ثبوت النسب بالزواج الصحيح في التشريع الجزائري

الفرع الأول : ثبوت نسب المولود عند قيام الزوجية :

لقد عرف المشرع الجزائري الزواج في المادة 4 من قانون الأسرة الجزائري بأنه “عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي ، من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و التعاون و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب “أما المادة 09 و 09 مكرر منه فقد نصتا على التوالي :

“ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين”

” يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية :

-أهلية الزواج

-الصداق

-الولي

-شاهدان

-انعدام الموانع الشرعية للزواج “

كما ونصت المادة 40 من نفس القانون على انه : “يثبت النسب بالزواج الصحيح……” و الزواج الصحيح هو الذي تتوافر فيه أركان الانعقاد و شروط الصحة .

و تنص المادة 36 من قانون الآسرة الجزائري : ” يجب على الزوجين : المحافظة على الروابط الزوجية و واجبات الحياة المشتركة…….”

فمن زاوية القانون يعتبر النسب من أهم الحقوق التي تثبت للمولود لهذا حرمت الشريعة الإسلامية و بعدها المشرع الجزائري الزنا و ابن الزنا يعد ولدا غير شرعيا لا يكتسب نسب والده ،و المشرع حفاظا على كرامة الطفل ،أكد إلحاق الولد بابيه كل ما أمكن ذلك لان الأصل عنده نسبة الولد إلى فراش الزوجية و سار القضاء في نفس الاتجاه حيث جاء في قرار للمحكمة العليا انه “من المقرر قانونا ان يثبت النسب بالزواج الصحيح و ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا…..” لكن و بالرغم من الوسائل المتعددة لإثبات النسب فالمشرع أجاز للزوج نفي النسب بالطرق المشروعة(المادة41) و لهذا فان ثبوت النسب بالزواج الصحيح يتطلب مجموعة من الشروط .

شروط ثبوت النسب بالزواج الصحيح

**ولادة الولد بين اقل و أقصى مدة الحمل :

يحتاج الجنين إلى البقاء في بطن أمه مدة يتكون فيها بناؤه و يكمل خلقه وتتم أعضاءه حتى يخرج إلى الحياة بشرا سويا ،و من المعلوم أن النساء يلدن(09) أشهر و غالبا ما تنقص امرأة عن ذلك و نادرا ما تزيد . و ما استقر عليه المشرع الجزائري أن أدنى مدة الحمل هي ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر،و هذا ما جاء به في قانون الأسرة، حيث نصت المادة 42 منه على أن: “اقل مدة حمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر” و هذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في قرارتها حيث جاء قرار صادر عن غرفة الأحوال الشخصية في 19/05/98 ملف رقم 193825 انه : ” من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل و من المقرر قانونا ان اقل مدة الحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر….”.

– اقل مدة الحمل 06 أشهر دليل ذلك آيتين كريمتين من القران الكريم ففي سورة الاحقاف (الاية 15) قال الله تعالى “و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ،حملته أمه كرها،ووضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهرا…..”

و في سورة لقمان الآية(14) قال تعالى : “ووصينا الإنسان بوالديه،حملته أمه وهنا على وهن، و فصاله في عامين…..” فمن هاتين الآيتين الكريمتين يثبت أن مدة الحمل و الرضاع ثلاثون شهرا فإذا أسقطنا منها مدة الرضاع عامين أي أربعة و عشرين شهرا بقيت مدة ستة أشهر، و هي اقل مدة الحمل و هذه المدة الأقل جاءت الأبحاث الطبية الحديثة تؤيدها و تؤكد إن المولود الذي تضعه أمه بعد حمل ستة أشهر قابل للحياة شانه شان أي مولود آخر يولد بعد حمل ستة أشهر

– أقصى مدة الحمل : أما هذه الأخيرة فقد اختلف فيها الأئمة و لهم في ذلك قولان

القول الأول : هو لابو حنيفة ، وحاصله أن أكثر مدة الحمل سنتان ، و سنده في ذلك حديث روي عن عائشة رضي الله عنها “ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل”

القول الثاني : وهو قول الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي و ابن حنبل و حاصله في ذلك ما رواه الدار القطني عن مالك بن انس انه كان يقول: “هذه جارتنا امرأة محمد ابن عجلان امرأة صدق و زوجها رجل صدق حملت 3 أبطن في اثنتي عشر سنة ، كل بطن في أربعة سنين”.

لكن كلها أقوال متباينة و متباعدة لم يرد عليها نص لا في القران الكريم و لا في السنة النبوية ، بينما المشرع الجزائري حددها بعشرة أشهر كما جاء به في المادة 42 المذكورة سابقا.

أما عن بداية حساب اقل و أقصى مدتي الحمل تكون من تاريخ توافر عقد الزواج الصحيح و إمكانية الاتصال بين الزوجين فلا يمكن الاعتداد بتاريخ إبرام عقد الزواج فقط.

* و بعد الحمل: تأتي الولادة و السبب لا ينظر في ثبوته إلا بعد تحقق الولادة و تعيين المولود ،لكن الحمل بهذا المفهوم (الإنجاب الطبيعي) اخذ أبعادا أخرى في وقتنا المعاصر،فلما كانت الأمومة و الأبوة أمر فطري في الإنسان واجه العلم مشكل العقم حيث توصل إلى إيجاد حل بديل عن الإنجاب الطبيعي فظهرت تقنية التلقيح الاصطناعي إلا أن هذا الأخير قد احدث تساؤلات و استفسارات عن سبب الأطفال المولودين بهذه الكيفية بالنظر إلى أحكام النسب المحددة شرعا و قانونا. مما جعل المشرع ينص في قانون الأسرة الجديد إلى جوازية اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي بموجب المادة 45 مكرر و لكنه اعتمد شروطا ضرورية أولها انه لا يمكن اللجوء للتلقيح الاصطناعي إلا في إطار عقد زواج شرعي و الذي يعطي العملية أساسها القانوني.

** ثبوت النسب بواسطة التلقيح الإصطناعي :

أمام تعدد طرق حمل المرأة بعدما كان الإنجاب ينحصر في مفهومه الطبيعي فقط ظهر الإنجاب الاصطناعي و حمل المرأة بواسطة التلقيح الاصطناعي،هذا بالإظافة الى إرتفاع عدد الراغبين في عملية التلقيح خاصة التلقيح خارج الرحم فمع هذا الانقلاب العلمي و الاجتماعي وضع المشرع الجزائري ايطار قانوني و ضوابط من شانها تنظيم اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي بشكل يجعلها تتماشى و أحكام الشريعة الإسلامية و تحريم أية علمية تستدعي تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية ، هذا و قد كرس المشرع الجزائري في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة الجديد حق اللجوء إلى

التلقيح الاصطناعي باعتباره احدث الوسائل العلمية للإنجاب مؤكدا على انه لا يمكن اللجوء إليه إلا في ايطار وجود عقد زواج الذي يعطي الأساس القانوني للعملية و منع اللجوء للأم البديلة ، هذا كله باعتبار أن هذه الحالة هي من مستجدات العصر و من أمهات مسائل الفقه الجديدة و قد اعتمدت معايير و حددت شروط لا تتعارض مع أحكام الشرع و لا الطب.

**عدم نفي الولد بالطرق المشروعة :

المشرع الجزائري لم يورد عبارة اللعان صراحة في المادة 41 من قانون الأسرة غير أن عبارة اللعان وردت في المادة 138 من نفس القانون :”يمنع من الإرث اللعان و الرد”. فيستخلص من عموم عبارة “لم ينفه بالطرق المشروعة” انه رغم الحالات التي ذكرت في المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري لثبوت النسب إلا أن المشرع أجاز للزوج نفيه بالطرق المشروعة فطبقا للقواعد و الأحكام الشرعية العامة ،حين يظهر حمل الزوجة و تبين للزوج أنه زنى زوجته ،يحق له أن يدعي أن هذا الحمل ليس منه ،أما إذا مضى وقت طويل نسبيا بعد الحمل أوالوضع فانه لا يقبل منه نفي نسبه،وعلى هذه المبادئ سار القضاء الجزائري في أحكامه ،وقد جاء في قرار للمحكمة العليا:”اللعان لا يتم أمام المحاكم بل مكانه المسجد العتيق ولا يصبح من غيره ولا يصبح في غيره من المساجد ،وفي أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل الذي يراد نفيه” هذا ما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا ،مع أن الإمام مالك رضي الله عنه ،فقد حدد بيوم واحد من يوم العلم و الإسقاط الحق في المطالبة باللعان سواء لرؤية أو لنفي الحمل.

أما عن كيفية إجراء الملاعنة بين الزوجين فانه إذا تبين للزوج احتمال خيانة زوجته له و يريد نفي المولود الذي أتت به بين أدنى و أقصى مدة الحمل أثناء قيام الزوجية فليس له إلا أن يرفع دعوى اللعان أمام المحكمة وبعد تعيين جلسة سرية يحضرها الزوج و الزوجة ويعرض كل منهما حججه و ادعاءاته وإذا أصر الزوج على اتهام الزوجة بالزنا فان القاضي يأمره بالملاعنة وهي أن يحلف ويقول أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به ويكرر هذا أربع وفي الخامسة يقول أن لعنة عليه أن كان من الكاذبين ،ثم يأمر الزوجة بعد ذلك أن تحلف و تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين وتكررها أربع مرات وفي المرة الخامسة تقول :”أنه غضب الله عليها إن كان من الصادقين” و بعد الانتهاء من هذه الصيغة الشرعية يثبت القاضي ذلك في حكمه ويقرر التفريق بينهما حالا بطلقة بائنة.