بواسطة باحث قانوني
أركان جريمة الاختلاس

تمهيـــد:-
تقوم جريمة الاختلاس عن اركان اساسية تستخلص من نص المادة (174) من قانون العقوبات الاردني ، والتي نستطيـع من خلالها التعرف على هذه الجريمة بمعناها القانوني الذي لا يحتمل التأويل او اللبس ولذا سنتناول في هذا الفصل اركان جريمة الاختلاس مدعمة بآراء الفقة ومحكمة التمييز الاردنية الموقرة ، حيث سنبحث صفة الجاني كمبحث أول ، ومحل الاختلاس كمبحث ثان ، والركن المادي كمبحث ثالث، والركن المعنوي كمبحث رابع .

المبحث الأول
صفة الجانـــــــي
تمهيـــد:-
الاختلاس : هو جريمة من الجرائم التي يرتكبها الموظف العام الذي يعين بهذه الوظيفة لخدمة المصلحة العامة لتحقيق اهداف الدولة وتحقيق الرفاهية للافراد وتوفير القوة والازدهار للدولة .

ويختلف الموظفون العموميون بصفتهم موظفين تابعين للدولة ومؤسساتها ، عن أولئك الموظفين الذين يعملون خارج نطاق الدولة أي في مشروعات تعود ملكيتها للافراد العاديين .

وسنعرض من خلال هذا المبحث الموظف العام كمطلب اول ، والموظف الحكومي كمطلب ثاني.
1- وقد اكدت محكمة التمييز الاردنية على ان جريمة الاختلاس المعنوي المنصوص عليها بنص المادة (174) من قانون العقوبات الاردني تتطلب تو افر ركن مفترض ( الموظف العام ) والركن المادي والذي يتمثل بادخال الموظف العام في ذمته وما اوكل اليه امر ادارته او جبايته او حفظه بحكم وظيفته ، والقصد الجنائي الذي يمثل تملك المال ، تمييز جزاء 262/97 ، ص 30 ، سنة 1988
2- د. محمد زكي ابو عامر ، المرجع السابق ، ص 177

المطلب الأول
الموظــف العـــــام

للموظف في جرائم الاختلاس نفس معناه في جرائم الرشوة باستثناء المكلف بمهمة رسميـة كالمحكـم او الخـبير او السنديك حيث يعتبر موظفاً في جرائم الرشوة دون جرائم الاختلاس .

وقد اشترطت المادة (174/1) من قانون العقوبات الاردني ان تكون صفة الجاني في جريمة الاختلاس ( موظفاً عاماً ) حيث نصت على ان : ” كل موظف عمومي ادخل في ذمته ما اوكل اليه بحكم الوظيفة امر ادارته او جبايته او حفظه من نقود واشياء اخرى للدولة او لاحد الناس ، عرقب بالاشغال الشاقة المؤقته وبغرامة تعادل قيمة ما اختلس ” .

وورد تعريف الموظف في المادة (2/أ) من نظام الخدمة المدنية رقم (1) لسنة 1988 على انه ” الشخص المعين بقرار من المرجع المختص بذلك في وظيفة مدرجة على جدول تشكيلات الوظائف الصادرة بمقتضى قانون الموازنة العامة وموازنة احدى الدوائر بما في ذلك الموظف المعين براتب مقطوع او بعقد على حساب المشاريع او الامانات او التأمين الصحي ولا يشمل العامل الذي يتقاضى أجراً يومياً ” .

وهذا التعريف للموظف العام في القانون الاداري تعريف ضيق ، فقد اشترط صدور قرار من المرجع المختص بتعيين هذا الموظف في وظيفته مدرجة على جدول تشكيلات الوظائف الصادرة بمتقضى قانون الموازنة العامة او موازنة احدى الدوائر ، الا ان محكمة التمييز الاردنية قرر انه وان كان الموظف قد عين بقرار صدر باطلاً فان ذلك لا يحول دون معاقبة بجرم الاختلاس فجاء بالقرار “ان تعديل وصف التهمة المسندة للمتهم من جناية الاختلاس الى جنحة اساءة الائتمان بداعـي

1- د. كامل السعيد ، شرح قانون العقوبات الاردني ، القسم الخاص ، المرجع السابق ، ص 496

ان قرار تعيينه صدر باطلاً مخالف لمدلول نص المادة (174) من قانون العقوبات لانه من غير المعقول ان يفلت شخص من العقاب على ذلك الجرم .

اما القانون الجزائي فقد اورد تعريف الموظف العام في الباب الثالث الجرائم التي تقع على الادارة العامة في المادة (169) من قانون العقوبات الاردني حيث نصت على انه :-
” يعد موظفاً بالمعنى المقصود في هذا الباب ” ” كل موظف عمومي في السلك الاداري او القضائي ، وكل ضابط من ضباط السلطة المدنية او العسكرية او فرد من افرادها ، وكل عامل أو مستخدم في الدولة او في ادارة عامة ” .

ويلاحظ ان مشرعنا الجزائي قد توسع في تعريف الموظف العام على خلاف ما ذهب اليه القانون الاداري ، وعلة هذا التوسع هو حماية اموال الدولة او غيرها مما هو في حفظها من ان يعبث به احد التابعين لها سواء بأخذه لنفسه او بتسهيل سلبه من الغير .

وقد اعتبر قانون الجرائم الاقتصادية لعام 1963 في حكم الموظفين العموميين بموجب المادتين (2 ،3) منه : ” كل موظف او مستخدم او عامل معين من مرجع مختص فالمؤسسات الرسمية العامة والوزارات والدوائر ومجلسا الاعيان والنواب والبلديات ، والمجالس القروية ومجالس الخدمات المشتركة، والنقابات، والاتحادات، والجمعيات، والنوادي، والبنوك، والشركات المساهمة العامة، ومؤسسات الاقراش المتخصصة ، واي جهة ينص القانون على اعتبار اموالها من الاموال العامة.”

وقد ذهبت محكمة التمييز الاردنية الى ما ذهب اليه المشرع الجزائي من توسع في تعريف الموظف العام ، واعتبرته موظفاً في الدولة او في ادارة عامة، فموظفي

1- تمييز جزاء رقم 1018/99 ، مجلة النقابة ، ص 1013 ، لسنة 2002
2- د. كامل السعيد ، المرجع السابق ، ص 497
البلديات ، وافراد الامن العام ، وموظف الملكية الاردنية ،وموظفي صندو المجلس القروي باعتباره مؤسسة عامة على انه شخص معنوي انشـــيء بمقتضى قانون الادرة مرفق عام ،ويدخل في عداد الموظف العام ، الذي يعمل في وزارة المواصلات بأجرة يومية لبيع الطوابع واستيفاء رسوم البرقيات .

على انه لا يكفي لقيام جريمة الاختلاس ، ان يكون الجاني موظفاص عاماً، وانما لا بد من ان يكون مختصاً بمقتضى القوانين والانظمة بجباية المال ، او حفظه او ادارته ، وهذا ما ذهب تاليه محكمة التمييز الاردنية حيث قررت ان :”اختلاس الموظف غير المختص بادارة وحفظ الاموال العامة كما هو تحت يده يشكل جريمة اساءة الائتمان عملاً بالمادة (423/1) من قانون العقوبات ” . وفي قرار اخر لها ذهبت الى انه اذا لم يكن الموظف مختصا ًبجباية المال او حفظه او ادارته ، فان فعله لا يعتبر اختلاساً بالمعنى المنصوص عليه في المادة (174) وانما يعتبر سرقة عادية لفقدان الركن المشار اليه ، أو ان المال المختلس مسلماً اليه أو موجودًا تحت يده لحفظه بحكم وظيفته والنية الجريمة .

ويجب ان تتوفر صفة الموظف العام وقت ارتكاب الجريمة ، والا تكون قد زالت عنه بعزله او نحوه ، فاذا لم يكن الجاني موظفاً عاماً حسب نظرية الموظف الفعلي فلا يعاقب عن جناية الاختلاس ، والموظف يصبح مسؤولاً عما يكون تحت يده من مال او مهمات آلت اليه بسبب وظيفته ، وبالتالي يجب ان يكون الجاني موظفا ًمختصاً ولا عبرة بجنسية الشخص اذا انطبقت عليه نصوص التجريم في جريمة الاختلاس ولو كان اجنبياً .
1- تمييز جزاء 98/66 مجلة النقابة ، ص 1222، سنة1966، خلافا لذلك تمييز جزاء 4/78 ، مجلة النقابة، ص448سنة 1978 ، حيث قضت في هذه المحكمة انه اذا كان المشتكى عليه مستخدماً في البلدية على ما سلم خيانة امانة وليس اختلاساً .
2- تمييز جزاء 4/76 ، مجلة النقابة ، ص 977، سنة 1976
3- تمييز جزاء3/76، مجلة النقابة ، ص 266، سنة 1977
4- تمييز جزاء 158/76، مجلة النقابة ، ص 266، سنة 1977
5- تمييز جزاء 104/73، مجلة النقابة ، ص 1652،سنة 1973
6- تمييز جزاء10/72، مجلة النقابة ، ص440، سنة 1972
7- تمييز جزاء104/73، مجلة النقابة ، ص1652، سنة 1973
8- تمييز جزاء 312/2000، مجلة النقابة ، ص 2394، سنة 2002
9- د0محمد نجم ، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، ص 28، ص 1995
10- د0حسن صادق المرصفاوي،المرصفاوي في شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، ص 78، سنة 91
11- انظر نص المادة 17 من قانون العقوبات الاردني والتي تنص على انه”تسري احكام هذا القانون على كل من يرتكب في المملكة جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه “

وقد اشترطت محكمة العدل العليا بصفتها محكمة للقضاء الاداري شرطين لاعتبار الشخص موظفاً عاماً :-

أولهما : القيام بعمل دائم ، والديمومة هنا تعود للوظيفة وليس للموظف ، والمناطة في دائمية الوظيفة ، هي بحسب طبيعتها وكنهها والعلاقة التي تقوم بين الموظف والحكومة على اساسها ، فمتى كان الشخص يشغل وظيفة على الاستمرار ، بحيث لا تنفك عنه الا بالوفاة او الاستقالة او العزل، فانه يعتبر موظفاً عاماً .
وثانيهما: ان يكون العمل في خدمة مرفق عام، تديره الدولة او احد اشخاص القانون العام بطريقة الاستغلال المباشر.
المطلب الثانـي

الموظف الحكومـــــي

لم يقصر المشرع الجزائي الاردني قيام جريمة الاختلاس على صفة الموظف العام كركن مفترض ، بل جعلها تشمل بعض الافعال الصادرة عن فئة من العاملين خارج اطار المفهوم المتقدم للموظف العام كالعاملين خارج اجهزة الدولة ، ويؤيد ذلك نص المادة (174/2) من قانون العقوبات الاردني بقولها: ” كل من اختلس اموالاً تعود لخزائن او صناديق البنو او مؤسسات .

الاقراض المتخصصة او الشركات المساهمة العامة ، وكان من الاشخاص العاملين فيها ( كل منهم في المؤسسة التي يعمل بها ) عوقب بالعقوبة المقررة بالفقرة السابقة ” .

1- القرار رقم 2/73 ، مجلة نقابة المحامين ، لسنة 1973، عدد (708) ، ص 962

وقد احسن مشرعنا الجزائي صنعاً عندما توسع لغايات قيام جريمة الاختلاس من دائرة الموظف العام المفترض ، وشمل موظفي البنوك والمؤسسات والشركات المساهمة العامة رغم انهم ووفقا ًلمفهوم القانون الاداري – لا يعتبرون من الموظفين العموميين – ولا شك بان العلة من ذلك تكمن في حماية ورعاية اموال تلك المؤسسات من العبث ، لانها ذات نفع عام ، وتؤثر على الاقتصاد الوطني، وتفقد ثقة الجمهور بالتعامل معها اذا ما اختلست اموالها من قبل القائمين على ادارتها دون اقرار عقوبات رادعة ، وادخالهم حكما ًكموظفين عموميين ، ولغايات تطبيق عقوبة جريمة الاختلاس .

وعليه فان صفة الفاعل في جريمة الاختلاس التي حددت من خلالها الفقرة الثانية من المادة (174) من قانون العقوبات قد اوضحت الجهة او المؤسسة محل الحماية – فقصرتها على البنوك ومؤسسات الاقراض المتخصصة والشركات المساهمة العامة، وقد عرفت المادة (2) من قانون البنوك رقم(24) لسنة (71) البنوك بقولها : ” هي شركات مرخص لها بتعاطي الاعمال المصرفية ” كما وعرفت المادة (90) من قانون الشركات رقم (1) لسنة 1989 الشركة المساهمة العامة بانها:

” هي الشركة التي تتألف من عدد من المؤسسين لا يقل عددهم عن اثنين…”. ويشترط في الموظفين في هذه الشركات والبنوك والمؤسسات ان يكونوا مختصين حسب اللوائح والتعليمات في الشركات بادارة المال او جبايته ، او حفظه واكتفى بعمله داخل المؤسسة ، وهناك علاقة تبعية بينهما بغض النظر عن الوظيفة التي يشغلها سواء أكان العمل كتابياً او مادياً كاو فكرياً فقد طالهم المشرع بالجزاء فيما لو ارتكبوا جريمة الاختلاس من هذه المؤسسات التي يعملون بها .

1- اسامة محمد عوض ، جريمة الاختلاس في قانون العقوبات الاردني ، بحث مقدم للمعهد القضائي الاردني عام1994 ، ص 30