اولاً : تعريف القسمة القضائية وحالات اللجوء اليها :-

1- تعريف القسمة القضائية :-

تعرف القسمة القضائية بأنها القسمة التي تجريها المحكمة المختصة دون موافقة الشركاء وذلك في حالة اختلاف الشركاء على اقتسام المال الشائع رضاءً ويستند تسجيلها الى حكم قضائي حائز درجة البتات (1) وعلى خلاف الحال في القسمة الرضائية نجد ان القسمة القضائية لا يمكن سماع الغبن فيها ؛ ذلك لافتراض ان الجهة القضائية قد اتخذت كل الاحتياطات اضافة الى الوسائل الفنية التي تملكها المحكمة بحيث انها تمنع من وقوع الغبن فيها (2)

2- حالات اللجوء الى القسمة القضائية :-

مع ان عدم اتفاق الشركاء على القسمة هو من اهم حالات اللجوء الى القسمة القضائية الا ان هناك حالات اخر تدعو الشركاء الى اللجوء الى القسمة القضائية حتى مع اتفاقهم على القسمة ومن اهم هذه الحالات هي :-

اولاً :- رغبة الشركاء في الاستعانة بحكم قضائي يوثق عقد القسمة الرضائية .

ثانياً :- وجود شريك صغير او محجور بين الشركاء ولم يكن له ولي او وصي او كان له ولي او وصي او قيم الا انه لم يتفق مع باقي الشركاء على اجراء القسمة رضاءً او انه اتفق مع باقي الشركاء الا ان دائرة رعاية القاصرين لم تاذن له بذلك حسب نص الفقرة (8) من المادة 43 من قانون رعاية القاصرين او انها اذنت له الا انها لم تقر عقد القسمة للتثبت من عدالته(3) .

ثالثاً :- يحق للوارث اقامة الدعوى لاجراء القسمة القضائية لاموال مورثه بمجرد وفاة مورثه وحتى قبل تسجيل معاملة الانتقال لدى دائرة التسجيل العقاري وذلك اذا كان المال الموروث عقاراً عملاً بنص المادة 1106 من القانون المدني العراقي حيث نصت على انه : (1- يكسب الوارث بطريق الميراث المنقولات والعقارات والحقوق الموجودة في التركة 2- وتعيين الورثة وتحديد انصبائهم في الارث وانتقال اموال التركة تسري عليها احكام الشريعة الاسلامية والقوانين الخاصة ) (4)

رابعاً :- إنَّ بامكان دائني الشركاء اللجوء اليها عن طريق اقامة الدعوى غير المباشرة اذا توافرت شروطها (5) الا ان جانباً اخر من الفقهاء يرون بان هذا الحق لا يعدو الا ان يكون حقاً نظرياً لا اكثر ؛ ذلك لان من شروط اقامة الدعوى غير المباشرة ان يثبت الدائن فيها ان المدين لم يستعمل حقه وان اهماله في ذلك من شانه ان يسبب اعساره او ان يزيد في اعساره في حين اننا نجد ان عدم استعمال المدين لهذا الحق لم يسبب اعساره ولم يزد فيه كما ان من مصلحة الدائن اللجوء الى استعمال حقه في التنفيذ على حصة الشريك المدين بدلاً من طلب انهاء الشيوع عن طريق الدعوى غير المباشرة (6)

خامساً :- ان تكون ملكية المال المشاع ناشئة عن عقد الا ان هذا العقد لم ينص على آلية لتقسيمه بين الشركاء(7)

فيتبين ان بامكان الشركاء اللجوء الى القسمة القضائية بجميع الاحوال السابقة وعليه فالقضاء لا يتدخل من تلقاء نفسه مالم يتقدم الشركاء انفسهم عن طريق دعوى ( طلب ) لانهاء الشيوع(8)

ثانياً : في الفقه الاسلامي :-

لقد تعرض الفقهاء المسلمون للقسمة القضائية وهي ما تعرف عندهم بقسمة الجبر مع بعض التباين في مفهومها عندهم فنجد ان فقهاء الحنفية يعرفونها بانها القسمة التي تتم عن طريق القاضي ولا يكون ذلك الا بطلب من احد الشركاء المشتاعين فلا يتدخل القضاء من تلقاء نفسه فيها كما ان من اهم مايميز قسمة الرضا عن قسمة الجبر ان قسمة الجبر لا يرجع فيها بخيار الرؤية والشرط على خلاف الحال في قسمة الرضا والسبب في ذلك انهم يقولون ان قسمة الجبر قد لاتتضمن رضا جميع الشركاء عليها وكذا فقد لا يوجد فيها معنى المبادلة وكذا فتمتاز قسمة الجبر باللزوم وعدم الرجوع بعد اجرائها اذا تمت من قبل القضاء وحكم باعادتها من قبل القضاء فمن الممكن ذلك ثانية وثالثة .. في حين يجوز الرجوع في قسمة الرضا لتضمنها معنى عقد البيع قبل تمامه(9) ولقد ميز فقهاء الحنفية بين القسمة اذا كانت وارده على المثليات غير المتفاوتة القيمة كالمكيلات والموزونات وبين ما تتفاوت في القيمة كالثياب والحيوانات المتفاوتة القيمة وعندهم ان القاضي يستطيع ان يجبر على القسمة حتى الشركاء غير الطالبين للقسمة اذا كانت وارده على تلك المثليات وذلك لان القسمة في تلك الحالة تكون تمييزاً محضاً لنصيب كل شريك عن نصيب الشريك الاخر كما يستطيع كل شريك من الشركاء الانفراد في اجراء القسمة حتى بدون حضور الشريك الاخر .

واما في الحالة الثانية وهي التي يكون فيها المقسوم من القيميات فمع انها تمييز نصيب كل شريك عن نصيب الاخر الا ان فيها معنى المبادلة فهي تقع على الاموال التي تتفاوت آحدها وعليه فلا يستطيع احد الشركاء الانفراد في قسمته الا بحضور الاخر والطلب من القضاء لاجراء القسمة (10) ولقد جاءت المادة 1122 من مجلة الاحكام العدلية بذات الاتجاه الذي قال به فقهاء الحنفية فقد عرفت قسمة القضاء بقولها : ( قسمة القضاء هي تقسيم القاضي الملك المشترك جبراً وحكماً بطلب بعض المقسوم لهم أي بطلب بعض اصحاب الملك المشترك) فاذا راجع القاضي من بين خمسة شركاء مثلاً في مال مشاع واحد او اثنان منهم وطلبوا القسمة فيقسم القاضي بينهم (11) واما عند فقهاء المسلمين من الجعفرية فعندهم ان قسمة الجبر تكون اذا طلبها احد الشركاء من القضاء لاجرائها ويجبر القضاء الشركاء الاخرين عليها اذا لم يترتب عليها احداث ضرر وعليه فاذا كان المقسوم مما لا يمكن تقسيمه الا عن طريق الافراز او التعديل فيقسم بهما واما اذا امكنت قسمته بكلتا الطريقتين فيجبر الشريك الممتنع عن القسمة بالافراز اذا طلبها احد الشركاء اما اذا طلب احد الشركاء قسمة التعديل لا يجبر الشركاء الاخرون عليها ومثال ذلك قسمة مال مشترك متساوي القيمة كالحنطة والشعير او التمر او الزبيب حيث يجبر الشركاء الاخرون عليها اذا طلبها احدهم في حين لا يجبر باقي الشركاء عليها اذا كانت قسمة بالتعديل(12)

ثالثاً : في القانون المدني العراقي وبعض القوانين المدنية المقارنة :-

لقد نصت الفقرة (1) من المادة 1072 من القانون المدني العراقي على انه : ( اذا لم يتفق الشركاء على القسمة او كان بينهم محجورٌ فللشريك الذي يريد الخروج من الشيوع مراجعة محكمة الصلح لازالته ) وعليه فقد اشترطت الفقرة (1) من المادة 1072 من القانون المدني العراقي لاجراء القسمة القضائية عدم اتفاق جميع الشركاء على القسمة(13) او اتفاقهم عليها ولكن وجد بينهم شريك محجورٌ او غائب فعلى من يريد الخروج من الشيوع مراجعة المحكمة لاقامة الدعوى (14) وتوافق هذه المادة في القانون المدني الاردني المادة 1042 منه حيث نصت على انه : ( اولاً : اذا تعذر اتفاق الشركاء على اقتسام المال الشائع .. ثانياً: اذا كان بين الشركاء من هو غير كامل الاهلية او غائب ..) وعليه فقد جاء القانون المدني الاردني بذات الاتجاه الذي جاء به القانون المدني العراقي فيما يتعلق بشروط القسمة القضائية ولكن القانون المدني الاردني قد صرح بغياب احد الشركاء (15) وتوافق تلك النصوص في القانون المدني المصري المادة 836 منه بقولها: (.. اذا اختلف الشركاء في اقتسام المال الشائع فعلى من يريد الخروج من الشيوع ان يكلف باقي الشركاء الحضور امام المحكمة الجزئية ..) فتقوم المحكمة بتقسيم المال عينا ان كان ذلك ممكناً فإنْ كان ذلك غير ممكن او يؤدي الى احداث نقص كبير في قيمة المال فيصار الى بيع المال بالمزاد العلني بطريق قسمة التصفية(16) وعليه نستنتج بان التشريعات المدنية العربية تنقسم الى قسمين فيما يتعلق باللجوء الى القسمة القضائية لوجود شريك ناقص الاهلية او غائب فالقسم الاول من تلك التشريعات توجب اجراء القسمة القضائية كالقانون المدني العراقي والاردني ، في حين نجد ان القسم الثاني من تلك التشريعات كالقانون المدني المصري تجيز اجراء القسمة الاتفاقية فيها ايضاً مع مراعاة الاجراءات الخاصة بناقص الاهلية او الغائب(17) وتوافق هذه النصوص في المجموعة المدنية الفرنسية المادة 838 منه بقولها: (إن لم يكن جميع المشتركين في الارث حاضرين او كان بينهم ممنوعون او قاصرون حتى وان كان الحجر مرفوعاً عنهم توجب اقامة القسمة امام القضاء طبقاً للاجراءات المسجلة في المادة 819 وما يليها وكذلك المادة السابقة لها ..) الا ان اهم ما يميز القانون المدني الفرنسي انه اعطى للشركاء الحق في العدول عن القسمة القضائية الى القسمة الرضائية وذلك في حال استجماع شروطها كأن يتفق عليها الشركاء او زوال المانع عنها (18) في حين نجد ان الحكم مختلف في القانون المدني العراقي فلا يحق للمدعي فيه التنازل عنها الا بشرط موافقة جميع شركائه الاخرين(19).

___________________

1- الاستاذ مصطفى مجيد ، شرح قانون التسجيل العقاري ، ط1 ، بغداد ، مطبعة المعارف ، 1979 ، ص64 .

2- د. محمد كامل مرسي باشا، الحقوق العينية الاصلية، ج1، ط2، القاهرة، المطبعة العالمية، احمد حسن غزي وشركاءه، 1951، ص244 .

3- د. محمود جمال الدين زكي ، الوجيز في الحقوق العينية الاصلية ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1978 ، ص161 .

4- انظر في ذلك الاستاذ القاضي خليل ابراهيم الملا حويش، احكام الملكية الشائعة في القانون المدني العراقي بحث مقدم الى مجلس العدل وزارة العدل، بغداد، 1990ص99 .

5- د. عبد المنعم فرج الصده ، الحقوق العينية الاصلية دراسة في القانون اللبناني و القانون المصري ، بيروت ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، 1982 ، ص212 .

6- انظر في هذا الاتجاه د. سعيد عبد الكريم مبارك ، الحقوق العينية الاصلية ،ط1 ، بغداد ، مطبعة الحكومة ، دار الحرية للطباعة ،1973 ص108

7- د. محمد كامل مرسي ، المصدر السابق ،ص206 .

8- د. غني حسون طه ، حق الملكية ، ج1 ، مطبوعات جامعة ،الكويت ، 1977،ص120 .

9- الامام علاء الدين ابو بكر بن مسعود الكاساني ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ج7 / ط2 ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1986 ، ص28 .

10- ابو بكر محمد بن ابي سهل السرخسي ، المبسوط ، ج15 ، ط1 ، القاهرة ، مطبعة السعادة ، الحاج افندي المغربي د. ت ، ص2 .

11- الاستاذ علي حيدر ، شرح قانون تقسيم الاموال غير المنقولة ، بغداد ، مطبعة دار السلام ،1927، ص112.

12- السيد علي الحسيني السيستاني ، منهاج الصالحين ، ج2 ، ط4 ، بيروت ، دار المؤرخ العربي ، 1998 ، ص169 .

13- وفي هذا الاتجاه نجد القرارات الصادرة عن محكمة التمييز في العراق ومنها القرار المرقم 1214 / صلحية 1958 في 9/8/1958 الذي جاء فيه: ( .. كان على المحكمة بعد ان اختلف الشركاء على طريقة القسمة ان تجريها وفق المادة 1072 مدني بافراز نصيب كل شريك على حده فاصدارها الحكم بالقسمة باعتبار ان الشركاء متفقون عليها كان غير مطابق لواقع الدعوى قرر نقضه..) القرار منشور في مجموعة المحامي سلمان بيات، القضاء المدني العراقي، ج2، بغداد، شركة الطبع والنشر الاهلية ، ذ.م.م ، 1962 ، ص491 .

14- وفي هذا الاتجاه نجد القرار الصادر عن محكمة التميز والمرقم 80/م3 /1971 في 6/7/1971 الذي جاء فيه : ( اذا لم يتفق الشركاء على القسمة او كان بينهم محجورٌ فللشريك الذي يريد الخروج من الشيوع مراجعة محكمة الصلح لازالته ) القرار منشور في مجموعة الاستاذ القاضي ابراهيم المشاهدي ، المصدر السابق ص440 .

15- د. محمد وحيد الدين سوار، حق الملكية في ذاته في القانون المدني، ط2، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1997، ص145 .

16- د. عبد المنعم البدراوي ، الحقوق العينية الاصلية ، ط2 ،القاهرة ، مطابع دار الكتاب العربي ، 1956 ص185 .

17- د. مصطفى محمد الجمال، نظام الملكية، الاسكندرية، منشاة المعارف، د.ت ، المصدر ص170 .

18- MARCEL PLANIOL ، TRAITE ELEMENTAIRE DROIT Civil ، Tome TROISIEME ، dixieme EDITION، PARIS ، LIBRAIRIE GENERALE DE DROIT DE JURISPRUDENCE 1927 ، P 961.

19- المحامي جمعة سعدون الربيعي ، احكام ازالة الشيوع في القوانين العراقية ، بغداد ، مطبعة الفنون ، 1989 ، ص17 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .