كتاب مدخل العلوم السياسيه لمؤلفه البروفسير/ مايكل روسكن “Michael G. Roskin” أستاذ العلوم السياسيه بجامعة لايكومنج ” “Lycoming بولاية بنسلفانيا والاستاذ الزائر للسياسه الدوليه بقسم استراتيجيات الأمن القومي بكلية الحرب العليا بالولايات المتحده الأمريكيه ،، صدر من هذا الكتاب أكثر من اثني عشر طبعه تدرسها العديد من كليات القانون والسياسه الدوليه بالولايات المتحده الأمريكيه اذ يعد مرجعا” في غاية الأهميه لأساتذة ودارسي العلوم السياسيه والقانون العام على اختلاف مشاربه.

جاء الكتاب في واحد وعشرون فصلا” تناولت العديد من الأفكار داخل مجال العلوم السياسيه مابين فكرة الدولة ونشأتها وشكل الحكم والدستور وسلطات الدولة الثلاث وعلاقتها ببعضها البعض وانماط نظام الحكم المختلفة والأحزاب السياسيه ونظم الانتخابات المتعدده مرورا” بأشكال تغيرنظام الحكم بغير الانتخابات والتفرقة بين اعمال العنف والشغب والثورة والانقلاب العسكري.
نستعرض اليوم نظم الانتخابات البرلمانيه بصفة عامه على نحو ما أورده المؤلف ذائع الصيت ..

ان تحديد النظام الانتخابي الأمثل “Electoral System” لكل دوله يعد وبحق مسألة غاية في الأهميه اذ يمكن عن طريق ذلك التحديد الوصول الى تشكيل حكومة مستقرة بعيدة عن أنواء التقلبات السياسيه ويعد اهتمام المواطن العادي بالسياسه والمشاركة الايجابيه في الحياة السياسيه أحد أهم عوامل القياس لتحديد النموذج الانتخابي الأمثل على نحو ما سنعرض له .

بصفة عامة يمكن القول أن هناك نظامين انتخابيين رئيسيين يتفرع منهما بعض الانظمه الصغيرة التي ليس المجال هنا الحديث عنها..

1) نظام الانتخاب الفردي “Single Member District”

هو النموذج الأبسط للنظم الانتخابيه وينتشر بصفه عامه في الدول الناطقه باللغه الانجليزيه وعلى رأسها الولايات المتحده الأمريكيه وانجلترا ، ووفقا” لهذا النظام تقسم الدوائر الانتخابيه على امتداد الدوله وتتم الانتخابات بين عدد من المرشحين الفرادى دون الانطواء تحت قوائم حزبيه ويفوز المرشح الذي يحصل على أكثرية الأصوات بمقعد البرلمان ويخسر باقي المرشحين في نظام “الفائز يحصد كل شيء” “First Past the Post” بمعنى أنه اذا ترشح عدد 4 مرشحين وجائت النتائج بحصول الأول على 26% والثاني 25% والثالث 25% والرابع 24% ، فاز الأول بالمقعد وخسر الباقين وذلك بالرغم من أن الأول حقق الأكثريه “Plurality” وليس الأغلبيه “Majority”

وفي هذا النظام تميل الأحزاب السياسيه ذات الأيديولوجيات المتقاربه الى التكتل بحيث تتوافق على مرشح بعينه أو يحدث نوع من التنسيق بينها على اختلاف الدوائر لتقليل حجم المنافسه والا خسرت جميعها ، فمثلا” في الانتخابات النيابيه لكوريا الجنوبيه 1987 تنازع أكبر حزبين ليبراليين على مقاعد البرلمان وهو ما تسبب في فوز الحزب المحافظ بأغلبيه المقاعد نتيجة لتفتت الأصوات بينهما ،، وودرو ويلسون “Woodrow Wilson” المرشح الديموقراطي فاز برئاسة الولايات المتحده 1912 لتسبب ثيودور روزفلت “Theodore Roosevelt” في تفتت أصوات الحزب الجمهوري “بل انه في استطراد لنا يمكن القول أن هذا ما حدث حرفيا” في مصر ابان انتخابات الرئاسة الماضيه اذ تسبب تفتت الأصوات بين التيارات المدنيه المختلفة الى وصول مرشح حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين الى سدة الحكم”

• مزايا النظام الفردي :

(1) يساعد تبني هذا النظام على الاقتراب من دائرة الوسطيه السياسيه ويمنع الى حد كبير التطرف السياسي ، اذ نظرا” لان من يحوز الأكثريه هو من يفز بالمقعد فهنا يكون الشغل الشاغل لكافة الأحزاب هو إجتذاب العدد الأكبر من أصوات الناخبين وهو ما يستتبعه أن تحاول دائما” الوصول لحالة من التوافق ترضي أكثرية الناخبين على اختلاف لنتمائاتهم السياسيه دون الالتزام الضيق بأفكار الحزب المحدده بالمعنى الضيق وقد تسبب عدم الاعتداد بهذا المبدأ بفشل الجمهوريين بعد جولدووتر “Goldwater” 1964 ، والديموقراطيين بعد ماكجوفيرن “McGovern” 1972 وحزب المحافظين ببريطانيا بعد ويليام هيج “William Hague” 2011 ..

(2) في مثل هذا النظام يسيطر عادة اتجاه أو حزب سياسي على الأغلبيه البرلمانيه وهو ما يساعد على خلق حاله من الاستقرار داخل البرلمان ، والولايات المتحده تأخذ الجانب المضيء من هذه المزيه وفقا” لمبدأ “توزيع السلطات” الوارد بالدستور الأمريكي فتأتي الأغلبيه البرلمانيه عادة من الحزب المخالف للحزب الذي ينتمي اليه من يحكم البيت الأبيض.

(3) يتمتع عضو البرلمان فيه بحريه كبيرة متحللا” من القيود الحزبيه فهو لايدين للحزب بوصوله للبرلمان مما يجعله يتبنى مواقف تعبر عن قناعاته الشخصية وليست بالضرورة عن الحزب المنتمي اليه ولنا فيما حدث بمجلس العموم البريطاني حال طرح ديفيد كاميرون “David Cameron” رئيس الوزراء البريطاني قرار” بمساعدة الولايات المتحده بضربة استباقيه لسوريا فرفض مجلس العموم القرار رغم سيطرة الحزب الحاكم الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء”حزب المحافظين” على أغلبيته ..

• عيوب النظام الفردي :

(1) يسهم هذا النظام في خلق أغلبيه برلمانيه غير حقيقيه وهو وإن كان من شأنه سهولة تشكيل الحكومه الا أنها لاتعكس بالضرورة رغبات الناخبين ، إذ فاز بالكرسي من حقق 26% على النحو السابق الايضاح وتبقى عدد 74% من أصوات الدائرة لم بدعموا ممثلهم بالبرلمان وتفتت أصواتهم بين المرشحين

(2) ان ما يشار اليه كمزية لهذا النظام وهي اللعب في منطقة الوسط السياسي محاولة لكسب المزيد من الأصوات ذات الأيديولوجيات المتقاربه هو بحد ذاته يمكن أن يعد سلبيه متمثله في أن يصبح الأداء السياسي للأحزاب باهتا” غير واضح المعالم “ويمكن هنا الإشارة الى حزب مصر القويه ومرشحه د/عبد المنعم أبو الفتوح كنموذج لتوضيح المقصود بالأداء الباهت غير محدد الرؤيه لمحاوله جذب الناخبين على اختلافهم وهو ما تسبب في فشل الحزب في بلورة اتجاه سياسي محدد”

(3) عادة ما يسطير على مثل هذا النوع من نظم الإنتخاب أصحاب الحظوة والمال والنفوذ

2) نظام التمثيل النسبي –القوائم- “Proportional Representation”:

في هذا النظام لابد أن يدخل المرشحين عباءة أحد الأحزاب السياسيه ليدرج على قائمتها وتدخل الأحزاب بقائمة من عدد معين من المرشحين وفقا” لحجم الدائرة الانتخابيه فلو فرضنا ان عدد مقاعد الدائرة الانتخابيه 10 مقاعد وحصلت قائمة حزب ما على 30% من الأصوات فهنا يحصل هذا الحزب على 3 مقاعد من اجمالي مقاعد الدائرة وهكذا لكل حزب بنسبة الأصوات التي حصلت عليها قائمته ،، وهناك بعض الدول صغيرة الحجم مثل هولندا “Netherland” وإسرائيل “Israel” تكون فيها الدوله كلها بمثابة دائرة انتخابيه واحده بقائمة حزبيه واحده على مستوى الجمهوريه ،، وفي مثل هذا النظام وللحد من وجود العديد من الأحزاب الصغيرة شديدة التطرف يتطلب لأي حزب حتى يحصل على مقعد برلماني أن يحصل على نسبة مؤية محدده من إجمالي الناخبين عادة ماتتراوح بين 5-10% فيما يسمى بالعتبة الانتخابيه ” Threshold Clauses” وعلى سبيل المثال تشترط ألمانيا و بولندا حصول أي حزب على نسبه لاتقل عن 5% من اجمالي أصوات الناخبين حتى يمكن لها الحصول على مقاعد برلمانيه.

• مزايا نظام التمثيل النسبي :

(1) يعكس الرأي العام ورغبة الناخبين بصوره دقيقه كما يوضح بشكل قاطع القوة الحقيقية للأحزاب على الأرض ، إذ يحصل كل حزب على نسبة الأصوات التي دعمته مهما كانت شريطة أن تصل الى الحد الأدنى وفقا” لقانون كل دوله على نحو ما أوضحنا سابقا” بما يحقق عدالة التوزيع

(2) لاتحتاج الأحزاب هنا للعب في منطقة الوسط أو مايعرف بالطيف السياسي على نحو ما يحدث في النظام الفردي، إذ تكون الاحزاب قادرة على حصاد بعض المقاعد بحسب النسبه التي تحصل عليها دون الحاجه الى تحقيق الأكثريه وهو ما يجعل تلك الأحزاب محددة الرؤيه وذات أيديولوجيات واضحه.

• عيوب نظام التمثيل النسبي:

(1) يكون تشكيل الحكومة في هذا النظام أصعب نسبيا” اذ عادة لاتحقق أحد الأحزاب في هذا النظام أغلبية مطلقه نظرا” لحصول العديد من الأحزاب الصغيرة على مقاعد برلمانيه نسبة لتمثيلهم بالبرلمان وهو مايضطر حزب الأكثرية الى الوصول الى تحالفات داخل البرلمان لتشكيل الحكومة أو تشكيل حكومة إئتلافيه عادة لاتتمتع بثبات نسبي اذ بمجرد إختلاف أحد الأحزاب الصغيرة المنضمه للحكومة أو خروجه عن ركب التحالف الحكومي تكون الحكومه مهدده بسحب الثفة وعدم الحصول على الأغلبيه البرلمانيه اللازمه

(2) لايحقق هذا النظام علاقة مباشرة بين الناخب وممثله بالبرلمان إذ تختفي العلاقة المباشرة بينهما ويحل محلها البرنامج الحزبي وهو ما يؤدي الى خضوع الناخب لأهواء قيادات الحزب في الإختيار وترتيب المرشحين.

(3) تشكل الالتزامات الحزبيه عبئا” كبيرا” على المرشحين الفائزين بعضوية البرلمان ويظلون مدينين لحزبهم بالوصول لمقعد البرلمان فتعكس قراراتم وجهة نظر الحزب عادة.

(4) لايصلح هذا النظام عادة في دول الديموقراطيات الوليده والتي تكون فيها الأحزاب السياسيه في بداية تكوينها هشه غير مدركة لاليات العمل السياسي أو منفصلة جزئيا” عن الجماهير..

وأخيرا” فان هناك من الأنظمة الانتخابيه ما يمزج النظامين معا” محاولة للحد من عيوب كل نظام على حده وأخرى تأخذ بنظام القائمة النسبية المفتوحة والتي تتيح للناخب أن يختار مرشحين بعينهم من قوائم حزبيه مختلفة دون التقيد بالقائمة بالكامل ويعيب على هذا النظام صعوبة الأخذ به في الدول التي لا تتبع نظام التصويت الالكتروني أو التي يكون معدل الأمية فيها مرتفع .

خلاصة القول انه لا يمكن القول بوجود نظام انتخابي أمثل يصلح لكافة المجتمعات ، وكل نظام له ما له وعليه ما عليه ولايمكن التعميم على أي حال ، فإذا ما يممنا الى الشطر الداخلي وجدنا أن مجتمعنا المصري والذي ظل ردحا” طويلا” من الزمان خاضعا” لسيطرة النظام الفردي والذي تتدخل فيه العصبيات القبليه وسطوة المال والنفوذ خاصة كلما ابتعدنا عن العاصمة ، أقول أن هذا المجتمع عانى بدوره تحت وطأة النظام المختلط بالمزج بين الفردي والقائمة في الانتخابات التشريعيه الأخيرة إذ وصل الى مقاعد البرلمان أشخاص دون مستوى التمثيل السياسي ولمجرد وضعهم على قوائم الأحزاب لملء القوائم الانتخابيه فضلا” عن تدخل قيادات تلك الأحزاب في من يوضع بالقوائم وترتيبهم بصورة مبالغ فيها ، وغني عن البيان أن حدائة التعددية الحزبيه الحقيقيه بمصر وعدم وضوح دور نائب البرلمان على وجه صحيح واختلاط دوره أحيانا” مع ممثلي الوحدات المحليه والخدمات الجماهيريه فضلا” عن مستوى الأمية المرتفع وخلط المفاهيم الدينيه بالسياسيه كل ذلك يجعل من الصعوبة بمكان تحديد النظام الانتخابي الأمثل، وفي رأيي فانه لابديل في الوقت الحالي على الأقل سوى الأخذ بالنظام الفردي أو المختلط الذي تظل فيه الأغلبيه للفردي مع زيادة التوعيه الجماهيريه سواء على مستوى الدولة أو الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني لتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الناخبين فضلا” عن مراقبة العملية الانتخابيه بصرامة بصورة تضمن خلوها من الرشاوى الانتخابيه أو التلاعب بالدين أو على الأقل الحد منهما بصورة جذريه .

بقلم المستشار محمد سمير رئيس النيابة الادارية و المحاضر الزائر بجامعات الولايات المتحدة الامريكية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .