الفساد الإداري والمالي

يحتل موضوع الفساد الإداري والمالي – بما له من آثار سلبية على المال العام- حيزاً كبيراً وأهمية متزايدة في الحسابات القانونية والاقتصادية والاجتماعية المعتمدة في بناء الكيان العام للدولة. وقد تجسد هذا الاهتمام من خلال ما تضمنته القوانين الجزائية والمدنية للكثير من القواعد التي تكفل حماية المال العام من آثار الفساد بصورة فاعلة، وتطورت هذه القواعد بما ينسجم ويتلاءم مع المستجدات المتوقعة وغير المتوقعة كافة.

والمال العام وحسبما أورده المشرع العراقي في المادة (71) من القانون المدني ” يعتبر أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة أو بمقتضى القانون”.
أما الفساد فيعرف لغة بأنه حالة تعفن أو انحراف أو قبح وتلف تدريجي. اما اصطلاحاً فان الفساد يعرف ” الخروج عن القانون والنظام واستغلال المال من اجل تحقيق مصالح. وعلى الرغم من كل ما سنته الدول من تشريعات مدنية وجزائية، فضلاً عن ما موجود من قواعد وأنظمة وتشريعات وضوابط في الجانب المالي والاداري والاقتصادي والمحاسبي والرقابي، الا اننا نلمس وبوضوح استشراء حالة الفساد في الدول الغنية والفقيرة الغربية والشرقية، كما انها تنتشر في المجتمعات بغض النظر عن الديانة السائدة فيها. ودرجة الفساد ليست واحدة في كل الدول، مهما كان متوسط دخل الفرد فيها، أو مهما كان الدين الذي تتمسك به.

ان علة الفساد الأساسية تؤدي الى تلف تدريجي أو تعفن لكل جسم يطاله سواء أكان الجسم مادياً أو معنوياً كالدول والبلديات والمؤسسات والشركات. والفساد البنيوي يضم الفساد الكبير والفساد الصغير، والأول يمارسه افراد وشرائح من السلطة الحاكمة، أما الثاني فتمارسه مجموعات من الموظفين والمستخدمين المولجين بالخدمات العامة، بحيث تمتنع هذه المجموعات عن أداء الخدمة المقررة قانوناً من دون تقاضي الرشوة، والفساد الصغير ضرورة لتمرير الفساد الكبير.
ان الفساد الإداري والمالي أضحى موضع اهتمام الكثير من الباحثين لانتشاره بصورة واضحة تلفت النظر، وهذا أمر يعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدرجة خطيرة، اذ يؤدي الفساد الاداري والمالي المتمثل بــ (الرشوة والاختلاس وسرقة المال العام والمحاباة واساءة استخدام نفوذ الوظيفة وتبديد المال العام) الذي ينبغي ان تستخدمه السلطة الإدارية لتنفيذ فعالياتها وانشطتها المختلفة الهادفة الى تحقيق الصالح العام.

ان الأموال العامة لما لها من مكانة مهمة في بنية الدولة، ودور فاعل مؤثر في نشاطاتها حظيت باهتمام كبير من المشرع الدستوري العراقي والعربي والأجنبي، اذ نصت المادة (27) من الدستور العراقي لسنة 2005 (أولاً. للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن. ثانياً. تنظم بقانون، الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وادارتها وشروط التصرف فيها، والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال).

فالدولة هي المالك للمال العام، والقانون ينظم الأحكام القانونية الخاصة بحفظ الأموال العامة وحمايتها، والقروض لاتعقد الا بموجب قانون حماية المال العام، كما ان الحماية القانونية المقررة للأموال العامة هي حماية قانونية خاصة تتناسب مع طبيعتها كونها مخصصة للنفع العام، وتتمثل هذه الحماية بمظهرين أساسيين، هما الحماية المدنية ويراد بها القواعد والأحكام التي تضمنها القانون المدني لحماية المال العام تحقيقاً للمنفعة العامة التي خصص لها، ومنها عدم جواز الحجز على المال العام، وعدم جواز تملكه بالتقادم، وعدم جواز التصرف به.
اما الحماية الجزائية فيراد بها، القواعد والأحكام القانونية التي تضمنها قانون العقوبات او القوانين والأنظمة الأخرى، التي تجرم اي فعل او اعتداء يطال المال العام، ويركز مشرع قانون العقوبات على حماية المال العام من أي اعتداء واضرار به، ويعد ذلك جريمة يحاسب عليها قانوناً، وذلك لضمان استمرار المال العام في تحقيق المنفعة العامة.
كما عاقب مشرع قانون العقوبات الموظف او المكلف بالخدمة العامة الذي يتسبب بخطئه في الحاق ضرر جسيم بمال تقضي واجبات وظيفته المحافظة عليه، كذلك يعاقب الموظف او المكلف بالخدمة العامة اذا قام باختلاس مال وضع في حيازته بسبب الوظيفة، او استولى على هذا المال العام مستغلاً نفوذ وظيفته او سلطته.

وختاماً فان للفساد آثاراً خطيرة على المال العام، ويتخذ هذا الفساد صوراً مختلفة منها الرشوة والاختلاس والابتزاز وسرقة المال العام والمحسوبية والمحاباة، ولقد أصبح موضع اهتمام كبير من قبل الباحثين والحكومات والهيئات الدولية بسبب انتشاره وتفشيه بصورة واضحة تلفت النظر وهذا أمر خطير يؤدي الى تدني واضمحلال القيم الأخلاقية وفساد الذمم، وهو أمر يعوق ويعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدرجة خطيرة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت