مسألة تنازع الإختصاص بين المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الليبي

في الجرائم المتهم بإرتكابها سيف الإسلام القذافي

المحامي محمد قايد محمد الصايدي

بدأت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ممارسة الاختصاص على الجرائم المرتكبة في ليبيا بعد إحالة القضية من مجلس الأمن الدولي, وأصدرت الدائرة التمهيدية (دائرة ما قبل المحاكمة) أوامر القبض على العديد من المسئولين عن تلك الجرائم, ومنهم الرئيس الليبي معمر القذافي وأبنه سيف الإسلام القذافي والعديد من رجال الحكم العسكريين في نظام القذافي…

وبعد أن أستطاع الثوار الاطاحة بنظام القذافي بدعم أوربي وأمريكي ودولي عسكريا ومالياً ومعنويا, وتمكنوا من السيطرة على الأراضي الليبية وقتل الرئيس الليبي معمر القذافي ومطاردة بقية فلول قيادته العسكرية, تمكنوا من القبض على إبن الرئيس السابق سيف الإسلام القذافي المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين, والمطلوب القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية..

فأثيرت حينها مسألة تنازع الاختصاص بين المحكمة الجنائية الدولية الدائمة وبين القضاء الجنائي الليبي, بخصوص الجرائم المسوبة إلى سيف الإسلام القذافي, كل منهما يدعي أنه صاحب الإختصاص في التحقيق مع سيف الإسلام القذافي ومحاكمته.

فبعد أن تم القبض عليه طالبت المحكمة الجنائية الدولية من الحكومة الليبية الجديدة تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ليتم محاكمته فرفضت الحكومة الليبية تسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة متعللة أنها صاحبة الإختصاص في محاكمته.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع فأننا سوف نتكلم عنه بالتفصيل في مطلبين من حيث القواعد القانونية الدولية التي تحكم أختصاص المحكمة الجنائية الدولية ومن حيث أيضاَ الوقائع السياسية والأحوال التي تقوي الجهة صاحبة الإختصاص في ذلك سواء المحكمة الجنائية الدولية أم القضاء الجنائي الوطني..

المطلب الأول
الوقائع والنصوص القانونية التي تجعل الإختصاص ينعقد للقضاء الجنائي الليبي

إن المتأمل إلى بعض الوقائع والنصوص الشرعية والقانونية التي تحكم الإختصاص في محاكمة سيف الإسلام القذافي يجد أن الإختصاص في الأصل يكون للقضاء الليبي إذا توافرت فيه شروط الإستقلالية والنزاهة والكفاءة.. نبين ذلك تفصيلاً بالآتي :-

أولاً:إن أحكام الشريعة الإسلامية الغراء تمنح القضاء الليبي الاختصاص على الجرائم المرتكبة في ليبيا دون غيره..

إن أحكام الشريعة الإسلامية الغراء تمنح الإختصاص للقضاء الإسلامي في دولة ليبيا لمحاكمة سيف الإسلام القذافي في أي جريمة يتهم بإرتكابها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء, ومحاكمة غيره من المتهمين في أي جريمة من الجرائم المرتكبة في الحرب التي حدثت بين الثوار ونظام القذافي, ولا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تتولى محاكمة أي شخص من المتهمين الليبيين في أي جريمة تنسب إليهم أو محاكمة أي مسلم من المسلمين سواء كان سيف الإسلام القذافي أو غيره, وذلك لسببين هما:

السبب الأول :

إن القضاة في المحكمة الجنائية الدولية الذين يتولون إجراءات المحاكمة ليسوا مسلمين, وقد أتفق علماء المسلمين علىأنه لا يجوز أن يتولى الغير مسلم ولاية القضاء وفصل الخصومات والمنازعات سواء بين المسلمين مع بعضهم البعض أو بين المسلمين مع غيرهم, لأن شرط الإسلام يعتبر من الشروط التي أتفق فقهاء المسلمين على وجوب توافرها في القاضي الذي يتولى الحكم بين المسلمين, فيجب أن لا يكون القاضي الذي يحكم سواء بين المسلمين مع بعضهم البعض أو مع غيرهم من الناس إلا مسلماً, لأن القضاء والفصل في الخصومات والنزاعات يعتبر ولاية, ولا ولاية لغير المسلم على المسلم مستدلين في ذلك على الأدلة التالية:

1-قال تعالى(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)سورة النساء آية(141), فالآية خبر لفظا إنشاء معنى أي: أن الله ينهى أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا, أو يكون المراد ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا مشروعا, فإن وجد فخلاف الشرع. [1]فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للإمام الشوكاني 1/528, القضاء والإثبات الشرعي في الفقه الإسلامي والقانون اليمني أ– د صالح بن عبدالله الظبياني – الطبعة الرابعة 1429هـ – 2008م.

2-قال تعالى(إن الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض)سورة الآنفال آية 72,فقد بينت الآية أن الولاية للمسلم على المسلم.

3-قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر)سورة آل عمران أية 118, فقد نهى الله عن اتخاذ البطانة من غير المؤمنين وذلك يدل على عدم جواز اتخاذ الكافر قاضيا.

4-قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)سورة النساء 59, فلفظ منكم يدل على أن صاحب الولاية أيا كانت ينبغي أن يكون مسلماً.

5-قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)سورة ( ) فالآية تحرم على المؤمن أن يتخذ اليهود والنصارى أولياء بأي حال من الأحوال.

السبب الثاني:

إن النصوص القانونية المعمول بها في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة هي نصوص وضعية مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في العديد من المواد القانونية التي تحكم إجراءات المقاضاة والعقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة والقواعد الاجرائية وقواعد الإثبات..

وعليه فأنه لا يجوز شرعاً أن يتم محاكمة سيف الإسلام القذافي وفقاً لنصوص وقوانين وضعية مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء…

لانه لا يجوز للمسلم أن يخضع لقوانين وضعيه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلام.

فالإسلام له خصائصه العقدية وأحكامه التي أنفرد بها دون الأديان الأخرى ودون التشريعات الوضعية, ولا يقبل عقلا أن يقلد شخص ولاية القضاء ليقضي بين الناس على أساس من العقيدة والفكر الذي يخالف عقيدته, لأن التطبيق ينبع أساسا من اعتناق المبدأ واعتقاد صحته بل ربما حمله كفره بالإسلام على تعمد مخالفة أحكامه والعبث بها. [2]مغني المحتاج 4/357, بداية المجتهد 4/ 429, القضاء والإثبات الشرعي في الفقه الإسلامي والقانون اليمني أ– د صالح بن عبدالله الظبياني – الطبعة الرابعة 1429هـ – 2008م.

ثانياً : إن مبدأ الإختصاص التكميلي في القضاء الجنائي الدولي يمنح القضاء الجنائي الليبي الإختصاص على الجرائم التي أرتكبها سيف الإسلام القذافي…

حيث إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ينطبق عليه مبدأ الأختصاص التكميلي للولايات القضائية الجنائية الوطنية في الدول الأطراف وليس اختصاص أصلي منفرد أو اختصاص بديل للقضاء الجنائي الوطني..

فالمحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ من أجل أن تحل محل القضاء الوطني في ممارسة الاختصاص على الجرائم المشار إليها في المادة (5) من النظام الاساسي للمحكمة التي ترتكب على الواقع في أقليم أي دولة من الدول الأطراف, والتي وصفت بأنها أشد الجرائم خطورة على البشرية, ومنبع قلق المجتمع الدولي بأسره, وأنما أنشئت لتكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية في ممارسة الاختصاص على تلك الجرائم, من أجل وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب, والإسهام في منعإرتكاب هذه الجرائم على الواقع في المستقبل أو الحد من إرتكابها, بعد ما ثبت للمجتمع الدولي من خلال الحروب العالمية والمنازعات الدولية والإقليمية التي حدثت وتحدث على الواقع, وما ترتب عنها من مأسي عاشها العالم في شتئ بقاع الأرض خلال القرنين التاسع عشر والعشرين, أن الكثير من هذه الجرائم البشعة التي أرتكبت على الواقع والتي هزت كيان المجتمع الدولي لم يخضع المسئولين عنها للعدالة والقضاء ولم يتم محاكمتهم في بلدانهم أومعاقبتهم عليها, إما لكونهم يتمتعون بحصانات وإمتيازات تمنعهم من المثول أمام القضاء الجنائي الوطني, أوأنهم من أصحاب النفوذ والسلطات العليا سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي والإقليمي, فكان من الضروري إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لوضع حد لإفلات مرتكبوا تلك الجرائم البشعة والمسئولين عنها من العقاب ومثولهم للقانون والعدالة..

وقد أكدت المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة على مبدأ الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية, والتي نصت على(وتكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية, ويخضع اختصاص المحكمة وأسلوب عملها لأحكام هذا النظام الأساسي.), كما أكدت ذلك أيضاَ ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حينما أوجبت على كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية, حيث جاء في ديباجة النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية التأكيد على ذلك, بما نصه(وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.)

وتطبيقا لهذا المبدأ في مسألة الاختصاص الجنائي على الجرائم الدولية التي أتهم بإرتكابها الرئيس معمر القذافي وأبناءه والقيادات العسكرية في نظامه, نجد أن الولاية والاختصاص على تلك الجرائم, يكون في الأصل للقضاء الجنائي الليبي..

ثالثاً:

إن مبدأ الاختصاص المكاني والاختصاص الشخصي في القضاء الجنائي الدولي, يمنح القضاء الجنائي الليبي أولوية الاختصاص في التحقيق والمقاضاة في قضية سيف الإسلام القذافي وبقية المتهمين في نظام القذافي ومع المتهمين من الثوار أيضا..

حيث أن الثابت على الواقع أن سيف الإسلام القذافي هو مواطن ليبي, وأن تلك الجرائم التي أتهم بارتكابها قد ارتكبت على أراضي ليبيا, فإن ذلك يمنح الاختصاص في محاكمة سيف الإسلام القذافي للقضاء الجنائي الوطني الليبي ,حيث أن دولة ليبيا ليست من الدول الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولم تقم الحكومة الليبية الجديدة بعد استلامها لمقاليد الحكم

وهذا ما يمنح الاختصاص للقضاء الجنائي الليبي, لانتهاء السبب الذي استند إليه مجلس الامن في إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة…

المطلب الثاني
الوقائع والنصوص القانونية التي تجعل الإختصاص للمحكمة الجنائية الدولية

إن النصوص القانونية في القضاء الجنائي الدولي وكذلك الوقائع والأحداث التي جرت خلال الثورة الليبية يمنح الإختصاص للمحكمة الجنائية الدولية في محاكمة سيف الإسلام القذافي وغيره من المتهمين سواء من نظام القذافي أو من الثوار , ويوجب على الحكومة الليبية الإنتقالية تسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية لتقوم بالتحقيق معه ومحاكمته

أولاً:

اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم المرتكبة في ليبيا تطبيقاً لقاعدة الأختصاص العالمي الممنوح للمحكمة الجنائية الدولية:

إن الثابت على الواقع أن المجلس الثوري بمجرد تشكيله والإعتراف به من المجتمع الدولي تقدم بطلب إلى مجلس الأمن بإحالة ملف القضية الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية, للتحقيق مع الرئيس القذافي وأبناءه وبعض كبار المسئولين في الدولة العسكريين ومحاكمتهم, كوسيلة من الوسائل الحربية التي أتخذها المجلس الثوري من أجل زعزعة كيان نظام القذافي وزلزلت أركانه وتهديم بنيانه, على المستوى الإقليمي والعربي والدولي بدعم ومساعدة من الدول الدائمة في مجلس الأمن وفي مقدمتها دول التحالف الأوربي قائد الحملة العسكرية على النظام الليبي..

وقد تم إحالة ملف القضية الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية وقام المدعي العام بالمحكمة بإجراءات التحقيق في القضية وجمع الأدلة وأصدر أوامر قبض قهرية ضد الأشخاص المشتبه بهم بإرتكاب جرائم دولية تختص بها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في ليبيا ومنهم سيف الإسلام القذافي, وهذا كان أحد الأسباب والمعوقات التي منعت سيف الإسلام وبقية الأشخاص المطلوب إحضارهم من المحكمة الجنائية الدولية من الفرار والهرب إلى خارج الأراضي الليبية, لأنها كانت السبب الذي جعل الكثير من الدول ترفض قبول دخولهم أو ايوائهم في أراضيها..

وهذا ما يمنح للمحكمة الجنائية الدولية الاختصاص في محاكمة سيف الإسلام القذافي في الجرائم التي توجه إليه إذا كانت من الجرائم المنصوص عليها في المادة(5) على سبيل الحصر وفي المواد(6, 7, من النظام الاساسي للمحكمة على سبيل التفصيل, دون التقيد بمبدأ الاختصاص التكميلي للمحكمة أو الاختصاص المكاني أو الاختصاص الزماني أو الاختصاص الشخصي هكذا نجد أن مطالبة مجلس الثورة الليبي بإحالة ملف القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية يعتبر بمثابة تنازل صريح من الحكومة الليبية الإنتقالية عن الإختصاص في محاكمة سيف الإسلام القذافي للمحكمة الجنائية الدولية.

مما يجعل تمسك الحكومة الليبية بحق الاختصاص

ولو كانت الحكومة الليبية الجديدة التي شكلتها قيادة الثورة ترغب في تولي الاختصاص على الجرائم المرتكبة في ليبيا أثناء الحرب ما قامت قيادة الثورة في طلب إحالة ملف القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية كوسيلة من وسائل الضغط على النظام الليبي السابق وإنهياره…

ثانياً:

إن مبدأ الاختصاص العالمي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة يمنح المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص على الجرائم المرتكبة في ليبيا من أطراف الصراع بما فيهم سيف الإسلام القذافي..

إن المعلوم قانوناً أن المحكمة الجنائية الدولية لم تقم بإجراءات التحقيق في الجرائم المرتكبة في الحرب التي حدثت في ليبيا إلا بناءاً على قرار صادر من مجلس الأمن تطبيقاً..

وهذا ما يمنح الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة على الجرائم المرتكبة في الأراضي الليبية مع جميع المتهمين بإرتكابها من رعايا أي دولة من الدول وذلك تطبيقاً لمبدأ الاختصاص العالمي الذي تمنحها إحالة مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية….

ثالثاً:

عدم قدرة القضاء الوطني الليبي على الإضطلاع بالإختصاص في قضية سيف الإسلام القذافي بشكل نزيه وعادل..

حيث أن الثابت على الواقع أن الحكومة الليبية الجديدة هي حكومة الثوار الطرف المنتصر في الحرب التي ارتكبت فيها الجرائم محل التحقيق والمقاضاة, وأن سيف الإسلام القذافي هو أحد الأشخاص القياديين في نظام القذافي الطرف المنهزم في هذه الحرب, المتهمين بإرتكاب تلك الجرائم ضد أفراد الطرف المنتصر..

كما أن الثابت أن القضاء الجنائي الوطني في الحكومة الجديدة سيتم تعيينه من الطرف المنتصر وخاضع لسلطة قيادة الطرف المنتصر ومنفذاً لأوامره وسياسته..

وهذا ما يؤكد قطعاً أن إجراءات التحقيق والمقاضاة في الجرائم المتهم بإرتكابها سيف الإسلام القذافي إذا قام بها القضاء الجنائي الليبي في الحكومة الليبية الجديدة لن تتم بشكل مستقل أو نزيه, لأن محاكمة القضاء الليبي لسيف الإسلام القذافي سوف تكون غير عادلة ونزيهة لأنها محاكمة الطرف المنتصر للطرف المنهزم, بل وسوف تسيطر عليها ظاهرة الإنتقام, وسوف يكون بلا شك الحكم الصادر من القضاء الليبي بشنق سيف الإسلام القذافي مثلما فعل القضاء العراقي في الرئيس العراقي صدام حسين مع أوجه الاختلاف بين صدام حسين كقائد ورئيس بطل وبين سيف الإسلام القذافي كسفاح ومجرم حرب وبين ما ارتكبه سيف الإسلام القذافي وبين ما اتهم بإرتكابه الرئيس العراقي صدام حسين… .المادة(17) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

رابعاً: عدم قدرة القضاء الجنائي الليبي على ممارسة الاختصاص على الجرائم التي ارتكبت في ليبيا من أطراف الصراع, بمن فيهم سيف الإسلام القذافي …

إن الوقائع الثابتة لتؤكد عدم قدرة القضاء الجنائي الليبي على ممارسة الاختصاص على الجرائم المرتكبة في ليبيا منذ بداية الثورة الليبية وحتى القضاء على نظام القذافي بما فيها الجرائم المتهم بإرتكابها سيف الإسلام القذافي, وذلك للعديد من الأسباب منها ما يلي :

1- أن المحكمة الجنائية الدولية قد بدأت بممارسة اختصاصها على الجرائم المرتكبة في ليبيا, بموجب الإحالة إليها من مجلس الأمن بناءاً على طلب من الثوار الليبيين, وذلك لعدم قدرة القضاء الجنائي الليبي في نظام حكم القذافي على ممارسة الاختصاص في تلك الجرائم بشكل مستقل ونزيه.

2- إن المحكمة الجنائية الدولية قد بدأت بممارسة اختصاصها على الجرائم المرتكبة في ليبيا بموجب الإحالة من مجلس الأمن, وذلك بسبب أن القضاء الجنائي الليبي في ظل نظام القذافي لأنه كان ينفذ ما يمليه عليه السلطة العليا في الدولة لم يباشر مهامه تجاه تلك الجرائم والمسئولين عنها, ولم يتخذ أي إجراء من إجراءات التحقيق والمقاضاة مع الأشخاص المسئولين عن ارتكابها في أي جريمة من تلك الجرائم المرتكبة.

3- إن انهيار نظام الحكم في ليبيا وتغيير النظام, يترتب عنه إنهيار كامل للقضاء بإعتباره إحدى سلطات الدولة التي أنهار نظام حكمها, وهذا ما يمنح الإختصاص للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة, عملا بنص المادة (17) من النظام الأساسي للمحكمة.

4- إن الجرائم التي سوف تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ليست فقط تلك الجرائم التي أرتكبت من طرف نظام القذافي وأنما من طرفي الحرب, بما فيهم الثوار ..

والمعلوم أن إجراءات التحقيق والمقاضاة مع القيادات العسكرية من الثوار لن تتم بشكل عادل ونزيه إذا تمت من القضاء الجنائي الليبي في ظل الحكومة الجديدة , بل أن القضاء الجنائي الليبي لن يقوم بأي إجراء من إجراءات التحقيق والمقاضاة مع أي فرد من أفراد الثورة الليبية ولن يتم إدانتهم بأي جريمة من الجرائم حتى ولو كان قد قام بإرتكابها الثوار وقيادتهم العسكرية, لأن القضاء الجديد سيكون خاضعاً للحكومة الجديدة والتي تعتبر أن جميع ما قام به الثوار مشروعاً وليس فيه أي جريمة من الجرائم…

وهذا ما يجعل الحكومة الليبية الجديدة غير قادرة على الإضطلاع بإجراءات التحقيق والمقاضاة بشكل فعلي وعادل وصحيح مع الأشخاص المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة أو الجرائم محل التحقيق والمقاضاة سواء كانوا من طرف الثوار أو كانوا من طرف نظام القذافي, مما يمنح المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص على الجرائم المرتكبة في ليبيا دون القضاء الجنائي الليبي وفقاً للإحالة من مجلس الأمن عملاً بنصالمادة(17/ 3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وهكذا نجد أن الحكومة الليبية ملزمة قانونا بتسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية لتتولى محاكمته وعدم التمسك بدعوى أنعقاد الاختصاص لمحاكمها .