الاستقالة


الاستقالةla démission هي: إنهاء خدمة الموظف بناء على طلبه أو لاتخاذه موقفاً معيناً يعده القانون بحكم الاستقالة. ويتمثل موضوع الاستقالة في رغبة الموظف في ترك العمل الوظيفي في أثناء خدمته الفعلية، وذلك تحت تأثير أسباب وعوامل عدة (كأن يكون العمل لايتفق وطبيعة الموظف، أو لسباب أسرية خاصة، فغالباً ما تفضل الموظفات الاستقالة لتربية أطفالهن).
ولكن ما الموقف الذي يجب أن تتخذه الإدارة العامة تجاه موضوع استقالة الموظف. هل يجب عد الاستقالة حقاً مطلقاً للموظف؟، وهل الإدارة ملزمة بالإذعان لرغبة الموظف فوراً ؟
إن الوظيفة العامة بوجه عام لاتقبل الإذعان الفوري لرغبة الموظف في الاستقالة. لأن هذا قد يؤدي إلى إحداث اضطراب في سير المرفق العام عند استقالة موظف أو أكثر من دون سابق إشعار، بسبب عدم القدرة على توفير من يحل محلهم فوراً، فقد يؤدي هذا الوضع إلى إيقاف المرفق العام، وهذا ما لايمكن تصوره في الوظيفة العامة الحديثة.
ورغبة في التوفيق بين مصلحة الإدارة ومصلحة الموظفين، فإن مبدأ الاستقالة يعد مقبولاً في مفهوم الوظيفة العامة ذات السلك الوظيفي، إلا أن للإدارة أن ترفض الاستقالة في مدة زمنية معينة لمقتضيات المصلحة العامة، و هذا لايعني حق الإدارة في الرفض المطلق.

وقد ألزم القضاء الإداري والمشرع من بعده، في فرنسا، الموظف المستقيل الاستمرار في عمله إلى أن تقبل الاستقالة من ناحية، وألزم الإدارة بأن تصدر قرارها بالرد على طلب الاستقالة في مدة معينة من تاريخ تقديمه من ناحية أخرى.

أنواع الاستقالة وشروطها
الاستقالة نوعان: استقالة صريحة وأخرى ضمنية.
الاستقالة الصريحة: تتمثل في الطلب الخطي الذي يتقدم به الموظف معبراً فيه عن رغبته الواعية والحرة في ترك الخدمة الوظيفية نهائياً. ولما كانت العلاقة التي تربط الموظف بالإدارة العامة ترتكز إلى النصوص القانونية والتنظيمية، فإن موضوع الاستقالة تحكمه أيضاً العلاقة النظامية التي يراعى فيها أولاً جانب المصلحة العامة الذي تمثله الإدارة العامة، وثانياً جانب المصلحة الذاتية الذي يمثله الموظف الراغب في الاستقالة.

ويشترط لكي تكون الاستقالة الصريحة سبباً في إنهاء الخدمة توافر الشروط التالية:
ـ أن تكون الاستقالة مكتوبة، وذلك لسهولة إثباتها، ولتنبيه الموظف إلى خطورة مايقدم عليه إذا كان مندفعاً تحت تأثير نزوة طائشة أو حالة طارئة.
ـ أن تكون الاستقالة خالية من أي قيد أو شرط.
ـ ألا تكون قد اتخذت إزاء الموظف إجراءات تأديبية لم تنته بعد، فإذا كانت مثل هذه الإجراءات قد بدأت فلا تقبل الاستقالة إلا إذا انتهت بغير العزل أو الطرد أو الإحالة على المعاش. والقصد من ذلك هو عدم تمكين الموظف من الهروب من العقاب عن طريق الاستقالة إذا كانت الجريمة المسلكية المتهم فيها جسيمة تستوجب عقوبة العزل أو الطرد من الخدمة.
ولا تشترط بعض القوانين مثل هذا الشرط وتترك الأمر تقديرياً للإدارة التي قد ترى من المناسب لمصلحة العمل في حالات معينة الاكتفاء بإنهاء خدمة الموظف بقبول استقالته بدلاً من الاستمرار في الإجراءات التأديبية. وفي سورية تعدّ الاستقالة التي يتقدم بها الموظف وتقبلها الإدارة في أثناء كف يده نافذة من تاريخ صدور الصك القانوني بقبولها (رأي مجلس الدولة ذو الرقم 236 لعام 1978).

ـ ألا يقدم طلب الاستقالة تحت تأثير إكراه مادي، كأن يجبر رجال الأمن الموظف تحت تأثير التعذيب على تقديمه. أما الإكراه الأدبي أو المعنوي فلا يؤثر في سلامة الاستقالة لأن الأمر يتعلق بعمل الموظف ومصدر رزقه، ولا يمكن الإذعان لتأثير الإكراه الأدبي في هذا المجال.

ـ ألا يعود الموظف عن طلب الاستقالة من وقت تقديمها إلى حين قبولها. وهذا ما أوضحته المادة /135/ من القانون الأساسي للعاملين في الدولة بأنه يحق للعامل سحب طلب استقالته قبل انتهاء مدة الستين يوماً، التي يجب على الإدارة في أثنائها الإجابة عن طلب الاستقالة بالرفض أو القبول من تاريخ تقديمه، وقبل أن يصدر صك قبول استقالته، وفي هذه الحالة يعد طلب الاستقالة ملغى، ولكن يجوز للإدارة التي أصدرت صك قبول استقالة الموظف أن ترجع عن الصك الذي اتخذته بقبول الاستقالة وذلك قبل نشره أو تبليغه إلى صاحب العلاقة.

ـ أن يستمر الموظف مقدم الاستقالة في عمله إلى أن تقبل الاستقالة صراحة، وقد أوجب المشرع العربي السوري على الإدارة أن تبت في طلب الاستقالة إما بالقبول أو الرفض في مدة ستين يوماً من تاريخ تقديمه (كانت هذه المدة في ظل قانون الموظفين الأساسي وتعديلاته ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب). وهذا يفترض أن الإدارة إذا التزمت الصمت بعدم الإعلان عن ردها الإيجابي أو السلبي في المدة المقررة في القانون، فهذا يعني وجود موافقة ضمنية على قبول الاستقالة.

الاستقالة الضمنية أو الحكمية: وهي استقالة يفترضها المشرع عند لجوء الموظف إلى اتخاذ مواقف معينة غير مسوغة من قبل الإدارة العامة. وقد عدَّ المشرع الموظف بحكم المستقيل في الحالات التالية:

ـ حالة الانقطاع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية أو ثلاثين يوماً غير متصلة في السنة الواحدة.
ـ حالة الانقطاع عن العمل بقصد الإضراب.
ـ حالة الانقطاع عن العمل للالتحاق بخدمة جهة أجنبية بغير ترخيص من حكومته.

يشترط لإنهاء خدمة العامل للاستقالة الضمنية أن يكون القرار مسبوقاً بإنذار يوجه للعامل المنقطع وأن يتصل الإنذار بعلم من وجه إليه – القاعدة أن يوجه الإنذار إلى عنوان العامل الثابت لدى جهة عمله من واقع ملف خدمته – إذا تم الإنذار على هذا النحو فإنه يفترض علم العامل به – إذا ادعى خلاف ذلك فعليه إقامة الدليل.

ولكي ينتج الإنذار أثره في الخدمة بالاستقالة الحكمية يلزم أن يتم كتابة وأن تمضي مدة معينة من الانقطاع عن العمل هي خمسة أيام حالة الانقطاع المتصل وعشرة أيام في حالة الانقطاع غير المتصل – يصح توجيه الإنذار لشخص المنذر إليه مباشرة أو بالحصول على توقيعه بالاستلام على السند الدال على التسليم.

تقوم قرينة الاستقالة الضمنية على أساس الانقطاع بدون إذن المدد التي حددها المشرع – إذا كان الانقطاع قد اقترن بتقديم طلب في اليوم التالي للإحالة إلى القومسيون الطبي فهذا يكفي للإفصاح عن سبب الانقطاع وهو المرض وتنتفي بذلك قرينة الاستقالة الضمنية.

إذا توافرت قرينة الاستقالة الضمنية وجب على جهة الإدارة إصدار قرار بإنهاء خدمة العامل اعتباراً من تاريخ انقطاعه في حالة الانقطاع المتصل لمدة خمسة عشر يوماً أو من اليوم التالي لاكتمال مدة الانقطاع ثلاثين يوماً في حالة الانقطاع غير المتصل – يجب في جميع الأحوال إعطاء العامل شهادة تفيد إنهاء خدمته متضمنة بياناته الوظيفية