عقد البيع عبر الانترنت

أولا : تعريف عقد البيع عبر الانترنت :

للوقوف على حقيقة مفهوم عقد البيع عبر الانترنت ، نرى ضرورة تفريد مركباته على النحو التالي :-

{ العقد }:-
– وهو التزام المتعاقدين وتعهدهما أمرا ، وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول .
– أو هو اتفاق بمقتضاه يلتزم شخص أو أشخاص في مواجهة شخص أو أشخاص آخرين بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل .
– أو هو توافق إرادتين على إنشاء التزام أو أكثر .

{ البيع } :–
وهو عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقا ماليا آخر في مقابل ثمن نقدي .
– أو تمليك مال أو حق مالي لقاء عوض .
– وهو عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يسلم شيئا على أن يلتزم الآخر بدفع الثمن .
– وهو نقل ملكية شيء مقابل ثمن .

{ الانترنت } :-
– شبكة الاتصال أو الشبكة الشجرانية أو الشبكة العنكبوتية .
– وهي شبكة اتصالات عالمية تربط بين عدد لا متناهي من الحاسبات إما عن طريق خطوط الهاتف أو عن طريق الأقمار الصناعية في جميع أنحاء العالم.
– أو هي وسيلة الاتصال المسموعة والمرئية في آن واحد والتي تمتاز بعنصري الحرية واللاحدودية .
– أو هي شبكة الشبكات التي يمكن عن طريقها الولوج الكترونيا إلى عالم العلم والمعرفة والتجارة وسائر الفنون مع إلغاء الحدود الجغرافية .

فالعقد عبر الانترنت : –
اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة ومرئية ، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل .
– أو هو التفاوض الذي انتهى بالاتفاق التام بين إرادتين صحيحتين باستخدام وسيلة الاتصال الحديثة ( الانترنت ) .
– وفي تعريف فقهي آخر : هو عقد يلتزم فيه البائع أن ينقل للمشتري عن بعد ملكية شيء أو حقا ماليا آخر مقابل ثمن نقدي عن طريق الانترنت .
– وهو قد يكون بيعا أو مقاولة أو إيجار أو غيره من العقود الممكن تصورها بتلاقي إرادتين حرتين وهذه العقود منها ما يبرم داخل الانترنت وينفذ داخلها ومنها ما يبرم خارجها ،ويشمل كما ذكرت كافة العقود المتصورة من عقود الدخول للشبكة وعقود تقديم الخدمات أو عقود البرامج وانتهاء إلى عقود البيع سواء للسلع أو الخدمات طالما أنها ليست خارجة عن التعامل .
ومما تقدم نستطيع أن نعرف عقد البيع عبر الانترنت بأنه : ” التوافق التام بين إرادتين صحيحتين بارتباط إيجاب بقبول على تمليك شيء أو حق مقابل ثمن ، يلتزم به البائع بتسليم الشيء المبيع أو تمكين المشتري من حيازته داخل الشبكة أو خارجها ويلتزم به المشتري بدفع الثمن المتفق عليه من خلال وسيلة الاتصال المسموعة والمرئية ( الانترنت ) ” .
وعقد البيع عبر الانترنت عقد حر لا حدود له من حيث الزمان والمكان قد يرد على معلومات أو خدمات كأشياء غير مادية على أن تكون ذات قيمة اقتصادية وقد يرد على أشياء مادية كسلع استهلاكية .

ثانيا : خصائص عقد البيع عبر الانترنت :-

ومما سبق يتبين لنا بأن عقد البيع عبر الانترنت يمتاز بما يلي :-

( أ ) – عقد البيع عبر الانترنت عقد إلكتروني :

فلا خلاف في أن التعاقد عبر الانترنت هو من قبيل المعاملات الالكترونية ، وذلك بالنظر إلى الوسيلة والبيئة التي يتم عبرها .
فكل ما يدور عبر شبكة الانترنت وما نراه من كلمات وصور وما نسمعه من أصوات هي بيانات تحتاج إلى دعم هندسي وفني لتحليلها وإظهارها على شاشات الأجهزة بالشكل الذي نتعامل معه ، ومن هنا فإن عقد البيع الذي يبرم عبر شبكة الانترنت هو عقد إلكتروني بالمعنى الفني والقانوني .

( ب ) – عقد البيع عبر الانترنت من العقود المبرمة عن بعد :

ففي حين يتسم العقد الالكتروني ببعد الطرفين المتعاقدين وانفصالهما عن بعضهما البعض ، فإن التعاقد عبر الانترنت هو من قبيل التعامل بين غائبين ، إذ بفعل هذه الشبكة الموصولة بملقمات منتشرة حول العالم وبفضل سهولة ويسر الدخول إليها فإنه يتصور أن تجمع بين بعيدين يمكن أن يكون أحدهما في نقطة جغرافية على الكرة الأرضية والأخر في نقطة جغرافية أخرى يحتاج الوصول إليها ساعات أو أيام .
ولهذا فقد عرف عقد البيع عن بعد بأنه ” عقد يتعلق بتقديم منتج أو خدمة ينعقد بمبادرة من المورد ، دون حضور مادي متعاصر للمورد والمستهلك وباستخدام تقنية للاتصال عن بعد من أجل نقل عرض المورد أمر الشراء من المستهلك ” ، أو بأنه ” كل تقنية تسمح للمستهلك – خارج نطاق الأماكن المعتادة لتلقي الزبائن – أن يوصي على بضاعة أو أن يطلب تحقيق خدمة ” .

( ج )– العقد المبرم عبر الانترنت ليس من العقود الدولية دائما

بالنظر إلى عالمية الشبكة واختراقها لحدود المكان الجغرافية ، يثور التساؤل حول مدى اعتبار التعامل عبرها من قبيل التعاقد الدولي وهل فيما إذا كان يصدق على العقود المبرمة عبرها وصف العقود الدولية أم هل تبقى عقودا وطنية ؟
لا شك إن فكرة العقد الدولي الذي تناولته الاتفاقيات الدولية ، تقوم على مبدأ تخطي الحدود الجغرافية للدول وحكم العلاقات التي تنشأ في إقليم أكثر من دولة ، غير أن تحديد مدى خضوع العقد عبر الانترنت لمبادئ دولية العقود ، وبالتالي احتكامها لقواعد العقود الدولية المقررة بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تحتاج إلى إمعان النظر في مسألتين ؛ الأولى حول مدى استجابة العقد المبرم عبر الانترنت لمعايير دولية العقود ، والثانية حول مدى إمكانية تطبيق قواعد الاتفاقيات الدولية للعقد الدولي عليها .
أما بالنسبة للمسألة الأولى فنلاحظ أن تحديد دولية العقد تستند إلى أحد معيارين ، المعيار الشخصي والمعيار الموضوعي ، ولإعمال المعيار الشخصي ينظر إلى شخصية أي من المتعاقدين إما باختلاف جنسيتهم أو باختلاف مركز أعمال أي منهم .
وبالتطبيق على حالة البيع عبر الانترنت نجد ما يلي :
1- بالنسبة للمعيار الشخصي ، ومع التسليم بعالمية شبكة الانترنت واختراقها لحدود الجغرافيا ، إلا إنه لا يتصور دائما أن يقع العقد بين طرفين مختلفين بالجنسية أو مختلفين بمراكز أعمالهم ، فقد يتعاقد طرفان عبر الانترنت على شراء أي من السلع المعروضة عبر الشاشة من ذات الدولة التي يحملون جنسيتها ، كما يتصور أن تكون مراكز أعمالهم في ذات البلد أيضا .
وعليه فليس مطلقا ولا دائما من هذه الناحية أن التعاقد عبر الانترنت يمكن وصفه بالعقد الدولي .
2- بالنسبة للمعيار الموضوعي ، فليس دائما يمكن تصور اختلاف أماكن صدور الإيجاب والقبول ، وليس دائما تكون السلع بحاجة إلى النقل عبر الحدود ، كما ليس مطلقا أن التسليم قد يكون في الدولة غير التي صدر فيها الإيجاب والقبول ، وعليه أيضا فلا يمكن استنادا لهذا المعيار اعتبار البيع عبر الانترنت عقدا دوليا دائما .
3- بالنسبة لمعيار نموذجية العقد ، نرى مع جانب من الفقه أنه إذا كان الشكل النموذجي للعقد من خصائص العقد الدولي إلا أنه ليس من مستلزماته ، ولا نرى أن مجرد ورود العقد بشكل نموذجي ينقله إلى مصاف العقود الدولية ، فهناك في كل الدول وحسب تشريعاتها الداخلية ما يعرف بفكرة الإذعان في العقود ، وهذه النظرية التي تطورت لتشمل العقود النموذجية والتي يقتصر فيها دور أحد أطرافها على التسليم بما هو وارد فيها من شروط ودون الخوض في بنودها أو تفاصيلها . وعليه ، وإن كان يشيع في العقود المبرمة عبر الانترنت أخذها للأشكال النموذجية إلا أن هذا ليس مدعاة لتدويلها أبدا ، فهناك ما يمكن الاستناد إليه في القواعد العامة للتشريعات الداخلية لمواجهة هذه المسائل .
وبالنسبة للمسألة الثانية وحول مدى إمكانية تطبيق قواعد الاتفاقيات الدولية للعقد الدولي على عقد البيع عبر الانترنت ، فمن ناحية أولى وبالرجوع إلى فكرة العقد الدولي ، وهذا العقد الذي ولد من رحم رحم الاتفاقيات الدولية ، كاتفاقيات ( روما ، لوجانو ، بروكسل ، فيينا ، لاهاي )، لا نجد ينسجم مع فكرة العقد المبرم عبر الانترنت الذي جاء نتيجة تزاوج المعلوماتية مع الاتصالات .
كما لا يمكن التسليم بالقول أن قيام لجنة ( اليونسترال ) التابعة للأمم المتحدة ، بتنظيم أحكام المعاملات الالكترونية يعني وضع هذا النوع من العقود – المبرمة عبر الانترنت – في مصاف العقود الدولية ، فهي لا تعدو أن تكون قواعد إرشادية نموذجية على خلاف قواعد الاتفاقيات الدولية التي تصبح بعد التصديق عليها قوانين وطنية يجب الانسجام معها والاحتكام بها .
ومن ناحية أخرى فأن هذه الاتفاقيات الدولية قد استبعدت صراحة تطبيق أحكامها على أنواع عدة من البيوع ، كالسلع التي يتم شراؤها للاستعمال الشخصي والعائلي أو المنزلي ، وبيوع القيم المنقولة والأوراق التجارية والنقود ، كما استبعدت تطبيق أحكامها في الدول التي لم تصادق عليها ، وهو ما لا نراه يتماشى مع عقد البيع عبر الانترنت ، والذي لا يتطلب إلى أي من الدول الدخول في اتفاقيات دولية بشأنه .

( د )- عقد البيع عبر الانترنت تستجمع فيه خصائص عقد البيع عموما

ومن ذلك مثلا فهو من عقود المعاوضات التي يأخذ فيها المتعاقد مقابلا لما يعطيه ، وهو من العقود التي لا اعتبار فيها لشخصية المتعاقدين ، وهو عقد محدد ]علم فيه كل متعاقد أن الفائدة ستتحقق منه وقت إبرامه ، وبغض النظر عن مدة هذه الفائدة وإن كانت مؤقتة ، أما احتمال وروده على بعض المظاهر الجديدة كالبرامج مثلا وأن كان الانتفاع منها مؤقتا بفترة زمنية محددة لا يخرجه عن وصفه كعقد بيع ولا تجعله عقدا غير محدد فهو ليس عقد احتماليا كالرهان والمقامرة والتأمين مثلا .

ثالثا : مدى خروج عقد البيع المبرم عبر الانترنت عن أحكام عقد البيع عموما :-

لا شك أن البيئة التي يجري فيها التعامل عبر الانترنت تثير تساؤلا كبيرا فيما إذا كان العقد المبرم عبرها يمكن أن تحكمه قواعد العقد التقليدية أم أنه يحتاج إلى قواعد خاصة ؟
فما أحدثته شبكة الانترنت من ثورة في عالم الاتصالات وتبادل المعلومات قد أدى بالفعل إلى انقلاب على بعض المفاهيم التقليدية في عالم القانون ، وفرضت نفسها على كثير من التشريعات الوطنية المختلفة لتستجيب في تغيير مفاهيمها نحو العديد من المسائل العقدية .
ولعل أبرز هذه المسائل القول بأنه إذا كان عقد البيع في القانون المدني من العقود المسماة التي تستجيب إلى عملية قانونية معروفة ، لها اسم معروف كالبيع والإيجار والتي أهتم المشرع نتيجة لذلك بوضع تنظيم خاص لها في نصوص التقنين ، فما هو الحال بالنسبة لحكم التعاقد عبر الانترنت ، لاسيما أنها جاءت كشكل جديد من أشكال العقود وتناولت في ورودها على محال جديدة في الظهور ، وللوقوف على حقيقة ذلك نفرد التساؤلات التالية :-

( 1 ) – ما مدى اعتبار العقد المبرم عبر الانترنت من العقود المسماة ؟ وللإجابة على ذلك :

أ – بالنظر إلى طبيعة ونوع العملية التعاقدية نجد أن عقد البيع عبر الانترنت هو عقد بيع بالمعنى المعروف في النظرية العامة لعقد البيع المسمى ، لا سيما إذا ما اتجهت إرادة الأطراف المتعاقدة إلى الإفصاح عن قصدها صراحة أو ضمنا بأن العقد المراد إبرامه هو عقد بيع .

ب – وبالنظر إلى محله واحتمالات وروده على إحدى الظواهر الحديثة في التعامل ( كبرامج الحاسب الآلي ) نرى وطالما أنها تمثل قيمة اقتصادية لطرفي التعاقد ، وكان ذلك مما يمكن تصور انتقال الملكية فيه ، فليس هذا أيضا مدعاة للبحث في تسمية العقد أو عدم تسميته .

ج – وبالنظر إلى محل التعاقد أيضا فإن قائمة العقود المسماة تختلف من دولة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر في النظام القانوني الواحد ، ويعتمد ذلك على أهمية تلك العقود في التعامل وعلى عدم وجود القواعد الكافية لحكمها ، وبالتطبيق على حال عبر الانترنت ، فإن الكثير بل ومعظم القواعد العامة لعقد البيع في القانون المدني يمكن الاحتكام إليها وتطبيقها عليه .

( 2 ) – مدى اعتبار عقد البيع عبر الانترنت من العقود الرضائية ؟

إذا كانت العقود تنقسم إلى عقود رضائية وأخرى شكلية ، وكان الأصل أن العقد يتم كتابة أو مشافهة أو بالإشارة أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على المقصود ، وحيث أن التعبير عن الإرادة عبر الانترنت يأتي ضمن رسائل بيانات ، فإن ذلك ليس مدعاة للخروج بالعقد عن قواعده وذلك لما يلي :
أ‌- أن مفهوم رضائية العقود لا يتأتى من أسلوب إفراغ الإرادات ، فقد يأتي كتابة أو مشافهة أو إشارة أو بأي موقف آخر كما سلف ذكره ، وبالتالي فليس مجرد استخدام رسائل البيانات الالكترونية مدعاة لان ينجرف بنا إلى إخراج العقد المبرم عبر الانترنت عن أصله العام .
ب‌- أن رسائل البيانات كوسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة أضحت من الوسائل المقبولة قانونا لإبداء الايحاب والقبول بقصد إنشاء التزام تعاقدي ، فلا يجوز إغفال الأثر القانوني لكل ما تحمله لمجرد أنها أجريت بوسائل الكترونية .
ت‌- أن غالبية الإثبات في اشتراط توثيق رسائل البيانات أو التصديق عليها من طرف محايد ليس من قبيل اشتراط الشكل ولا يدخل العقود المبرمة عبر الانترنت ضمن طائفة العقود الشكلية .
ث‌- أن صراحة التشريعات الخاصة بالمعاملات الالكترونية ، بعدم انطباق أحكامها على كل ما يتطلب إفراغه بشكل خاص كالبيوع العقارية ، والوقف ، والوصية ، ومعاملات الأحوال الشخصية ، مدعاة للتأكيد بأن العقود المبرمة عبر الانترنت هي من العقود الرضائية .
[/

3 ) –مدى اعتبار عقد البيع عبر الانترنت من العقود التجارية

يبدو أن طغيان مصطلح التجارة الالكترونية على المعاملات الالكترونية قد يثير اللبس في كثير من الاذهان ، مما يجعل الاعتقاد بأن كل العقود الجارية عبر الانترنت كوسيلة الكترونية هي من العقود التجارية ، ومما قد يزيد في الاعتقاد كذلك قيام لجنة التجارة الدولية ( اليونسترال ) التابعة للأمم المتحدة ، بتنظيم أحكام هذا النوع من المعاملات ووضعها للقانون النموذجي الصادر في عام 1996م .
غير أن هذا ما نراه تجانبه الحقيقة والواقع من أوجه عدة :
أ‌- أن مفهوم التجارة الالكترونية ترتبط بفكرة المشروع التجاري القائمة على استغلال المشروع التجاري للمعلومات ، وذلك من خلال استخدام الوسائل الالكترونية في الأنشطة التجارية للمشروع ، وهو ما نراه يفيد بأن العقد التجاري الالكتروني يختلف عن غيره من العقود والمعاملات التي لا ترتبط بفكرة مشروع تجاري .
ب‌- إذا كانت شبكة الانترنت قد تحولت من شبكة ذات استخدام علمي وعسكري إلى استخدام جماهيري واسع ، فإن هذا الاستخدام الجماهيري الواسع يضم المعاملات التجارية وغير التجارية .
ت‌- إن ما أشار إليه الدليل المرافق للقانون النموذجي ( اليونسترال ) بوجوب توسيع نطاق تطبيقه ليشمل استعمال وسائل الاتصال الالكترونية خارج المجال التجاري ، يفيد صراحة بأن المعاملات الالكترونية لا تقتصر أبدا على فكرة النشاط التجاري .
ث‌- إن نظرية الأعمال التجارية ، تثير الكثير من التعقيدات العملية ، فضلا عن إنها من النظريات التي لا تأخذ بها كل النظم القانونية . وعلى ذلك فقد سارت التوجيهات الدولية الحديثة إلى عدم الاعتداد بتجارية أطراف البيع أو موضوعه ، حتى أصبحنا نشهد تفريقات جديدة قائمة على اعتبارات أخرى كالمهنيين والمستهلكين .
ج‌- كثير من التشريعات الحديثة لم تقتصر على فكرة التجارة الالكترونية بقدر ما استوعبتها ضمن المعاملات الالكترونية ، كما فعل المشرع العماني بإصدار قانون المعاملات الالكترونية ، ومن ذلك كله نخلص إلى عدم اعتبار كل عقد يبرم عبر الانترنت هو عقد تجاري ، وإن كان لأحد طرفيه صبغة تجارية أو يخدم في أحد طرفيه نشاطه التجاري
.
( 4 ) – مدى اعتبار عقد البيع عبر الانترنت من عقود الإذعان :

أن أسلوب تبادل البيانات عبر الانترنت يمكن تصوره غالبا عبر طريقتين :
الأولى : من خلال تبادل الرسائل عبر البريد الالكتروني ، حيث يرسل الموجب إيجابه على عنوان البريد الالكتروني إلى الموجب له ليراجع كل عناصره ، وإذا ما أراد التعاقد فيمكن له أن يصدر قبوله بذات الطريقة من خلال رسالة يحررها متضمنة القبول المتطابق ويبعث بها على عنوان الموجب الالكتروني ، وبإمعان النظر في هذا الأسلوب نجد أن كلا الطرفين يتفاوضان على بنود العقد وشروطه بحرية تامة فليس شرطا على الموجب له أن يصدر قبوله على ما تلقاه من الموجب ، فيجوز له أن يتفاوض على بعض أو كل ما ورد في رسالة الإيجاب مما لا يجعل لفكرة الإذعان محلا متصورا .
أما الطريقة الثانية : والتي يمكن تصورها مباشرة عبر الشبكة وذلك بتبادل رسائل البيانات من على صفحات الويب ، حيث يكون البائع أو المورد قد صدر إيجابه بالعرض بشكل عقد نموذجي ، والذي يأتي متضمنا لشروط نمطية عامة معدة سلفا وموجهة إلى الجمهور ، وما على المتلقي إلا أن يقبل بكافة الشروط المقررة بالنقر على أيقونة مخصصة للقبول ( I Accept ) ، أو يرفضها جملة بالخروج من هذه الصفحة أو بالنقر على أيقونة التجاهل ( Ignore ) ، مما يجعل من فكرة الإذعان محلا متصورا في مثل هذا الأسلوب من التعاقد عبر الانترنت ، لاسيما وأن الاتجاه الحديث يعرف عقد الإذعان بأنه ” العقد الذي يتحدد مضمونه العقدي ، كليا أو جزئيا ، بصورة مجردة وعامة قبل الفترة العقدية ” .
وبعيدا على الخوض فيما كان قد استقر عليه الاجتهاد الفقهي أو القضائي في تحديد صور الإذعان في العقود ، نجد أيضا يساير النصوص القانونية ، وذلك باعتبار الطرف المذعن هو الذي يقبل بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ، وهو أيضا يساير الاتجاه الحديث بالدعوة إلى ضرورة حماية المستهلك في مواجهة شبكات توزيع السلع والخدمات التي أصبحت لا تتعامل من خلال عقود نموذجية وفي غياب أي مفاوضة أو مناقشة عند إعداد العقد .
وهذا ما نراه أيضا السر الكامن وراء الحماية التي تفرضها قوانين الاستهلاك الحديثة للعقود المبرمة عن بعد ، ولاسيما عبر شبكات الاتصال السريعة ومنها شبكة الانترنت ، غير أن فكرة الإذعان وإن كانت تتطلب النظر إليها بعين الخصوصية ، إلا أنها لا تخرج العقد برمته عن قواعده العامة ، فهي وإن كانت تجد التعاقد عبر الانترنت مرتعا خصبا لها إلا أنه يمكن أيضا تصوره خارجها في كثير من العقود