غرامة التأخير جزاء يؤرق المقاولين في عقود المقاولات العامة
د. محمد عرفة
من المعلوم أن عقود المقاولات تلعب دوراً مهماً في عملية التنمية الاقتصادية في السعودية، باعتبارها إحدى الوسائل التي تحقق أهدافها، من خلال إنشاء المرافق العامة، وتلبية احتياجاتها، وتدعيم القطاع الخاص. ومن المعلوم أن هذه العقود تأخذ فيما يتعلق بالمشاريع العامة شكل العقد الإداري الذي يخضع لقواعد القانون الإداري، وخاصة نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/58 ) وتاريخ 4/9/1427هـ، ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (362) وتاريخ 20/2/1428هـ .

وينشئ هذا العقد الإداري مثل أي عقد، نوعين من الالتزامات على عاتق كل من طرفيه وهما الجهة الحكومية صاحبة المشروع من ناحية، والمقاول المتعاقد معها من ناحية أخرى؛ كما ينشئ حقوقاً متقابلة لطرفيه، وهذه الحقوق تعد في الواقع مقابلا لتلك الالتزامات التي أنشأها العقد على عاتق كل طرف. والأصل أن يلتزم كل طرف أن ينفذ تعهداته والتزاماته طبقاً لمبدأ حُسن النية في تنفيذ العقود.

ومن أهم ما يُميز تلك العقود الإدارية عن غيرها من العقود أن الجهة الإدارية تتمتع فيها بامتيازات خاصة، وذلك بالنظر إلى أنها تستهدف من إبرام العقد وتنفيذه تلبية احتياجات المرفق العام وتسييره بما يحقق المصلحة العامة، ومن أهم تلك الامتيازات ما تمارسه الجهة الحكومية من سلطات وصلاحيات على المقاول المتعاقد معها تتمثل في الرقابة والتوجيه خلال فترة تنفيذ العقد؛ كما أنها تملك صلاحيات تعديل بنود العقد؛ بل تملك فضلاً عن ذلك توقيع جزاءات مختلفة على المقاول المتعاقد معها، وذلك بهدف ضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد، وعدم تعطيل الخدمة العامة التي يقدمها. ومن أهم تلك الجزاءات التي يرد النص عليها في العقود الإدارية عادة ومنها عقود المقاولات العامة ما يعرف بغرامة التأخير، من الملاحظ أن هناك العديد من المنازعات القضائية التي تُثار لدى الدوائر التجارية في ديوان المظالم السعودي، ويكون موضوعها غرامة التأخير التي تقوم الجهة الحكومية بحسمها من الضمانات التي قدمها المقاول المتعاقد معها؛ حيث يدفع المقاول عادة أن سبب التأخير المنسوب إليه لم يكن له يد فيه، بل كان نتيجة تأخر الجهة الإدارية ذاتها في تسليم الموقع للمقاول أو نتيجة تأخر تلك الجهة الإدارية في صرف مستحقاته لديها والتي يستحقها على فترات زمنية خلال فترة تنفيذ المشروع موضوع العقد. وينظر قضاء ديوان المظالم السعودي كل حالة على حدة، ويحدد ما إذا كانت الدفوع التي يدفع بها المقاول مقبولة أم لا؟ وبالنظر إلى أهمية غرامة التأخير في تحقيق الفاعلية في تنفيذ عقود المشروعات العامة، ومن ثم تحقيق المصلحة العامة، فإننا سنوضح المقصود بغرامة التأخير، وطبيعتها القانونية.

يقصد بغرامة التأخير إحدى الوسائل المهمة والأساسية التي تلجأ إليها الجهة الإدارية لإلزام المقاول المتعاقد معها بإنجاز الأعمال موضوع عقد المقاولة في أسرع وقت ممكن طبقاُ لما نص عليه العقد؛ ذلك أن الإدارة عندما تتعاقد لإنشاء مرفق عام فإنها تأخذ في اعتبارها جيداً عنصر الوقت اللازم لإنجاز المشروع وتعول عليه في خططها واستراتيجياتها. ولهذا فإنها تحرص على أن يتضمن العقد بنداً أو بنوداً تحدد بدقة الوقت الذي يتم فيه تنفيذ المشروع والجزاء الذي يترتب على المقاول في حال عدم تنفيذه في هذا الوقت المحدد؛ بحيث إن أي تأخير في إنجاز المشروع يترتب عليه ضرر للجهة الإدارية، وهو ضرر مفترض. فمجرد تأخر المقاول عن تنفيذ العقد في الوقت المحدد يجعل للجهة الإدارية الحق في أن توقع عليه غرامة التأخير الواردة بالعقد؛ بل إنها تملك أن تقوم باستقطاع هذه الغرامة فوراً وتلقائياً من مستحقات المقاول لديها والمتمثلة في الضمانات التي قدمها لتلك الجهة الإدارية عند بداية تعاقده معها؛

كما أن بعض القوانين تعطي للجهة الإدارية الحق في أن تقوم بتحصيل الغرامة من مستحقات المقاول المتعاقد لدى أية جهة إدارية أخرى دون أن تلتزم بضرورة إعذاره قبل حسم مبلغ غرامة التأخير، ودون أن تلتزم بإثبات أنها أصيبت بضرر جراء تأخر المقاول في تنفيذ التزاماته، ودون أن تنظر صدور حكم قضائي يثبت واقعة التأخير هذه، ويتم تنفيذه. وبذلك تعد غرامة التأخير جزاءً يؤرق المقاولين في عقود المقاولات العامة. أما من حيث طبيعتها القانونية فيمكن القول إن غرامة التأخير تعد تعويضاً جزافياً منصوصاً عليه في عقد المقاولة العامة، وهذا التعويض الجزافي يتوقف على طبيعة العقد وليس على مجرد التخمين والمجازفة، ولهذا فإن تلك الغرامة تتناسب تناسباً طردياً مع قيمة عقد المقاولة، ومن ثم فهي تعد أداة من أدوات تحقيق العدالة التعاقدية بين الجهة الإدارية والمتعاقد معها؛ حيث يراعى في قيمتها طبيعة العقد وكمية الأعمال التي تأخر المقاول في تنفيذها.

ويترتب على اعتبارها تعويضاً جزافياً أن الجهة الإدارية لا تستطيع مطالبة المقاول المتعاقد معها بتعويض يزيد على مقدار الغرامة، حتى لو كان الضرر الذي أصابها فعلاً يتجاوز التعويض الجزافي المنصوص عليه في العقد. بمعنى أن غرامة التأخير تتقرر في عقد المقاولة كسقف نهائي أو كحد أقصى للتعويض الذي تطلبه الجهة الإدارية من المقاول المتعاقد معها بسبب التأخير في تنفيذ الأعمال موضوع العقد؛ كما أن تلك الجهة الإدارية لا تلتزم بإثبات الضرر الذي لحقها من جراء تقصير المتعاقد في تنفيذ التزاماته، ولا تلتزم بتحديد مقدار هذا الضرر. وسنواصل توضيح أحكام غرامة التأخير وضوابطها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت