تنفيذ المرحلة الثانية من رسوم الأراضي البيضاء
عبد الحميد العمري

جاء إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء كأهم أدوات الإصلاح التي تمّ تطبيقها على السوق العقارية المحلية واستهدف الحد من احتكار واكتناز الأراضي ومنعها من الدخول في عجلة التنمية المستدامة والشاملة للبلاد والعباد، إضافةً إلى القضاء على تعاملات المضاربة المحمومة عليها، بهدف جني مكاسب طائلة من فرق الأسعار السوقية، والتحول بمعطيات السوق العقارية المحلية من تلك الأوضاع القائمة برمتها على تشوهاتٍ واسعة تأكدت أضرارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع، إلى نمطٍ آخر للسوق وأفضل يقوم على الدفع بالأراضي من مجرد أصلٍ يُكتنز أو تتم المضاربة عليه إلى الاستخدام والتطوير تلبية لاحتياجات الاقتصاد والمجتمع، وتحريرها من قبضة الاحتكار والمضاربة والمبالغات غير المقبولة على مستويات أسعارها التي تسببت في وجود مشكلة تنموية تمثلت في صعوبة وغلاء تملك الأراضي والمساكن لأغلب شرائح المجتمع، وما تسبب على أثر تلك النتائج العكسية من ارتفاعٍ مبالغ فيه لتكلفة الإيجارات، أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل وارتفاع تكلفة المعيشة دون وجود ما يبرر ذلك على أرضٍ صلبة.

إلا أنّ هذا الإقرار للنظام الأهم في تاريخ السوق العقارية المحلية خصوصاً، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني عموما خضع على مستوى تنفيذه على أرض الواقع لوتيرة اتسمت بالبطء الشديد لا تتوافق في سرعتها الأقرب إلى الثبات مع الأوضاع للمشكلات القائمة حتى تاريخه في السوق، ممثلةً من جانبٍ في استمرار تضخم أسعار مختلف الأصول العقارية، بل إنّ بعضها كعنصر الأراضي السكنية عاد إلى الارتفاع منذ مطلع العام الجاري، مسجلةً نمواً في متوسط أسعارها السوقية خلال النصف الأول من العام الجاري وصل إلى أعلى من 23.3 في المائة، وحسبما تظهر بقية مؤشرات أداء السوق العقارية وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة العدل، أصبحت متوسطات أسعار الأراضي السكنية قريبةً من مستوياتها في 2016.

حتى التاريخ الراهن اكتمل 39 شهراً منذ أول إعلان عن بدء تطبيق المرحلة الأولى من نظام رسوم الأراضي البيضاء في كلٍ من الرياض وجدة وحاضرة الدمام، وتشمل تلك المرحلة الأولى من النظام الرسوم وفقاً لما حددته اللائحة التنفيذية لرسوم الأراضي البيضاء: الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، الواقعة ضمن النطاق الذي تحدده وزارة الإسكان.

فيما تشمل المرحلة الثانية: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع.

بينما تشمل المرحلة الثالثة من مراحل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على خمسة آلاف متر مربع.

أخيراً تشمل المرحلة الرابعة: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. وحسبما ورد في النظام واللائحة التنفيذية؛ إذا لم تنطبق مرحلة معينة على أي من المدن، أو لم تكف الأراضي ضمن مرحلة معينة لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، فيجوز بقرار من وزير الإسكان تجاوز تلك المرحلة والانتقال إلى المرحلة التالية.

لا تقف إشكالية صعوبة تملك الأراضي والمساكن عند مجرد صعوبة الحصول على التمويل اللازم، بل تسبقها بأكثر من ذلك؛ إذ إن تضخم الأسعار السوقية غير المبرر، الذي نتج في أغلبه عن وجود تشوهات واسعة جداً في السوق العقارية -الاحتكار، المضاربة- يعد هذا التضخم هو أصل وجوهر المشكلة التنموية في سوق الإسكان، ولهذا جاء إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، للقضاء على التشوهات الكبيرة الذي سينتج عن القضاء عليه زوال النتائج التي نتجت عنها من تضخم هائل في مستويات الأسعار السوقية للأراضي والعقارات السكنية، إضافةً إلى التضخم الذي امتد إلى تكلفة الإيجارات سواءً على أفراد المجتمع، أو منشآت القطاع الخاص، الذي عكسه القطاع الخاص على أسعار سلعه وخدماته، وهو ما أفضى في نهاية الأمر إلى مزيدٍ من ارتفاع تكلفة المعيشة على عموم أفراد المجتمع.

وزاد الأمر تعقيداً منذ مطلع العام الجاري، أن في مقابل توقف تنفيذ بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، تدفق أكثر من 27 مليار ريال على السوق كقروض عقارية خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري، ووفقاً للمعدل الشهري لتلك القروض العقارية، يُقدّر أن تصل مع نهاية 2019 إلى نحو 65 مليار ريال، وبالعودة إلى ما حدث للأسعار السوقية للأراضي خلال النصف الأول من العام الجاري، بتسجيلها ارتفاعاً تجاوز 23.3 في المائة، فإنّه بكل تأكيد يتوقع أن تستمر أسعار الأراضي السكنية في تحقيق مزيد من الارتفاع، الذي سينعكس بكل تأكيدٍ على أسعار مختلف الوحدات السكنية، وسينعكس أيضاً على تكلفة تأجيرها لأفراد المجتمع وأسرهم، وسيمتد أيضاً إلى ارتفاع تكلفة الإيجارات على منشآت القطاع الخاص التي ستقوم على الفور بنقل ذلك الارتفاع في تكلفة التشغيل إلى أسعار بيع سلعها وخدماتها، والدخول في حلقةٍ مفرغة من تضخم تكلفة المعيشة.

اللافت هنا أن كل تلك التطورات على مستوى الأسعار تحدث اليوم في الوقت ذاته الذي لا توجد عوامل اقتصادية حقيقية تدعم أو تبرر ذلك الارتفاع في الأسعار، نتيجة لزيادة الشواغر من الوحدات السكنية، وانخفاض أعداد السكان من الوافدين، إنّما نجد أن عاملين رئيسين -ارتفاع القروض العقارية، توقف تنفيذ رسوم الأراضي- هما الأقوى تأثيراً خلال الفترة الراهنة داخل السوق العقارية.

هذا يقتضي بالضرورة القصوى، أن تبادر وزارة الإسكان بتنفيذ المرحلة الثانية من الرسوم على الأراضي البيضاء -التي تشمل الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع-، وإن اقتضت الضرورة أن تقرنها بتنفيذ المرحلة الثالثة -التي تشمل الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على خمسة آلاف متر مربع-، وأن تقوم بتوسيع دائرة تنفيذ النظام ليشمل مدنا أخرى غير المدن الأربع -الرياض، جدة، مكة المكرمة، حاضرة الدمام. والله ولي التوفيق.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت