تعددت التسميات التي أطلقت على جهاز الحاسب الآلي فهو بالإنكليزية (Computer) وبالفرنسية Ordinateur) وبالألمانية (Computer)، أما بالعربية فيلاحظ أن المسميات التي أطلقت على هذا الجهاز غير موحدة ويرجع ذلك إلى اختلاف اللغات التي تمت الترجمة عنها، فقد استخدم المجمع اللغوي في مصر اصطلاح ((الحاسب الإلكتروني)) بينما اعتمدت المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس اصطلاح ((الحاسوب)) وقد اشتق كاسم آلة على وزن التكثير من المصدر حساب بمعنى الآلة كثيرة الحساب بالرغم من أن الحساب لا يتعدى أن يكون أحد أنواع الأعمال التي يقوم بها الحاسب(1)، وعلى وفق ما جاء في الموسوعة الشاملة لمصطلحات الحاسب الإلكتروني فإن الحاسب هو جهاز إلكتروني يستطيع ترجمة أوامر مكتوبة بتسلسل منطقي لتنفيذ عمليات إدخال بيانات (Data input)، أو إخراج معلومات (Information input)، وإجراء عمليات حسابية أو منطقية، ويتم إدخال البيانات بواسطة مشغل الحاسب (Operator) من خلال وحدات الإدخال مثل لوحة المفاتيح ومن خلال وحدة المعالجة المركزية (Central Processing Unit) تتم العمليات الحسابية والمنطقية، وبعد معالجة البيانات تتم كتابتها على أجهزة الإخراج كالطابعات أو وسائط التخزين المختلفة(2).

لقد اتجه أغلب التجار والشركات إلى استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية لما يمتاز به من سرعة عالية في معالجة البيانات المالية، إذ يستطيع الحاسب أن ينجز ما يزيد على مليون عملية حسابية أو منطقية في الثانية الواحدة، وتقاس سرعة الحاسب بوحدة زمنية تسمى النانوثانية وهي تعادل جزءاً واحداً من ألف مليون من الثانية(3)، وتزداد سرعة معالجة البيانات في حاسبات الجيل السادس حيث تصل من (5)الى(15) بليون عملية حسابية في الثانية الواحدة لوضع أكثر من (600) معالج دقيق تعمل بشكل متوازٍ لمعالجة البيانات والإيعازات المطلوبة(4)، فهذه السرعة العالية التي يتمتع بها الحاسب في معالجة البيانات وتحليلها واستخلاص النتائج شجعت التجار على استخدامه في قيد البيانات المالية وإدخال ما يطرأ عليها من تعديلات أولاً بأول وإعداد الحسابات الختامية، وكذلك يتمتع الحاسب بقدرة تخزينية هائلة إذ يمكن أن تحفظ الملايين من البيانات المالية على ذاكرته الرئيسة، أو على الذاكرة الثانوية كالأقراص والأشرطة الممغنطة، وبذلك ساهم الحاسب في تخفيض تكاليف العمل المحاسبي(5) ومعالجة مشكلة تعتبر من أهم مشكلات العصر ألا وهي مشكلة تخزين الدفاتر والمحررات في صيغتها الورقية والتي بلغت حداً أنها أصبحت توزن وزناً ولا تعد عداً مما أدى إلى شيوع النظم الإلكترونية وتضاؤل النظم التقليدية (الورقية)(6)،

وبالرغم من المزايا التي يوفرها استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الحسابات إلا أنه يثير مخاطر عدة منها:

إن إخفاق الحاسب الآلي في أداء وظيفته أصبح واقعاً أكيداً، ويرجع هذا الإخفاق إلى خطأ في إدخال البيانات أو في البرامج أو في معالجة البيانات نتيجة عطل في أحد المكونات المادية للحاسب، وقد يصبح هذا الإخفاق جسيماً نتيجة لتتابع العمليات التي تترتب على خطأ بسيط بل قد يؤدي التشغيل الاعتيادي للحاسب إلى نتائج غير مرغوب فيها وأدل مثال على ذلك هو انهيار سوق الأوراق المالية في بورصة نيويورك في أكتوبر 1987، بسبب إدخال الأوامر الصادرة من العملاء إلى إدارة السوق، والتي نصت على البيع إذا هبط السعر عن حد معين، إلى الحاسب الآلي، مما جعل الأوامر تتتابع بسرعة كبيرة وأدى ذلك إلى انهيار السوق نتيجة لزيادة العرض بالبيع(7)،

وفضلاً عن ذلك أن الاحتفاظ بالبيانات المالية على الحاسب الآلي قد يعرضها للاختراق من قبل الغير خصوصاً إذا كان الحاسب مرتبطاً بشبكة الإنترنيت، وذلك من خلال اختراق شبكات الحاسبات الآلية بهدف تدمير البرامج والبيانات الموجودة فيها أو نسخها أو تعديلها أو حذفها أو نشرها بصورة غير مشروعة، أو غرس فيروسات لأحداث الإخلال المطلوب (8)،وذلك ينطوي على خطورة كبيرة لأن البيانات المالية تتضمن أسرار التجارة. إن استخدام الحاسب الآلي في تنظيم الدفاتر التجارية حمل معه تحدياً للنظم التقليدية وأدى إلى توسيع مفهوم الدفاتر التجارية ليشمل الدفاتر التجارية ذات الدعامة الورقية وتلك المحفوظة على الحاسب الآلي، ولكن البعض ذهب إلى أن مخرجات الحاسب الآلي لا يمكن إعتبارها من قبيل الدفاتر التجارية لأن القانون أوجب أن ترقم كل صفحة من صفحات الدفاتر التجارية وتوقع من الكاتب العدل ويضع عليها ختم دائرته، كما أوجب القانون أن تكون الدفاتر التجارية خالية من الفراغ والشطب والمحو والكتابة في الهوامش أو بين السطور، وهذه الإجراءات لا يمكن أن تستوفيها مخرجات الحاسب مما يتعذر إعتبارها من قبيل الدفاتر التجارية في الوقت الحاضر (9)،

ولكن هذا الرأي من الصعب قبوله على إطلاقه، فعدم استيفاء مخرجات الحاسب الآلي للإجراءات الشكلية لا أساس له من الصحة لأن القانون أوجب على التاجر الذي يستخدم الحاسب الآلي في تنظيم دفاتره التجارية أن يستخرج بيانات مطبوعة بصورة دورية منتظمة ويتم جمع هذه المخرجات حسب تسلسلها التاريخي وتجليدها وتصديقها من الكاتب العدل في نهاية السنة المالية التي تعود لها(10)، أما بالنسبة لعدم استيفاء مخرجات الحاسب الآلي للقاعدة التي تقضي بأن الدفاتر التجارية يجب أن تكون خالية من الفراغ والشطب والمحو والكتابة في الهوامش أو بين السطور فمرد ذلك إلى أن الكتابة على الوسائط الإلكترونية تتميز بإمكانية إحداث أي تعديل أو إضافة أو حذف دون أن يترك أثراً مادياً على العكس من الكتابة في الورق حيث يجري تدوينها باستخدام أحبار تندمج في مادة الورق مما يؤدي إلى اكتشاف أي تعديل أو إضافة أو محو بمجرد النظر إليها أو عن طريق الخبرة الفنية(11)، ولكن مخرجات الحاسب الآلي يمكن أن تستوفي القاعدة المذكورة إذا ما توافرت بعض الضمانات التقنية، لذا فإن الكرة في ملعب رجال التقنية الذين يلتزمون بالتعاون مع رجال القانون لتطوير الآليات التقنية لتكون مخرجات الحاسب الآلي ذات مصداقية كاملة(12).

إن منح مخرجات الحاسب الآلي مصداقية معادلة لما هي عليه في الدفاتر التجارية الورقية يتوقف على مدى موثوقية النظام المعلوماتي الذي يعتمده التاجر في تنظيم حساباته، وقد إعتبر البعض النظام المعلوماتي موثوقاً عندما يوفر الضمانات اللازمة لحسن أدائه بحيث يحمل القضاة على منح ثقة أكبر لمخرجات الحاسب الآلي متى تم التأكد من فعالية النظام وانتظامه، وأن يوفر النظام المعلوماتي إمكانية حفظ وحماية منهجية منظمة لكل العمليات المعلوماتية الحاصلة، وأن يكون قادراً على جعل وسائط التخزين حيث تكون البيانات المعلوماتية مسجلة ترصد عدد المرات التي يجري فيها معاينة هذه البيانات وذلك لضبط الإمكانيات التقنية في نسخ البيانات المعلوماتية التي تبقى موجودة حتى لو كانت مسجلة داخل الإسطوانات الضوئية مع تحديد دقيق لتاريخ العمليات المعلوماتية الحاصلة، وبالرغم من هذه الضمانات إلا أن درجة الصفر في مستوى الأمان في عمل الأنظمة المعلوماتية غير متوافرة ويمكن دائماً التأكد من وجود تعيبات أو اختلالات في النظام المعلوماتي(13)، ومما يخفف من حدة هذا الرأي التطور الخارق الذي أصاب التقنيات المعلوماتية والذي يكاد يضمن مصداقية كاملة للحاسب الآلي في مجال معالجة وحفظ البيانات المحاسبية الكترونياً، فالحاسبات المسماة (NCR 9300) قد تم تزويدها بأنظمة مراقبة داخلية تسمح باكتشاف وتحليل وتسجيل أي خلل أو تلاعب حصل في التشغيل أو في البرامج، وكذلك فإن ذاكرة بعض الأنظمة المعلوماتية تطورت هي الأخرى حيث بدأ استخدام بعض أوساط التسجيل، كإسطوانات الفيديو والكارت ذي الذاكرة، والتي تضمن تسجيلاً على درجة كبيرة من الدقة للبيانات المعلوماتية مع عدم قابليتها للمحو أو التعديل أو الإضافة، وأخيراً فإن بعض الأجهزة المعلوماتية تحتوي على نظامين لتسجيل العمليات المعلوماتية الحاصلة، أحدهما يقوم بالتسجيل على شريط ورقي والآخر يقوم بالتسجيل على شريط ممغنط، ومن شأن ذلك أن يحول دون التلاعب في العمليات المعلوماتية الحاصلة وإذا ما حصل هذا التلاعب فيمكن اكتشافه بسهولة من خلال مقارنة الشريطين، فهذه الضمانات قد منحت الحاسب الآلي مصداقية كاملة بحيث أصبح التلاعب الذي لا يترك أثراً يدل عليه يكاد يكون مستحيلاً في الوقت الحاضر(14)،

ومن كل ما تقدم نعتقد بأنه لا يوجد مانع يحول دون إعتبار مخرجات الحاسب الآلي من قبيل الدفاتر التجارية. وتجدر الإشارة إلى أن التطور التكنولوجي المتواصل في مجال المعلوماتية قد يجعل ما كان موثوقاً به من أنظمة معلوماتية قابلاً للاختراق والتعيب، لذا فإن على التاجر أن يطور التقنيات المعلوماتية التي يستخدمها في تنظيم حساباته، من خلال اقتناء النظم المعلوماتية الحديثة والأجهزة المتطورة الأخرى، وكل ذلك قد يحمل التاجر تكاليف مالية اضافية قد لا تتناسب مع مقدرته المالية، لذا يمكن للتاجر أن يلجأ إلى خدمات وسيط الكتروني، أحد مراكز الخدمات الإلكترونية، والذي يتولى معالجة البيانات المحاسبية المعلوماتية وحفظها طيلة مدة الحفظ القانونية وذلك بمقابل مالي، ويتم الاتصال بمركز الخدمات الإلكترونية من خلال المحطات الطرفية حيث تقوم المحطة الطرفية بترجمة البيانات المحاسبية إلى إشارات تنقل عبر خطوط الهاتف الاعتيادية إلى الحاسب الرئيس في المركز الإلكتروني والذي يقوم باستقبالها بوساطة وحدة استقبال خاصة تتولى قراءتها ومعالجتها وإعادتها في ثوانٍ قليلة إلى المحطة الطرفية وفي الوقت ذاته يقوم الحاسب الرئيس باختزان البيانات المحاسبية لكل محطة طرفية على حدة ويتم استخراجها بصورة دورية منتظمة من قبل العاملين في المركز الإلكتروني وحفظها طيلة مدة الحفظ القانونية(15)، هذا وقد تختلف طبيعة الخدمة التي يقدمها المركز الإلكتروني للتاجر، فقد يتيح له الحصول على بعض إمكانيات تقنياته المعلوماتية كأن يخصص للتاجر حيزاً على القرص الصلب لجهاز الحاسب الآلي الذي يرتبط بشبكة الإنترنيت من أجل صندوق خطاباته الإلكتروني أي أن يكون للتاجر عنوان بريد إلكتروني لدى المركز الإلكتروني، وقد يقدم مركز الخدمات الإلكترونية خدمة للتاجر تتمثل بتوفير موقع (web) من خلال جهاز الكمبيوتر المملوك له والمتصل بشبكة الإنترنيت بحيث يتمكن التاجر من التعامل بشأن هذا الموقع من خلال هذا الجهاز(16).

إن تحديد طبيعة العلاقة التي تربط بين التاجر ومركز الخدمات الإلكترونية يعتمد على نوع الخدمة التي يقدمها الأخير للتاجر، فإذا كان المركز الإلكتروني يتولى معالجة البيانات المحاسبية للتاجر وحفظها طيلة المدة المحددة في القانون بمقابل مالي، فيمكن تكييف هذه العلاقة بأنها علاقة عقدية تتحدد في ضوء القواعد العامة للمقاولة والتي تضمنتها المادة (864) وما بعدها من القانون المدني العراقي، مادام أن الحفظ الذي يقوم به مقدم الخدمة المعلوماتية يعتبر ذا صفة تبعية بالنسبة لمعالجة البيانات المحاسبية. أما إذا أتاح مقدم الخدمة المعلوماتية (المركز الإلكتروني) للتاجر أن يكون له عنوان بريد إلكتروني لديه أو وفر له موقع (web) بحيث يتمكن من التعامل بشأن هذا الموقع من خلال أجهزته المعلوماتية، فيمكن تكييف هذه العلاقة بأنها علاقة عقدية تتحدد في ضوء القواعد العامة للإيجار والتي تضمنتها المادة (722) وما بعدها من القانون المدني العراقي، مادام أن مقدم الخدمة يسمح لعميله بالانتفاع بأجهزته مع احتفاظه بملكيتها ويتنازل له عن حيازته لبعض الإمكانات التي تتيحها هذه الأجهزة، وطالما أن ما يقدمه من خدمات فنية يعتبر ذا صفة تبعية بالنسبة للانتفاع بهذه الأجهزة، لذا أُطلق عليه عقد الإيجار المعلوماتي(17).

___________________

1- د. كامل فريد السالك، الجريمة المعلوماتية، مجلة المحامون، نقابة المحامين في الجمهورية العربية السورية، العددان الخامس والسادس، السنة السادسة والستون، 2001، ص417 .

2- د. محمد فهمي طلبة وآخرون، الموسوعة الشاملة لمصطلحات الحاسب الإلكتروني، موسوعة دلتا كمبيوتر، مطابع المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1991، ص108 .

3- د. عبد الستار محمد العلي، نظم المعلومات على الحاسبة الإلكترونية، جامعة البصرة،البصره 1985، ص94.

4- د. هلال عبود البياتي، استخدامات الحاسبات الفنية وحمايتها، سلسلة المائدة الحرة -37-، بيت الحكمة، ندوة القانون والحاسوب، آب، 1998، ص35.

5- محمد عبد الرحيم إبراهيم، استخدامات الحاسب الإلكتروني في الأغراض المحاسبية والإحصائية بالبنوك، معهد الدراسات المصرفية، القاهرة، 1968-1969، ص40 .

6- د. عباس زبون العودي، التنظيم القانوني للسندات الإلكترونية المستخرجة عن طريق الإنترنيت في الإثبات المدني، مجلة الحولية العراقية للقانون، العدد الأول، 2001، ص82 .

7- د. حسام الدين كامل الأهواني، حماية أنشطة البنوك من مخاطر استخدام الحاسبات الإلكترونية، بحث ضمن كتاب الجوانب القانونية الناجمة عن استخدام الحاسب الآلي في المصارف، الطبعة الثانية، اتحاد المصارف العربية، بيروت، 1999، ص50-51 .

8- د. كامل فريد السالك، المرجع السابق، ص420 .

9- سعيد شيخو مراد السندي، المسؤولية المدنية الناتجة عن استخدام الكمبيوتر، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة بغداد، 1991، ص337 .

10- المادة (3/1) من نظام مسك الدفاتر التجارية لأغراض ضريبة الدخل رقم (2) لسنة 1985.

11- د. أحمد شرف الدين، عقود التجارة الإلكترونية، تكوين العقد وإثباته، دروس الدكتوراه لدبلومي القانون الخاص وقانون التجارة الدولية، كلية الحقوق- جامعة عين شمس،2000،ص317-318.

12- باسيل يوسف، الاعتراف القانوني بالمستندات والتواقيع الإلكترونية في التشريعات المقارنة، مجلة دراسات قانونية، بيت الحكمة، العدد الثاني، 2001، ص21 .

13- د. طوني ميشيل عيسى، التنظيم القانون لشبكة الإنترنيت، الطبعة الأولى، دار صادر للنشر، بيروت، 2001، ص358-359 .

14- د. محمد المرسي زهرة، حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات، بحث ضمن كتاب الجوانب القانونية الناجمة عن استخدام الحاسب الآلي في المصارف، الطبعة الثانية، اتحاد المصارف العربية، بيروت، 1999، ص170-171 .

15- محمد عبد الرحيم، المرجع السابق، ص18-19 .

16- د. أسامة أبو الحسن مجاهد، خصوصية التعاقد عبر الإنترنيت، بحث مقدم إلى مؤتمر القانون والكمبيوتر والإنترنيت، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 1-3/5/2000 ، ص60 .

17- المرجع نفسه، ص59-60 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .