التقنين التشريعي للمبادئ القضائية

بقلم الدكتور/ محمد برسيم

تصدر المحاكم العليا في شتي الدول العربية كل يوم العديد من الأحكام والمبادئ القضائية متضمنة تفسيرا للقوانين السارية وضبطا لما تضمنته من قواعد وأحكام قانونية ، وأضحي متعينا علي رجل القانون الرجوع إلي هذه الأحكام والمبــــادئ قــــبل تطبيق أي نص ، وإزاء القوة القانونية التي تتمتع بها الأحكام والمبادئ القانونية فقد اتجه بعض المشرعين صوب تقنين هذه المبادئ القضائية ، وذلك من خلال دمجها في مواد القوانين القائمة .

ويثور الخلاف في الرأي حول مدي ملائمة هذا المنحي تشريعيا علي النحو التالي :

الرأي الأول : عدم ملائمة التقنين التشريعي للمبادئ القضائية

يري أنه ليس من السائغ تشريعيا صوغ المبادئ التشريعية في مواد تشريعية أو وضعها في نصوص قانونية فهي بطبيعتها القضائية تنأي عن أن تفرغ في قوالــــب تشريعية جامدة ، وذلك لأن المبادئ القضائية هي نتاج اجتهاد قضائي يقوم علي معطيات وعناصر قانونية معينة ، ويستند إلي رؤية قانونية للنصوص ، وهذا الاجتهاد قد يتغير من مرحلة زمنية إلي أخري ، ولذلك يجوز أن تعدل المحاكم العليا عما تضعها من مبادئ قضائية.

كما أن صوغ المبادئ القضائية في نصوص تشريعية – ولو كانت مستقرة لفترات زمنية طويلة – يؤدي إلي جمود هذه المبادئ ويخرجها عن مضمونها التي وضعت من أجله وخاصة أن تعديل التصوص التشريعية يستخرج وقتا زمنيا يطول عن الوقت الذي يقتضيه تعديل هذه المبادئ.

الرأي الثاني: ملائمة التقنين التشريعي للمبادئ القضائية 

ويتبني هذا الرأي فكرة تقنين المبادئ القضائية ووضعها في نصوص تشريعية لسهولة الاطلاع عليها والعلم بها ، فضلاً عن عدم مباغتة الناس بمبادئ قضائية لا يعلمون عنها شيئا ، وخاصة أن بعض المبادئ القضائية تتضمن شروطاً أو قيوداً لا تتضمنها النصوص التشريعية وقد يتفاجأ المتقاضون بها في المحاكم ، فضلا عن أن ارتداء هذه المبادئ ثوب التشريع يضفي عليها قوة قانونية أكبر من حيث إلزام المحاكم الأدني .

وأري أن كلا الرأيين له وجاهته ، وأن المسألة تدخل في نطاق المواءمات التشريعية ، وتعتمد علي مدي رسوخ المبدأ القضائي وتطبيق المحاكم له.