بواسطة باحث قانوني
محــــل الاختــــلاس

تمهيــــد:-
تنصبت جريمة الاختلاس على المال والاشياء الاخرى والتي سيتم بحثها من خلال ماهية المال محل الاختلاس كمطلب اول ، وان يكون هذا المال قد دخل في حيازة الموظف بسبب وظيفته وهذا ما سبنحثه كمطلب ثاني .

المطلــب الأول

ماهيــة المال محـل الاختلاس

اشترط قانون العقوبات الاردني ومن خلال المادة (174/1) منه ان يكون محل جريمة الاختلاس : كل مال وجد في حيازة الموظف بسبب وظيفته سواء أكان هذا المال نقودا ًاو اشياء اخرى للدولة ، او لاحد الاشخاص ، ويشمل كل ذي قيمة قد يوجد بين يدي الموظف بسبب وظيفته من نقود ، او اوراق مالية ، او اثاث او اغذية او البسة ومشروبات وما الى ذلك مما له قيمة مادية .

وقد احسن المشرع الجزائي الاردني صنعاً عندما ادخل الاشياء الاخرى سواء أكانت للدولة او لاحد الناس في عداد المال الذي يعتبر محلاً لجريمة الاختلاس، وذلك ليشمل في حمايته كل ذي قيمة مادية موجوداً في حيازة الموف بسبب وظيفته وهذا ما ذهب اليه بعض الفقه:

1- د0 محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات، القسم الخاص، الجزء الاول ، دار الجامعيين ، ص196، سنة1983
2- د0 محمد صبحي نجم ، المرجع السابق ، ص 29

” ان جريمة الاختلاس لا تقوم الا اذا كان المال موضوع الاختلاس له قيمة مادية يمكن تقويمها بالنقود ” ولم يفرق المشرع الاردني بين المال العام والمال الخاص الموجود تحت يد الموظف في جريمة الاختلاس ، لان المصالح الجوهرية للادارة العامة تتطلب ضرورة توافر الثقة والامانة فيمن يشغل الوظائف العامة ..

وقد اعتبر المشرع الاردني ، اموال صناديق البنوك ، او مؤسسات الاقراض المتخصصة ، او الشركات المساهمة العامة بمثابة المال العام ، ومحلاً لجريمة الاختلاس من قبل العاملين علىادارة او حفظ تلك الاموال بسبب وظائفهم ، وهذا ما نصت عليه المادة (174/2) من قانون العقوبات الاردني.

ويرى الفقه ان موضوع جريمة الاختلاس لا يختلف عن موضوع جرائم السرقة والنصب وخيانة الامانة فهو في جميع هذه الجرائم مالاً منقولاً .

وقد عرفت المادة (53) من القانون المدني الاردني المال بانه :”كل عين او حق له قيمة مادية في التعامل “. على ان المادة (54) من ذات القانون اعتبرت: ” كل شيء يمكن حيازته مادياً او معنوياً والانتفاع به انتفاعا ًمشروعاً ولا يخرج عن التعامل بطبيعته او بحكم القانون يصح ان يكون محلاً للحقوق المالية “.

ولا يشترط قانون العقوبات الاردني ان تكون القيمة المادية للمال ذات قدر معين ، فأي قدر مهما بلغت ضالته ، يصح ان يكون محلا ًلهذه الجريمة، وهذا ما اخذت به محكمة التمييز الاردنية عندما اعتبرت ان اختلاس الموظف للنماذج التي تتضمن عند توقيعها من المختصين اصدار تذكرة سفر مجانيــة

1- د0 محمد زكي ابو عامر ، مرجع سابق ، ص 187
2- تمييزجزاء 13/74 ، مجلة نقابة المحامين ، سنة 1974، ص 692
3- د0 محمد زكي ابو عامر ، مرجع سابق ، ص 186

والتي اوكل اليه حفظها بحكم وظيفته دون ان تقترن ذلك بتزوير او استعمال مزور ، معاقب عليه بمقتضى المادة (174/1) من قانون العقوبات، لان هذه النماذج تعتبر مالاً مهما كانت قيمته ضئيلة ….

وتستثنى العقارات من عداد جريمة الاختلاس ، لانها ليست اموالاً منقولة، الا انه قد تصلح لان تكون محلا ًلجرائم اخرى، كجريمة الاحتيال او الهدم والتخريب، على ان المقصود بالعقار هنا العقار بطبيعته ، اما العقار بالتخصص وهو المنقول اصلاً والذي يضعه صانعه في عقار له لخدمته والانتفاع به ويكون ثابتاً في الارض فانه يصلح لان يكون محلاً في جريمة الاختلاس اذ ان بمجرد نزعه تعود لــه صفة المنقول .

ويلزم ان يكون المال مملوكا ًسواء للدولة ام لغيرها،ولو كان مملوكا ًللموظف المختلس نفسه ما دام قد وجد في حيازته بمقتضى وظيفته وبسببها ، اما اذا كان متروكاً او مباحاً فلا تقوم بالجريمة باختلاسه بشرط ان لا يكون اصل المال معروف ما دام قد وجد بحيازة الموظف بسبب وظيفته .

الا ان قانون العقوبات الاردني لم يشمل النص على تلك الحالة التي يكون فيها مملوكاً للموظف، ولكن سلم اليه بحكم وظيفته وعلى الرغم من تعذر فعل الحيازة في تلك الحالة من حيازة ناقصة الى حيازة كاملة لان مالك المالك يحوزه قطعاً حيازة كاملة وكقاعدة عامة اذا تخلى مالك الشيء عنه بارادته او افلت منه كرهاً بعد حيازته له فانه يصبح من جديد مالاً مباحاً باستثناء الحيوانات المنزلية او الداجنة التي قد تضل من صاحبها كالقطط والكلاب والدواجن والعصافير والنحل ، حيث تصبح مالاً منقولاً بمجرد انطلاقها مملوكاً لصاحبه ليس مالا ًمباحاً الا اذا طالت فترة ضلالها ، وفقد صاحبها الامل في العثور عليها ، وتقدير ذلك يرجع الى القاضي في الموضوع ..

1- تمييز جزاء 4/76 ، مجلة نقابة المحامي ، سنة 1976، ص977
2- اسامة محمد عوض ، مرجع سابق ، ص 51
3- د0 محمد زكي ابو عامر ، مرجع سابق ، ص 187
4- د0محمد زكي ابوعامر ، ود. عبد القادر قهوجي ، قانون العقوبات ، القسم الخاص ، الدار الجامعيــة 1994، ص 192

اما الاشياء المتروكة والتي تخلى عنها صاحبها تخليا ًارادياً كفضلات الطعام والقمامة والملابس القديمة وما الى ذلك ، جاز لاي شخص تملكه بوضع اليد ، وعليه امتلاك هذا المال لا يكون اختلاساً ، لان المال وقت امتلاكه لم يكن مملوكاً لاحد …

وبالرجوع الى قانون العقوبات العسكري نجد ان المادة (24) منه قد اشترطت ان يكون محل جريمة الاختلاس من الاموال والسلع العامة او السلع الخاصة بالجيش ، ولا يتعدى محل هذه الجريمة ليشمل ما هو مملوك للاشخاص (الاموال الخاصة ) ، فان كان مملوكاً للغير كان نص المادة (174) من قانون العقوبات الاردني هو الذي يطبق بشأن تلك الاموال المملوكة للاشخاص وليس نص المدة (24) من قانون العقوبات العسكري.

وأيدت محكمة التمييز الاردنية بقولها :” ان رجل الامن من مكلف بان يحافظ على الاموال ، ويستلم اللقطات والاموال غير المطالب بها والتصرف بها وفق القوانين والانظمة عملاً بالمادة الرابعة من قانون الامن العام ، وان اخفاءه قسماً من الاسلحة المكلف بضبطها وتصرفه بها لمنفعته الشخصية ، يجعل فعله اختلاساً معاقباً عليه بموجب المادة (174) من قانون العقوبات وليس المادة (24) من قانون العقوبات العسكـري ، لان هذه الاسلحة قبل ان تقرر المحكمة مصادرتها هي ملك لصاحيها ” .

ويعد مرتكبا ًلجريمة الاختلاص مأمور الضبط القضائي الذي يقوم بتفتيش منزل متهم في جريمة ، فيضبط به بعض الاشياء المتصلة بهذه الجريمة ثم يختلسها . .
ولا عبرة في كون المال في ذاته مشروعاً فقد لا يكون كذلك، كما لو كان قطعة من المخذر ومع ذلك تقوم الجريمة ما دامت مقتضيات الوظيفة توجب على المتهم حفظه فيختلسه لان التجريم في هذه الحالة له نصوصه التي تحكمه كما ان عدم مشروعية المال في ذاته لا تزيل عنه صفة المال . .

1- د0 محمد زكي ابوعامر ، مرجع سابق ، ص 193
2- تمييز جزاء 132/82، مجموعة المبادئ القانونية ، ج1، ص 131
3- نقض 25/3/1940، مجموعة القواعد القانونية ، ج5، رقم88، ص160، انظر د.عمرالسعيد رمضان شرح قانون العقوبات، القسم الخاص ، دار النهضة العربية ، 1986، ص 65
4- اسامة محمد عوض ، مرجع سابق ، ص 54
المطلب الثاني

أن يكون المال قد دخل في حيازة الموظف بحكم وظيفته

لا يكفى ان يكون الفاعل لجريمة الاختلاس المنصوص عليها في المادة (174/1) من قانون العقوبات الاردني موظفاً عاما ًبل لا بد ان يكون المال الذي اختلسه قد اوكل اليه بحكم وظيفته ، امر ادارته او جبايته او حفظه (1) وقد يكون هذا المال عقاراً او منقولاً ، نقداً او اشياء اخرى مهما كان نوعها ، طالما كان مالا ً، ولكن لا يشترط ان يكون الموظف مختصاً اصلاً بقبض المبالغ المملوكة للدولة ، بل يكفي ان يكون من مقتضيات اعمال هذه الوظيفة (29.

وذهب جانب من الفقه الى ان القانون الجنائي لم يربط بين التسليم والاختصاص، ولكنه ربط بينه وبين الوظيفة ، على اعتبار ان الوظيفة هي سبب تسلم المال ، وتكون الوظيفة سبباً بهذا المعنى اذا حاز شاغلها المال ، وكان ذلك عملاً من صميم اختصاصه ، او كان وليد خطأ من جانب الغير او زعم من الموظف او خطأ في تطبيق القانون (3).

وعليه فان هذا الشرط يستلزم ان يكون المختلس قد حاز المال المختلس حيازة ناقصة ، أي وجد بين يديه على اساس من الحيازة الناقصة ، وان يكون سبب الحيازة هذه وظيفته بمقتضى القوانين والانظمة المرعية ، وهذا ما يتطلبه نص القانون صراحة(4) ، ويقصد ب الحيازة هنا : السيطرة الفعلية والصفة القانونية التي تمكنه من جبايته باسم الدولة او الاستيلاء عليه عنوة ، او المحافظة عليه او انفاقه على وجه معين، وبينما تتوفر السيطرة الفعلية بوجود المال في حيازة الموظف لا تأتي الصفة القانونية الا بالاختصاص بحياز المال(5).
1- تمييز جزاء 4/78 ، مجلة نقابة المحامين ، ص 48 ، سنة 1978
2- تمييز جزاء 75/78 ، مجلة نقابة المحامين ، ص 1166 ، سنة 1978
3- د0محمد زكي ابو عامر ، مرجع سابق ، ص 191، انظر الهامش :رأي الاستاذ عوني محمد عوض في ان حيازة المال الناتج من التفتيش بغير اذن من النيابة يدخل في مقتضيات وظيفة الكونستابل وتقوم به جناية الاختلاس لانه تسلمه بسبب وظيفته.
4- د. كامل السعيد ، مرجع سابق ، ص 503
5- د. محمد زكي ابوعامر ، مرجع سابق ، ص 192
وتطبيقاً لذلك : ” لا يكف لاعتبار الشيء في الحيازة الناقصة للموظف ان يستطيع الدخول الى المكان الموجود فيه المال والاستيلاء عليه تبعاً لذلك ، فعلى الرغم من ان المرؤوس يستطيع الدخول الى غرفة رئيسه المباشر دون قيد، فانه لا يصح القول بانه يعد حائزاً لما فيها من اموال ، ومن البديهي ان جوهر الحيازة الناقصة يقوم علىاساس ان ما يحوزه الموظف لا يحوزه على اساس انه مالك لمايحوزه ، وانما يحوزه في هذا المقام باسم الدولة ولحسابها ، وانه ملتزم برده او باستعماله او بالتصرف فيه على نحو معين ، وطبيعي ان يمكن للموظف ان يحوز بمقتضى وظيفته مواد ممنوعة ، وعندئذ لا يمنع ارتكابه جريمة الاختلاس ، فالموظف الذي يكلف بحكم وظيفته الحفاظ على مواد مخدره حتى يتم تسليمها الى موظف اخر او من يعينه القانون ، تتوافر لديه صلاحية ارتكاب الاختلاس بالنسبه لهذه المواد متى قام باختلاسها ، فكما ان السرقة تقع على المواد الممنوعة يقع الاختلاس هو ايضاً في ما كانت هذه المواد محلاً له(1).

وتطبيقاً لذلك ، فان محكمة التمييز الاردنية اشترطت لتطبيق المادة (174/2) من قانون العقوبات ان يكون المال الذي يختلسه الموظف موجود تحت يده وفي حفظه بحكم الوظيفة ، وعليه فان الاستيلاء على الاموال الخاص عن طريق استعمال مستندات حكومية مزورة لا يعتبر من قبيل اختلاس اموال الدولة (2).

وذهبت في قرار اخر لها ان المادة (174/1) من قانون العقوبات، يشترط للعقاب ان يكون الفاعل قد اختلس ما هو موكول اليه ادارته او حفظه بحكم وظيفته فاذا ثبت من البينات ان ادارة المستودع الذي اخذت منه الاكياس او حفظه ليست من وظيفة مرتكب الفعل وانما سلم اليه من قبل شخص ليس من وظيفته قانوناً تسليمه الى شخص اخر لفترة من الزمن وبالتالي فان المادة (174/1) لا تنطبق على فعل الفاعل وانما يعتبر فعله خيانة امانة ينطبق على المادة (422) من قانون العقوبات و فقاً للمادة (423/1) من ذات القانون (3).

1- د, كامل السعيد ، المرجع السابق ، ص 503 و504
2- تمييز جزاء 87/7 ، مجلة نقابة المحامين ، الجزء الاول ، ص 669 ، سنة 1970
3- تمييز جزاء 155/72 ، مجلة نقابة المحامين ، الجزء الاول ، ص 484 ، سنة 1973

وعليه فانه لامجال لقيام جريمة الاختلاس اذا ما تم تسليم الموظف المال على سبيل الحيازة الكاملة ، كما لو سلم على اساس انه جزء من مرتباته او مكافآته ، وينطبق ذلك على الموظف الذي يتسلم المال على سبيل الحيازة المادية او اليد العارضة فلا يعد مختلساً فالموظف – الساعي او المراسل على سبيل المثال – الذي يكلف بنقل المال من مكان الى اخرى اذا ما قام بالاستيلاء عليه وانما ينطبق عليه وصف جرمي اخر هو السرقة (1) .

وتشترط محكمة التمييز الاردنية تفسيراً لتعبير الشارع ما وكل اليه بحكم الوظيفة ان يكون الموظف المختلس مختصاً بأمر ادارة او جباية او حفظ ما اختلسه بموجب القانون والانظمة المرعية ، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز الاردنية :”ان رجل الامن مكلف بان يحافظ على الاموال، وتسليم اللقطات والاموال الغير مطالب فيها، والتصرف فيها وفق القوانين والانظمة عملاً بالمادة الرابعة من قانون الامن العام، وان اخفاءه أي قسماً من الاسلحة المكلف بضبطها وتصرفه بها لمنفعته الشخصية واضراراً بالغير يجعلان فعله اختلاساً معاقباً عليه بمقتضى المادة (174) من قانون العقوبات وليس المادة (24) من قانون العقوبات العسكري ، لان هذه الاسلحة – قبل ان تقرر المحكمة مصادرتها – هي ملك لصاحبها (2).

ويستدعي ان يكون تحويل الاختصاص بمقتضى نص قانوني او لائحي او تنظيمي او حتى امر الرئيس الكتابي او الشفوي ، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية حيث اعتبرت ان تسلم الموظف للمال بناءاً على امر شفوي من رئيسه يجعله في حيازته بسبب وظيفته (3).

1- د.كامل السعيد ، المرجع السابق ، ص 504
2- تمييز جزاء 132/82 ، مجلة نقابة المحامين ، ص 1707 ، سنة 1982
3- نقض 8/3/1960 مجموعات احكام النقض ، ص 11 ، رقم 46 ، ص 224