محاكمة رئيس الجمهورية أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق (تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 41 لسنة 2017)
القاضي سالم روضان الموسوي

اقر دستور العراق لعام 2005 مبدأ مساءلة رئيس الجمهورية عن بعض الأفعال ولم يجعله مصون عنها وغير محصن من المحاكمة بموجبها وعلى وفق حكم المادة (61/سادساً) من الدستور التي جاء فيها الآتي (أـ مساءلةرئيس الجمهوريةبناءً على طلبٍ مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب. بـإعفاء رئيس الجمهورية ،بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، بعد إدانته من المحكمة الاتحادية العليا،فيإحدى الحالات الآتية: ١الحنث في اليمين لدستورية. 2 انتهاك الدستور. ٣ الخيانة العظمى) ويعد ذلك الأمر تطور ايجابي في النظام الدستوري العراقي ويتوافق مع منطق مع ما يتطلبه المنطق الديمقراطي لان النظام البرلماني التقليدي يكون الرئيس او الملك غير مسؤول سياسياً([i])، لذلك فان المسؤولية السياسية والجنائية تعد حجر الزاوية والركن الأساسي في النظام البرلماني ويرى احد الكتاب إذا تخلف هذا الركن لا يمكن أن يوصف نظام الحكم بأنه نظام برلماني وتعد من أهم الضمانات للحريات العامة([ii])

ومن هذه الأهمية للمساءلة باعتبارها إحدى وسائل حماية الدستور من الخرق وصيانة امن البلاد وشؤون الأفراد وحقوقهم الدستورية فان الدستور العراقي لعام 2005 ثبت مبدأ المساءلة السياسية والجنائية لرئيس الجمهورية ورسم لها طريق في إجراءات التحقيق والمحاكمة وخلال العام الجاري تقدم البعض لمساءلة رئيس الجمهورية عن بعض الأفعال التي نسبت إليه ومنها ارتكابه فعل الحنث باليمين الدستورية ومنها الدعوى الدستورية التي أقامها احد الأفراد على رئيس الجمهورية إضافة لوظيفته بموجب الدعوى التي نظرتها المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 41 لسنة 2017 وأصدرت فيها حكمها المؤرخ في 13/6/2017 الذي قضت فيه برد دعوى المدعي وذلك لعدم صدور قانون ينظم عملية الاتهام والمحاكمة لرئيس الجمهورية لغاية الآن مما يجعل النظر في الدعوى خارج اختصاصها الذي لا ينعقد إلا بصدور ذلك القانون المادة (61/سادساً) من الدستور أقرنت إجراءات المحاسبة بقانون يصدر لاحقاً وعلى وفق ما ورد في الفقرة (سادساً) من المادة (93) من الدستور التي جاء فيها الآتي (الفصل في الاتهامات الموجهة إلىرئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء،وينظم ذلكب قانون) وهذا القانون من القوانين الدستورية التي اشترطها الدستور وأصبحت من الواجبات على مجلس النواب تشريعه لكنه لغاية الآن لم يلتفت إليه ولم يبادر إلى تشريعه وللوقوف على المبادئ المستخلصة من قرار الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا رقم 41 لسنة 2017 في 13/6/2017 اود ان اعرض الآتي :-

1. من له حق طلب محاكمة رئيس الجمهورية؟ 

إن الدستور العراقي لعام 2005 كان قد حدد آليات لتحريك الدعوى لمساءلة رئيس الجمهورية وجعل صلاحية طلب مساءلة رئيس الجمهورية في الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب فقط ولم يسمح لأي جهة أخرى ان تطلب ذلك ويكون بواسطة طلب مسبب من الأغلبية لعدد أعضاء مجلس النواب وعلى وفق ما ورد في البند (آ) من الفقرة (سادساً) من المادة (61) من الدستور التي جاء فيها الأتي ( أـ مساءلة رئيس الجمهورية بناءًعلى طلبٍ مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب) وهذا الطلب اشترط له الدستور ان يكون مسبب بمعنى بيان ماهية الخرق الذي المنسوب إلى رئيس الجمهورية وبشكل تفصيلي وبيان وجه المخالفة ففي فعل الحنث باليمين الدستورية التي أداها رئيس الجمهورية عند توليه المنصب فان تلك اليمين تضمنت عدة أفعال وعلى وفق الصيغة التي صاغ بها الدستور اليمين الدستورية في المادة (50) والتي جاء فيها الأتي (اُقسم بالله العليا لعظيم،أن أؤدي مهماتي و مسؤولياتي القانونية،بتفانٍ وإخلاص، وان أحافظ على استقلال العراق وسيادته،وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي،وان أعم لعلى صيانة الحريات العامة والخاصة،واستقلال القضاء،والتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ وحياد،والله على ما أقول شهيد).

ويلاحظ إن مفردات اليمين فيها عدة صور لأفعال التزم بها رئيس الجمهورية لذلك فان طلب المسائلة عن حنث الرئيس عن تلك اليمين لابد وان يتضمن واحدة أو أكثر من هذه الأفعال.فضلا عن نص المادة (57) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي أوضحت كيفية تقديم الطلب إلى رئاسة مجلس النواب وليس الى المحكمة الاتحادية العليا بشكل مباشر وبذلك فان المدعي في الدعوى لا يجوز له ان يكون خصما لرئيس الجمهورية في دعوى مساءلته عن فعل الحنث باليمين وما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 41 لسنة 2017 حينما لم ترد الدعوى من جهة الخصومة فهو تصرف فيه الحكمة والمنطق القضائي السليم لأنها لا تبحث في خصومة أطراف الدعوى إلا إذا انعقد لها الاختصاص الوظيفي فعند ذاك تنظر في موضوع الخصومة اما الطلب في هذه الدعوى أصلا لا يقع ضمن اختصاصها النوعي أو الوظيفي لذلك قضت برده ابتداءً لان المحكمة ملزمة بالبحث أولا في اختصاصها النوعي أو الوظيفي ثم تنظر في صفات الخصوم وأهليتهم القانونية وهل يتوفر على أهلية التقاضي وقانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل قد التفت إلى ذلك بان جعل الاختصاص الوظيفي أولاً ثم النوعي وفي المرحلة الثالثة المكاني ففي باب الاختصاص جعل الفصل الأول في المادة (29) مرافعات الاختصاص الوظيفي وفي الفصل الثاني المادة (31) مرافعات الاختصاص النوعي وفي الفصل الثالث الاختصاص المكاني في المواد (36) وما بعدها وهذه التراتبية تحتم على المحكمة ان تراعيها بمعنى أول ما تبحث فيه هو اختصاصها الوظيفي بمعنى هل لها الولاية فإذا تحققت من ذلك تبحث هل إنها مختصة نوعياً فإذا كانت مختصة تذهب إلى البحث في شروط الدعوى الأخرى أما إذا وجدت إنها غير مختصة نوعياً فإنها لا تبحث في الدعوى أصلاً وإنما ترفض النظر فيها بالنسبة للمحاكم التي لا نظير لها في المنظومة القانونية مثل المحكمة الاتحادية التي لا تناظرها أي محكمة إما في المحاكم الاعتيادية بالإمكان إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة نوعيا التي تقع ضمن أعمالها([iii]). كذلك ارى من اسباب عدم الخوض في مدى صلاحية المدعي للمخاصمة بان المحكمة تحسبت لما سيحدث من مراكز قانونية عند اصدار قانون ينظم عملية مساءلة ومحاكمة رئيس الجمهورية وارى بان هذا الاتجاه هو عين الصواب.

2. موضوع الدعوى الحنث باليمين الدستورية
ان القانون لم يبين كيفية إحالة الدعوى إلى المحكمة الاتحادية لان إدانة رئيس الجمهورية باعتباره قد حنث باليمين لابد وان يكون بموجب قرار إحالة لان هذا الفعل هو من المساءلة الجنائية لرئيس الدولة فضلا عن الطبيعة السياسية لان النظام القانوني الجنائي العراقي وحتى العالمي يوجب ان تكون الدعوى الجنائية من مرحلتين الأولى مرحلة الاتهام والأخرى مرحلة المحاكمة وفي دستور عام 2005 جعل مرحلة الاتهام بيد مجلس النواب على وفق ما ورد في المادة (61/سادسا/أ) من الدستور والمادة (57) من النظام الداخلي لمجلس النواب لكن لم يبين الدستور او النظام الداخلي كيفية الإحالة وإنما فقط انتقلت إلى حالة إيقاع الجزاء على رئيس الجمهورية بعد إدانته بارتكابه فعل الحنث باليمين وعلى وفق المادة (61/سادساً/ب) من الدستور والمادة (62) من النظام الداخلي لمجلس النواب عندما جعلت صلاحية مجلس النواب بسحب الثقة عن رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة في حال إدانته بفعل الحنث باليمين وعلى وفق النص الآتي (يتم إعفاء احد أعضاء مجلس الرئاسة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب, بعدإدانة احدهم من المحكمة الاتحادية العليا في إحدى الحالاتا لآتية: اولا: الحنث في اليمين الدستورية. ثانيًا: انتهاك الدستور. ثالثًا: الخيانة العظمى) ومن خلال ما جاء في النصوص الدستورية ونصوص النظام الداخلي فان إدانة رئيس الجمهورية تكون بعد إحالة أوراق المساءلة التي قام بها أعضاء مجلس النواب والتصويت على قرار إحالته إلى المحكمة الاتحادية لاجراء محاكمته عن التهم التي تنسب إليه لان المادة (61/سادسا/أ) من الدستور بينت طريقة المساءلة التي تكون حصراً من أعضاء مجلس النواب وكذلك قررت في الفقرة ب من المادة أعلاه سحب الثقة عنه من قبل أعضاء مجلس النواب بعد إدانته من المحكمة الاتحادية العليا فيكون من المنطق ان تحال الأوراق والتهم وقرار الإحالة من مجلس النواب إلى المحكمة الاتحادية العليا وهذا الحال يؤكد ان رئيس الجمهورية لا تجوز مساءلته او محاكمته إلا من قبل مجلس النواب فقط.

ومن خلال ما تقدم أرى بان قرار المحكمة الاتحادية العليا وردت فيه إشارة ضمنية إلى السلطة التشريعية للوفاء بواجبها الدستوري وتشريع القوانين الدستورية ومنها القانون المشار إليه في المادة (61) من اجل اكتمال بناء المؤسسات الدستورية واطر العمل الديمقراطي في ظل الدستور النافذ.

الهوامش

[i] الدكتور عبدالغني بسيوني عبدالله ـ سلطة ومسؤلية رئيس الدولة في النظام البرلماني ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ـ طبعة عام 1995 ـ ص222

[ii] الدكتور سامر محمد التركاوي ـ دور رئيس مجلس الوزراء في النظام النيابي البرلماني ـ منشورات الحلبي الحقوقية بيروت طبعة عام 2017 ـ ص384

[iii] للمزيد انظر القاضي عبدالرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ منشورات المكتبة القانونية ـ الطبعة الثانية ـ ج1ـ ص322

إعادة نشر بواسطة محاماة نت