يقصد بقوانين التقادم، تلك القوانين التي تبين المدة اللازمة لانقضاء الدعوى العامة أو لسقوط العقوبة وعدم تنفيذها. فقد يصدر قانون جديد يغير المدة اللازمة لسقوط الحق في إقامة الدعوى العامة او لسقوط العقوبة سواء بالتقصير او التطويل فهل يطبق هذا القانون على الأفعال والاحكام السابقة لصدوره وبالتالي يخضع لمبدأ رجعية القانون على الماضي كالقوانين الشكلية ام انه يخضع لمبدأ عدم الرجعية؟

مما لاشك فيه انه اذا كان المتهم قد أتم المدة المسقطة للدعوى العامة او العقوبة قبل صدور القانون الجديد، فان هذا القانون لا يطبق عليها، لان المتهم في هذه الحالة قد اكتسب حقا لا يجوز المساس به. غير ان المسالة موضوع البحث هي حالة ان يصدر قانون جديد قبل تمام المدة المسقطة للدعوى العامة او المسقطة للعقوبة يغير من هذه المدة حسبما جاءت في القانون القديم سواء بالتقصير او بالتطويل فهل يطبق القانون الجديد اخذا بمبدأ رجعية القانون الخاص بالتقادم على الماضي ام يطبق القانون القديم اخذا بمبدأ عدم الرجية؟

لقد اختلف الكتاب بصدد الاجابة عن هذا السؤال، بسبب عدم اتفاقهم في تكييف طبيعة قوانين التقادم ما اذا كانت موضوعية ام شكلية :

فذهب بعض الكتاب الى وجوب تطبيق القانون الذي كان سائدا وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بانقضاء الدعوى العامة او وقت الحكم فيما يتعلق بسقوط العقوبة. وحجتهم هي ان هذا القانون هو الذي عولت عليه النيابة العامة – الادعاء العام- في احتساب المدة المقررة لاتخاذ الاجراءات او تنفيذ العقوبة، كما انه هو الذي قدر المتهم على اساسه فرض اتخاذ الاجراءات هذه.ويؤخذ على هذا الراي ان اساسه غير سليم لان التقادم في الأمور الجزائية، لم يقرر لمصلحة المتهمين انما للمصلحة العامة. وبالتالي فان قواعده تتعلق بالنظام العام.

وذهب آخرون الى وجوب العمل بالقوانين معا، القديم الجديد بان ينقص من المدة المقررة بحسب القانون الجديد بنسبة ما انقضى من المدة بحسب القانون القديم. فاذا كان قد مضى مثلا نصف المدة وفقا للقانون القديم اسقط من المدة الجديدة في القانون الجديد مقدار نصفها. ويؤخذ على هذا الراي انه لا يطبق أي من القانونين انما يخلق قانونا ثالثاً ويطبقه.

وذهب فريق ثالث، الى ان قواعد مضي المدة هي قواعد موضوعية، لذلك يجب بالنسبة لها الأخذ بنفس المبدأ المتبع في القوانين الموضوعية. وهو أن يعمل بالقانون الاصلح للمتهم. وبالتالي لا يطبق القانون الجديد الا اذا كان اصلح للمتهم. ويؤخذ عليه ان ينكر ان احكام التقادم مقررة للمصلحة العامة.

وذهب فريق رابع ان التقادم انما قررت للمصلحة العامة ولذلك هي كالقوانين الشكلية يجب ان تخضع لمبدأ رجعية القوانين على الماضي ليحكم جميع الجرائم والاحكام حتى ما وقع او صدر منها قبل نفاذه بشرط الا تكون مدة التقادم قد تمت قبل صدور القانون الجديد. وقد أخذت بهذا الراي محكمة التمييز الفرنسية كما ايده جانب من الفقه السوفيتي وجانب من الفقه العراقي والمصري (1). وهو الرأي الذي نرجحه. ومما لا بد من ذكره ان قانون العقوبات العراقي لا يعرف نظام التقادم، ولذلك لا محل لتطبيق هذه الاحكام عندنا في العراق.

_________________________

1-انظر في تفصيل ذلك مؤلفنا الوسيط ص149 وما بعدها – دومانوف، دراسة في قانون العقوبات السوفييتي، الجزل الأول، ص240 – الاستاذ / عبد الامير العكيلي، أصول الاجراءات الجنائية في أصول المحاكمات الجزائية، الجزل الأول ص27 – السيد محمود إبراهيم إسماعيل شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات، ص179 – بينما يرى الدكتور / سامي النصراوي، والدكتور عمر السعيد رمضان، والدكتور رمسيس بهنام ان القواعد التي تنظم التقادم هي قواعد موضوعية تخضع للقواعد العامة من حيث عدم رجعيتها على الماضي الا اذا كانت اصلح للمتهم، انظر الدكتور سامي النصراوي، المرجع السابق، ص61، الدكتور رمسيس بهنام المرجع السابق ص293 – الدكتور عمر سعيد رمضان، مبادئ الاجراءات الجنائية ص11.

المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .