آداب «النظر» وعلاقتها بالقانون
منصور الزغيبي
من علامات رقي المجتمعات وعلو نسبة الوعي الحضاري، التزام أفراد المجتمع بالآداب على أرض الواقع في شكل لافت، وعدم التدخل في أمور الآخرين؛ بداية من «النظر»، وكما هو معلوم أن «العيون» هي المدخل الأكبر إلى القلب ومن أقرب طرق الحواس إليه.

من الآداب التي تعتبر شبه غائبة أو ضعيفة في الواقع العربي والمحلي، آداب «النظر» وعدم التحديق والتركيز في مشاهدة الآخرين في شكل حاد وجاف ومنفر، و«نفسٍ» فضولي عالٍ، وبعضها نظرات غير مفهومة، لكنها تبقى مؤذية وفيها تجاوز لحدود الآداب والقيم.

ومن الناحية الشرعية نجد أنها ركزت على جانب الآداب والقيم في شكل خاص وأساسي، ومن أشهر النصوص التي رسمت ذلك قوله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» (30) سورة النور، والمقصود بالغض هو: ترك التحديق واستيفاء النظر. وكذلك من النصوص النبوية حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فقال: «اصرف بصرك». وما جاء في صحيح مسلم وعند أبي داود من حديث بريدة رضي الله عنه: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة».

إن تحديق النظر في الآخرين، سواءً أكانوا في مكان عام أم حتى كانوا في الصلاة أو في غيرها يعتبر مخالفاً ومناقضاً للآداب والأخلاق الحميدة، حتى إن بعضهم يعتبر تحديق النظر على الوالدين من العقوق والإساءة في حقهما، قال عروة: «ما بر والديه من أَحَدَّ النظر إليهما».

مازلت أتذكر قصة حصلت لطالب أثناء دراسته في المملكة المتحدة، حينما زارته الشرطة في منزله ووجهت إليه أسئلة، منها: من هو الشخص الذي كان بجوارك في السيارة، في اليوم.. والساعة.. والطريق؟ وكان سبب السؤال أن الراكب الذي معه كان يحدق النظر في الآخرين، وكان سبباً في إزعاج أحد الأفراد أثناء المرور على الطريق العام، وكان الحديث مصحوباً بقراءة التعليمات له وإبلاغه أن القانون يحاسب من يتجاوز ذلك ويخضعه للمساءلة وتوجيه الاتهام إليه.

خلاصة القول، من الضروري تعزيز مفاهيم الآداب والسلوكيات الراقية، في شكل عام، وبداية من آداب «النظر»، من داخل الأسرة ومعرفة دورها الأساسي في ذلك، وتربية الأجيال المتعاقبة على السلوك الحسن، وكذلك المدرسة والمجتمع لأجل خلق الإيجابية في نفوس الأفراد والمجتمع، وإصدار قوانين تؤكد هذه الآداب، ومحاسبة كل من يتراخى في ذلك وينتهك حقوق الناس المعنوية، ويجرحهم على المستوى المعنوي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت