لا ينصب الاثبات على مصادر الالتزام فحسب، بل يتناول التصرف القانوني والواقعة القانونية في مجموعها وفيما يترتب عليها من توليد جميع الاثار القانونية في كل نواحي القانون (1) لذلك تبرز أهمية التفرقة بين الوقائع القانونية والتصرفات القانونية، فهما مختلفان في الجوهر مما يقتضي ضرورة اختلافهما في وسائل الاثبات (2) ويقوم مذهب الاثبات المختلط على اساس هذا الاختلاف في وسائل الاثبات بالنسبة لكل من التصرف القانوني والواقعة القانونية، وندرس ذلك في المطلبين التاليين :

المطلب الأول : اثبات التصرفات القانونية :

التصرف القانوني، ارادة محضة متجهة الى انشاء حق او تغييره او زواله او انشاء اثر قانوني بوجه عام، فهذا يعني اناطة هذا الأثر بمسلك ارادي بقصد ترتيبه وهو ما يقتضي في الاصل امكان تهيئة واعداد دليل كتابي لكي يكون من بعد، وسيلة اثباته اذا حصلت المنازعة فيه (3). لذلك كان اثبات التصرفات القانونية، كقاعدة عامة، مقيدا لا يمكن معه للقاضي ان يرجح اي دليل حتى ولو كان مطمئنا شخصيا الى ان الدليل غير صحيح، وفكرة تهيئة الدليل سلفا فكرة حسنة، لان صاحب الحق عندما يجري تصرفا قانونيا يجب عليه ان يتوقع امكان نشوء نزاع في المستقبل بصدد هذا الحق ومن ثم يجب ان يتزود بالدليل. ويذكر ان الاصل في اثبات التصرف القانوني ان يكون بالكتابة، كقاعدة عامة، ترد على دليل كتابي لاثبات التصرف، ففي هذه الحالة يجوز اثبات التصرف القانوني بالشهادة او القرائن القضائية، فمذهب الاثبات المختلط يأخذ في اثبات التصرف القانوني بمذهب الاثبات المقيد، كقاعدة عامة، ولكن في حالات استثنائية يأخذ بمذهب الاثبات الحر، كما هو الحال بالنسبة للأجنبي عن التصرف القانوني، حيث يعد التصرف مجرد واقعة بالنسبة له، ويطبق عليها مذهب الاثبات الحر كالدائن يريد ان يثبت الصورية على مدينة او يثبت بالتالي ثمة ورقة تهدم التصرف الظاهر (4). كما ان التصرف القانوني الذي يقل عن خمسين ديناراً بالامكان قبول ادلة الاثبات كافة في اثباته.

المطلب الثاني : اثبات الوقائع القانونية :

تعني الواقعة القانونية بمعناها، حادث وقع بنشاط الإنسان او هو حادث مادي محض، اعد به القانون ليولد منه، بالنسبة الى شخص او اشخاص ضدهم او لمصلحتهم حالة قانونية اي مركزا قانونيا عاما دائماً او ليحدث على العكس اثرا قانونيا محدودا. وتشمل الواقعة القانونية، بهذا المعنى الواسع، التصرف القانوني اما بالمعنى الضيق فيقصد بالواقعة القانونية، حادث مادي محض كالميلاد والنبوة او اعمال يداخلها الاختيار في حدود متفاوتة، تولد مراكز او آثار قانونية، على اساس قاعدة في القانون، ولا يكون صاحب هذا الحادث او هذه الاعمال قد قصد مطلقا في مناسبتها ان يضع نفسه تحت سلطان القانون (5). فالواقعة القانونية هي واقعة مادية وليست ارادة كما هي الحال في التصرف القانوني، كالحيازة، فهي واقعة قانونية تكسب الحقوق العينية والموت واقعة قانونية تكسب الحقوق العينية كما في الميراث (6). والواقعة المادية يجوز اثباتها بطرق الاثبات كافة، وهذا ما تمليه الضرورات العملية، وان لم يرد بشأنها نص، لانه من المستحيل في الواقعة المادية تهيئة الدليل مقدما، فلا يمكن ان نطلب من المصاب في حادث دهس سيارة مثلا، ان يهيأ الدليل الكتابي ليتمسك به على السائق الذي دهسه، لان ذلك يجعل الاثبات مستحيل، ومن ثم وجب ان يكون اثبات الوقائع المادية جائزا بطرق الاثبات كافة، وان انتجت هذه الوقائع مركزا قانونيا، فاثبات الحيازة جائزة بكل طرق الاثبات ولو انتجت الحيازة، الملكية بالتقادم او احقية لثمرات العقار (7). وفي هذا المذهب يكون للقاضي دور سلبي وآخر دور ايجابي في الاثبات، ويبرز الدور السلبي في عدم امكان القاضي تغيير موضوع الطلب وهو النتيجة الاجتماعية والاقتصادية التي يهدف إليها المدعي في دعواه، كالمبلغ المطالب في دعاوى المسؤولية المدنية (8). فاذا غير القاضي موضوع الطلب فانه يخضع لرقابة التمييز لاخلاله بمبدأ سيادة الخصوم في الدعوى، ولا يمكن الافلات من هذه الرقابة تحت ستار تفسير لمذكرات الخصوم (9). وللقاضي الاستعانة في اثبات الواقعة بشهرتها العامة دون العلم الشخصي. وعلى هذا نصت المادة (8) من قانون الاثبات (ليس للقاضي ان يحكم بعلمه الشخصي الذي حصل عليه خارج المحكمة، ومع ذلك فله ان يأخذ بما يحصل عليه من العلم بالشؤون العامة المفروضة المام الكافة بها). اما الدور الايجابي للقاضي في مذهب الاثبات المختلط، فيظهر في اكماله ما نقص من أدلة الخصوم عندما يراها القاضي غير كافية، كأن يأمر بأكمال مبدأ الثبوت بالكتابة، بالشهادة او بالقرائن القضائية، وللقاضي اتخاذ ما يلزم من اجراءات الاثبات، كالزام الخصم بتقديم المستندات الموجودة تحت يده، وعلى هذا نصت المادة (9) من قانون الاثبات (للقاضي ان يأمر أيا من الخصوم بتقديم دليل الاثبات الذي بحوزته فان امتنع عن تقديمه جاز اعتبار امتناعه حجة عليه).

__________________

1-السنهوري. الوسيط. فقرة 7 ص7.

2-السنهوري. التصرف القانوني والواقعة القانونية. القاهرة. مطبعة البرلمان 1953 – 1954. ص3.

3-النداوي. دور الحاكم المدني ص 183.

4-حجازي. فقرة 15 / ب ص14.

5-السنهوري. التصرف القانوني والواقعة القانونية. ص65 -66 وهو يشير الى الفقيه الفرنسي بنكاز.

6-المصدر السابق ص 4-5.

7-العدوي. ص128.

8-الدكتور هشام علي صادق. مركز القانون الأجنبي، رسالة دكتوراه مقدمة الى جامعة الاسكندرية. 1968 ص32.

9-المصدر السابق ص36 – 37.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .