وتعني حرية سرية المراسلات والاتصالات حرية الفرد في ان يعبر عن ارائه واسراره من خلال مخاطباته ومراسلاته واتصالاته لمن يشاء من دون ان يكون لأي شخص او جهة الاطلاع عليها الا باذنه(1). ويتصل بهذه الحرية ايضا عدم جواز التنصت على المكالمات التلفونية ووسائل الاتصال الاخرى(2)،وقد كفلت المادة (45)من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 النافذ حرية المراسلات البريدية والبرقية والمكالمات التلفونية وغير ذلك من وسائل الاتصالات وسريتها ولم تجز الاطلاع عليها او الرقابة عليها الا بأمر قضائي مسبب لمدة محددة على وفق القانون كما نصت المادة(40) من دستور جمهورية العراق النافذ على ان (حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة، ولايجوز مراقبتها او التنصت عليها او الكشف عنها الا لضرورة قانونية وامنية وبقرار قضائي)

ويتضح من نصي الدستورين المصري والعراقي انه ليس للادارة التدخل في ممارسة حرية المراسلات والمكالمات التلفونية او رقابتها وانما يجب ان يتم ذلك بقرار قضائي ونرى ان غل يد الادارة نهائيا في الرقابة على المراسلات والمكالمات التلفونية وان كان فيه ضمانة كبيرة لحريات الافراد الا انه يشكل من ناحية اخرى تهديدا للنظام العام في المجتمع الذي يدخل من ضمن مفهومه الاخلاق العامة للمجتمع، ومع ذلك فان دور الادارة في هذه الحالة يمكن ان يتبين في انها هي التي قد تقدم طلبات للقضاء بمراقبة بعض المراسلات والاتصالات مدعية وجود ضرورة امنية، في حين نجد ان العديد من الدساتير تكفل حرية المراسلات على ان يكون ذلك على وفق القانون وهذا يعني جواز قيام القانون بتحديد الحالات التي يجوز فيها للادارة مراقبة المراسلات او الاتصالات وهو موقف محمود نـأمل من المشرع الدستوري في العراق تبنيه والاخذ به بما يسمح للادارة القيام بواجبها في حفظ النظام العام على الوجه الافضل وبما يحقق نوعا من المواءمة بين كفالة الحريات العامة ومقتضيات المحافظة على النظام العام وذلك بان يجيز القانون للادارة الرقابة على المراسلات الاتصالات التلفونية في حالات محددة.

يتبين مما تقدم ان الادارة في العراق حاليا ليس لها الاختصاص في الرقابة على المراسلات والمكالمات التلفونية الا بأمر قضائي ايا كانت الدوافع والمبررات لذلك وبالتالي فان يد الادارة عند تلقيها شكاوى معينة من المواطنين بوجود مشاكسات تلفونية او الفاظ بعيدة عن الاخلاق العامة للمجتمع ستكون مغلولة في التحقق من ذلك وسيتوقف دورها على الطلب من ذوي الشأن استحصال قرار قضائي يلزم الادارة ممثلة بوزارة الاتصالات بالرقابة على المكالمات وبذلك فان سلطة الادارة في حماية الاخلاق العامة لن يكون لها اثر مباشر في حرية المراسلات والاتصالات وانما ستكون الوزارة وسيلة او اداة بيد القضاء لاتخاذ اجراء معين بالرقابة على المكالمات التلفونية.

________________

1- يشير د. منيب محمد ربيع بانها تتضمن حرية الفرد في ان يعبر عن مكنون نفسه وسرد اسراره وعرض مشاكله لمن يشاء في رسائله – ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط الإداري- رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون/ جامعة عين شمس – 1988– ص138.

2- اشارت المادة (17) من الميثاق العربي لحقوق الانسان لسنة 1997 الى ان انتهاك سرية المراسلات يعد جريمة – منشور لدى د. محمود شريف بسيوني – الوثائق الدولية المعنية بحقوق الانسان- المجلد الثاني (الوثائق الاسلامية والاقليمية )- دار الشروق -الطبعة الاولى -القاهرة – 2003– ص508-514.

المؤلف : نجيب شكر محمود
الكتاب أو المصدر : سلطة الادارة في حماية الاخلاق العامة واثرها في الحريات العامة
الجزء والصفحة : ص149-150

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .