للإلمام بهذا الموضع يتعين علينا دراسة مدلول التغيير والتطوير في المقصد الأول ، وحتمية تطور القانون في المقصد الثاني .

المقصد الأول : مدلول تغيير قواعد المرافق العامة وتطورها

تهدف المرافق العامة إلى إشباع الحاجات الجوهرية للأفراد ، ولما كانت هذه الحاجات العامة دائمة ومتطورة لأنها وليدة رغبات الأفراد المتجددة كان للإدارة دائما الحق في تغيير أو تطوير القواعد التي تحكم المرافق العامة لكي تساير حاجات الأفراد وتواكب تطلعاتهم . لذلك يكون منطقيا ان تخضع المرافق العامة لمبدأ أساسي وهو قابليتها للتغيير والتطوير في أي وقت ، دون الوقوف عند مصلحة الأفراد الخاصة الذين قد يصيبهم ضرر من هذا التغيير طالما كان الهدف من التغيير تحقيق المصلحة العامة (1).

ويقصد بقابلية المرافق العامة للتغيير والتطوير انها تجيز للإدارة ان تتدخل في أي وقت لكي تجري تغييرا في المرافق العامة سواء من حيث نشاطها أو أساليبها أو طرائق إداراتها ، دون ان يؤثر في استعمالها لهذا الحق إلا اعتبارات المصلحة العامة فإذا ما ظهر للإدارة في أي وقت ان تنظيم المرفق العام لم يعد متفقا مع المصلحة العامة التي أنشئ من اجلها(2). أو ان هناك طريقة افضل لزيادة كفاءته ، أو ان هناك تنظيما يكفل أداء الخدمة على وجه افضل كان لها ان تجري ما تشاء من تعديل في تنظيمه فتجعل إدارته غير مباشرة بدلا من الإدارة المباشرة ، أو ان تفرض رسوما على الانتفاع بخدماته أو تخفض منها ، ولا يقيدها في ذلك إلا استهداف الصالح العام ، ولا يكون لأحد حق الاعتراض على التعديل الذي أجرته الإدارة سواء من المنتفعين بخدمات المرفق العام أو العاملين فيه أو التمسك بقيام حق مكتسب في استمرار نظام معين(3).

المقصد الثاني : القانون وحتمية التطور

لا جدال في ان القانون هو أحد الركائز الجوهرية في حياة الإنسان الاجتماعية ، ولولاه لاصبح الإنسان مخلوقا مختلفا عما هو عليه الآن . وقد دلت التجربة على ان القانون أحد القوى التي تساعد على تحضير المجتمع الإنساني ، كما دلت أيضا على ان نمو الحضارة قد ارتبط على الدوام بالتطور التاريخي لنظام من القواعد الشرعية ولجهاز يجعل تنفيذها فعالا ومنتظما(4). ان القانون ظاهرة اجتماعية متصلة الحلقات ، وكونه بهذا الوصف يوجد بوجود الأفراد في جماعة لان الإنسان اجتماعي بطبعه ، لا يعيش وحده وانما يعيش في المجتمع ، وهو أيضا نظامي بطبعه يميل إلى النظام ولا يستقيم أمره إلا به(5). لقد ساير القانون وما يزال تطور الإدراك الإنساني ، ولذلك قيل ان القانون قاعدة ـ أو هو مجموع ـ الحياة الإنسانية بكاملها(6). ويلاحظ بصفة عامة ان التقدم الإنساني يسبق دائما التطور القانوني ، لان القانون ثابت بطبعه والفكر الاجتماعي غير ثابت ، فلابد ان تمضي مدة لكي يصبح القانون مسايرا للتطور الإنساني(7) .

ان القانون في حاجة دائمة إلى تجديد شبابه ـ إذا لم يكن يريد النعاس في ثبات النصوص ـ فطابع المرونة فيه يجعله رفيق الحياة ، في حين ان الخوف من عدم الاستقرار سيؤدي به حتما إلى الجمود . فالقانون في أي عصر من العصور وفي أي شعب من الشعوب لم يكن حادثة من حوادث المصادفة ، أو نزعة عرضية من نزعات المشرع ، وانما هو وليد ظروف التاريخ وثمرة تطور المجتمع ، ونتيجة لعوامل مختلفة سياسية واقتصادية وفكرية ودينية متصلة الحلقات متدرجة مع سنة التقدم والارتقاء(8) . ان تناهي النصوص وعدم تناهي الوقائع يعد ـ كما يذهب جانب من الفقه ـ أحد الأسباب الرئيسة إلى تطور الشرائع والقوانين(9) . فقد وصلت الأمم والشعوب إلى مرحلة تدوين القواعد القانونية في مجموعات قانونية محددة ، وهذه المجموعات القانونية جاءت بطبيعة الحال لتقف عند الحالة التي وصلت إليها قواعد السلوك لدى الأمم والشعوب ولتحمل في الوقت نفسه مجموعة التصورات والافتراضات القانونية للوقائع التي يمكن ان تستجد في الحياة القانونية في حدود إمكانات المشرع الوضعي وقدرته على الإحاطة بحوادث المستقبل القريب أو البعيد . فالنصوص القانونية الواردة في المجموعات القانونية محددة ومحصورة ومعلومة سلفا ، في حين ان الوقائع التي يتمخض عنها التطور الاقتصادي والاجتماعي تقع بصفة دائمة ومطردة ، كما انها عرضة للتغيير بشكل دائم ، الأمر الذي لا يمكن معه وضع مجموعة من النظريات يمكن ان تشمل كل الحوادث والوقائع المستقبلة هذا من جهة(10). ومن جهة أخرى لا يمكن ان تكون هناك نصوص قانونية لكل حادثة أو واقعة مستقبلة على هذه ، وعليه يصبح تطور القانون أمرا ضروريا لا مفر منه ولا محيد عنه(11).

___________________________

[1]- د. محمد انس قاسم جعفر ، الوسيط في القانون العام ، أسس واصول القانون الإداري ، بلا سنة طبع ، 1984 – 1985 ، ص221 ، د. انور احمد رسلان ، القانون الإداري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994 ، ص269 وص270.

2- د. محمد رفعت عبد الوهاب ود. عاصم احمد عجيله ، أصول القانون الإداري ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة ، 1984 ، ص194.

3- د. ماهر جبر نصر ، الأصول العامة للقانون الإداري ، الكتاب الأول ، مكتبة الجلاء الجديدة ، المنصورة ، 2001-2002 ، ص412 . د. سليمان الطماوي ، مبادئ القانون الإداري ، دراسة مقارنة ، الكتاب الثاني ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 ، ص211 وما بعدها .

Rivero(J) : droit admininstratif 10ed 1983 p.455 ets.

Vedel (G) : droit administratif 1973 p.418.

4- لورد دينيس لويد ، فكرة القانون ، تعريب الأستاذ سليم الصويص ومراجعة الأستاذ سليم بسيسو ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 47 ، نوفمبر 1981 ، ص5.

5- يقول الاستاذان موريه وداني : ” ان الإنسان إذا كان بطبيعته حيوانا اجتماعيا ، فهو كذلك حيوان نظامي ، أي انه يستشعر ضرورة القواعد المنظمة ” انظر في ذلك الأستاذ صبيح مسكوني ، تاريخ القانون العراقي القديم ، ط1 ، 1971 ، ص9.

6- د. عبد السلام الترمانيني ، الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية ، مطبعة جامعة الكويت ، 1982 ، ص8.

7- د. محمد عبد المجيد مغربي ، الوجيز في تاريخ القوانين ، بيروت ، 1979 ، ص215 .

8- أ. علي بدوي ، ابحاث التاريخ العام للقانون ، ج1 ، تاريخ الشرائع ، ط3 ، 1947.

9- د. صوفي ابو طالب ، مبادئ تاريخ القانون ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1967 ، ص215.

0[1]- د. السيد عبدالحميد فودة ، تطور القانون ، دار النهضة العربية ، ط1 ، القاهرة ، 2003 ، ص8.

1[1]- المصدر السابق ، ص9.

المؤلف : حسن محمد علي البنان.
الكتاب أو المصدر : مبدا قابلية قواعد المرافق العامة للتغيير والتطوير

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .