دراسة في قانون الأحوال الشخصية العراقي .. عقد الزواج وشروطه

إتفق ائمة وفقهاء المذاهب الإسلامية على أنّ الزواج يتم بالعقد المشتمل على الإيجاب والقبول مِن المخطوبة والخاطب ، أو مَن ينوب عنهما كالوكيل والولي ، ولا يتم بمجرد المراضاة مِن غير عقد .

واتفقوا أيضاً على أنّ العقد يصحّ إذا وقع بلفظ زوجتُ أو أنكحتُ مِن المخطوبة أو مَن ينوب عنها ، وقبِلتُ أو رضيتُ مِن الخاطب أو مَن ينوب عنه .

واختلفوا في صحة العقد إذا لَم يقع بصيغة الماضي ، أو وقع بألفاظ غير مشتقة مِن مادتي الزواج والنكاح ، كالهبة والبيع وما أشبه .

قال الحنفية : يجوز العقد بكل ما دل على إرادة الزواج حتى بلفظ التمليك والهبة والبيع والعطاء والإباحة والإحلال إن كان العقد مصحوباً بالقرينة الدالة على الزواج ولا ينعقد بلفظ الإجارة والعارية ؛ لأنّهما لا يفيدان الدوام والاستمرار, واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري ومسلم مِن أنّ امرأة جاءت إلى النبي وقالت له : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فطأطأ النبي رأسه ولَم يجبها ، فقال بعض مَن حضر : إن لَم يكن لك بها حاجة فزوجنيها . فقال له 2: ( هل عندك مِن شيء ) ؟. قال : لا والله .
فقال له 2: ( مإذا معك مِن القرآن ) ؟ قال : كذا . فقال النبي2 : ( لقد ملكتها بما معك مِن القرآن ) ([1])

وقال المالكية والحنابلة : ينعقد بلفظ النكاح والزواج وما يشتق منهما ، وينعقد أيضاً بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقروناً بذكر الصداق ، ولا ينعقد بغير هذه الألفاظ ، واستدلوا على صحة العقد بلفظ الهبة([2]) بآية : ( امْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا) ([3])

وقال الشافعية : يجب أن تكون الصيغة مشتقة مِن لفظ التزويج والنكاح فقط ، ولا تصلح مِن غيرهما .

وقال الإمامية : يجب أن يكون الإيجاب بلفظ زوجتُ وأنكحتُ ، بصيغة الماضي ولا ينعقد الزواج بغيرها ، ولا بغير مادة الزواج والنكاح ؛ لأنّهما يدلان على المقصود بدلالة الوضع ، ولأنّ صيغة الماضي تفيد الجزم ، وقد نص القرآن عليهما (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ) ([4]) ( أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ ) ، والأصالة بقاء التحريم في غير مورد الإجماع والاتفاق . وقالوا : يجوز في القبول ( قبِلتُ أو رضيتُ ) بصيغة الماضي أيضاً .

اما في القانون العراقي فتنص الفقرة (2) من المادة (77) من القانون المدني العراقي النافذ على 🙁 ويكون الايجاب والقبول بصيغة الماضي، كما يكونان بصيغة المضارع او بصيغة الأمر إذا أريد بهما الحال).

وقال الإمامية والشافعية والحنابلة : يشترط الفور في العقد ، وهو أن يقع القبول عقيب الإيجاب مِن غير فاصل .
وقال المالكية : لا يضر الفاصل اليسير ، كما إذا فصل بخطبة يسيرة ونحوها .

وقال الحنفية : لا يُشترط الفور ، فلو أرسل رجل إلى امرأة كتاباً يخطبها فيه وهو غائب ، فأحضرت شهوداً وقرأتْ عليهم الكتاب وقالت : زوجته نفسي ، يتم الزواج([5]), واتفقوا أنّ العقد يتم بغير العربية مع العجز عنها . واختلفوا في صحته مع القدرة عليها ، قال الحنفية والمالكية والحنابلة : يصحّ .
وقال الشافعية : لا يصحّ ([6]),وعليه مذهب الإمامية .
قال الإمامية والحنابلة والشافعية : لا يصحّ العقد بالكتابة .
وقال الحنفية : يصحّ إذا لَم يكن الخاطب والمخطوبة في مكان واحد .

اما قانون الأحوال الشخصية العراقي فقد اخذ بعقد الزواج عن طريق الكتابة وذلك بنص الفقرة (2) من المادة (6) والتي تنص على : (ينعقد الزواج بالكتابة من الغائب لمن يريد ان يتزوجها بشرط أن تقرأ الكتاب أو تقرؤه على الشاهدين وتسمعهما عباراته وتشهدهما على أنها قبلت الزوا منه).

اما بالنسبة لزواج الأخرس فقد اتفقوا على أنّ الأخرس يكتفى منه بالإشارة الدالة على قصد الزواج صراحة إذا لَم يحسن الكتابة ، وإن أحسنها فالأولى الجمع بينها وبين الإشارة .

قال الحنابلة والحنفية : إذا اشترط الزواج والزوجة الخيار في فسخ العقد والرجوع عنه يصحّ العقد ، ويبطل الشرط .

وقال المالكية : بل ينظر ، فإن كان لَم يدخل بَعد يبطل العقد والشرط، وإن كان قد دخل يصحّ العقد، ويبطل الشرط .

وقال الشافعية والإمامية : يبطل العقد والشرط معاً مِن غير تفصيل بين الدخول وعدمه ([7]), فالأصل أن يكون الإيجاب مِن الزوجة والقبول مِن الزوج ، فتقول هي :زوجتُكَ . ويقول هو : قبِلتُ . ولو تقدم القبول ـ فقال الزوج للولي : زوجنيها . فقال له : زوجتُكَها ـ فهل يصحّ العقد أو لا ؟

قال الإمامية والثلاثة : يصحّ . وقال الحنابلة : لا يصحّ .([8])
قال العلاّمة الحلّي مِن الإمامية في كتاب التذكرة : ( عقد النكاح لا يقبل التعليق بل شرطه الجزم ، فلو علقه على وقت أو وصف ـ مثل إذا جاء رأس الشهر فقد زوجتك فقال الزوج : قبِلتُ ـ لَم ينعقد . وبه قال الشافعي ) .

وقال أبو زهرة مِن الحنفية: ( يُشترط تنجيز الزواج ؛ لأنّه عقد ، والعقد لا يتراخى إحكامه عن أسبابه فلا يمكن أن يضاف إلى المستقبل . وجاء في إعلام الموقِعين عن الإمام أحمد : جواز تعليق النكاح بالشرط ) .
( فرع ) جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة([9]): (إنّ العامي لو قال : جوّزتُ بدلاً عن زوجتُ ـ يصحّ العقد ، وبهذا أفتى السيد أبو الحسن الأصفهاني مِن الإمامية)([10]).
اما قانون الأحوال الشخصية العراقي فقد اخذ بجواز وضع شروط مشروعة تضع ضمن عقد الزواج واجاز للزوجة طلب فسخ عقد الزواج عند عدم ايفاء الزوج بما اشترط ضمن الزواج, وذلك في الفقرتين (3و4) من المادة (6) من القانون.

المصادر
[1] . والإمامية رووا الحديث بلفظ آخر ، قالوا : جاءت امرأة إلى النبي فقالت له : زوجني . فقال : ( مَن لهذه المرأة ) ؟ فقام رجل مِن الحاضرين ، وقال : أنا . فقال له النبي : ( ما تعطيها ) ؟ قال : ما لي شيء . فقال النبي: ( لا ) . فأعادت ، فأعاد النبي ، فلَم يقم غير الرجل الأوّل . ثمّ أعاد ، فأعاد . فقال النبي : ( أتحسن مِن القرآن شيئاً ) ؟ قال : نعم . فقال : ( زوجتكها على أن تعلّمها ما تحسن مِن القرآن ) . فاللفظ كان الزواج لا الملك .
[2] . الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص ,36 ,طبعة 1948م.
[3] . الاحزاب (50)
[4] . الاحزاب (37)
[5] . كتاب الفقه على المذاهب الأربعة, ج4 ,مبحث شروط النكاح ، والأحوال الشخصية لمحمد محي الدين عبد الحميد .
[6] . الأحوال الشخصية . لأبي زهرة, ص 27 .
[7] . الفقه على المذاهب الأربعة ج4 ، وتذكرة العلاّمة ج2 ، والمسالك للشهيد الثاني ج2 .
وهذا الحكم عليه أكثر الإمامية ، ومنهم مَن قال ـ كأبن إدريس مِن المتقدمين ، والسيد أبو الحسن الأصفهاني مِن المتأخرين : يصحّ العقد ، ويبطل الشرط . وعلى هكذا يكون فقهاء الإمامية على قولين تماماً كفقهاء المذاهب .
[8] .. تذكرة العلاّمة الحلّي, ج2 .
[9] . ج4 نقلاً عن الحنفية والشافعية

. كتاب وسيلة النجاة ، باب الزواج .[10]