سبب تقديم الوصية على الدين في القرآن الكريم
قال تعالى :{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا} (11) سورة النساء

وقال تعالى : {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } (12) سورة النساء

الدين مقدم على الوصية مع تقديمها عليه في القرآن الكريم فلماذا ؟.
روى الإمام احمد والترمذي وغيرها حديث علي رضي الله عنه أنه قال إنكم لتقرءون هذه الآية : ( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ) . والحديث إسناده ضعيف كما ذكر الشوكاني في نيل الأوطار لكنه معتضد بالاتفاق قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم .

وإنما قدمت الوصية على الدين في الذكر لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه يقع غالباً بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل .

وقيل قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك . وأيضاً فهي حظ فقير أو مسكين غالباً والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال لحديث ( إن لصاحب الحق مقالاً ).

والوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضاً على العمل بها خلاف الدين .

قال الشيخ محمد بن علي الصابوني في كتابه المواريث : ولعل الحكمة من هذا التقديم أن الدين ثابت في ذمة المدين قبل الوفاة وبعدها ، وله مطالب من قبل الناس وهو الدائن ، يطالب به الورثة ويلاحقهم ، حتى يدفعوا له حقه بخلاف الوصية فإنها تبرع محض وليس هناك من يطالب بها من البشر فلئلا يتهاون الناس في أمرها وتشح نفوس الورثة بأدائها ، قدمها الله تبارك وتعالى في الذكر فتنبه والله أعلم ..

قال الزين ابن المينر: تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معاً قد ذكرا في سياق البعدية، لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ بل هو بعد بعده، فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية، فيقدم الدين على الوصية، وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين
فائدة :
حاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور. أحدها الخفة والثقل كربيعة ومضر، فمضر أشرف من ربيعة، لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر، وهذا يرجع إلى اللفظ. ثانيها بحسب الزمان كعاد وثمود. ثالثها بحسب الطبع كثلاث ورباع.

رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال، فالبدن مقدم على المال. خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى: “عزيز حكيم” وقال بعض السلف: عز فلما عز حكم. سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى: “من النبيين والصديقين”

وقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين، لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة، بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالباً بعد الميت بنوع تفريط، فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل،

مسألة : هل يجوز تقديم الوصية على الدين ؟
قال في الفتح: ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية إلا في صورة واحدة، وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلاً وصدقه الوارث وحكم به، ثم ادعى آخر أنه له في ذمة الميت ديناً يستغرق موجوده، وصدقه الوارث، ففي وجه للشافعية أنها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة .
_