ترتكب نتيجة للسياسة العداوانية ، أو التدخل فى الشئون الداخلية للدول ، أو الاحتلال الاجنبى لاراضى الغير بالقوة أو تنفيذ سياسات استعمارية ، أو سياسة أبادة أو فصل عنصرى ، أو سياسة عنصرية ، او سياسة اضطهاد وطنى واجتماعى وكل انتهاكات تدخل فى اختصاص منظمة اليونسكو .

 

بحث قانوني جديد

بحث قانوني عن الحماية الدولية لحقوق الإنسان