معارضة النقض بالطعن لفلسفة التحكيم

الطعن بالنقض يتعارض مع فلسفة التحكيم والغرض منه *

* مقال للمستشار التحكيمى/ طارق مجاهد العربى

ينبني علي ما تقدم أنه لا يصح الطعن علي حكم محكمة الاستئناف الصادر في دعوى البطلان بالنقض ، فالمشرع نص صراحة علي أن أحكام التحكيم لا تقبلا الطعن بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليه في قانون المرافعات المدنية والتجارية ، هذا فضلاً عن أن الطعن بالنقض يتعارض مع طبيعة التحكيم ويفرغه من كل قيمة له وأهمها السرعة ويجعل التحكيم يؤول في النهاية الي ذات مصير التقاضي أمام المحاكم مما يحمله هذا الطريق من مساوئ – هيئة تحكيم – فاستئناف – فنقض – أي لا جدوي إذن من اللجوء الي التحكيم ، ولا يقدح في ذلك القول بأن الطعن بالنقض يوجه الي حكم محكمة الاستئناف الصادر في دعوى البطلان لتوحيد أحكام القضاء في مسائل التحكيم والاستفادة من الخبرات المتميزة لمستشاري محكمة النقض لإرساء قواعده ، فمثل هذه المبررات لا تبرر إطالة أمد التقاضي في خصومة التحكيم التي حرص أطرفها من البداية علي فضها عن طريق التحكيم بمنأى عن القضاء وتعقيداته ، كما أن والطعن بالنقض وإن وجه الي حكم الاستئناف فمحوره ومادته حكم التحكيم ذاته ، أما عن توحدي أحكام القضاء بشان التحكيم فلا يصح التذرع به لأن قياس التحكيم علي القضاء قياس لا محل له ، فهيئة التحكيم تطبق القانون الذي اتفق عليه الأطراف والإجراءات التي اختاروها والتي تختلف من اتفاق لأخر ومن تحكيم لآخر ، بينما تطبق المحاكم قانوناً واحداً تحرص محكمة النقض علي ألا تذهب المحاكم في تطبيقه وتفسيره وتأويله مذاهب شتي تطبيقاً لمبدأ المساواة أمام القانون ، وليس هذا هو الحال بالنسبة لما يصدر عن هيئات التحكيم وما يعرض من أحكامها نتيجة لدعاوى البطلان علي محاكم الاستئناف ، وهذا ويمكن انتقاء دوائـر الاستئنـاف التي يتمتع قضاتها بالخبرة في مجال التحكيم
لتحقيق هذا الغرض علي فرض أهميته .

دعوى بطلان حكم التحكيم :

دعوى بطلان حكم التحكيم هي دعوى موضوعية تقريرية يرفعها كل ذي شأن ، سواء أكان طرفاً في خصومة التحكيم – المحكوم عليه – أو الغير أمام محكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع في غير التحكيم التجاري الدولي ، أو أمام محكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان علي اختصاص محكمة استئناف أخري في مصر في التحكيم التجاري الدولي ، سواء جري في مصر أو في الخارج بشرط الاتفاق علي أن يكون القانون المصري هو الواجب التطبيق يطلب فيها ، بالإجراءات المعتادة وفقاً لقواعد قانون المرافعات بعد سداد الرسم المقرر قانوناً توقيع جزاء بطلان حكم التحكيم كلياً أو جزئياً إذا توافرت فيه حالة من الحالات المنصوص عليها علي سبيل الحصر في المادة 53 من قانون التحكيم وذلك خلال 90 يوماً من تاريخ إعلان الحكم ويشترط توقيع المحامي المقيد والمقبول أمام المحكمة المختصة بها علي صحيفة الدعوى .

من يرفع دعوى البطلان ومن ترفع عليه – الصفة :

المدعي في دعوى بطلان حكم التحكيم هو كل ذي شأن ، ويتسع مفهوم ذي الشأن ليشمل الصادر ضده الحكم ومن يضار من الحكم الصادر عن هيئة التحكيم .
المدعي عليه في دعوى بطلان حكم التحكيم هو المحكوم له إذا رفعت من المحكوم عليه ، وإذا رفعت دعوى البطلان من الغير صار المحكوم له والمحكوم عليه مدعي عليهما .
· · · · · · · · ·
محل دعوى بطلان حكم التحكيم :

محل دعوى بطلان حكم التحكيم هو حكم التحكيم ، وحكم التحكيم هو القرار الذي يحسم نزاعاً سواء أكان موضوعياً أو وقتياً أو مستعجلاً ، وبالتالي لا يجوز المطالبة ببطلان :
الأوامر الوقتية أو التحفظية التي تقتضيها طبيعة النزاع .
الأوامر علي العرائض .
القرارات التي تثبت انتهاء خصومة التحكيم بالتسوية .

ما يحول دون قبول دعوى بطلان حكم التحكيم :

أولا : سبق الحكم بصحة حكم التحكيم أو بطلانه ، إعمالاً لأثر حجية الأمر المقضي .

ثانياً : سبق علم صاحب الصفة في رفع دعوى بطلان حكم التحكيم بحصول مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام قانون التحكيم مما يجوز الاتفاق علي مخالفته ولم يعترض علي هذه المخالفة – قرينة الرضا – في الميعاد الاتفاقي أو في وقت معقول إن لم يكن ثمة اتفاق علي تحديد ميعاد ، فإذا تمسك بحصول المخالفة ولو التفتت عنها هيئة التحكيم أو رفضت الاعتراض فيجوز له حينئذ رفع دعوى بطلان حكم التحكيم

ثالثاً : نزول صاحب الحق في دعوي بطلان حكم التحكيم عن حقه بعد صدور حكم التحكيم وفي ذلك تنص المادة 54 فقرة 1 من قانون التحكيم : ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوما التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه ، ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعى البطلان عن حقه فى رفعها قبل صدور حكم التحكيم .

ولا يعتد بالنزول قبل صدور حكم التحكيم لأن الحق في دعوى البطلان لا ينشأ إلا بصدور حكم التحكيم وليس لأحد النزول عن حق قبل أن ينشأ .

رابعاً : قيام صاحب الحق في رفع دعوى بطلان حكم التحكيم بتنفيذ الحكم – حكم التحكيم – لأن تنفيذ الحكم يعد قبولاً له وضاء بما فصل به ، ويقرر العميد الدكتور أحمد السيد صاوى : يسقط الحق في رفع الدعوى بقبول مدعي البطلان لحكم التحكيم سواء كان قبولاً صريحاً أو ضمنياً بإقدامه علي تنفيذ الحكم مثلاً ، ما لم يتعلق الأمر بالنظام العام .

بطلان حكم المحكمين – قضاء النقض

إذا كانت هيئة التحكيم قد عرضت من تلقاء نفسها لتقدير حجية قرار صادر منها فى نزاع سابق و انتهت إلى قيام هذه الحجية و رتبت على ذلك قرارها بعدم جواز نظر النزاع لسبق الفصل فيه – فى حين أنه لم يكن للهيئة أن تأخذ من تلقاء نفسها بقرينة قوة الأمر المقضي عملا بنص المادة 405 من القانون المدني – و بالرغم من عدم إبداء الشركات الطاعنة أى دفع فى هذا الخصوص أمام الهيئة – فضلا على أنه لم يكن يتصور إبداء هذا الدفع من جانبها [ الشركات ] – كما إنه لم يكن يتصور أن تكون النقابة و هى التى رفعت النزاع قد تمسكت بعدم جواز نظره لسبق الفصل فيه ، فإن القرار المطعون فيه يكون معيبا بما يستوجب نقضه .
الطعن رقم 402 لسنة 25 مكتب فنى 11 صفحة رقم 476 بتاريخ 30-06-1960

مفاد نص المادة 3/513 من قانون المرافعات ، أن ما يترتب على رفع الدعوى ببطلان حكم المحكمين هو وقف تنفيذ هذا الحكم المطعون فيه بالبطلان و لا يقتضى ذلك وقف السير فى دعوى أخرى يثور فيها نزاع يتصل بالحكم المذكور .
الطعن رقم 176 لسنة 40 مكتب فنى 27 صفحة رقم 488 بتاريخ 24-02-1976

لئن كان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه إذا بطل حكم المحكمين فإن توقيع المحتكمين لو حصل – على نهايته لما يفيد قبولهم له إنما يستتبع بطلان هذه الموافقة و إنعدام كل أثر لها ، إلا أن ذلك البطلان لا يتطاول إلى ما يصدر عن المحتكم من إقرارات لاحقة تتعلق بما ورد بهذا الحكم من وقائع .
الطعن رقم 852 لسنة 50 مكتب فنى 35 صفحة رقم 1181 بتاريخ 06-05-1984

لئن أوجبت المادة 507 من قانون المرافعات أن يشتمل حكم المحكمين على ملخص أقوال الخصوم إلا أنه لا يترتب على إغفالها بطلان الحكم إلا إذا ثبت أنها كانت تتضمن دفاعاً جوهرياً مؤثراً فى النتيجة التى إنتهى إليها حكم المحكمين بمعنى أن هيئة التحكيم لو كانت قد بحثته لجاز أن تتغير به هذه النتيجة إذ يعتبر ذلك قصـوراً فى أسباب الحكم الواقعية مما يترتب عليه البطلان .
الطعن رقم 577 لسنة 51 مكتب فنى 37 صفحة رقم 926 بتاريخ 03-12-1986

حدد المشرع فى المادة 512 من قانون المرافعات الحالات التى يجوز بناء عليها رفع الدعوى ببطلان حكم المحكمين على سبيل الحصر .
الطعن رقم 577 لسنة 51 مكتب فنى 37 صفحة رقم 926 بتاريخ 03-12-1986

المقرر فى قضاء هذا المحكمة أن دعوى بطلان حكم المحكمين و على ما جرى به نص المادة 512 من قانون المرافعات دعوى خاصة حدد المشرع أسبابها و جعل الالتجاء إليها جوازيا مما مؤداه أن البطلان التى شرعت تلك الدعوى فى نطاق أسبابها هو بطلان نسبى لا يتعلق بالنظام العام ، لما كان ذلك و كان خروج حكم المحكمين عن نطاق ما قصده المتعاقدان فى الإتفاق على التحكيم أو مشارطته هو من الأسباب القانونية التى يخالطها واقع و كان الطاعن لم يتمسك بهذا السبب أمام محكمة الاستئناف و من ثم لا يجوز له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض .
الطعن رقم 1640 لسنة 54 مكتب فنى 39 صفحة رقم 242 بتاريخ 14-02-1988

أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها و تبقى هذه الحجية – و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – طالما بقى الحكم قائماً ، و من ثم لا يملك القاضى عند الأمر بتنفيذها التحقق من عدالتها أو صحة قضائها فى الموضـوع لأنه لا يعد هيئة استئنافية فى هذا الصدد .
الطعن رقم 2994 لسنة 57 مكتب فنى 41 صفحة رقم 434 بتاريخ 16-07-1990

يجوز طلب بطلان حكم المحكمين وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 512 من قانون
المرافعات إذا وقع بطلان فى الحكم أو فى الإجراءات أثر فى الحكم .
الطعن رقم 90 لسنة 58 مكتب فنى 42 صفحة رقم 793 بتاريخ 24-03-1991

إذا كان الظاهر من حكم المحكمين أنهما بحثا جميع أوجه النزاع التى عرضها الخصوم عليهما و محصا المستندات المقدمة لهما و سمعا أقوالهم ، و بعد هذا كله أصدرا حكمها ، فإنهما لا يكونان قد أنهيا النزاع بطريق الصلح . و متى كان الأمر كذلك فإن حكمها يكون صحيحاً ، لأن وترية العدد المنصوص عليها بالمادة 705 مرافعات لا تجب إلا إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح و أنهوا النزاع بالصلح . أما إذا كانوا مفوضين بالحكم و بالصلح معاً ، و فصلوا فيه بالحكم ، فليس من المحتم أن يكون عددهم وتراً . و إذن فالحكم الذى يقضى ببطلان حكم هذين المحكمين لعدم وترية العدد يكون مخطئاً .
الطعن رقم 107 لسنة 13 مجموعة عمر 4ع صفحة رقم 363 بتاريخ 11-05-1944

الأصل فى الإجراءات – و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنها قد روعيت و على من يدعى أنها قد خولفت أقامة الدليل على ما يدعيه ، و كان الطاعن لم يقدم إلى محكمة الموضوع الدليل على أن المحكمين الذين أشتركوا فى المداولة و أصدار الحكم لم يكن عددهم وتراً و كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بالرد على دفاع لم يقدم الخصم دليله فإن النعى يكون على غير أساس .
الطعن رقم 1083 لسنة 52 مكتب فنى 37 صفحة رقم 185 بتاريخ 06-02-1986

النص فى المواد 15 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية ، 1/501 , 3/502 ، من قانون المرافعات يدل على أنه و إن كانت ولاية الفصل فى المنازعات معقودة – فى الأصل للمحاكم , إلا أن المشرع أجاز للخصوم – خروجاً على هذا الأصل – أن يتفقوا على إحالة ما بينهم من نزاع على محكمين يختارونهم ليفصلوا فيه بحكم له طبيعة أحكام المحاكم ، و إذ كان المحكمون يستمدون ولايتهم فى الفصل فى النزاع من إتفاق الخصوم على إختيارهم للفصل فيه ، فإن ما يصدر خارج المحاكم بغير هذا الإتفاق لا يكون حكماً له المقومات الأساسية للأحكام بما يتيح لأى من الخصوم دفع الأحتجاج عليه به بمجرد إنكاره و التمسك بعدم وجوده دون حاجة إلى الإدعاء بتزويره أو اللجوء إلى الدعوى المبتدأة لإهداره .
الطعن رقم 2186 لسنة 52 مكتب فنى 37 صفحة رقم 178 بتاريخ 06-02-1986

المحكم ليس طرفاً فى خصومة التحكيم ، و إنما هو شخص يتمتع بثقة الخصوم و اتجهت إرادتهم إلى منحة سلطة الفصل فيما شجر بينهم بحكم شأنه شأن أحكام القضاء يجوز حجية الشىء المحكوم به بمجرد صدوره و من ثم لا يتصور أن يكون خصماً و حكماً فى ذات الوضع .
الطعن رقم 887 لسنة 59 مكتب فنى 42 صفحة رقم 184 بتاريخ 14-01-1991

متى كان الثابت أن طرفى الخصومة قد لجآ إلى التحكيم فيما كان ناشباً بينهما من منازعات متعددة بشأن زراعة الأطيان المملوكة لهما وكان حكم المحكمين قد فصل بصفة نهائية فى هذه المنازعات وقضى لأحدهما بأحقيته فى استلام أطيان معينة بما عليها من الزراعة و كانت هذه الزراعة قائمة فى تلك الأرض فعلا وقت صدور حكم المحكمين فإن أحقية المحكوم له للزراعة المذكورة تكون أمراً مقضياً له به بموجب حكم المحكمين ضد الخصم الآخر و تكون دعوى هذا الأخير بطلب أحقيته لهذه الزراعة مردودة بما لهذا الحكم من قوة الأمر المقضي و من حجيته قبله ، و لايقدح فى ذلك أن يكون هو الزارع لتلك الزراعة ، و لا يغير من ذلك أيضا ألا يكون الحكم قد تنفذ بالاستلام فإن عدم تنفيذ الأحكام لايخل بما لهـا من حجية لم تنقض بأى سبب من الأسباب التى تنقض بها قانوناً .
الطعن رقم 97 لسنة 23 مكتب فنى 08 صفحة رقم 229 بتاريخ 14-03-
1957

الأمر الصادر من قاضى الأمور الوقتية و الذى يعتبر بمقتضاه حكم المحكم واجب التنفيذ طبقاً للمادة 844 من قانون المرافعات يقصد به مراقبة عمل المحكم قبل تنفيذ حكمه من حيث التثبت من وجود مشارطة التحكيم ، و أن المحكم قد راعى الشكل الذى يتطلبه القانون سواء عند الفصل فى النزاع أو عند كتابة الحكم دون أن يخول قاضى الأمور الوقتية حق البحث فى الحكم من الناحية الموضوعية و مدى مطابقته للقانون ، و كان يترتب على أن حكم المحكم له بين الخصوم جميع الآثار التى تكون للحكم القضائى أن تلحقه الحجية و لو لم يكن قد صدر الأمر بتنفيذه ، لأن صدور الأمر من قاضى الأمور الوقتية إنما يتطلب من أجل التنفيذ لا من أجل قوة الثبوت ، فإنه و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا تجوز المجادلة فى حجية حكم المحكمين حتى بفرض أنه لم يتم تنفيذه طالما الحجية قائمة لم تنقض بأى سبب من الأسباب التى تنقضى بها قانوناً .
الطعن رقم 521 لسنة 44 مكتب فنى 29 صفحة رقم 472 بتاريخ 15-02-1978 .