أســبـــاب إلـغــــــــاء القــــــرارات الإداريــــــة

في دعوى الإلغاء يقوم القاضي- بداية- بالتأكّد من توافر شروط دعوى الإلغاء في المنازعة المطروحة أمامه، من حيث (القرار المطعون فيه بالإلغاء، ووجود مصلحة لرافع الدعوى، وميعاد رفع الدعوى)، ويقوم على إثر ذلك باستبعاد كلّ دفع بعدم القبول، فإنه بعد ذلك يدخل في المرحلة الأخيرة- وهى مرحلة هامّة- حيث إنه يدخل في موضوع النزاع، وذلك للقيام بالفصل في الدعوى: إما بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه إذا ما توافرت لديه الأدلة واليقين من عدم مشروعيته، وإما بالحكم برفض الدعوى إذا اطمأن إلى صحّة القرار ومشروعيته.

فمهمّة القاضي الإداري- في هذا الشأن، وفي هذه المرحلة- تتركّز في البحث في مشروعية أو عدم مشروعية القرار المطعون فيه، فإذا ما تبيّن لقاضي الموضوع أن هذا القرار قد أصابه أي من العيوب التي تعيب القرارات الإدارية، فإنه يحكم بإلغائه لعدم توافر مشروعيته، وعلى العكس من ذلك فإنه يرفض الدعوى إذا ما اطمأن- حسب وجدانه- إلى خلو القرار من أي عيب.

إلا أنه من المسلّم به، أن الأصل في القرارات الإدارية أنها تصدر صحيحة ومشروعة طبقًا للقانون وأنها خالية من أى عيب، إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس.

وأنه في هذه الحالة، فإن عبء الإثبات يقع على عاتق رافع الدعوى، حيث إن عليه أن يثبت ويقدّم القرينة على أن القرار الإداري قد أصابه عيب من العيوب التي تصيبه بعدم المشروعية، لذا فهو يتحمّل عبء كشف أوجه عدم المشروعية التي أصابت القرار الإداري.

وأثناء بحث القاضي في مشروعية القرار المطعون فيه قد يكتشف هذا القاضي عيبًا آخر، غير الذي قدّمه رافع دعوى الإلغاء، فإن القاضي هنا أن يقوم- من تلقاء نفسه- بإثارة هذا العيب إذا كان متعلقًا بالنظام العام، مثلما هو الشأن بالنسبة لعيب الاختصاص. ومِن ثمّ يقوم القاضي بترتيب النتائج القانونية المترتّبة عليه في حكمه الذي يصدر في الموضوع.

ولعله من الجدير بالذكر أن نشير هنا إلى أن مناط تقرير القاضي عن مشروعية أو عدم مشروعية القرار هو وقت صدوره، بصرف النظر عن تعديل أو استيفاء الإجراءات اللازمة بعد ذلك، فإن المعوّل عليه في هذا الشأن هو وقت صدور القرار، وعدم الاعتداد بأي تاريخ آخر سابق أو لاحق عليه، وإيضاحًا لذلك: فإنه لو صدر القرار الإداري من جهة غير مختصّة أو كان القرار معيبًا من حيث الشكل والإجراءات فإنه يكون قد صدر معيبًا ويستحق الإلغاء.

فلو تدخّل المشرّع- بعد ذلك- بتعديل القانون من حيث جعْل الجهة غير المختصّة- والتي أصدرت القرار- فجعلها مختصة، أو جعل الأشكال والإجراءات الغير كافية لإصدار القرار كافية بعد ذلك، فإن مثل تلك التعديلات لا تنال من عدم مشروعية القرار، ولا تؤثّر على القرار الإداري إطلاقًا، ولا تحوّله من قرار غير مشروع إلى قرار مشروع، لأن الأصل في ذلك- وكما سبق- هو أن العبرة بتوقيت إصدار القرار وليس بما يحدث من تعديلات عقب ذلك.

وإذا كان هذا هو الأصل العام، فإننا ننوّه هنا، إلى أن هذا الأمر يتعلّق بسريان هذه القاعدة على القوانين التي تُعتبر نافذة بعد صدورها، وهذا هو ما يحدث في غالب الأحوال، أما لو صدرت القوانين المعدّلة للاختصاص والإجراءات بأثر رجعي، فإن الأمر هنا يصبح مختلفًا، إذ قد يؤدّي ذلك إلى بطلان قرار إداري كان صحيحًا عند إصداره.

ويجدر بنا هنا أن نذكر أن أسباب إلغاء القرارات الإدارية ترجع- في البداية- إلى قضاء مجلس الدولة الفرنسي، حيث بدأت هذه الأسباب تدريجيًا، وبدأت في التطوّر نتيجة لتطوّرات تاريخية بدأت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وكان أول العيوب التي تعيب القرار الإداري وتجعله عرضة للطعن، كان هو عيب الاختصاص، ومِن ثمّ تلاه- بعد ذلك- عيب الشكل.. وأعقب ذلك عيب الانحراف بالسلطة، الذي يحدّ ويقيّد من تصرّفات السلطة الإدارية، ويجعل مناط تصرّفها هو المصلحة العامة… ثمّ تتابعت- بعد ذلك- أسباب الإلغاء، حيث ظهر عيب السبب «مخالفة القانون».

ومِن هنا يتّضح لنا أن أسباب الإلغاء قد ظهرت بالتدريج في قضاء مجلس الدولة الفرنسي وتحدّدت في أربعة أسباب هي:

– عدم الاختصاص

– عيب الشكل

– الانحراف في السلطة

– عيب مخالفة القانون «عيب السبب»

غير أنه قد واجه هذا التقسيم عدّة انتقادات، لعلّ أهمها كان هو المقصود بعيب مخالفة القانون، لأن عيب «مخالفة القانون» يشمل- في الحقيقة- باقي العيوب، ولأن أي عيب من هذه العيوب هو- في الحقيقة- يرجع إلى مخالفة القانون، ولقد ترتّب على هذه الانتقادات أن ظهرت عدّة تقسيمات أخرى خاصة بعيوب القرار الإداري.

أما في منطقتنا العربية، وخاصّة في قضاء مجلس الدولة المصري، فنجد أن أسباب الإلغاء قد نشأت نتيجة لتدخّل المشرّع، والذي حدّد- بدوره- العيوب التي تصيب القرار الإداري، ولم تكن هذه العيوب نتيجة لتطوّرات تاريخية، بل كان تدخّل المشرّع في هذا الشأن حاسمًا.

ونشير هنا إلى أن القرار الإداري إذا ما أصابه أي عيب من العيوب وهي: (عدم الاختصاص، الشكل، السبب، الانحراف بالسلطة) فإن ذلك يجعل القرار عرضة للطعن بالإلغاء.

إلا إننا- وفي الختام- نوضّح أن أسباب أو عيوب إلغاء القرار الإداري، والتي قد تؤدّي إلى إلغائه، كثيرًا ما تتداخل مع بعضها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت