تكييف مسؤولية الطبيب عند الإخلال بالتزاماته
خالد بن عبدالرحمن القويز
تعتبر المسؤولية الطبية وأخطاء الأطباء من المواضيع التي لازمت ممارسة الطب قديماً ولا زالت، وقد وضعت القوانين والنصوص المحددة لتلك المسؤولية. وقد تضمنت (شريعة)حمورابي قانون عقوبات على الحكماء (الأطباء) حال وقوعهم في أخطاء بحق مرضاهم.

وقد تزامن مع الوتيرة المتسارعة لتطور العلوم الطبية تطور في مجال سن القوانين التي تنظم وتحكم عمل ومزاولة المهن الطبية على نحوٍ يرسم حدودها ويحدد صور المسؤولية المتعلقة بها ويبين طرق مواجهة هذه المسؤولية ووسائل الحماية المقررة لها.

وإذا كان الطب والقانون عِلمان متماثلان غايتهما حماية الإنسان وحل مشاكله وتنظيم علاقاته، فان هذا التماثل أدى لانصهارهما معاً في فرع جديد هو “القانون الطبي” والذي يسعى فيه التشريع والفقه والقضاء جاهدين لتفصيل أحكامه كلما تطورت وتعقدت الحياة.

والأخطاء الطبية هي حالات لا ينفرد بها مجتمع دون غيره، بل إن الإحصائيات تؤكد حدوث أخطاء طبية فادحة في كثير من بلدان العالم المتقدم تؤدي لحصول أضرار جسدية(وفاة، تشوهات، عاهات، آلام) أو أضرار نفسية مؤثرة.

وينتج عن الخطأ الطبي نوعان من المسؤولية في وقت واحد هما المسؤولية الجزائية وهي التي تتحقق عندما يرتكب الشخص فعلا يشكل جرما يعاقب عليه القانون، فتقوم هذه المسؤولية على اعتبار أن هناك ضرراً أصاب المجتمع من جراء ارتكاب هذا الشخص فعلا يخالف القواعد القانونية العامة التي تنظم شؤون الحياة في المجتمع وتترتب على مخالفته لهذه القواعد جزاء جنائي محدد بنصوص القانون.

والمسؤولية المدنية وهذه الأخيرة تنقسم إلى نوعين الأولى مسؤولية عقدية وهي ناتجة عن العلاقة العقدية بين الطبيب والمريض، والثانية مسؤولية تقصيرية أي التي لا تستند إلى عقد بل تستند إلى الإخلال بواجب الحيطة والحذر، وإذا كان اتجاه الفقه والقضاء ينعقد على قيام مسؤولية الطبيب عند خطئه أو إهماله أو تقصيره عند علاجه المريض، فإنه ليس كذلك عند وصف التكييف القانوني لهذه المسؤولية فيما إذا كانت مسؤولية عقدية أم تقصيرية.إلا أن الرأي السائد في تكييف مسؤولية الطبيب عن أخطائه المهنية والمجمع عليه فقهيا وقضائيا، هي مسؤولية عقدية واخذ بذلك القضاء الفرنسي وتبعه القضاء المصري.

والطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذي ينعقد بينه وبين مريضه بشفائه أو بنجاح العملية التي يجريها له، لأن التزام الطبيب ليس التزاماً بتحقيق نتيجة فالشفاء بيد الله تبارك وتعالى وإنما هو التزم ببذل عناية، والعناية المطلوبة من الطبيب تقتضي أن يبذل الجهود مع اليقظة التي تتفق مع الأصول والقواعد الطبية المستقرة لكن يكون الطبيب مسؤولاً إذا لم يبذل العناية اللازمة أثناء معالجته لمريضه كما يقوم به طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي أحاطت بالطبيب المسؤول، بيد أنه يكون التزاماً بتحقيق نتيجة في حالات معينة كعمليات التجميل التي تجرى في بعض البلدان بحيث تترتب مسؤولية على الطبيب المعالج في حال عدم تحقيق النتيجة المطلوبة.

ونتيجة لتحديث ومراجعة القوانين وتعديلها، وهذا بالمناسبة مثار جدل فريقين من فقهاء القانون، ففي حين يرى فريق أهمية مراجعة القوانين وتعديلها من وقت لآخر إذا تطلب الأمر ذلك لأن الحياة تتطور وجمود القوانين يعرقل ذلك التطور والحاجة قد تدعو لتغيير كثير من القوانين. يرى فريق آخر مبدأ استقرار واستمرار القوانين واستمرار ذلك الاستقرار، نجد كثيرا من التشريعات تقوم بمراجعة وتعديل بعض القوانين مما يحدث معه تغير بل ونقلة من اتجاه لآخر كما حدث مع القضاء الفرنسي ومن ثم المصري بتبنيه المسؤولية العقدية للطبيب وكذلك الأخذ مسؤولية الطبيب القائمة على خطأ مفترض غير قائم على إثبات العكس إلا بالسبب الأجنبي (قوة قهرية، خطأ الغير، خطأ المضرور).ومثال ذلك كأن يستخدم طبيب العيون جهاز ليزر لعلاج عين مريض ينتج عنه ضرر للعين أو طبيب جلدية ويحدث الليزر ضرراً لجلد المريض ذلك أن الليزر ومن الأشياء الخطرة التي تحتاج في حراستها واستعمالها إلى بذل عناية خاصة، وبمجرد حدوث الضرر للمريض من استخدام الليزر يكون الطبيب مسؤولا عن هذا الضرر مسؤولية قائمة على خطأ مفترض هو إخلاله بواجب الرقابة، وهذا الخطأ غير قابل لإثبات العكس أي لإثبات أن الطبيب لم يخطئ وبأنه بذل قصارى جهده.

وفي المملكة العربية السعودية يلاحظ اهتمام المشرع بجوانب تمس “القانون الطبي” من خلال اصدر نظام مزاولة المهن الصحية الصادر عام 1426ه هذا النظام وهو في حقيقته نظام وليس مشروع نظام كما هو مُعنون (مشروع نظام). ولائحته التنفيذية عام 1427ه والذي يلغي نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 1409/2/21ه كما يلغي نظام مزاولة مهنة الصيدلة والتجارة بالأدوية والمستحضرات الطبية الصادرة بالمرسوم الملكي رقم (18/20)، ويلغي كل ما يتعارض معه من أحكام.

هذا النظام في مجمله يحدد واجبات الممارس الصحي ويوضح أهمية الالتزام بالمعايير المهنية السريرية في التشخيص والعلاج والتعامل الإنساني مع المريض وعدم تجاوز الصلاحيات السريرية المحددة لدرجته المهنية.

ويحدد المسؤولية المهنية والجزائية والتأديبية للممارس الصحي، حيث يلزم الممارس الصحي ببذل عناية سريرية فائقة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها.ومع ذلك وفي ظل حدوث أخطاء طبية يتعين التشديد على مسؤولية الطبيب عن أخطائه ولا يعني ذلك هدر اعتبارات الثقة في الأطباء وجعلهم يعملون تحت ضغوطات التهديد بالعقوبات، بل بتطبيق الأنظمة واللوائح ومتابعة ومراقبة أداء المؤسسات الطبية ومراكز العلاج الحكومية والأهلية ومنسوبيها دورياً من جهات متخصصة ومؤهلة وفاعلة.

@ مستشار قانوني

إعادة نشر بواسطة محاماة نت